يتميّز عقد الوساطة التجارية بخصائص عديدة أهمها :
أولاً – انه عقد من العقود الرضائية .
في البداية لابد من تعريف العقد الرضائي وهو ما يكفي في انعقاده تراضي الطرفين أي اقتران الإيجاب بالقبول فالتراضي وحده هو الذي يكون العقد فهو ينعقد بمجرد اتحاد القبول بالإيجاب والأصل في العقود ان تكون رضائية.
ويجب التفرقة فيما يتعلق بالعقود الرضائية بين انعقاد العقد واثباته فالعقد قد يكون رضائياً أي انه ينعقد بمجرد تلاقي او اتحاد القبول بالإيجاب لكن القانون يشترط لإثباته دليلا كتابيا اذا زادت قيمته عن حد معين فهذا الشرط المتعلق بالإثبات لا يخل بمبدأ الرضائية لكنه يضع قيدا في إثبات هذا العقد.
وقد يتفق المتعاقدان ان يكون العقد بينهما كتابة في هذه الحالة يتم النظر اذا كانا يقصدان ان تكون الكتابة في هذه الحالة للأثبات فيتم العقد بينهما بمجرد الرضاء او لإتمام العقد فلا ينعقد العقد في هذه الحالة بدون كتابة ولكل من المتعاقدين ان يعدل عن الكتابة مادامت الكتابة لم تتم.
ان عقد الوساطة التجارية هو عقد رضائي لان القانون لم يستلزم لانعقاده غير تلاقي الإيجاب الصادر من احد المتعاقدين والذي غالبا ما يكون الموسط الذي لجأ الى الوسيط التجاري من اجل ايجاد شخص يقبل المتعاقد معه لشراء او بيع بضاعة معينة يريد شراءها او بيعها وقبول من الوسيط التجاري بالقيام بهذه المهمة وايجاد الطرف الاخر الذي يبحث عنه الموسط فهنا ينعقد العقد بين الوسيط التجاري والموسط دون الحاجة الى شكلية معينة فكل ماهو مطلوب ايجاب من الموسط وقبول من الوسيط التجاري دون حاجة الى كتابة او شهود على هذا العقد .
ثانياً – انه عقد من عقود المعاوضة .
عقد المعاوضة هو العقد الذي يأخذ فيه كل من المتعاقدين مقابلا لما اعطاه ويجب عدم الخلط بين عقد المعاوضة والعقد الملزم للجانبين فقد يكون العقد ملزماً لجانبين ولكنه من عقود التبرع .
وان العقد الواحد قد يكون معاوضة بالنسبة الى احد المتعاقدين وتبرعا بالنسبة الى المتعاقد الاخر*. والاصل ان جميع العقود التجارية عقود معاوضة حيث تقع مقابل عوض معين ولذلك فهي تختلف عن العقود المدنية التي من الممكن ان تكون مجانية ويرجع ذلك الى ان القانون التجاري لايعرف نية التبرع حيث يسعى التجار الى تحقيق الربح من خلال الاعمال والخدمات التي يقدمونها للغير .
ان عقد الوساطة التجارية يعتبر من عقود المعاوضة لان كلاً من الطرفين المتعاقدين يأخذ مقابلا لما اعطى فالوسيط التجاري يأخذ اجرة ( العمولة ) مقابل الخدمة التي يقدمها للموسط و يكون متفقا عليها من قبل الطرفين وهي عادة نسبة مئوية معينة من قيمة الصفقة التي تم عقدها وفي حالة عدم الاتفاق يقوم القاضي بتحديده وفقا للعرف التجاري او طبقا لقواعد العدالة .
والموسط يأخذ مقابلا ايضا مقابل الاجر الذي يدفعه الوسيط التجاري وهو التوصل الى عقد الصفقة التي ارادها من بيع او شراء عن طريق الوسيط التجاري الذي قدم له خدمة ووجد له الشخص الذي قبل التعاقد معه وابرام الصفقة فكل من طرفي العقد قد اخذ مقابلا لما اعطاه للطرف الاخر .
ثالثاً- انه عقد من العقود الملزمة للطرفين .
العقد الملزم للجانبين هو العقد الذي ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين فالظاهرة الجوهرية في هذا العقد هو التقابل القائم ما بين التزامات احد الطرفين والطرف الاخر .
