التعويض عن الاستملاك

التعويض العادل كأحد آثار الاستملاك في القانون الأردني

لما كان الاستملاك أحد الوسائل القانونية التي تلجأ إليها جهة الإدارة لنزع الملكية للمنفعة العامة جبرا دون الوقوف على رضا المالك من عدمه، مما استلزم أن يكون في مقابل هذا النزع تعويض المالك عن استملاك عقاره بتعويض عادل، يزيل شعوره بإفتئات الدولة على حقه وتعديها على حق ملكيته المحفوظ  له في الدستور والقانون، و إزاء ذلك فقد حاول المشرع الأردني وضع إجراءات الاستملاك تحت مجموعة من الضوابط والقواعد القانونية الصارمة حتى لا تتعسف الدولة أو أحد جهاتها الإدارية في التعدي على حقوق الملكية دون شرط أو قيد، ويظهر اهتمام المشرع الأردني بالاستملاك للمنفعة العامة من خلال إصداره لعدة قوانين متتابعة لتقنينه وجعله يتسم بالشرعية القانونية والقبول المجتمعي له، ويظهر ذلك سواء بما قررته المواد الدستورية من وجوب حفظ الملكية وعدم الاعتداء عليها إلا لسبب مشروع أو لتحقيق منفعة عامة وفي مقابل تعويض عادل، وهو ذاته ما قررته القواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني، وكلك ما ورد في قوانين الاستملاك الملغية الى أن انتهى المشرع عند وضع قانون الملكية العقارية وخصص جزءا منه لأحكام الاستملاك وشروط التعويض العادل عنه.

  • وفي خلال هذا المقال سوف نتطرق الى تعريف الاستملاك ومبرراته ثم نتحدث عن التعويض العادل كأحد آثار الاستملاك على التفصيل الآتي:

أولا: تعريف الاستملاك

ثانيا: مبررات الاستملاك

ثالثا: التعويض العادل عن الاستملاك

رابعا: بعض اجتهادات محكمة التمييز فيما يتعل بالتعويض العادل عن الاستملاك

خامسا: الخاتمة

أولا: تعريف الاستملاك

  • عرفت المادة الثانية من قانون الملكية العقارية الأردني الاستملاك على أنه: (نزع ملكية عقار من مالكه أو حق التصرف فيه أو الانتفاع به أو الارتفاق عليه بمقتضى أحكام هذا القانون)
  • كما أورد الفقهاء القانونين عدة تعريفات للاستملاك منها: (حرمان مالك العقار من ملكه جبرا للمنفعة العامة نظير تعويض عما يناله من ضرر). [1]
  •  ويعرف أيضا بأنه: (اتخاذ السلطة الإدارية الإجراءات اللازمة لحرمان المالك من عقاره بالطرق الجبرية بغرض تخصيصه لمنفعة ما وذلك في مقابل تعويض عادل). [2]
  • ومن خلال هذه التعريفات يمكن القول أن الاستملاك هو أحد اكثر الوسائل القانونية التي تهدف الى تقويض حق الملكية، بل يتعدى الأمر من مرحلة التقويض أو التقيد الى مرحلة إزالة صفة الملكية بشكل كلي، وذلك بنزع العقار المملوك لغير الجهة الإدارية وتنفيذ فيه أحد المشروعات ذات النفع العام، إلا أن تلك الإجراءات لم يتركا المشرع دون تنظيم أو شروط معينة بل وقرر وجوب تعويض الملاك تعويضا يتفق مع ما تقتضيه العدالة جراء نزع مليكتهم للمنفعة العامة.

