الإثبات المدني، مفهومه وأحكامه
الإثبات هو الأساس الذي يتم اعتماده في كثير من متطلبات الحياة الاجتماعية، فعند التعريف عن نفسك أو عند تقديم إي معاملة تحتاج إلى إثبات شخصية وهي بطاقة الأحوال الشخصية، وعند قيامك ببيع أحد ممتلكاتك تحتاج إلى إثبات مُلكيه، وغير ذلك من الحقوق فالإثبات هو الركيزة الأساسية للحصول على أي حق، وعند اللجوء للقضاء للمطالبة بحق من الحقوق التي أقرها القانون فلا بد لك من إثبات استحقاقك هذا الحق. فما المقصود بالإثبات في القانون؟
ما هو الإثبات
هو تأكيد حق أقره القانون بالطرق المحددة قانوناً أمام القضاء، فالإثبات هو تأكيد الحق بالدليل، والإثبات أمر نص عليه القانون بشقيه المدني والجزائي، فورد بنص المادة (147) من قانون أصول محاكمات الجزائية ما يلي :- ( المتهم بريء حتى تثبت إدانته ) فقد اشترط المشرع إثبات الجرم المنسوب للمشتكى عليه حتى يتم إيقاع العقوبة بحقه ، كما أن قانون البينات نص في مواده على وسائل الإثبات التي حددها المشرع وبالتالي الإثبات هو مطلب نص عليه القانون .
الفرق بين الإثبات المدني والإثبات الجزائي
والإثبات المدني يختلف عن الإثبات الجزائي ، إذ ان الإثبات المدني يكون بالوسائل التي حددها المشرع للإثبات ، أما الإثبات الجزائي فيكون بكافة طرق الإثبات . والإثبات الجزائي يكون فقط أمام المحاكم الجزائية أمام الإثبات المدني يكون في القضايا المدنية .
محل الإثبات
هو المصدر القانوني للحق وليس الحق ذاته، ومصدر الحق هو الوقائع القانونية التي تُثبت الحق ،وتقسم إلى قسمين التصرفات القانونية ( العقود بأنواعها عقد بيع ، هبة ، إيجار ، وغير ذلك من العقود ) ، والوقائع المادية ( كالعمل غير المشروع والعمل النافع ) ، هذه الوقائع لها شروط حتى تكون محل لإثبات الحق .
شروط الواقعة محل الإثبات
أن تكون الواقعة متنازع عليها فالوقائع المسلم بها لا تحتاج إلى إثبات ، وأن تكون الواقعة محددة فلا يمكن إثبات دين دون تحديد قيمته ، و أن تكون الواقعة لها صلة بالحق المتنازع عليه ، وأن تكون الواقعة منتجة إي مؤثرة بالدعوى من شأنها التأثير في قناعة القاضي بأحقية الحق المدعى به ، وأن تكون الواقعة جائزة القبول أي ليست مستحيلة أو يمنع القانون إثباتها ، وتختلف الطرق والوسائل المتبعة لإثبات أصل الحق في الوقائع القانونية عن وسائل الإثبات في الوقائع المادية ، وقبل الحديث عن وسائل الإثبات في كلا منهما لا بد من الحديث عن وسائل الإثبات التي حددها القانون .
وسائل الإثبات
هذه الوسائل التي حددها المشرع الأردني لإثبات الحقوق في المنازعات المدنية والتجارية ونظم أحكامها وحالات الأخذ بها، وذلك على خلاف المنازعات الجزائية التي سمح بالتوسع بطرق الإثبات فيها، وفسح المجال لقناعة القاضي الوجدانية في قبول بعض الأدلة أو استيعابها. وقد بين قانون أصول المحاكمات الجزائية وسائل الإثبات ولم يحددها ومنها: الاعتراف، شهادة الشهود، الخبرة، الأدلة الخطية، الضبوط. نصت المادة (147/2) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على ما يلي : – ” تقام البينة في الجنايات والجنح والمخالفات بجميع طرق الإثبات ويحكُم القاضي حسب قناعته الشخصية ” .
بالعودة إلى أصل الحق فإن وسائل الإثبات في الوقائع المادية تختلف عن وسائل الإثبات في الوقائع القانونية، فالوقائع القانونية الأصل في إثباتها الكتابة ويتم الأخذ بشهادة الشهود إذا كانت قيمة الدين المتنازع عليه أقل من مئة دينار، اما الوقائع المادية فيجوز إثباتها بكافة الوسائل التي حددها.
حددتها المادة (2 ) من قانون البينات الأردني :-
الأدلة الكتابية، الشهادة ، القرائن ، الإقرار ، اليمين ، المعاينة والخبرة
كل وسيلة من وسائل الإثبات أفرد لها المشرع الأردني نصوص قانونية تنظمها تحتاج إلى بحث منفصل للحديث عنها وذلك لزخم المعلومات المتعلقة بها .
