إن أي اعتداء يقع على الإنسان أو ممتلكاته ينتج عنه ضرر مادي وضرر معنوي، فالضرر الذي يحدث نتيجة أي اعتداء سواء كان مقصود أو غير مقصود لا يقتصر على الضرر المادي بل يتسع ليشمل الضرر المعنوي والذي يتعلق بالحالة النفسية التي أصابت المجني عليه في الدعوى الجزائية والمدعي في الدعوى المدنية، فقد حرص المشرع الأردني في التشريعات الأردنية المختلفة على أن يكون التعويض عن أي جريمة جزائية أو عن أي مسؤولية مدنية شاملاً للضرر المادي والضرر المعنوي، وذلك تأكيداً على أهمية النفس البشرية وتشديداً في العقوبات وخصوصاً أن بعض الجرائم أو الاعتداءات المدنية قد تقتصر على إحداث الضرر المعنوي فقط دون المادي، وعليه سنتحدث في مقالنا هذا عن الضرر المعنوي في القانون المدني الأردني ومدى انتقاله للورثة ، وذلك بالاستناد إلى القانون المدني الأردني لسنة 1976، وذلك على النحو الآتي:
جدول المحتويات
التعويض عن الضرر في القانون المدني الأردني
من صور الضرر المعنوي في القانون المدني الأردني
انتقال التعويض عن الضرر المعنوي للورثة
مدى انتقال التعويض عن الضرر المعنوي للورثة
التمييز بين الضرر المعنوي المرتد والضرر الموروث الأدبي
أساس المسؤولية في التعويض عن الضرر المعنوي
المقصود بالضرر المعنوي
هو كل أذى يصيب الإنسان في عرضه أو في عاطفته أو شعوره، وسمي ضرراً أدبياً أو معنوياً، لأنه غير مادي، فإن محله العاطفة والشعور[1]، فالضرر المعنوي هو ضرر غير ملموس مادياً ولا محسوس، على خلاف الضرر المادي والذي يلُمس فيه مدى تعرض المضرور للضرر المادي الذي أصابه في ماله.
ويعرف الضرر المعنوي أيضاً على أنه: هو كل أذى يصيب الإنسان في عرضه، أو عاطفته، أو شعوره من فعل أو قول بعد مهانة له، وفيما يصبه من ألم في جسمه من ضرب لا يحدث به أثراً، أو من تحقير في مخاطبته، أو امتهان معاملته[2].
التعويض عن الضرر المعنوي
يقصد بالتعويض هو المال الذي يحكم به على من أوقع ضرراً على غيره في نفس، أو مال، أو شرف[3]، ويعرف التعويض على أنه حق للدائن المضرور يترتب في ذمة المدين (محدث الضرر) والذي يتخذ شكل النقد أو أي ترضية من جنسه تعادل المنفعة التي سينالها الدائن لو لم يحصل على الإخلال به عقدي أو غير عقدي ولم يركز هذا التعريف على طريقة معينة للتعويض إذ يستطيع القاضي أن يختار من طرق التعويض ما يراه أكثر ملاءمة لجبر الضرر[4] .
وحيث يسهل تقدير التعويض عن الضرر المادي كونه مادي ملموس ، بخلاف الضرر المعنوي الذي تعد فيه مسألة التعويض مسألة تقديرية بحته تعتمد على معايير شخصية لا معايير موضوعية، فلا يوجد معيار محدد أو مقياس محدد لتقدير القيمة المادية لصور الضرر المعنوي ، وخصوصاً أن الضرر المعنوي له صور عديدة يختلف آثرها باختلاف الشخص الذي أصابه الضرر المعنوي ، فمثلاً التعويض عن الضرر المعنوي الذي أصاب شخص نتيجة لتشويه سمعته يقدر وفقاً لمعايير شخصية تحدد وفقاً لهذا الشخص كالمكانة الاجتماعية التي يتمتع بها ، وطبيعة عمله، وسنه، وغيرها من المعايير.
ولا بد من أن نشير إلى أن التعويض عن الضرر المعنوي لا يقصد به إزالة الضرر كالتعويض عن الضرر المادي وإن يقصد به جبر الضرر بترضية المضرور ومواساته وتعويضه كما أصاحبه في عاطفته وشعوره.
التعويض عن الضرر في القانون المدني الأردني
نظم المشرع الأردني أحكام الضرر المعنوي في المادة (267) وقبل التطرق لأحكام الضرر المعنوي سنشير إلى أن المشرع الأردني أطلق على مصطلح التعويض عن الضرر في القانون المدني عبارة الضمان، فقد جاء بنص المادة 256 أنه كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر.