وهناك رأي في الفقه يرى ان طبيعة العقد تتحدد عند النشوء ولاتتاثر فيما يمكن ان يطرأ من تغيرات على العقد فالعقد الملزم للجانبين لا يتحول الى عقد ملزم لجانب واحد اذا قام احد المتعاقدين بتنفيذ التزامه دون المتعاقد الاخر وكذلك أن العقد الملزم لجانب واحد لا ينقلب الى عقد ملزم لجانبين اذا ما تولدت عنه بعد نشوئه التزامات على من لم يكن ملتزما بها من قبل .
وهناك رأي مخالف لهذا الرأي تماما هو اذا قام احد الطرفين بتنفيذ التزاماته المتولدة من هذا العقد وظلت على الطرف الاخر التزاماته فإن العقد ينقلب من عقد ملزم لجانبين الى عقد ملزم لجانب واحد فقط .
ان عقد الوساطة التجارية هو عقد ملزم للجانبين لانه يرتب التزامات متقابلة في ذمة كل من الطرفين فيلتزم بموجبه الوسيط التجاري بالبحث عن طرف اخر وايجاده والتوصل الى ابرام العقد بين الطرفين وكذلك يلتزم بأن لايكون طرف ثانٍ في العقد الذي يتوسط لإبرامه ويلتزم ايضا بتسجيل المعاملات التي تمت على يده وكذلك التأكد من ملاءمة العميل واهليته للتعاقد ويلتزم الوسيط بالمقابل بموجب هذا العقد بدفع العمولة المتفق عليها وكذلك دفع المصاريف التي انفقها الوسيط التجاري في سبيل ابرام العقد ويلتزم ايضا بتعويض الوسيط التجاري عن الاضرار التي لحقت به في سبيل ابرام الصفقة في حالة عدم ابرام العقد بسبب لا يعود الى تقصيره (10).
ويترتب على اعتبار عقد الوساطة التجارية ملزماً للجانبين نتائج عديدة اهمها اذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه جاز للمتعاقد الاخر فسخ العقد ليتحلل من التزامه هو كذلك وهذا الحق يسمى ( الشرط الفاسخ الضمني ) وكذلك يترتب عليه اذا لم يقم احد المتعاقدين بتنفيذ التزامه وطالب الاخر بتنفيذ التزامه كان لهذا ان يرد دعواه ويدفع بوجوب قيامه هو ( المدعي ) بتنفيذ التزامه وهذا الدفع يسمى بالدفع بعدم التنفيذ وأخيرا اذا استحال على أحد طرفي العقد تنفيذ التزامه لسبب خارج عن ارادته فإن التزامه ينقضي وتبرأ ذمته وينقضي في الوقت نفسه العقد من تلقاء نفسه وبذلك يتحمل المتعاقد الذي استحال عليه تنفيذ التزامه تبعة هذه الاستحالة (11).
رابعاً – خاصية الاستقلال .
ان الوسيط التجاري تنحصر مهمته في التقريب بين الطرفين من اجل ابرام عقد معين لقاء اجر وهو يقوم بمهمته دون ان يكون تابعا للتاجر بمعنى انه لا يرتبط معه بعقد عمل وانما يعمل مستقلا عنه ولايعتبر من اتباعه(12)، وبذلك يختلف الوسيط التجاري عن الموظف او الممثل التجاري الذي يرتبط مع التاجر بعقد عمل ويكون خاضعا لاشرافه وتوجيهاته .
يعتقد البعض ان علاقة الوسيط التجاري بمن وسطه لايمكن ان تستمر فترة طويلة بل هي علاقة عارضة فإذا ارتبط به فترة طويلة فلابد ان يكون تابعا او موظفا في حين يذهب الرأي الراجح الى ان العبرة في هذه الحالة بطبيعة العمل بصرف النظر عن الوقت الذي استغرقه في تنفيذ العمل اذ ان عمل الوسيط التجاري يمارس على وجه الاستقلال ويقتصر على التقريب بين طرفين فهو وسيط وليس موظفاً (13) ، ويميل الباحث الى تأييد هذا الرأي لما يتميّز به عمل الوسيط من استقلال تام في اداء المهمة المكلف بها دون تأثير لطول المدة على تكييف عمله كموظف لدى الطرف الاخر الذي يعمل لصالحه . ويترتب على صفة الاستقلال هذه نتائج عديدة اهمها ان الوسيط التجاري لايلتزم بالتعليمات الصادرة من المتعاقد في ممارسة مهنته ولايجبر عليها فهو يقوم بنشاطه ويتصل بعملائه كما يشاء وانما يلتزم الوسيط التجاري بشروط الموسط الخاصة بشروط محل الالتزام أي الشروط التي على اساسها بذل جهوده في سبيل ايجاد العميل الذي يرغب بالتعاقد وفق الشروط المحددة (14).
