مرحلة التفاوض هي من أهم مراحل العقد حيث يحدد فيها المتعاقد مبتغاه من العقد، ومرحلة التفاوض أما أن تأخذ الطابع الشفوي دون وجود كتابة ويكون هذا في العقود البسيطة، وعلى النقيض يوجد من العقود ما هي معقدة تحتاج إلى مفاوضات كثيرة ويتبادل فيها الخطابات وقد يتم كذلك التوقيع على اتفاقات تمهيدية فيأخذ حينها الطابع التعاقدي، وفي هذا المقال سنتحدث عن التفاوض ذو الطابع التعاقدي وسيكون ذلك من خلال النقاط التالية:
أولًا: التعريف بمرحلة التفاوض
تلك المرحلة التي تضم مجموعة من العمليات التمهيدية التي تتمثل في المباحثات، والمساعي والمشورات، وتبادل وجهات النظر بهدف التوصل إلى اتفاق[1].
وعرفت أيضًا بمرحلة تبادل المقترحات والمساومات والدراسات الفنية والاستشارات القانونية بين الأطراف في المرحلة السابقة على التعاقد، بغرض معرفة ما يسفر عنه الاتفاق من حقوق والتزامات للأطراف[2].
فمن خلال تلك التعريفات نجد أهمية مرحلة التفاوض في العقود وخاصة في العقود التي تكون معقده كعقود الإنشاءات وعقود التنقيب عن البترول، تلك العقود قد تكون بين طرفين وقد يدخل فيها العديد من الأطراف.
ثانيًا: الطبيعة الخاصة لمرحلة التفاوض
مرحلة التفاوض لها طبيعة خاصة حيث لم تتفق التشريعات المتباينة على وصف خاص لتلك المرحلة، والغالب أنها لم تأخذ الطابع التعاقدي أكثر منه طابع أدبي يقضي توافر حسن النية ومتطلبات المفاوضات، فلا نجدها إلا مرتبة لمسؤولية تقصيرية في حالة ترتب ضرر على طرف جراء فعل الطرف الأخر.
فلقد ذهب جانب من الفقه إلى أن أساس هذه الالتزامات هي قواعد الأخلاق، فالإخبار والنصيحة المقدمة للطرف الآخر هي واجبات أخلاقية، فعلى المتفاوض إحاطة الطرف الآخر بما لديه من معلومات، ولكنها لا تصل إلى مرتبة الإلزام القانوني، وأساس هذا الالتزام هو قواعد الأخلاق[3].
وإذ خالفته عدد من الأنظمة الأخرى، إلا أن إطلاق حرية هذه المرحلة ليس حسنا؛ فلابد من تحديد تلك الحرية، ولا سيما أن أنصار هذا الاتجاه المنتقد يجعلون حسن النية جوهرًا للمرحلة السابقة على التعاقد إلا أن التقنيات الحديثة لم تتضمن نصوصا خاصة بهذه المرحلة وحتى التقنيات التي أشارت إليها بشكل جزئي لم يتضمن سوى مرحلة واحدة منها وهي مرحلة المفاوضات[4].
ثالثًا: نطاق مرحلة التفاوض
إن التفاوض على العقد ينتهي قانونًا في الوقت التي يصدر فيه الإيجاب، إذ في هذه اللحظة الحاسمة تكون المفاوضات قد حققت الغرض منها، وهو توصيل الطرفين المتفاوضين إلى اتفاق على جميع المسائل الجوهرية للعقد، ومن ثم تنتهي مرحلة المفاوضات وتبدأ مرحلة إبرام العقد[5].
ومن هنا يمكن التفرقة بين نوعين من الإيجاب، الأول هو الإيجاب الفوري والذي يكون في العقود التي لا تحتاج إلى مفاوضات سابقة على إبرام العقد، مثال على ذلك عرض البائع لشقة بمبلغ غير قابل للمناقشة فيعد ذلك إيجابًا فوري ينعقد العقد فور اقترانه بقبول من مشتري يقبل بهذا السعر، وذلك عكس الإيجاب الذي يحدث بعد العديد من المفاوضات فنا تنتهي مرحلة المفاوضات بصدور الإيجاب على أخر ما تم الاتفاق عليه، والجدير بالذكر أن العقود المركبة التي يكون فيها التزامات من قبل الطرفين غير دفع النقود فيكون كذلك الإيجاب مركبًا لا يتم إلا بإيجاب كلا الطرفين.