أساس التعويض عن الضرر بمفهومه العام
إن أساس التعويض عن الضرر بمفهومه العام المادي والمعنوي في القانون المدني الأردني هو الإخلال بمصادر الالتزام والتي بدورها هي مصادر المسؤولية التي عند الإخلال بها يتوجب التعويض وهذه المصادر هي:
1_ العقد.
2_ الإرادة المنفردة.
3_ المسؤولية التقصيرية أو العمل غير المشروع.
4_ الإثراء دون سبب والقانون.
أساس التعويض عن الضرر المعنوي أو الأدبي في القانون المدني
إن أساس التعويض عن الضرر المعنوي ما ورد في الفقرة الأولى من المادة 267حيث جاء فيها يتناول حق الضمان الضرر الأدبي كذلك. فكل تعد على الغير في حريته أو في عرضه أو في شرفه أو في سمعته أو في مركزه الاجتماعي أو في اعتباره المالي يجعل المتعدي مسئولا عن الضمان.
من صور الضرر المعنوي في القانون المدني الأردني
1_ الاعتداء على الحقوق الشخصية.
2_ المنازعة في استعمال الاسم أو اللقب.
3_ إساءة استعمال الحق.
4_ الحرمان من مباهج الحياة نتيجة التسبب بفقد القدرة الجسدية أو العقلية.
5_ الاعتداء على السمعة والشرف والمعتقدات الدينية.
6_ الضرر الأدبي الناجم عن المساس بعاطفة المحبة وهو الألم الذي يكابده الشخص نتيجة موت عزيز[5].
هل وردت صور الضرر المعنوي في القانون المدني على سبيل الحصر أم المثال؟
في حكم قضائي لمحكمة التمييز الأردنية أكد على تعدد حالات التعويض عن الضرر المعنوي استنادا للفقرة الأولى من المادة 267 كانت على سبيل المثال لا الحصر، وبذا نصت في أحد قراراتها على أنه لا يوجد في نص المادة 267/1 من القانون المدني ما يمكن أن يفهم منه أن الضرر الأدبي يقتصر على الحالات الواردة فيها وأنه لا يشمل الآلام الناشئة عن الجروح والعاهات، فهذه المادة ضربت أمثلة فقط على أنواع الضرر الأدبي بدليل أنها لم تذكر الضرر الأدبي الناشئ عن الوفاة وهو ضرر أدبي لا خلاف على تعويضه وهذا ما أكدته المذكرة الإيضاحية[6]، على الرغم من ذلك فإننا ما زلنا نجد أن هناك أحكام حديثة لمحكمة التمييز الأردنية الموقرة، تصر على رفض شمول الآلام النفسية من ضمن الأضرار الأدبية التي يتم التعويض عنها، فقضت في حكم لها: أخطأ الخبراء بتفسير الضرر الأدبي ذلك أن المعاناة النفسية لا تدخل في مفهوم الضرر الأدبي والتي اعتبرها الخبراء ضرراً أدبياً[7].
انتقال التعويض عن الضرر المعنوي للورثة
في البداية لا بد من الوقوف على مفهوم الانتقال، فالانتقال لغة هو مصدر انتقل ونقل الشيء أي تحويله من موضع إلى موضع[8]، والانتقال اصطلاحاً فيما يتعلق بالحقوق يعني انتقال الحق من شخص إلى آخر[9]، وفيما يخص انتقال التعويض عن الضرر المعنوي للورثة يقع ضمن مفهوم انتقال الحقوق من المورث إلى الوراث، فالوارث يخلف مورثه في حقوقه وأمواله موجودة في تركته، فما مدى انتقال التعويض عن الضرر المعنوي من الوارث إلى المورث؟
مدى انتقال التعويض عن الضرر المعنوي للورثة
نصت المادة 267 الفقرة الثالثة منها على أنه لا ينتقل الضمان عن الضرر الأدبي إلى الغير إلا إذا تحددت قيمته بمقتضى اتفاق أو حكم قضائي نهائي.
قد تحدثت الفقرة السابقة عن نوع من الضرر المعنوي وهو الضرر الذي يصيب المصاب (المتوفى) وهو لا ينتقل إلى الورثة إلا إذا تحددت قيمته بموجب اتفاق أو صدر به حكم نهائي من المحكمة، ويسمى هذا النوع من الضرر المعنوي بالضرر الموروث الأدبي.
كما نصت الفقرة الثانية من ذات المادة على أنه يجوز أن يقضى بالضمان للأزواج وللأقربين من الأسرة عما يصيبهم من ضرر أدبي بسبب موت المصاب.