الإثبات حق وعبء
الإثبات هو حق لكل الخصوم في الدعوى وهذا يحقق مفهوم العدالة التي يسعى القضاء لتحقيقها. من حق المدعى أن يقدم الأدلة التي تُثبت دعواه ومن حق المدعى عليه الرد وأن يقدم الأدلة التي تُثبت عكس ما يدعي المدعي ، جاء في نص المادة (73) من القانون المدني ما يلي :- ( البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ) هذه المادة تعطي حق وبذات الوقت ترتب التزما ، فالعبء في الإثبات يقع على الخصم الذي يدعي خلاف الأصل سواءً كان مدعي أم مدعى عليه ، جاء في نص المادة ( 75) من القانون المدني الأردني ما يلي :- ( الأصل بقاء ما كان على ما كان كما أن الأصل في الأمور العارضة العدم، وما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه ). كما جاء بنص المادة (73) من القانون المدني الأردني ما يلي:- ( الأصل براءة الذمة وعلى الدائن أن يثبت حقه وللمدين نفيه ).
إثبات الحق
لا يحتاج الحق لإثبات إلا إذا كان هناك نزاع يهدده، وحينها من المألوف أن يلجأ صاحب الحق لرفع دعوى قضائية لإثبات حقه، والقاضي يلزمه بتقديم الدليل الذي يثبت وجود هذا الحق.
والإثبات هو إقامة الدليل أمام القضاء على وجوده، فكل من له حق يقع عليه عبء إثباته، فالحق يكون عديم الفائدة إذا عجز صاحبة عن إثبات وجوده، والإثبات الذي يتعلق بالحق يُقصد به الإثبات القضائي لا الإثبات العلمي.
ومن أهمية الإثبات أنه يُساعد في تسوية المنازعات بين الأفراد، فهو وسيلة لحماية الحق، وأداة للفصل في الخصومات، فالحق الذي لا دليل عليه هو والعدم سواء.
وسوف نتناول في مقالنا القواعد العامة المتعلقة بالإثبات، وطُرق الإثبات القانونية.
القواعد العامة في الإثبات :
وسوف نتحدث عن مبدأ حياد القاضي والحق في الإثبات ومحل الإثبات وعبء الإثبات.
أولًا : مبدأ حياد القاضي
القاضي بحسب الأصل مُقيد بطُرق الإثبات التي حددها القانون ، ودوره لا يتعدى أن يتلقى أدلة الخصوم في الدعوى ومن ثم تقديرها وفقًا للقيمة التي قررها لها القانون، فالقاضي ليس من واجبات وظيفته المساهمة في جمع أدلة جديدة أو حتى استنباط أدلة من تلقاء نفسه خارج الجلسة، مثل أن يأخذ بأدلة قامت في قضية أخرى، أو أدلة قامت في القضية المعروضة عليه دون علم أي طرف من طرفي الخصومة، وهذا الموقف السلبي في تسير الدعوى يُطلق عليه مبدأ حياد القاضي.
والجدير بالذكر أن المشرع لا يتطلب حياد القاضي فحسب ، وإنما يستلزم منه حماية مظهر الحيدة الذي يجب أن يتحلى به ومن متطلبات هذا المظهر أو المبدأ انعدام مصلحة القاضي في الدعوى التي يقوم بنظرها، وعدم وجود رأي مسبق له فيها يكبله عن الحكم العادل بسبب ميوله، كما وجب على القاضي عدم الأخلال بحقوق الدفاع والمساواة بين الخصوم في المعاملة من حيث منح الفرص المتكافئة دون الانحياز لطرف عن الآخر.
وقد نصت المادة رقم (3) من قانون البينات الأردني على الآتي : ” ليس لقاض أن يحكُم بعلمه الشخصي ” والسبب في ذلك أن علم القاضي هنا يكون دليلا في القضية ، ولما كان الخصوم حق مناقشة هذا الدليل ، اقتضى الأمر أن ينزل القاضي بمنزلة الخصوم ، فيكون خصما وحكما وهذا لا يجوز.