وأهمية تحديد نطاق مرحلة التفاوض أن لكل مرحلة من مراحل التعاقد لها ما يحكمها من قواعد قانونية تميزها عن المراحل الأخرى.
رابعًا: الدعوة للتفاوض
الدعوة للتفاوض ليس لها شكل معين ويمكن تمييزها أنها عبارة عن إيجاب للتفاوض على التعاقد دون التصريح بالتفاصيل الأساسية للعقد ليظل هناك مساحة من التفاوض على ما سيتم الاتفاق عليه، مثال على ذلك أن يعرض بائع مبيع للبيع بأعلى سعر فيعد ذلك إيجاب للتفاوض. هذا الإيجاب قد يكون صريحًا أو ضمنيًا، وقد يكون مفتوح للجميع وقد يرد عليه التحفظ بأن يحدد نطاق معين يمكنه التقدم لتلك المفاوضات.
ويترتب على اعتبار الدعوة إلى التفاوض مجرد إيجاب بالتفاوض ان الداعي إلى التفاوض لا يلزم مطلقا بإبرام العقد مع من يستجيب لدعوته، فهذه الاستجابة لا تكون قبولا ينعقد بها العقد المأمول في الحال وإنما هي مجرد قبول للإيجاب بالتفاوض يؤدي إلى نشوء اتفاق على التفاوض بين الطرفين وهذا الاتفاق لا يلزم الطرفين بإبرام العقد محل التفاوض في الحال إنما يلزمهما فحسب بالتفاوض على العقد بحسن نية[6].
وحسن النية يمكن تعريفها بأنها التعامل بصدق واستقامة وشرف مع الغير بصورة تبقي ممارسة الحق ضمن الغاية المقيدة والعادلة التي أنشئ من أجلها، والتزام كل من طرفي العقد بها لا تؤدي هذه الممارسة إلى الإضرار بالغير[7]. فتعد حسن النية تعد هي أساس المسؤولية في حالة عدم وجود وثائق مكتوبة تقر ما تم في هذه المرحلة.
خامسًا: صور التفاوض التعاقدي
1- الصورة الأولى: اتفاق التفاوض السابق
في هذا النوع من المفاوضات يقوم طرفا العقد بالاتفاق على الدخول في المفاوضات قبل الدخول في العقد، ففي هذه الصورة يكون عقد الاتفاق على التفاوض عقد قائمًا بذاته هدفه الوصول إلى النقاط المشتركة ويطلق عليه اسم “عقد المفاوضة.
في الولايات المتحدة العقود المتعلقة بتنظيم المفاوضات، والتي تسمح بتنفيذ مرحلة من مراحل العقد قبل إبرامه، فتعتبر عقودا حقيقية، بصرف النظر عن القانون الواجب التطبيق، أما بخصوص الاتفاقات الخاصة بالتحضير للعقد المستقبلي، يتوقف تقدير قيمتها القانونية على القانون الواجب التطبيق، فالقانون المدني يقبل مثل هذه الاتفاقات بسهولة في حين يرفضها القانون العرفي، وعلى الأقل فهذه الاتفاقات تسهل إثبات حالات الإخلال بالالتزام بالتفاوض بحسن نية وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية إذا لم يعترف لها بالصفة العقدية[8].
2- الصورة الثانية: اتفاق التفاوض المقترن
في هذه الصورة فإن التفاوض لا يأخذ شكلًا منفصلًا سابق على العقد، بل يكون لاحق حيث يكون عبارة عن جزء من العقد (بند)، وغاية هذا الاتفاق أن يعالج المشكلات التي تحدث أثناء التنفيذ، بحيث يقرر الطرفان في أحد بنود العقد الطريقة التي ستتم بها المفاوضات حال حدوث خلاف أثناء تنفيذ العقد.
ولا جدال فيما يحققه هذا الشرط من فائدة للطرفين. حيث إنه يلعب دورا في الحفاظ على استمرار حياة العقد وذلك من خلال إلزام طرفيه بالتفاوض لتمديده أو لتجديده مدة أخرى بعد انقضاء مدته. بحيث تستمر العلاقة بين الطرفين في المستقبل لاسيما إذا كانت هذه العلاقة قد حققت نجاحا كبيرا. فليس من الصواب إنهاء مثل هذه العلاقة المثمرة وإنما يجب العمل على استمرارها في المستقبل. الأمر الذي يعود بالخير على الطرفين وعلى المجتمع ككل[9] ”
3- الصورة الثالثة: الاتفاق على العناصر الجوهرية
في بعض الأحيان يقرر الطرفان مجموعة من العناصر الجوهرية يتم التفاوض من خلالها على ما يتفرع منها فرعيات أخرى، وهذا النوع من المفاوضات ينشأ على الطرفان التزامات تعاقدية تلزمهم بإكمال المفاوضات على الخطوط العريضة التي تم الاتفاق عليها.
وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض الفرنسية بأن ” البيع يعتبر قد تم بمجرد اتفاق الطرفين على المبيع والثمن ولا بحول دون ذلك عدم اتفاقهما على المسائل الثانوية وذلك مالم يتفقا على إرجاء إبرام العقد حتى يتم الاتفاق على هذه المسائل[10]”
سادسًا: مسؤولية المتفاوض
من خلال العرض السابق يتضح ان المسؤولية التي تقع على المتفاوض يمكن تقسيمها إلى التزام أصيل والتزامات تابعة للالتزام الأصيل.
1- الالتزام بالتفاوض
هذا الالتزام هو الالتزام الأساسي في المفاوضات وهذا الالتزام يكون في أغلب الأحوال مصدره التزام أدبي، ولا يمنع ذلك الأصل أن يكون هناك اتفاق مكتوب ينظم تلك المرحلة، فمتي وجد الاتفاق المكتوب فلا يوجد لبس أما في حالة عدم وجود اتفاق مكتوب فيحكم المفاوضات وقتها مبدأ حسن النية.
فللمتعاقدين الحق في التمسك بشروط العقد وبنوده، إلاّ أنه في بعض الحالات قد يؤدي التمسك بحرفية شروط العقد إلى الإجحاف بالطرف الآخر وزيادة التزاماته وإلحاق الضرر به في بعض الحالات كالظروف القاهرة أو المرهقة، فلا ضرر ولا ضرار، فليس للمتعاقد أن يتمسك بشروط العقد على وجه يتنافى مع حسن النية فالكتمان وعدم الإفصاح الأمين والصادق يخل بمبدأ حسن النية في المعاملات، فمن غشنا فليس منا[11].
2- الالتزامات التبعية
يتبع الالتزام الأصيل مجموعة من الالتزامات التي لابد ان يلتزم بها أطراف التعاقد خلال فترة المفاوضات وتلك الالتزامات هي:
أ- الالتزام بالإعلام
وبالتالي يقع الالتزام بالإعلام على عاتق البائع المحترف، وهذا لا يعني بأن البائع غير المحترف معفي من كل التزام، لأنه لا يشترط عليه تقديم المعلومات التقنية لكنه غير معفى من أن يقول بأمانة ما يعرفه من معلومات[12].
ب- الالتزام بالاستعلام
الالتزام بالاستعلام هو أن يكون الشخص لديه من الوعي ما يجعله حريصًا على مصلحته في ألا يقع في الغش أو التدليس، فلابد أن يبدي الشخص القدر الذي يبزله الشخص العادي أثناء المفاوضات.
ج- الالتزام بالتعاون والسرية
هذا الالتزام يظهر في عقد الشركة الذي يتطلب نية المشاركة فيما بين الشركاء وخاصة شركات الأشخاص لأن التعاون بين الشركاء مطلوب لتحقيق أهدافها، وهذا الركن ضروري لصحة الشركة فلا يمكن أن يقوم بدونه[13].
سابعًا: الإخلال بالالتزام بالتفاوض
الإخلال بأي التزام يجوب دفع الممتنع عن التنفيذ لإتمام التزامه أو إلى دفع التعويض حال عدم إمكانية التنفيذ العيني، والمقصود بالتنفيذ العيني في مجال حديثنا ليس تنفيذ العقد، ولكن المقصود إلزام أحد طرفي العقد بالمفاوضات، فهل يمكن ذلك؟
ويمكن الرد على هذا السؤال بلا وذلك لعدة أسباب، أولًا من الصعب أن نجبر أحد على الاستمرار أو البدء في المفاوضات لأن ذلك يعني التعدي على شخص المتفاوض بالإجبار، ثانيًا الإجبار لن يجعل المفاوضات تسير وفق مقتضيات حسن النية والتعاون.