كما يترتب على صفه الاستقلال ان يستطيع الوسيط مباشرة وساطة اخرى مع اخر وان يمارس عمله لمصلحة عدة اشخاص سواء كانوا افراداً ام شركات دون الحاجة الى حصول على اذن من كلفة بالبحث عن متعاقد للتعاقد معه كما له ان يستعين بمن يشاء للقيام بعمله دون الحاجة الى الحصول على اذن من يعمل لصالحه (15).
وأخيراً يترتب على صفة الاستقلال هذه اكتساب الوسيط التجاري صفة التاجر لانه يمارس عمله على وجه معتاد بغض النظر عن طبيعة التصرفات التي يتوسط فيها ويترتب على اعتباره تاجرا ان يلتزم بكل التزامات التجار من مسك الدفاتر التجارية والتسجيل وإمكانية إشهار إفلاسه (16).
خامساً – انه عقد من العقود الاحتمالية .
يعرف العقد الاحتمالي انه العقد الذي لا يستطيع فيه كل من المتعاقدين ان يحدد وقت تمام العقد القدر الذي اخذ او القدر الذي أعطى ولا يتحدد ذلك إلا في المستقبل تبعا لحدوث امر غير محقق الحصول او غير معروف وقت حصوله (17)، ففي هذا العقد لا يمكن تحديد المركز المالي لكل من المتعاقدين وقت العقد ولا يتحدد ذلك الا في المستقبل تبعا لحدوث امر غير محقق الوقوع (18) . وعقد الوساطة التجارية عقد احتمالي لان التزام العميل بدفع الاجرة معلق على إبرام العقد المطلوب الوساطة فيه وهذا ماعبرت عنه المادة (6) اولا من قانون الدلالة العراقي وكذلك نص المادة (194/1) من قانون التجارة المصري وكذلك نص المادة (101) من قانون التجارة الاردني(19). ولكن ابرام العقد بين الطرفين يكفي لاستحقاق الاجر دون اشتراط التنفيذ اذ لا يكون الوسيط التجاري مسؤولا عن تنفيذ العقد الملزم بين الطرفين وهذا ما نصت عليه المادة (6) أولا من قانون الدلالة العراقي وكذلك الفقرة الثانية من المادة (194) من القانون المصري ونص المادة (101) من قانون التجارة الاردني(20). كذلك لا يضمن الوسيط التجاري يسر المتعاقد الذي يقدمه للموسط إلا إذا كان يعلم بإعساره لأنه يكون في هذه الحالة قد وقع في خطأ يوجب المسؤولية وهذا ما نصت عليه المادة (202) من قانون التجارة المصري إذ جاء فيها (( لا يضمن السمسار يسر طرفي العقد الذي يتوسط في إبرامه ولا يسأل عن تنفيذ العقد او عن قيمة او صنف البضائع المتعلقة به الا اذا اثبت الغش او الخطأ الجسيم من جانبه )) ولا مقابل لهذا النص في قانون الدلالة العراقي او قانون التجارة الاردني ومن الاجدر بالمشرع العراقي ان يأخذ بالنص المصري وينص صراحة على عدم مسؤولية الوسيط عن إعسار احد طرفي العقد او عن تنفيذ العقد الذي توسط فيه لان مهمته واضحة هي التقريب بين الطرفين ودفعهما الى التعاقد فقط الا اذا اثبت الغش او الخطأ الجسيم من جانبه فيسأل حينئذ عن غشه او خطأه .
سادساً – انه عقد من العقود التجارية .