ثانيًا : مبدأ احترام حقوق الخصوم في الإثبات
وهو مبدأ يُعتبر من الضمانات الراسخة لحقوق الخصوم، وقد أكد الدستور الأردني وقانون البينات وقانون أصول المحاكمات المدنية هذا المبدأ، وهذا المبدأ ينبني على أن الخصم إذا أراد أن يُقدم أي دليل للقاضي فينبغي عليه أن يُقدمه بحضور الخصم الآخر، وذلك لمناقشته وتفنيده، والمشرع الأردني أشار إلى هذا المبدأ بالإشارة من خلال نص المادة (24) من قانون البينات حيث ورد تحت عنوان ” سحب ورقة أو سند الاستدلال ” ما يلي : ” اذا قدم الخصم ورقة أو سند للاستدلال به في الدعوى فلا يجوز له سحبه الا برضاء خصمه وبإذن خطي من رئيس المحكمة بعد ان تحفظ صورة مصدقة عنه في إضبارة الدعوى”.
وكذلك نص الفقرة الأولى من المادة (31) من نفس القانون حيث جاء فيها ما يلي : ” الإجازة لاحد الخصوم بإثبات واقعة بشهادة الشهود تقتضي دائماً ان يكون للخصم الآخر الحق في دفعها بهذا الطريق “.
وورد أيضًا في قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني في المادة رقم (68) تحت عنوان “ أبداء طلبات في غياب الخصوم “ تأكيدًا لمبدأ الحق في الإثبات فقضى بأنه : ” لا يجوز للمدعي أو المدعى عليه أن يبدي في الجلسة التي تخلف فيها خصمه طلبات جديدة أو أن يعدل أو يزيد أن ينقص في الطلبات الأولى ما لم يكن التعديل متمخض لمصلحة خصمه وغير مؤثر في أي حق من حقوقه “.
فالإثبات إذن هو حق للخصوم فالمدعي لديه الحق أن يُقدم كافة الأدلة التي يجيزها القانون بهدف إثبات ما يدعيه، وللمدعى له أيضًا الحق في الرد والنفي أي إقامة الدليل على عكس ما يدعيه المدعي، ووجب على القاضي تمكينهما من ذلك وإلا شاب حكمه القصور وكان مخلًا بحق الخصوم في الإثبات، وبالتالي يجوز نقض الحكم، إلا إذا كان في الدعوى من الأدلة ما يغني عنه، أو إذا كان الإثبات عديم الفائدة، لأن الحقيقة التي يتنازع طرفي الخصومة على إظهارها قد استبانت واتضحت.
ومبدأ المجابهة بالدليل يقتضي احترام حق الإثبات وحق النفي باتخاذ إجراءات الإثبات في مواجهة الخصوم وتمكينهم من مناقشة وتنفيذ الأدلة المقدمة في الدعوى، بحيث أنه من غير الجائز أن يعتمد القاضي في حكمه على مستندات أو أسبابًا أو إيضاحات أدلى بها أحد الخصوم إلا إذا أتاح للخصوم الآخرين مناقشتها وجاهيًا، كما أنه لا يصح أن يسند القاضي حكمه لأسباب قانونية من تلقاء نفسه دون أن يدعو الخصوم مقدمًا إلى تقديم ملاحظاتهم بشأنها، كما أن القاضي قد يتدخل بشكل وقائي لمراقبة احترام الخصوم بالالتزام بتبادل الاطلاع على المستندات.
ثالثًا : محل الإثبات
أوجب القانون توافر عدة شروط في الواقعة القانونية محل الإثبات وقد نصت عليها المادة رقم (4) من قانون البينات الأردني، بحيث نصت على الآتي : ” يجب أن تكون الوقائع التي يراد إثباتها متعلقة بالدعوى ومنتجة في الإثبات وجائزاً قبولها ” وباستقراء النص السابق يتضح أنه يلزم في الواقعة المراد إثباتها توافر عديد الشروط، فيجب أن تكون الواقعة المراد إثباتها متعلقة بالدعوى أي متصلة بالحق المطالب به.
ويجب أن تكون الواقعة المُراد إثباتها منتجة في الدعوى أي أن يكون من شأن إثباتها أن يؤدي ذلك لاقتناع القاضي بصحة الحق المدعى به، كما يتعين أن تكون الواقعة المراد إثباتها جائزة القبول لاستحالة تمنع من الإثبات أو لان القانون يُحرم إثباتها، ويتعين كذلك أن تكون الواقعة المُراد إثباتها محل نزاع، وأن تكون محددة تحديدًا كافيًا نافيًا للجهالة، وإلا تعذر إثباتها وضاع وقت القضاء.
رابعًا : عبئ الإثبات
كمبدأ عام فإن عبء الإثبات يقع على من يدعي خلاف الوضع الثابت بحيث تنص المادة (73) من القانون المدني الأردني على الآتي : “ الأصل براءة الذمة وعلى الدائن أن يثبت حقه
وللمدين نفيه “. وأيضًا المادة (75) من القانون ذاته نصت على الآتي : ” الأصل بقاء ما كان على ما كان كما أن الأصل في الأمور العارضة العدم، وما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه”. وتنص كذلك المادة (77) من نفس القانون على الآتي : ” البينة على من أدعى واليمين على من أنكر “.