أما ما يمكنا القول إنه الأنسب للتطبيق حال الإخلال فإنه التعويض المالي، حيث إن هذا الإخلال يرتب مسؤولية مدنية توجب التعويض، هذا التعويض قد ينشأ عن مسؤولية تعاقدية متى كان هناك اتفاق مكتوب ينظم المفاوضات، وقد تكون المسؤولية تقصيرية ما لم يكن هناك عقد ملزم بالمفاوضات لكن ضرر قد أصاب طرف جراء فعل الطرف الأخر، فهنا تطبق قواعد المسؤولية التقصيرية مع ضرورة توافر أركانها من خطأ وضرر وعلاقة سببية.
وإن الأضرار التي يجوز المطالبة بالتعويض عنها للطرف المضرور في مرحلة المفاوضات كثيرة ومتنوعة، غير أنه يمكن القول إن هذه الأضرار والتي جرى العمل على التعويض عنها هي نفقات التفاوض والضرر المترتب عن ضياع الوقت والتعويض عن السمعة التجارية والتعويض عن ضياع الفرصة[14].
ثامنًا: تطبيقات قضائية
محكمة: المحكمة التجارية- المدينة: جدة- رقم القضية – القرار: ٤٣٣٩٨١٣٢٦تاريخها: ١١/١/١٤٤٤
الأسباب:
تأسيساً على ما تقدم من الدعوى والإجابة وبعد تأمل المستندات المقدمة في القضية، ومن حيث طلب المدعي إلزام المدعى عليها برد مبلغ مليون ريال كان دفعه على سبيل الشراكة مع المدعى عليها؛ بالتالي فإن الفصل في ذلك مما ينبسط عليه اختصاص المحكمة التجارية وفق ما نصت عليه الفقرة (٣) من المادة السادسة عشرة من نظام المحاكم التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/٩٣) وتاريخ ١٥/٨/١٤٤١هـ. وأما في الموضوع فحيث ثبت استلام المبلغ المدعى به بإقرار ممثل المدعى عليها، وبما ثبت من مستندات، وبما أنه لم تنشأ علاقة تعاقدية بين الطرفين حيث لم يثبت للدائرة توقيع عقد بين الطرفين أو الاتفاق شفهياً على مشاركة المدعي في أي مشاريع الشركة ومدة الشراكة ونسبة أرباح الطرفين، ويؤكد هذا ما ذكر، وكيل المدعى عليها من عدم إتمام التعاقد بسبب عدم اكتمال المبلغ المتفق عليه، الأمر الذي يظهر معه للدائرة استحقاق المدعي للمبلغ المدعى به، وتلزم المدعى عليها برده، وبه تقضي، وبناء عليه:
نص الحكم:
حكمت الدائرة بإلزام شركة نعماء للمواد الغذائية سجل تجاري رقم (…) بأن تدفع لعبد الكريم على بطاح الدعيجي هوية رقم (…) مبلغاً قدره مليون ريال.
محكمة: المحكمة التجارية- المدينة: الرياض- رقم القضية – القرار: ٩٣٦٦تاريخها: ١١/٤/١٤٤٢
(الأسباب)
ولما كان المدعي يطلب في دعواه إلزام المدعى عليها بتسليم السيارة وتعويضه عن التأخر في تسليمها إليه بمبلغ ٢٧.٠٠٠ ريال، ولما كان جواب المدعى عليها قد تمثل في المصادقة على البدء في العلاقة التعاقدية ولكنها لم تتم لكون السيارة محل الاتفاق المبدئي تم التصرف فيها بالبيع من قبل المدعية، وبالتالي لا وجود لعين تكون محلاً لبدء هذه العلاقة، ولما كان جواب المدعي على ما دفعت به المدعى عليها قد تمثل في صحة عدم انعقاد العقد بين الطرفين ولكنه دفع بأن سلم للمدعى عليها مبلغاً قدره ٣٠٠٠ ريال وصادقت المدعية على ذلك وذكرت بأنه عربون وأنه لا مانع لدى موكلتها من إعادته إليه لعدم تمام البيع، ولما كانت وقائع هذه الدعوى كما ذكر أعلاه، فإن الدائرة رأت أن عقد البيع لم يقع بين الطرفين، وإنما وقع تفاوض بينهما وسلم المدعي عربوناً فقط، ومن المعلوم أن العقود لا تنعقد إلا بالإيجاب والقبول جاء في زاد المستقنع في كتاب البيوع: (وينعقد بإيجاب وقبول بعده وقبله متراخياً عنه في مجلسه فإن تشاغلا بما يقطعه بطل وهي الصيغة القولية، وبمعاطاة وهي الفعلية)، أما ما ذكره المدعي من كون المسلم للمدعى عليها جزء من عملية البيع، فلا ينعقد البيع بينهما بذلك؛ لأن حقيقة تسليمه عربون للجدية في البيع، وأما ما ذكره المدعي من تضارب أقوال المدعى عليها وقت المفاوضات مع أقوالها أمام الدعوى الماثلة فهذا ليس مناط النظر في الدعوى؛ لأن تراجع أحد الطرفين عن العقد خلال المفاوضات التي لم يتم بموجبها عقد البيع صحيح وجائز، ولذا فقد انتهت الدائرة إلى عدم استحقاق المدعي لما يطالب به، وله مطالبة المدعى عليها بما دفعه لها من مبالغ لذلك كله:
(منطوق الحكم)
حكمت الدائرة برفض هذه الدعوى وﷲ الموفق..