ثانيا: مبررات الاستملاك

يعتبر المبرر الوحيد لمشروعية الاستملاك هو تحقيق النفع العام، إذ يمكن في هذه الحالة فقط تغليب مصلحة الجماعة على الفرد، فالاستملاك بقصد إنشاء أحد الطرق العامة أو إقامة أحد المرافق العامة التي تقوم بأداء خدمة عامة لجموع المواطنين هو الذي يصلح أن يكون مبررا لنزع مليكة الأشخاص بالطرق الجبرية، خاصة وأن حق الملكية قد أحاطه الدستور والقانون بعدة قواعد تمنع بل وتجرم الاعتداء على ملك الغير،  ومن ذلك ما قررته المادة ( 11 ) من الدستور الأردني : ( لا يستملك ملك أحد إلا للمنفعة العامة وفي مقابل تعويض عادل حسبما يعين في القانون )، وهو أيضا ما أكدته المادة( 1020 ) من القانون المدني الأردني حيث جاء نصها: (1- لا ينزع ملك أحد بلا سبب شرعي 2- ولا يستملك ملك أحد إلا للمنفعة العامة … ). كذلك بدأ المشرع عند حديثه عن الاستملاك في قانون المكية العقارية الأردني بالتأكيد على هذا المبدأ حيث نصت المادة (178) منه على: (لا يستملك أي عقار إلا لمشروع يحقق نفعاً عاماً وفي مقابل تعويض عادل ووفق الإجراءات المبينة في هذا الفصل).

  • ورغم خلو التشريعات السابق ذكرها من تحديد الحالات التي يجوز فيها الاستملاك وترك الأمر مرتبطا بمعيار تحقيق المنفعة العامة، إلا أن قرار الاستملاك يكون دائما تحت رقابة القضاء الإداري بحيث إذا طعن المالك على قرار الاستملاك  بقالة أن الاستملاك لا يقصد منه تحقيق مصلحة عامة أو منفعة عامة فيجوز للقضاء أن يحكم ببطلان قرار الاستملاك إذا ثبت ذلك فعلا، وقد قضت المحكمة الإدارية العليا في حكم لها بعدم قبول طلب بطلان قرار الاستملاك ما دام القرار قصد منه المنفعة العامة، حيث قضت في حكم لها (من المقرر قانونا أن لأمانة عمان الكبرى سلطاتها في اختيار الموقع وتحديد العقارات التي يشملها التخصيص للنفع العام بحكم طبيعة أعمالها ووظائفها بما تراه محققة للمصلحة العامة وبما يجتمع لها من مقومات الخبرة والدراية في تنظيم مدينة عمان، وينعقد لها من أسباب الاختصاص الصحيح وان طلبها من دولة رئيس الوزراء بالتنسيب إلى مجلس الوزراء باستصدار قرار باستملاك عقارات المستدعي المبينة أوصافها في قرار لجنة الاستملاك والأملاك في أمانة عمان الكبرى لاستعمالها لغايات الشوارع والحدائق العامة مشروعاً للنفع العام بالمعنى المقصود في قانون الاستملاك، وأنه لم يرد من البينات ما يبين أنها انحرفت به عن غاياته، فيكون القرار المطعون فيه يكون قد صدر سليماً قائماً على صحیح سببه بمنأى عن مظان الانحراف مبرئاً مما ينعاه الطاعن عليه المستدعي، وأن الإجراءات التي اتبعت هي ما نص عليه الدستور الأردني وقانون الاستملاك الأمر الذي يتعين معه رد الدعوى). [3]

 وحتى يزيل المشرع الغموض حول فكرة المنفعة العامة، ورغبة منه في حصر مفهوم المنفعة العامة وتوضيحه بشكل واضح فقد نص في المادة (179) من قانون الملكية العقارية على: (يعد محققاً للنفع العام لأغراض الاستملاك المشروع الذي يهدف إلى إنشاء مرفق عام أو إدارته أو تسهيل أدائه لوظائفه وأي مشروع ينص القانون على أنه يحقق نفعاً عاماً).