ومن النصوص السالفة يتضح أن عبء الإثبات يكون واقعًا على المدعي، ولا يُقصد بالمدعي الخصم الذي يبدأ إجراءات رفع الدعوى، بل يُقصد به كل من ادعى أمرًا يناقض الوضع الثابت.
فالأصل في الحقوق الشخصية أو الالتزامات هو براءة الذمة فإذا ادعى الدائن بوجود دين له في ذمة شخص آخر، فأنه يدعي خلاف الأصل ويقع عليه عبء إثبات ما يدعيه بأن يقيم الدليل على مصدر هذا الدين، بيد أن المدعى عليه لا يُكلف بأي إثبات وذلك لأنه يتمسك بالوضع الثابت أصلًا وهو براءة ذمته.
طُرق إثبات الحق :
أدلة إثبات الحق بحسب المادة (72) من قانون البينات الأردني هي :
الكتابة والشهادة والقرائن والمعاينة، والخبرة، والإقرار، واليمين.
ووسائل الإثبات تنقسم إلى أدلة أصلية وهي الكتابة والشهادة والقرائن والمعاينة ، وأدلة احتياطية وهي الإقرار اليمين، ولكن فيما يتعلق بالحجية فهي تنقسم إلى أدلة ملزمة للقاضي وهي الكتابة والإقرار واليمين، وأدلة غير ملزمة وهي البينة والقرائن القضائية والمعاينة، أما فيما يتعلق بما يجوز إثباته ، فتنقسم إلى أدلة مُطلقة تصلح لإثبات كافة الوقائع، وهي الكتابة والإقرار واليمين ، وأدلة مقيدة يجوز قبولها في إثبات بعض الوقائع دون بعض، وهي البينة والقرائن والمعاينة.
وسوف نتناول كل وسائل الإثبات بالشرح فيما يلي :
أولًا : إثبات الحق بالكتابة
والإثبات بالكتابة ينقسم إلى قسمين : محررات رسمية ومحررات عرفية :
المحررات الرسمية :
فيما يتعلق بتعريف المحرر الرسمي فقد نصت المادة السادسة من قانون البينات الأردني على أن :
السندات الرسمية
1 . السندات الرسمية:
أ . السندات التي ينظمها الموظفون الذين من اختصاصهم تنظيمها طبقاً للأوضاع القانونية ويحكم بها دون ان يكلف مبرزها إثبات ما نص عليه فيها ويعمل بها ما لم يثبت تزويرها.
ب. السندات التي ينظمها أصحابها ويصدقها الموظفون الذين من اختصاصهم تصديقها طبقاً للقانون . وينحصر العمل بها في التاريخ والتوقيع فقط.
- إذا لم تستوف هذه السندات الشروط الواردة في الفقرة السابقة فلا يكون لها الا قيمة السندات العادية بشرط ان يكون ذوو الشأن قد وقعوا عليها بتواقيعهم أو بأختامهم أو ببصمات أصابعهم.
وباستقراء هذه المادة نجد أنه يجب توافر ثلاثة شروط في المحرر أو السند الرسمي وهي :
- أن ينظم المحرر من موظف ويقصد بالموظف فيما يتعلق بالمحررات الرسمية كل شخص تعينه الدولة للقيام بعمل من أعمالها سواء كان بأجر أو بدون أجر.
- كما يشترط أن يكون هذا الموظف مختصًا بتنظيم السند فيشترط أن يكون الموظف قد قام بتحريره في حدود سلطته واختصاصه، ويُقصد بالسلطة والاختصاص في هذا الخصوص أن يكون للموظف ولاية تحرير الورقة الرسمية من حيث الموضوع ومن حيث الزمان ومن حيث المكان.
- وأخيرًا يشترط أن يراعي في تنظيمه للسند الأوضاع التي قررها القانون فقد قرر القانون أوضاعًا معينة يجب على الموظف المختص بتحرير السند أن يلتزم بها ومن ذلك أنه يجب أن يكون المحرر مكتوبًا باللغة العربية وبخط واضح دون إضافة أو تحشير أو كشط.
وفي حال تخلف أي شرط من الشروط اللازمة لوجود المحرر الرسمي فإن المُحرر يُبطل كورقة رسمية، بيد أن بطلان المحرر الرسمي لا يجرده من كل قيمة، فهو يُعتبر محررًا عرفيًا بشرط أن يكون موقعًا من ذوي الشأن حسب نص الفقرة الثانية من المادة السادسة من قانون البينات الأردني.