محكمة: المحكمة التجارية- المدينة: الرياض- رقم القضية – القرار: ٢٥٢١تاريخها: ١٩/٧/١٤٤٢
(الأسباب)
ولما كانت المدعي تطلب في دعواه إلزام المدعى عليها بمبلغ قدره (٢٧٨,٢٥٠ريال) تمثل تعويض عن قيام المدعى عليها بفسخ العقد المبرم بينهما بحسب نص العقد، ولما كان جواب المدعى عليها قد تمثل في صحة العلاقة التعاقدية، وانفساخ العقد المبرم بين الطرفين، ولكنها دفعت بأنه تم تجديد العقد مرة أخرى على نفس العين المؤجرة مع تعديل الأجرة من كونها أجرة شهرية إلى أجرة يومية، وذكرت بأن انفساخ العقد كان برغبة الطرفين وتلاقي إرادتهما للفسخ من أجل كتابة العقد الجديد الذي اتفقا عليه، ولما كانت بينة المدعية تتمثل في البند ثامنا من العقد المفسوخ، التي نصت على أنه : (في حال رغبة الطرف الثاني ـ المدعى عليها ـ بفسخ العقد قبل انتهاء مدته يلتزم بإنذار الطرف الأول عن رغبته في الفسخ، كما يلتزم بدع أجرة شهر واحد كتعويض للطرف الأول المدعية، وفي حال تم فسخ العقد دون إنذار فإن الطرف الثاني يلتزم بدفع قيمة شهرين، وفي حال رغبة الطرف الأول بفسخ العقد قبل انتهاء مدته يلتزم بإنذار الطرف الثاني عن رغبته في الفسخ، كما يلتزم بدع أجرة شهر كتعويض للطرف الثاني، وفي حال تم فسخ العقد دون إنذار فإن الطرف الأول يلتزم بدفع قيمة شهرين) ا.هـ، كما أن بينتها تتمثل في الإيميل الصادر من المدعى عليها بتاريخ ٦/٥/٢٠١٨م أبدت فيه المدعى عليها رغبتها بالفسخ، ولما كان جواب المدعى عليها على ما قدمته المدعية من مستندات تتمثل في صحة ما جاء في البند ثامنا من العقد، ولكنها دفعت بأنه لا ينطبق على ما وقع بين الطرفين لكون الفسخ كان بإرادة الطرفين ورضاهما، كما أجابت عن الإيميل المذكور بصحته وصدروه منها ولكنها دفعت بأنه صدر بعد مفاوضات مع المدعية انتهت المفاوضات على تلاقي رغبة الطرفين بفسخ العقد، والإيميل جاء تأكيدا لما تم الاتفاق عليه، ولما كان جواب المدعية على ما ذكرته المدعى عليها بصحة وقوع المفاوضات بين الطرفين قبل تاريخ الإيميل وأن المفاوضات كانت لأجل حسم مسألة تحديد الأجرة من شهرية إلى يومية، وأنكرت موافقة المدعية على فسخ العقد، ولما كانت المدعية وكالة قد قررت أن العقد الجديد المحدد فيه الأجرة بكونها يومية بدل أن تكون شهرية كما في العقد السابق وأن العين المؤجرة في العقد المفسوخ هي نفس العين المؤجرة في العقد الجديد، لذا فإن إنكارها لموافقة موكلتها على الفسخ غير مقبول، لأن إقرارها بكون المفاوضات قبل تاريخ الإيميل كانت لأجل حسم مسالة التعثر في السداد وتحويل الأجرة من شهرية إلى يومية، ثم بعد ذلك انعقد العقد بين الطرفين على وفق ما جاء في المفاوضات فإن ذلك يدل على الرضى بالفسخ للعقد السابق وتلاقي رغبة طرفي الدعوى في ذلك، ولما كان التعويض في البند ثامنا من العقد المبرم بين الطرفين قد اشترط لاستحقاق التعويض رغبة أحد طرفي العقد بالفسح حسب الأحوال المنصوصة فيه، وليس تلاقي رغبتهما لذا فقد انتهت الدائرة إلى عدم استحقاق المدعية لما تطالب به لذلك كله.