ثالثا: التعويض العادل عن الاستملاك

لا يكون الاستملاك إلا في مقابل تعويض يحصل عليه المالك جراء نزع ملكيته للمنفعة العامة، وهو أحد أهم الأثار القانونية الناتجة عن الاستملاك، إذ يقترن بالاستملاك الحصول على التعويض، بل ويجب أن يكون هذا التعويض عادلا، بحيث يكون مكافئا لقيمة الخسارة التي حدثت للمالك جراء استملاك  عقاره ومساويا لقيمة العقار الفعل دون تعسف في تقدير قيمته، ويعرف التعويض العادل على أنه: ( ما تدفعه الجهة المستملكة من مبالغ نقدية لمالك العقار جراء استملاكها للعقار المملوك له )، [4]  فالتعويض العادل يهدف الى تصحيح الاختلال الذي حدث نتيجة الاستملاك بقصد إعادة التوازن المادي والمعنوي للمضرور، وهو ما قررته الأحكام العامة في القانون المدني، واهتمت به التشريعات الخاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة خاصة في قانون المليكة العقارية الأردني، حيث نصت  المادة 178 منه على: (لا يستملك أي عقار إلا لمشروع يحقق نفعاً عاماً وفي مقابل تعويض عادل ووفق الإجراءات المبينة في هذا الفصل).

أ- شروط تقدير التعويض العادل

– وحتى يمكن القول أن التعويض عن الاستملاك جاء عادلا فيجب أن يتوافر في تقديره عدة شروط منها:

1- أن يراعي عند تقدير قيمة التعويض العاجل ثمن العقارات المجاورة للعقار المستملك، والتي تتشابه معه للدرجة التي تجعل قيمتهم المادية متساوية أو متقاربة، ويمكن الوقوف على ذلك بالرجوع الى سجلات دائرة الأراضي لبيان أثمان العقارات الحقيقية والتي تم التعامل فيها بالبيع او الشراء في ذات الطاق المكاني للعقار المستملك.

2- أن يتم تقدير قيمة العقار المستملك عند صدور قرار الاستملاك بغض النظر عن أي زيادة في قيمته أو انخفاض بعد صدور قرار الاستملاك.

3- إذا كان الاستملاك وارد على حق ارتفاق العقار فيتم تقدير قيمة التعويض باعتبار مقدار النقص في قيمة العقار التي نتجت عن استملاك حق ارتفاقه أو إنشاء ذلك الحق، وكذلك الحال إذا كان الاستملاك واردا على فرض قيد على ملكية العقار.

4- إذا كان الاستملاك قد ورد على عقارا مستأجرا أو على عقار للغير عليه حق انتفاع فيقرر للمستأجر أو للمنتفع تعويض لا تزيد نسبته عن 15 % من قيمة التعويض المقدر للمالك، وذلك في حالة كان العقار مشغولا لأغراض تجارية أو صناعية، أما اذا كان العقار مشغولا لأغراض أخرى، فتقدر نسبة التعويض المستحق للمستأجر أو المنتفع بمقادر 8 % من مجموع التعويض الذي يستحقه المالك.

5- وتحقيقا لمبدأ تقدير التعويض العادل للمالك جراء نزع ملكيته، رأى المشرع ضرورة أن يضاف الى جانب التعويض عن قيمة العقار المستملك تعويضا آخر يساوي ويكافئ قيمة الأضرار التي تكون قد لحق بالعقارات المجاورة للعقار المستملك والتي تخرج عن نطاقه، واشترط المشرع أن تكون الأضرار ناتجة عن فعل المستملك سواء كانت قبل صدور قرار الاستملاك أو بعده.

  • وقد نصت المادة (190) من قانون الملكية العقارية على هذه الشروط للتقدير العادل للتعويض حيث جاء نصها: (تراعى عند تقدير التعويض العادل عن القرار الصادر باستملاك العقار رضائيا أو قضائيا الأسس التالية: –

أ- تراعى عند تقدير التعويض عن الاستملاك المطلق للعقار، أو أي حق فيه القيمة المقدرة للعقار المستملك عند صدور قرار الاستملاك وذلك وفقاً لأسس تقدير قيم العقارات المعمول بها.

ب- تعد تعويضاً عادلاً عن استملاك العقار أو أي حق فيه القيمة المقدرة للعقار المستملك، وفقاً لأحكام الفقرة (أ) من هذه المادة أو قيمة البيوعات التي تمت على العقار ذاته أو مثيله من العقارات المجاورة له من واقع التعامل في السجل العقاري.

ج- يعد تعويضاً عادلاً عن استملاك حق الارتفاق أو عن الضرر الذي يلحق بالمالك من جراء إنشاء حق ارتفاق على عقاره أو فرض قيد على ملكيته للعقار، مقدار النقص الحاصل في قيمة العقار بسبب استملاك حق الارتفاق أو إنشائه أو فرض القيد على ملكيته للعقار.