وفيما يتعلق بحجية المحرر الرسمي في الإثبات ففي حال توافر في المحرر الشروط السابقة قامت قرينة على سلامته المادية وعلى صدوره ممن وقعوا عليه، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة السابعة حيث جاء فيها :
” تكون الأسناد الرسمية المنظمة حجة على الناس كافة بما دون فيها من أفعال مادية قام بها الموظف العام في حدود اختصاصه , أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره وذلك ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانونا “.
فالسند أو المحرر الرسمي يُعتد بصحة ما تم تدوينه فيه من بيانات قام الموظف بإثباتها بنفسه أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره، وهي حجية لا يُمكن نقضها إلا بالتزوير.
المحررات العادية :
السند العادي ( انظر مقال مفصل حول السند العادي والإقرار الخطي ) بحسب تعريف المادة العاشرة من قانون البينات الأردني فهو : السند العادي هو الذي يشتمل على توقيع من صدر عنه أو على خاتمه أو بصمة أصبعه وليست له صفة السند الرسمي .
فهو إذًا المحرر الذي يصدر من الأفراد دون أن يتدخل الموظف العام في تحريره وهو نوعان : محرر عادي معد للإثبات، وهذا يكون موقعًا من ذوي الشأن، ويُعد دليلًا مهيأ أو دليلًا كاملًا، وهناك محرر عادي غير معد للإثبات وهو لا يحمل عادة توقيع ذوو الشأن، غير أن القانون يعطيها قوة في الإثبات وفقًا لشروط خاصة نظمها قانون البينات الأردني وقد أورد القانون أربعة أنواع من هذه المحررات هي الرسائل والبرقيات، والدفاتر التجارية الإجبارية، والدفاتر والأوراق المنزلية، والتأشير على سند الدين بما يفيد براءة ذمة المدين.
ثانيًا : إثبات الحق بشهادة الشهود
شهادة الشهود هي إخبار شخص من غير أطراف الخصومة أمام القضاء بواقعة حدثت من غيره ويبنى عليها حقًا لغيره وبحسب الأصل فإن شهادة الشهود تكون مباشرة ، فيقوم الشاهد بالإخبار عما وقع تحت بصره وسمعه كمن يشهد واقعة كحادث سير أو تعاقد فيروي ما رآه أو سمعه.
وبالإضافة إلى الشهادة المباشرة توجد صورة أخرى للشهادة وهي الشهادة السماعية وفيها يشهد الشاهد بما سمع بالواقعة رواية عن شخص آخر، كما يوجد أيضًا الشهادة على السماع وفيها يشهد الشاهد بما هو رائج وشائع بين الناس، والقانون الأردني لا يقبل الشهادة السماع باستثناء حالات نصت عليها المادة (39) من قانون البينات وهي الوفاة والنسب والوقف الصحيح الموقوف لجهة خيرية منذ مدة طويلة.
وقد قضت محكمة التمييز الأردنية في قرارها رقم (452) لسنة 1976 بالآتي : ” أن الشهادة على السماع غير مقبولة لإثبات واقعة أن الشركة المستأجرة قد تخلت عن المأجور لشركة أخرى “.
وهناك نوع آخر من الشهادة وهي الشهادة بالشهرة العامة، ولا يُمكن اعتبار الشهادة بالشهرة العامة شهادة بالمعنى الصحيح، فهي ورقة مكتوبة تُحرر أمام جهة رسمية وتدون وقائع محددة يشهد بها شهود يعلمون هذه الوقائع عن طريق الشهرة العامة، وخلاصة القول إن الشهادة غير المباشرة لا ترقى إلى منزلة الشهادة المباشرة، بحيث أن قيمة الشهادة السماعية في الإثبات أقل من الشهادة الأصلية.
ثالثًا : إثبات الحق بالقرائن
القرائن تنقسم إلى نوعين وهما قرائن قانونية وقرائن قضائية والقرائن القانونية هي ما يستنبطه المشرع تيسيراً للمتقاضين في الأحوال التي يصعب عليهم الإثبات، أما القرائن القضائية فبحسب المادة رقم (43) من قانون البينات الأردني فالقرائن القضائية هي القرائن التي لم ينص عليها القانون ويستخلصها القاضي من ظروف الدعوى ويقتنع بأن لها دلالة معينة ويترك لتقدير القاضي استنباط هذه القرائن. والقرائن القضائية بحسب نص نفس المادة لا يجوز الإثبات بها إلا في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بالشهادة.
ونشير إلى أن القرائن على هذا النحو ليست أدلة مباشرة في الإثبات، إذ أنها تقوم على استنتاج وقائع من وقائع أخرى، فالخصم لا يثبت الواقعة القانونية ذاتها مصدر الحق، بل يثبت واقعة أخرى ليستخلص منها الواقعة المراد إثباتها.