(منطوق الحكم)
حكمت الدائرة برفض هذه الدعوى وﷲ الموفق.
تاسعًا: خاتمة
في هذا المقال تحدثنا عن الجوانب القانونية لمرحلة التفاوض ذو الطابع التعاقدي، فبينا أن التفاوض وإن كان قد درج إطلاقه على المرحلة التي تسبق إبرام العقد إلا أننا وجدناه قد يكون خلال تنفيذ العقد أو وقت حدوث خلاف، وأهمية تنظيم مرحلة المفاوضات سواء كانت سابقة أو كبند بالعقد أنها تكون هي الأكثر تعبيرًا عن إرادة المتعاقدين حيث يظهر أكثر فيها الدوافع لطرفي العقد على عكس العقد التي تكون بنوده صماء فكثيرًا تفسر تلك البنود الصماء مرحلة المفاوضات لذا يجب الاعتناء بتلك المرحلة من قبل المشتغلين بمجال القانون.
[1] انظر رجب كريم عبد الله، التفاوض على العقد، دراسة مقارنة، دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 2000، ص63 وما بعدها.
[2] ينظر: د. حسام كامل الأهواني: المفاوضات في الفترة قبل التعاقدية ومراحل إعداد العقد الدولي، تقرير مقدم إلى ندوة الأنظمة التعاقدية للقانون المدني ومقتضيات التجارة الدولية، معهد قانون الأعمال الدولي، القاهرة،1993، ص2.
[3] محمد صديق محمد عبد الله، موضوعية الإرادة التعاقدية، دراسة تحليلية مقارنة، دار شتات للنشر والبرمجيات، مصر الإمارات،2012، ص400
[4] د. أحمد شرف الدين: أصول الصياغة القانونية للعقود، تصميم العقد، القاهر ة، بلا اسم مطبعة،1993، ص64؛ د. عبد الحي حجازي، النظرية العامة للالتزام القانون الكويتي، دراسة مقارنة، الجزء الأول، مصادر الالتزام باعتناء د. محمد الألفي، 1983، مطبوعات جامعة الكويت، 1983، ص595؛
[5] د. حـليـــس لـخضــر، مرحلة المفاوضات التعاقدية، مجلة المنار للبحوث والدراسات القانونية والسياسية العدد الأول جوان 2017، مجلة دولية دورية علمية محكمة متخصصة في مجال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـــة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة يحي فارس ʪلمدية، صـ166
[6] د. رجب كريم عبد اللاه، التفاوض على العقد، رسالة دكتوراه، حقوق القاهرة، 2000، صـ 88
[7] أنور السلطان، الموجز في مصادر الالتزام، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1988، ص451
[8] الأستاذ. مارسيل فونتان: -الأنظمة التعاقدية للقانون المدني ومقتضيات التجارة الدولية- بحث مقدم لندوة المنظمة التعاقدية للقانون المدني ومقتضيات التجارة الدولية، -ص116وما بعدها.
[9] د. رجب كريم عبد اللاه، التفاوض على العقد، رسالة دكتوراه، حقوق القاهرة، 2000، صـ 318
[10] Cass Civ 14 jany. D1988. p80. note schrmiodt
[11] بوكلوة كنزة، بوطرينخ فضة، مبدأ حسن النية في إبرام وتنفيذ العقود، مذكرة لنيل رسالة الماستر في القانون، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد الصديق بن يحي/جيجل، 2017-2018، صـ18
[12] جاك غستان، المطول في القانون المدني، تكوين العقد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 2000، ص722
[13] عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني في نظرية الالتزام بوجه عام 1ج، دار النهضة العربية، 1981، صـ59
[14] معمر بوطالبة، الإطار القانوني لعقد التفاوض في مفاوضات عقود التجارة الدولية، لنيل شهادة الدكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الإخوة منتوري، قسنطينة، 2017، ص224.