ان عقد الوساطة التجارية هو عقد تجاري لان محل العقد هو القيام بالوساطة والوساطة تعتبر من الاعمال التجارية حسب نص قانون التجارة العراقي(م 5 ف 16) وكذلك نص قانون التجارة المصري (م5 /فقرة د) وكذلك المادة (6/ج) من قانون التجارة الاردني (21). وكذلك نص القانون الفرنسي في المادة (632/ف10) على تجارية عقد الوساطة التجارية بشرط وقوعها على وجه الاحتراف(22). يتبين من ذلك ان عملية الوساطة الواحدة تعتبر عملا تجاريا في العراق والأردن ماعدا القانونين المصري والفرنسي اللذين اشترطا ممارسة الوساطة التجارية على وجه الاحتراف بموجب المواد المذكورة سابقاً (المادة 5/ ف د مصري ، والمادة 632/ ف 10 فرنسي) ، ان عملية الوساطة الواحدة تعتبر تجارية في العراق والاردن كما ذكرنا فلا تشترط هذه القوانين ممارسة العمل على شكل مشروع لانها تتكلم عن كل عمل متعلق بالوساطة ولذلك فلا أهمية لكون الوسيط محترفاً لهذا العمل من عدمه ولكون الحكم كذلك بالنسبة لجميع الوسطاء سواء كان تابعا لجماعة او طائفة معينة او يعمل مستقلا لوحده (23).
وقد ثار الخلاف في الفقه والقضاء حول ما اذا كانت الوساطة تعتبر عملا تجاريا مطلقا سواء حصلت بمناسبة عملية تجارية او مدنية ام انها لا تعتبر عملا تجاريا الا اذا حصلت بمناسبة عملية تجارية .
فذهب جانب من الفقهاء الى ان الوساطة التجارية تعتبر عملا تجاريا دائما في كل الاحوال بصرف النظر عن نوع العمل المرتبط بها سواء اكان مدنيا ام تجاريا لان القانون العراقي والمصري والفرنسي والاردني قد نص على اعتبار الوساطة من ضمن الاعمال التجارية دون تقييد ذلك بأي قيد راجع الى طبيعة العملية المراد ابرامها ولامجال للتخصيص امام عموم النص واطلاقه ثم ان ربط الوساطة بطبيعة الصفقة المراد ابرامها واعتبارها ضربا من ضروب الوكالة عندما تكون الصفقة مدنية فيها خلط بين عقدي الوساطة والوكالة رغم اختلافهما فمهمة الوسيط التجاري وتقتصر على التقريب بين طرفي العقد دون ان يلتزم بشيء ودون ان يكون طرفا في هذا العقد فلا يظهر فيه ولا يسأل عن تنفيذه أما في الوكالة فيظهر الوكيل في العقد ويقوم بإبرام العقد نيابة عن موكله ولا محل أيضاً للقول بان الوساطة تتبع الصفقة ولا يتصور قيام التابع قبل المتبوع وكذلك أن عمل الوسيط لا يختلف في المواد التجارية عنه في المواد المدنية بل هو من طبيعة واحدة فلا يتصور ان يختلف وصفه القانوني من حالة الى اخرى (24).
ويرى الدكتور حسني المصري عكس هذا الرأي تماما ويجده رأيا غريبا من ناحيتين الاولى (( انه اذا توسط شخص في عقد بيع عقار وهو عقد مدني بطبيعته بالنسبة لطرفيه فأنعقد الوساطة يعد مع ذلك عقدا تجاريا بالنسبة له ولو حصل التوسط لمرة واحدة وهنا يثار التساؤل عن المعيار الذي تستند اليه لتجارية هذا العقد والاجابة على ذلك كما يقول يصعب اسناد هذه التجارية على معايير العمل التجاري وهي المضاربة والتداول لان الوسيط التجاري يتوسط بين متعاقدين ولايضارب على شيء كما ان توسطه لا يؤدي الى تحريك الثروة لان التوسط متعلق بعقار وفضلا عن ذلك لا يمكن اسناد التجارية على معيار المقاولة والمشروع اذ تقع الوساطة لمرة واحدة وليس على وجه التكرار هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فإن الرأي السابق يؤدي اى اعتبار اعمال قليلة الاهمية تجارية وخاضعة للقانون التجاري كالتوسط في الزواج جليا لمنفعة مادية له لمرة واحدة لايمكن اعتباره تاجرا طالما ان عمله ليس مشروع الذي يضارب فيه صاحبه على مجهود العناصر المادية والبشرية وهذه الاعتبارات دفعته الى القول بأن الوساطة لا تكون تجارية الا اذا اتخذت شكل مشروع او تعلقت بعمل تجاري))(25). ويفرق جانب من الفقه (26).
بين وقوع الوساطة بعمل منفرد فلا تكون تجارية الا اذا تعلقت بصفقة تجارية بالنسبة للطرفين المتعاقدين اما اذا تمت الوساطة بشكل مشروع فهي تجارية بصورة مطلقة ولو كان موضوع الصفقة من طبيعة مدنية .