د- يعد تعويضاً عادلاً لمستأجر العقار المستملك أو لصاحب حق الانتفاع به ما لا يزيد على نسبة (15?) خمسة عشر بالمائة من مقدار التعويض المقرر لمالك العقار، إذا كان العقار مشغولاً لأغراض تجارية أو صناعية، وبما لا يزيد على ما نسبته (8?) ثمانية بالمائة منه، إذا كان العقار مشغولاً لأغراض أخرى، وذلك في حال زوال حق الإجارة أو الانتفاع كلياً باستملاك كامل العقار، وفي حال زواله جزئياً تقتطع من هاتين النسبتين نسبة ما نقص من أي من هذين الحقين، على أن تراعى عند تعيين هذه النسب أي عوامل تؤثر في تحديدها بما في ذلك شروط عقد الإجارة أو الانتفاع وبدله ومدته وتاريخ انتهائه

هـــ – …..   و- …

ز- 1- يقدر التعويض عن أي أضرار تلحق بموجودات أي عقار واقع خارج نطاق المساحة المستملكة أو المطلوب استملاكها ناجمة عن الأعمال التي يقوم بها المستملك قبل صدور قرار الاستملاك أو بعده بقرار من الوزير بناء على تنسيب المدير المستند إلى تقرير معد من لجنة تقدير التعويض عن الأضرار التي يتم تشكيلها وتحديد صلاحياتها ومهامها وآلية عملها بتعليمات يصدرها المدير لهذه الغاية وللمتضرر أو المستملك حق اللجوء إلى المحكمة لتقدير التعويض العادل في جميع الأحوال).

  • وهناك بعض الشروط للتعويض العادل التي لم يتم النص عليها صراحة في قانون الملكية العقارية، إلا أنه يمكن استخلاصها من النصوص التشريعية التي تضمنها القانون وتتفق مع المبادئ العامة للعدالة ومنها:

1- أن يدفع التعويض العادل بشكل سريع ومنجز دون بطء في إجراءات تقديره أو دفعه، وفي حالة تقسيط المبلغ على أقساط يجب أن تزيد قيمة التعويض عند تقسيطه عن قيمته إذا تم دفعه جملة واحدة. [5]

2- أن تكون قيمة التعويض مرضية للمالك ويتحقق هذا الرضا بأن تكون قيمة التعويض تساوي أو تزيد عن قيمة العقار المستملك في سعر السوق، وهذا يستدعي البعد عن المعايير الاقتصادية البحتة عند تقدير قيمة التعويض، خاصة وأن الاستملاك ليس من قبيل البيوع الاختيارية التي تتوقف على رضا المالك، بل هو نزع بالقوة الجبرية تنعدم أمامه حرية الأفراد في الاختيار. [6]

3- ألا تقل قيمة التعويض باي حال من الأحوال عن قيمة العقار فلا يجوز أن يكون التعويض جزئيا أو منقوصا بل يجب أن يكون مكافئا لقيمة العقار المنزوع ملكيته.

ب- بعض الحالات التي لا يعتبر إغفالها مخالف لشروط تقدير التعويض العادل

ذكرت المادة (190/ هــ) من قانون الملكية العقارية عدة حالات لا يعتد بها عند تقدير التعويض العادل الي يستحقه مالك العقار المستملك ومنها:

1- أي إضافة تحدث في العقار بعد صدور قرار الاستملاك سواء كانت إنشاءات أو مباني أو مغروسات أو تحسينات، واعتبر المشرع عدم وضع هذه الإضافات في الاعتبار عند تقدير التعويض العادل لا يعد من قبيل الإخلال بالشروط التي نصت عليها المادة (190) في فقراتها (أ، ب، ج، د) ما دامت هذه الإضافات قد حدثت بعد صدور القرار فعلا، وللمالك المنازعة في تاريخ حدوث هذه الإضافات وإثبات حدوثها قبل صدور قرار الاستملاك بكافة طرق الإثبات.