رابعًا :إثبات الحق بالإقرار
عرفت المادة رقم (44) من قانون البينات الأردني الإقرار بأنه هو : ” إخبار الإنسان عن حق عليه لآخر “.
وقانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية المصري قد عرف الإقرار بأنه : ” اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه وذلك أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة.
وقد عرفه فقهاء المذهب الحنفي بأنه : ” إخبار عن سكوت الحق للغير على نفسه “. ونجد أن هناك توافقًا بين التعريف القانوني للإقرار في قانون البينات الأردني مع المذهب الحنفي كون هذا المذهب هو أحد مصادر القانون المدني الأردني والذي يُعتبر مصدرًا أيضًا لقانون البينات.
وعرفه آخر بما يلي : ” اعتراف شخص بحق عليه لآخر توصلًا إلى ثبوت هذا الحق في ذمة الأول وإعفاء الآخر من عبء إقامة الدليل على صحته. وبهذا المعنى فإن الإقرار لا يُعد دليلًا للإثبات. بل إعفاء من تقديم الدليل إذ هو يحسم النزاع بشأن الواقعة المتنازع عليها ويجعلها في غير حاجة للإثبات.
وباستقراء المواد القانونية سالفة البيان نجد أن الإقرار وسيلة من وسائل الإثبات، على خلاف ما ذهب به بعض الفقه بأن الإقرار ليس وسيلة إثبات، بقدر ما هو إعفاء للمدعي من إثبات حقه في موضوع النزاع.
وذهبت محكمة التمييز الأردنية في حكمها 190/ 75 لسنة 1976 الى القول بأنه : ” بما أن الإقرار هو إخبار الإنسان عن حق عليه لآخر، فإن سكوت المدعي عليها عن الرد على الإنذارات الموجهة إليها لا يُعتبر إقرارا “.
وبناء على ذلك بجد أن القضاء اعتبر في وقوع الإقرار أن يتم بإخبار صريح تنفيذًا للنص القانوني الذي عرفه بأنه إخبار الإنسان عن حق عليه لآخر، ومن ثم يتوجب على المدعي هنا إثبات الحق موضوع النزاع طالما أن المدعي عليه لم يقر به صراحة.
وبالرغم من اختلاف الاتجاهات القانونية في تحديد منطق الإقرار فيما إذا كان وسيلة إثبات أم تصرف يعفي الخصم من الإثبات، إلا أن الواقع العملي يحسم الجدل فيقضي بكونه وسيلة إثبات نصت عليها مختلف قوانين البينات، وأقرته اجتهادات القضاء.
وقد قسمت غالبية التشريعات الإقرار إلى نوعين ، إقرار قضائي يقع أمام المحكمة أثناء سير الدعوى التي صدر الإقرار بشأنها، والآخر إقرار غير قضائي يقع خارج مجلس الحكم القضائي، أو أمامه، ولكن في دعوى غير الدعوى المنظورة
خامسًا: إثبات الحق باليمين
اليمين من وسائل الإثبات غير العادية، فهي دليل من لا دليل له، وقد لعبت اليمين دورًا هامًا في الإثبات في الشريعة الإسلامية، وقد وعد الله سبحانه وتعالى بالعذاب لمن يحلف كذبًا، فقال تعالى في كتابه العزيز : ” ولا تتخذوا أيمانكم دخلًا بينكم فتزل قدمًا بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم” . فاليمين تلي شهادة الشهود من حيث الأهمية في الشريعة الإسلامية.
ويُمكن تعريف اليمين بأنها قول يتخذ فيه الحالف الله شاهدًا على صدق ما يقول أو على إنجاز ما يعد ويستنزل عقابه إذا ما حنث، وتكون تأدية اليمين بأن يقول الحالف (والله) ويتلو الصيغة التي أقرتها المحكمة واليمين يُعتبر عملًا دينيًا، ومن ثم فمن يُكلف بحلف اليمين يؤديها وفقًا للأوضاع المقررة في ديانته.
واليمين طريق من طرق الإثبات فهي أما قضائية وغير قضائية أما اليمين القضائية فهي التي تؤدى أمام القضاء في النزاع موضع الدعوى وهي التي تقوم لتوكيد قول، وقانون البينات الأردني والقانون المدني قد نظم اليمين القضائية ومن الأمثلة على ذلك اليمين الحاسمة واليمين المتممة في المواد 53 و15 و54 من قانون البينات الأردني.