((وهذا الرأي لا بأس به لو ان المشرع عدل التشريع الحالي ولم يغب ذلك عن صاحب الرأي فهو يلاحظ انه لا سند له في النصوص القائمة وانما تمليه الرغبة في الاخذ بالاتجاه الحديث الذي يهدف الى التقليل ما أمكن من الاعمال التجارية المنفردة والتوسع في فكرة المقاولة واتخاذها المقياس الفذ لمعنى التجارة))(27). وقد حسمت محكمة النقض المصرية هذا الخلاف في مصر في حكمها الصادر بجلسة 8 كانون الاول 1960 بقولها (( انه وان كانت السمسرة عملا تجاريا بطبيعته محترفا كان السمسار او غير محترف ومدنية كانت الصفقة التي توسط السمسار في إبرامها او تجارية إلا ان هذا الوصف لا ينضبط ولا يتحقق إلا في شأن السمسار وحده ولا يتعداه الى غيره ممن قد يتعاملون معه ذلك ان النص في المادة الثانية من قانون التجارة على اعتبار السمسرة عملا تجاريا انما يراد به اعمال السمسرة او الوساطة في ذاتها ولا ينصرف الى اعتبار السمسرة عملاً تجارياً في حق السمسار وفي حق عميله سواء بحيث يقال ان هذا الاخير اذ يطلب وساطة السمسار في ابرام صفقة ما يباشر عملا تجاريا هو الاخر ومن ثم ان عقد السمسرة يعتبر تجاريا من جانب واحد وهو جانب السمسار دائما وفي جميع الاحوال ولايجري عليه نفس الوصف بالنسبة للجانب الاخر وانما يختلف الوضع فيه باختلاف ما اذا كان هذا الجانب تاجرا او غير تاجر وتبعا لطبيعة الصفقة التي يطلب الى السمسار التدخل في ابرامها ))(28).
ولكن اذا كانت الوساطة تعتبر دائما تجارية حسب هذا الحكم بالنسبة للوسيط التجاري فإن الامر على خلاف ذلك بالنسبة لمن يتعامل معه فلايعتبر عقد الوساطة عملا تجاريا بالنسبة للعميل الا اذا كان تاجرا وتعلقت الصفقة المراد ابرامها بتجارته اما اذا لم يكن العميل تاجرا او كان تاجرا ولكن لا يتعلق موضوع الوساطة بتجارته فإن العملية تعتبر مدنية بالنسبة له(29).
اما القضاء الفرنسي فمتردد بين الرأيين ولكنه اكثر ميلا الى التفريق بين الاعمال المدنية وتعتبر الوساطة فيها مدنية ، وبين الاعمال التجارية وتعتبر الوساطة فيها عملا تجاريا(30).
وان هذه المسالة محسومة في القانون العراقي قانون الدلالة 58 لسنة 1987 اذ لا يشترط لتجارية الوساطة ( الدلالة ) وقوعها بمناسبة عملية تجارية ويعتبر الوساطة التجارية عملية تجارية ايا كانت طبيعة المعاملة التي يسعى الوسيط لإبرامها مدنية كانت ام تجارية ويستفاد هذا الحكم من نص المادة الاولى من هذا القانون إذ عرف الدلالة بأنها (( عمل يبتغي القائم به تسهيل ابرام عقد من العقود لقاء اجره )) ، دون ان يشترط النص تجارية العقد لذلك يعتبر تجاريا التوسط في تأجير العقارات والتوسط بين المزارعين والمستهلكين وغير ذلك من المسائل المدنية(31).
يلزم لتجارية هذه الوساطة ان تتم ممارستها على شكل مشروع وليس بعمل منفرد لان عمل الوسيط لا يتجاوز بذل مجهوده ومهارة شخصية لإقناع ذوي الشأن بإبرام عقد ما وهذا لا يمكن اعتباره عملا تجاريا اذا وقع لمرة واحدة ولكن حين يتخذ لنفسه مكتباً معروفاً ويوفر له المستلزمات الضرورية التي تساعده في اداء عمله وهو بذلك يحتاج الى نظام قانوني لضبط هذه المهنة وهذا يوافق ما ذهب اليه المشرع العراقي حيث استلزم لتعاطي مهنة الوساطة التجارية ان يكون له محل خاص داخل العراق وان يحصل على اجازة لممارسة مهنة الوساطة(32).
ويرى الباحث ان الوساطة تعتبر تجارية بصرف النظر عن طبيعة الصفقة التي يتوسط في إبرامها سواء أكانت مدنية أم تجارية .