2- لا يعتد بأي عقود يقوم المالك بإبرامها مع الغير كعقود الاستثمار أو الإجارة أو تقرير حق الانتفاع للغير أو حق الارتفاق بعد صدور قرار الاستملاك، ولا يتم وضعها في الاعتبار عند تقدير التعويض العادل، ويرجع السبب في ذلك الى أن المالك قد يلجأ الى إبرام مثل هذه العقود لزيادة قيمة التعويض.

  • حيث جاء نص الماد (190/هــ) على أنه: (هـ – لا يعتد عند تقدير التعويض عن الاستملاك بأي مما يلي: –

1- الإنشاءات والمباني والمغروسات والتحسينات والإضافات التي تحدث في العقار المستملك بعد صدور قرار الاستملاك.

2- أي عقود تبرم بشأن العقار المستملك بعد صدور قرار الاستملاك، كالإجارة والاستثمار، بقصد زيادة التعويض عن الاستملاك.

3- الزيادة أو النقصان في قيمة العقار المستملك بسبب الاستملاك).

ج- طرق تقدير التعويض العادل

الأصل أن تقدير التعويض يكون عن طريق الاتفاق بين المالك والمستملك إذ أن المشرع أوكل مهمة تقدير التعويض وفقا للشروط السابق ذكرها للجنة التي نصت عليها المادة (185 /ج) من قانون الملكية العقارية حيث نصت على: (ج- إجراء كشف على العقار المستملك بوساطة لجنة يشكلها المستملك لإثبات واقع حال العقار المستملك تتولى الكشف على العقار المستملك لإثبات حاله وقت صدور قرار الاستملاك، وتقدير قيمة التعويض عن استملاكه وفقاً لأحكام هذا الفصل. ويعد التقرير الذي تنظمه اللجنة نتيجة الكشف بينة أولية على تلك الحال لأغراض تقدير قيمة التعويض عن الاستملاك على ألا تقل عن القيمة المعتمدة استناداً لقانون رسوم تسجيل الأراضي). وعلى ذلك إذا رأى مالك العقار أن تقير هذه اللجنة مرضيا بالنسبة له ومتوافقا مع القيمة الفعلية للعقار المستملك قبل ذلك التعويض وأصبح التعويض قد تم الاتفاق عليه بشكل رضائي بين الطرفين.

  • أما إذا رأى المالك أن قيمة التعويض المقدرة من قبل اللجنة السابق ذكرها لا يتوافق مع القيمة الفعلية للعقار -أي انه لا يعتبر تعويضا عادلا-  جاز  له اللجوء الى القضاء ليطلب الحكم بالتعويض العادل له عن قيام الجهة الإدارية باستملاك عقاره ونزعه لأغراض المنفعة العامة، والذي جرى العمل عيه في القضاء في  هذه الحالة أن المحكمة تنتدب مجموعة من الخبراء المتخصصين لتقدير قيمة العقار وتقدير قيمة التعويض عن استملاكه بشكل عادل يتناسب مع قيمته الفعلية وسعره في السوق، فإذا ثبت للمحكمة أن اللجنة قد راعت الشروط القانونية لتقدير التعويض العادل ردت دعوى المالك، أما إذا ثبت لها أن اللجنة قد خالفت شروط التقدير العادل للتعويض قضت بالتقدير الذي يقرره الخبراء، وقد رأى المشرع ضرورة الفصل في هذه المنازعة على وجه السرعة ما استدعي إضافة صفة  الاستعجال لها، والتي تقتضي ضرورة الفصل في دعاوى التعويض خلال مدة لا تزيد عن سنة واحدة من تاريخ تسجيل دعوى التعويض في المحكمة المختصة وقد نصت المادة( 189 ) من قانون الملكية العقارية على : ( أ- إذا تعذر الاتفاق على مقدار التعويض عن الاستملاك بين المستملك والمالك، لأي سبب كان، فيجوز لأي منهما اللجوء إلى المحكمة  لتعيين مقدار ذلك التعويض

ب- تعطى دعاوى التعويض عن الاستملاك صفة الاستعجال على أن يتم الفصل فيها خلال مدة لا تزيد على سنة واحدة من تاريخ تسجيلها لدى المحكمة.