وفيما يتعلق باليمين غير القضائية فهي اليمين التي تؤدى خارج مجلس الحكم أو داخل مجلس الحكم في غير الواقعة موضوع النزاع أو دون تكليف القاضي، وهي يمين يتفق عليها وعلى أحكامها الطرفان ويتبع في شأنها القواعد العامة فإذا كان موضوع اليمين يتجاوز حد البينة وجبت الكتابة لإثبات الاتفاق الخاص به أما حلف اليمين فواقعة مادية يجوز إثباتها بجميع طرق الإثبات.
سادسًا : إثبات الحق بالمعاينة والخبرة
نصت المادة (83) من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني على الآتي :
- للمحكمة في أي دور من أدوار المحاكمة أن تقرر الكشف والخبرة من خبير أو أكثر على أي مال منقول أو غير منقول أو لأي أمر ترى لزوم إجراء الخبرة عليه على أن تبين المحكمة في قرارها الأسباب الداعية لإجراء الكشف والخبرة والغاية من ذلك وتحدد بدقة تفاصيل المهمة الموكلة إلى الخبير
- إذا طلب المدعي أو المدّعى عليه إجراء الخبرة ضمن قائمة بيناته، فيجوز له أن يرفق بلائحة دعواه أو بجوابه وفق مقتضى الحال مذكرة معدّة من خبير يختاره لتوضيح موضوع الخبرة التي يسعى لإثباتها ، ويحق للخصم الأخر تقديم مذكرة معدّة من خبير آخر يختاره للرد عليها ضمن قائمة بيناته الدفاعية أو بيناته الداحضة وفق مقتضى الحال، وعلى الخبير الذي تعينه المحكمة الاطلاع على كل مذكرة مقدمة وفق أحكام هذه الفقرة وإبداء الرأي على ما ورد فيها ما لم تر المحكمة غير ذلك.
- على الخبير أن يكون مؤهلا للقيام بالخبرة في المهمة المكلف بها علمياً، أو فنياً، أو مهنياً، أو بالممارسة الفعلية، وأن يقوم بمهمته بتجرد وصدق وأمانة، وأن يقوم بالإفصاح، سواء في محضر المحاكمة أو بكتاب منفصل، عن وجود أو عدم وجود أي ظروف أو أسباب من شأنها إثارة شكوك حول حيدته واستقلاله عن أي من أطراف الدعوى أو وكلائهم أو هيئة المحكمة، وإذا ثبت عدم صحة هذا الإفصاح أو في حالة عدم تقديمه يبطل تقرير الخبرة ويلزم الخبير في هذه الحالة برد ما قبضه من أجور.
- تنظم شؤون الخبرة أمام المحاكم النظامية بمقتضى نظام يصدر لهذه الغاية يتم بموجبه تشكيل مجلس لشؤون الخبرة برئاسة وزير العدل ولجان فنية لانتقاء الخبراء وإعداد سجل للخبرة وجدول للخبراء المعتمدين وأنواع الخبراء وأجورهم ولتحديد جميع الشؤون الإدارية والمالية الأخرى ذات العلاقة بعمل الخبراء.
وباستقراء المادة (83) من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني فالمحكمة لها أن تقرر الكشف والخبرة من قبل خبير أو أكثر في أي مال منقول أو غير منقول طالما
ارتأت أن إجراء الخبرة أمر ضروري. كما أوضحت المادة شرط كون الخبير مؤهلًا، وبينت كذلك أن شؤون الخبرة تنظم أمام المحاكم النظامية بمقتضى نظام يُصدر لهذا الهدف.
الإنابة بالكشف
وتحت عنوان ” الإنابة بالكشف ” جاء في المادة (84) من نفس القانون ما يلي :
- إذا اتفق الخصوم على الخبير، وافقت المحكمة على تسميته، وفي حالة عدم اتفاق الخصوم على تسميته تتولى المحكمة انتخاب الخبير من بين الأسماء الواردة في جدول الخبراء المعتمد لدى وزارة العدل ووفق أحكامه.
- إذا تعذر تعيين الخبير من جدول الخبراء لسبب مبرر، فتتولى المحكمة تعيينه من خارج الجدول.
- إذا رغب الخبير في الاعتذار عن أداء المهمة الموكلة إليه فعليه تقديم اعتذاره إلى المحكمة خلال أسبوع واحد من تاريخ تبليغه بقرار تعيينه أو خلال أي مدة أقصر تحددها المحكمة.
- إذا رغب الخصم في الاعتراض على الخبير بداعي وجود ظروف أو أسباب من شأنها إثارة شكوك حول حيدته واستقلاله أو لأي سبب آخر، فعليه تقديم اعتراضه خلال أسبوع واحد من تاريخ تعيينه أو من تاريخ علمه بتلك الظروف أو الأسباب.