نجد أن الفقرة السابقة قد تحدثت عن نوع آخر من الضرر المعنوي وهو الضرر المعنوي الذي يصيب أهل المتوفى المصاب ويتمثل هذا الضرر بالأذى النفسي الذي أصابهم نتيجة إصابته التي أدت إلى وفاته، ويسمى هذا النوع من الضرر المعنوي، بالضرر المعنوي المرتد، حيث يعرف الضرر المرتد المعنوي على أنه ذلك الضرر الذي يحدث نتيجة حالة الألم واللوعة والحزن الناجمة عن فقد شخص عزيز أو إصابته في حادث أدى إلى عجزه عن العمل مع حدوث تشوهات في جسده [10].
وحيث نجد أن المشرع الأردني قد اشترط لانتقال الضمان عن الضرر المعنوي المرتد وفاة المصاب ليستحق ذويه التعويض عما أصابهم من ألم وحزن.
التمييز بين الضرر المعنوي المرتد والضرر الموروث الأدبي
بعد أن تعرفنا على آلية انتقال الضرر المعنوي بنوعيه وهما الضرر الموروث الأدبي والضرر المعنوي المرتد، نشير مرة أخرى إلى الفارق بين كليهما فالضرر الموروث الأدبي هو الضرر الذي يصيب المتوفى قبل وفاته وينتقل للورثة بموجب تحديد قيمته باتفاق أو حكم نهائي، فالتعويض ينتقل لورثة المتوفى ويدخل في تركة المتوفى ويوزع حسب الأنصبة الشرعية.
أما الضرر المرتد المعنوي فيكون للأزواج والأقربين من الأسرة في حال موت المصاب المطالبة بالتعويض، ويعتبر هذا الضرر شخصي لا يدخل في التركة ويقدر القاضي مقدار التعويض عنه[11]. فقد جاء بقرار لمحكمة التمييز (ذلك المستقر عليه قضاء أن التعويض عن الضرر اللاحق بالورثة الشرعيين نتيجة وفاة مورثهم لا يعتبر من أموال التركة حتى يوزع على الورثة حسب الأنصبة الشرعية، لأنه لم يكن موجوداً أثناء حياة مورثهم، وإنما هو تعويض تقرر الحكم به بعد وفاة المورث يوزع على الورثة كل بنسبة ومقدار الضررين المادي والأدبي الذي لحق به باعتباره حقاً شخصياً للمتضرر والدعوى وهي دعوى شخصية لا علاقة لها بالتركة [12].
أساس المسؤولية في التعويض عن الضرر المعنوي
من خلال نصوص القانون المدني نجد أن المشرع قد وضع الضمان عن الضرر المعنوي في إطار المسؤولية التقصيرية حيث تحدث عن الفعل الضار ( كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر)، إلا أنه هناك أحكام قضائية صادرة عن محكمة التمييز تجيز التعويض عن الضرر المعنوي الناتج عن الإخلال بالمسؤولية العقدية التي صدر فيها عن المدين غش أو خطأ جسيم، فقد جاء في حكم لها ( لا يحكم بالتعويض عن الربح الفائت والتعويض المعنوي في المسؤولية العقدية إلا في حالتي الغش والخطأ الجسيم [13].
[1] عبد العزيز بن أحمد السلامة، التعويض عن الضرر المعنوي، بحوث ومقالات_ المجلد 12- العدد 48_ وزارة العدل، 2010، ص 193.
[2] علي الخفيف، نظرية الضمان في الفقه الإسلامي، ص 55.
[3] جابر إسماعيل عبد الفتاح الحجاحجة، التعويض المادي عن الضرر الأدبي: دراسة فقهية مقارنة، جامعة آل البيت، بحوث ومقالات، المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، مج 16، ع 2، 2020، ص 12.
[4] عضيد عزت حمد، التعويض عن الضرر المتغير في المسؤولية التقصيرية، رسالة دكتوراه، كلية القانون، جامعة النيلين، 2018، ص 112.
[5] سرحان عدان وخاطر نوري، شرح القانون المدني الأردني، مصادر الالتزامات، 1997، ص 412 وما بعدها.
[6] تمييز حقوق، الحكم رقم 2442 لسنة 2005 صادر بتاريخ 18/10/ 2005، موقع قرارك.
[7] تمييز حقوق، الحكم 613/2016 تاريخ 31/5/ 2016، موقع قرارك.
[8] الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، أبو نصر إسماعيل حماد الجوهري، ت: 323، دار العلم للملايين، بيروت، 5/ 1833.
[9] الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف الكويتية، مصدر سابق، 18/11/38.
[10] فهد الراشد، الضرر المرتد في المسؤولية عن الفعل الضار، رسالة ماجستير، جامعة اليرموك، 2014، ص 23.
[11] حكم حسن العجارمة، آلية انتقال الضرر المعنوي إلى الورثة في القانون المدني الأردني: دراسة مقارنة، مجلة العلوم القانونية والسياسية، ج 13، ع 1، 2023، ص 293.
[12] تمييز حقوق 3368/2017 موقع قرارك