رابعا: بعض اجتهادات محكمة التمييز فيما يتعل بالتعويض العادل عن الاستملاك

1- قضت محكمة التمييز في حكمها رقم 782 لسنة 2022 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 2022-07-24 حيث جاء فيه : (ورداً على ذلك وبالاطلاع على أوراق الدعوى والبينات المقدمة فيها نجد أن المدعيين (المميز ضدهما) يملكان قطعة الأرض موضوع الدعوى وأن الجهة المدعى عليها (المميزة) قامت باستملاك ما مساحته (138,22)م2 من قطعة الأرض استملاكاً مطلقاً وحيازة فورية لأغراض وزارة الأشغال العامة والإسكان لغايات طريق الخدمة الإضافي لطريق جامعة العلوم والتكنولوجيا وذلك بموجب إعلان الاستملاك المنشور بصحيفتي الدستور والأنباط بتاريخ 22-3-2012 وقد قرر مجلس الوزراء بقراره رقم 38 تاريخ 9/5/2012 الموافقة على الاستملاك ونشر القرار المذكور في الجريدة الرسمية العدد رقم 5166 تاريخ 16/7/2012. وحيث إنه لا يستملك أي عقار إلا لمشروع يحقق نفعاً عاماً ولقاء تعويض عادل عملاً بأحكام المادة (3) من قانون الاستملاك وبالتالي فإن الخصومة متوافرة والبينة المقدمة صالحة لبناء حكم بالاستناد إليها مما يستوجب رد هذا السبب.

وعن السبب الرابع ومفاده تخطئة محكمة الاستئناف باعتمادها تقرير الخبرة ولم تراع أحكام المادة 85/2 و، ز (من قانون أصول المحاكمات المدنية والتي أوجبت بيان الأسس الفنية التي استند إليها الخبير وكذلك المادتين (178 و190) من قانون الملكية العقارية.

ورداً على ذلك نجد أن الخبرة من وسائل الإثبات بمقتضى أحكام المادتين (2/6 و71) من قانون البينات ولمحكمة الاستئناف بصفتها محكمة موضوع مطلق الصلاحية في وزنها وتقديرها عملاً بأحكام المادة (34) من القانون ذاته دون معقب عليها من محكمة التمييز طالما كان تقرير الخبرة متفقاً وأحكام القانون.

ولما كان ذلك وكان البين من أوراق الدعوى أن محكمة الاستئناف ووصولاً إلى وجه الحق في الدعوى أجرت خبرة فنية تحت بإشرافها ورقابتها بمعرفة ثلاثة خبراء من ذوي الدراية والاختصاص في مجال المساحة والتقدير العقاري وذلك لتقدير التعويض العادل الذي يستحقه المدعيان عن المساحة المستملكة من قطعة الأرض موضوع الدعوى بتاريخ إعلان الرغبة بالاستملاك وإن الخبراء المنتخبين قدموا تقريراً خطياً بخبرتهم تضمن وصفاً دقيقاً وشاملاً لقطعة الأرض من حيث نوعها ومساحتها وموقعها وتربتها وصلاحيتها للزراعة والبناء كما بينوا بتقريرهم المساحة المستملكة البالغة (138,22 م2)وقدروا سعر المتر المربع الواحد من المساحة المستملكة بتاريخ إعلان الرغبة بالاستملاك في 22/3/2012 بمبلغ (180) ديناراً وبما مجموعه (24879) ديناراً و600 فلس لكامل المساحة المستملكة .

وحيث نجد أن تقرير الخبرة تضمن الأسس التي استند إليها الخبراء في تقريرهم من حيث طبيعة الأرض الطبوغرافية وموقعها ونوع التنظيم والاستعمالات المعدة لها وقربها من الخدمات العامة وأسعار العقارات المجاورة والمماثلة لها وعليه فإن تقرير الخبرة جاء مستوفياً لشروطه القانونية المنصوص عليها في المادتين (83 و85) من قانون أصول المحاكمات المدنية والمادة العاشرة من قانون الاستملاك وبالتالي فإن اعتماد محكمة الاستئناف لهذا التقرير كبينة قانونية في الدعوى والاستناد إليه في حكمها المطعون فيه جاء واقعاً في محله وموافقاً للقانون مما يستوجب رد هذا السبب).