- تحدد المحكمة نفقات الخبرة بعد سؤال الخبير عن الوقت اللازم لإنجاز مهمته وذلك بعد الأخذ في الحسبان طبيعة المهمة الموكلة إليه ونطاقها وأسس احتساب الأجور المبينة في النظام الصادر لهذه الغاية، كما تحدد المحكمة النفقات والمصاريف اللازمة لإجراء الكشف، ولها أن تأمر بإيداع نفقات الكشف والخبرة وتعيين الجهة المكلفة بها.
- إذا لم يودع من كلف من الخصوم المبلغ الواجب إيداعه خلال المهلة المعينة جاز للخصم الأخر أن يقوم بإيداع هذا المبلغ دون إخلال بحقه في الرجوع به على خصمه. كما يحق للمحكمة أن تتخذ من عدم إيداع المبلغ من قبل الخصم المكلف بذلك دليلا على تنازله عن إثبات الواقعة التي طلب إجراء الكشف والخبرة من أجل إثباتها.
- بعد إيداع نفقات الكشف والخبرة، تدعو المحكمة، بكامل هيئتها الناظرة للدعوى أو أحد أعضائها الذي تنتدبه لهذه الغاية أو أحد قضاة المحكمة الذي ينتدبه رئيسها، الخبير والخصوم للاجتماع في الزمان والمكان المعينين، ويبين للخبير تفصيلاً المهمة الموكلة إليه ويسلم قرارها بتسميته وبتحديد المهمة الموكلة إليه، كما تبين له المحكمة المستندات التي عليه الاطلاع عليها لأغراض القيام بالمهمة الموكلة إليه، ويتم تحليفه اليمين بأن يؤدي عمله بصدق وأمانة كما يتم تحديد ميعاد إيداع التقرير، وإذا لم يتمكن من إبداء الخبرة أثناء الكشف ينظم محضراً بهذه الإجراءات يوقع عليه من الحاضرين.
- للمحكمة أن تُعدّل في أي وقت بقرار معلّل نفقات الكشف والخبرة والجهة المكلفة بها من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخبير أو الخصوم.
- إذا تقرر إجراء الكشف والخبرة على أي مال أو أمر يقع خارج منطقة المحكمة التي أصدرت القرار، فيجوز لها أن تنيب رئيس المحكمة أو القاضي الذي يوجد موضوع الكشف والخبرة في دائرته لإجراء الكشف والخبرة وفقاً لما تقرره المحكمة التي اتخذت قرار الإنابة، وإذا لم تقم هذه المحكمة باختيار الخبير تقوم باختياره المحكمة التي تم إنابتها.
وباستقراء المادة السابقة نجد أنها نصت على أنه في حال اتفق الفرقاء على انتخاب الخبير أو الخبراء فإن المحكمة توافق على تعيينهم، وفي حال عدم اتفاقهم تولت هي انتخابهم بنفسها، كما للمحكمة تحديد مهمة الخبير وتحديد نفقات الخبرة، ونظمت المادة طريقة اعتراض الخصوم على الخبير، وغيرها من الأمور، مع الالتزام بالتعليمات والإجراءات المنصوص عليها.
وقد بينت المادتين (85) و (86) أحكام إيداع نفقات الخبرة، وإيداع تقرير الخبير في الموعد.
وفيما يتعلق بإنكار الخط وادعاء التزوير نصت المادة (87) من نفس القانون على الآتي :
- أنكار الخط، أو الإمضاء، أو الختم، أو بصمة الأصبع أنما يرد على الوثائق والمستندات غير الرسمية . اما ادعاء التزوير فيرد على جميع الوثائق والمستندات الرسمية وغير الرسمية .
- إذا ثبت من التحقيق أو المضاهاة عدم صحة الأنكار أو ادعاء التزوير تحكم المحكمة على المنكر أو مدعي التزوير بغرامة لا تقل عن خمسين دينارا .
وكذلك نصت المادة (88) على الآتي :
” اذا انكر احد الطرفين أو ورثته ما نسب اليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة اصبع في سند عادي أو افأد الورثة بعدم العلم بما نسب للمورث وكان المستند أو الوثيقة ذا اثر في حسم النزاع فيترتب على المحكمة بناء على طلب مبرز السند أو الوثيقة ان تقرر إجراء التحقيق بالمضاهاة والاستكتاب وسماع الشهود واي عمل فني أو مخبري أو بإحدى هذه الوسائل حسبما تكون عليه الحالة.”
ويتضح من النص السابق أنه في حال أنكر أحد الطرفين أو ورثته ما نسب إليه من خط، أو إمضاء، أو بصمة، أو غيره كان للمحكمة بناء على طلب مبرز السند أن تقرر إجراء التحقيق بعدة أمور منها الخبرة.
——————————————————————————————