2- الحكم رقم 826 لسنة 2022 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 14-7-2022

(وفي الرد على أسباب التمييز الأول المقدم من مجلس أمانة عمان.

وعن السبب الأول والذي يخطئ فيه الطاعن القرار المطعون فيه بالنتيجة التي توصل إليها من حيث التثبت من واقعة الاستملاك.

وفي ذلك نجد أنه لم يسبق للطاعن تمييزاً وأن عرض ما ورد بهذا السبب أمام محكمة الاستئناف حتى يكون له الحق بتخطئتها بأمر لم يعرض عليها، مما يتعين الالتفات عما أثاره الطاعن في هذا السبب.

وعن باقي أسباب الطعن والتي تدور حول الخبرة والخطأ في اعتمادها والأخذ بما ورد فيها لمخالفتها للأصول والقانون ولعدم استنادها إلى أسس ومبررات واقعية وحقيقية.

وفي ذلك نجد أن محكمة الاستئناف وفي ضوء الطعن المقدم من طرفي الدعوى قامت بإجراء خبرة جديدة بمعرفة ثلاثة خبراء ولعدم اعتماد تلك الخبرة قامت بإجراء خبرة أخرى بمعرفة خمسة خبراء حيث توصلت تلك الخبرة إلى أن مقدار التعويض عن الاستملاك (170) ألف دينار في حين أن الخبرة الأولى أمام المحكمة ذاتها توصلت إلى أن مقدار التعويض عن الاستملاك هو (297500) دينار فإن التفاوت بين التقديرين أصبح تفاوتاً كبيراً ويشكل فرقاً شاسعاً بين التقديرات في الخبرة الأولى عنها في الخبرة الثانية، مما يشكل عيباً في الخبرة يؤدي إلى عدم اعتمادها، إضافة لذلك أن محكمة الاستئناف لم تلتزم بنص المادة (83/1) من قانون أصول المحاكمات المدنية التي أوجبت عليها أن تبين في قرار الخبرة الأسباب الداعية لإجراء الكشف والخبرة والغاية من ذلك وتحدد بدقة تفاصيل المهمة الموكلة إلى الخبير لا أن تترك تحديد المهمة للقاضي المنتدب لإجراء الكشف، كما أن المادة (13/أ ، ج) من قانون الاستملاك رقم 12 لسنة 1987 الساري المفعول على واقعة هذه الدعوى قد أشارت إلى أن فتح أو توسيع أي طريق بموجب مخطط تنظيم أصلي أو تعديلي مكتسب الدرجة القطعية وفق أحكام قانون تنظيم المدن والقرى والأبنية المعمول به وأي قانون آخر يعدله أو يحل محله يعتبر استملاك ويعتبر تاريخ التصديق النهائي للمخططات لهذه الغاية بمثابة النشر لإعلان الاستملاك وقرار مجلس الوزراء بالاستملاك الأمر الذي يعني أن تقدير التعويض العادل للمتر المربع الواحد من الجزء المستملك يكون بتاريخ تصديق المخطط التعديلي التنظيمي والذي يعد بمثابة إعلان الرغبة بالاستملاك (ن.ح.ع 699/2012) وبما أن الخبراء توصلوا لخلاف ذلك ولم تقم المحكمة بكامل هيئتها بتحديد المهمة الموكلة إلى الخبراء بما في ذلك تاريخ إعلان الرغبة بالاستملاك ولم تحدد بدقة تفاصيل تلك المهمة ، وأن هناك تفاوتاً كبيراً بالتعويض بين الخبرتين أمام المحكمة ذاتها فإنه كان يتعين على محكمة الاستئناف وللوصول إلى تعويض عادل إجراء خبرة جديدة للمرة الثالثة لتكون فاصلة بين الخبرتين ، ولما أنها لم تفعل فإن قرارها يكون سابقاً لأوانه ومستوجباً للنقض.

وفي الرد على أسباب التمييز الثاني والتي يخطئ فيها الطاعن محكمة الاستئناف باعتماد الخبرة لمخالفتها للأصول والقانون وللفرق الشاسع.

وفي ذلك وبالبناء على ما ورد بردنا على أسباب الطعن الأول المقدم من مجلس أمانة عمان حول الخبرة والذي توصلت فيه محكمتنا إلى أن الخبرة الثانية التي تمت أمام محكمة الاستئناف جاءت مخالفة للأصول والقانون، وأن هناك فرقاً شاسعاً بين التقديرين في الخبرتين اللتين تمتا أمام المحكمة ذاتها فإن هذه الخبرة تكون غير صالحة للاعتماد وبناء حكم بالاستناد إليها فتكون هذه الأسباب واردة على القرار المطعون فيه ويتعين نقض).

3- حكم  محكمة التمييز بصفتها الحقوقية رقم 2830لسنة 2021 صادر بتاريخ 4-7-2021 لما كان ذلك
وكان البين لنا من مطالعة الخبرة أنها جاءت قاصرة ومعيبة خالية من بيان الأسس المعايير التي قدرت بها التعويض عن الاستملاك، حيث لم يرد بها ما يشير إلى أنها راعت المنصوص عليه في المادة العاشرة من قانون الاستملاك والمادة 190 من قانون الملكية العقارية كما ولم يرد بها ما يشير إلى أنها أخذت بعين الاعتبار أسعار الأراضي المجاورة فضلاً عن اطلاعها على عقود بيع في نفس المنطقة وبذات تاريخ الاستملاك موضوع الدعوى، كما وأن الملف خلا من بيان ما يفيد أن المقدرين العقاريين جمال بني هاني وجهاد حمدان مسجلين في سجل المقدرين العقاريين وبالتالي وأمام ذلك كله فقد كان على محكمة الاستئناف عدم اعتماد الخبرة وإجراء خبرة جديدة بمعرفة خبراء أكثر التزاماً بحكم القانون، ولما لم تفعل ذلك فقد جاء قرارها الطعين مشوباً بعيب القصور في التسبيب والتعليل نظراً لقصور الخبرة التي بنت عليها وبما يستوجب نقض القرار المميز).

خامسا: الخاتمة

ختاما فقد حاولنا في ها المقال بيان بإيجاز معيار التعويض العادل الذي يجب على المستملك دفعه الى المالك، تعويضا له عن نزع ملكيته وقد تطرقنا خلال ها المقال الى تعريف الاستملاك ومبرراته  التي جعلت من التعويض عنه واجبا على الجهة الإدارية المستملكة كما تبين لنا أن مجموع الشروط التي وضعها المشرع كمعيار للتعويض العادل هي كافية في حد ذاتها للوصول إليه، خاصة مع ما قرره المشرع من حق المالك المنتزع منه ملكيته للمنفعة العامة في الاعتراض أمام القضاء على التعويض المقدر بواسطة لجنة التقدير وهو ما مثل حماية للمالك من تعسف جهة الإدارة في تقديرها وحيدتها عن التقدير العادل.

[1] سليمان الطماوي، الوجيز في القانون الإداري، دار الفكر العربي، القاهرة 1996، ص 601

[2] ماجد راغب الحلو، القانون الإداري، الإسكندرية، دار المطبوعات الجامعية 1999، ص 627

[3]  الحكم رقم 363 لسنة 2007، محكمة العدل العليا، بتاريخ 6-3-2008، منشورات مركز عدالة

[4] أسامة الحناينة، نزع الملكية للمنفعة العامة في التشريع الأردني، ص 1056، 1057

[5] اشرف العدوان، عبد الناصر الهياجنة، التعويض العادل كشرط لمشروعية الاستملاك، مجلة دراسات علوم الشريعة والقانون، الجامعة الأردنية، 2012، مجلد 39، عدد 2، ص 476

[6] محمد وليد العبادي واحمد أبو شنب، الرقابة القضائية على الاستملاك في القانون الأردني، مجلة دراسات علوم الشريعة والقانون، الجامعة الأردنية، 2008، مجلد 35، عدد 2، ص 225

الرئيسية
إختصاصات
مقالات
واتساب
إتصال
error: المحتوى محمي !!