الدفع بالتحايل على القانون في التشريع الأردني

يلجئ الكثير من الأشخاص إلى استخدام الحيلة والخدعة  للوصول لمبتغاهم ، فالتحايل من الحيلة وهو الالتفاف على الشيء لاستخدامه بطريقه غير مخصصة له أو توظيفه في غير مكانه ، والتحايل على القانون هو من قبيل الغش ويعرف على أنه استعمال النصوص القانونية بسوء نية، للحصول على غرض غير مشروع أو الإضرار بالغير، وتبرز مشكلة التحايل على القانون  بصور هذا التحايل، فالتحايل على القانون قد يتعلق بالقانون الدولي وهنا تكمن الخطورة بضرورة معالجته لوجود عنصر أجنبي وقد يؤدي إلى الإضرار بالعلاقات الدولية.

إن فكرة التحايل على القانون ترتبط بقواعد الإسناد وهي الأداة التي تحدد القانون الواجب التطبيق، حيث يعمل الأشخاص على التغيير بضابط الأسناد لتطبيق قواعد قانون الذي يتفق ومصالحهم حيث أن قواعد القانون الأصلي الذي يحكم النزاع لا تتوافق مع مصالحهم ّ، لذلك يتم اللجوء إلى وسائل التحايل كتغير موقع إبرام العقد، أو تغيير ضابط الجنسية من أجل تحقيق مصلحة تتمثل بتطبيق القانون الذي يحقق فائدة أو مصلحة شخصية، بالإضافة إلى الابتعاد عن تطبيق القواعد الآمرة، وعليه نجد أن من مصلحة الطرف الآخر الذي استخدم التحايل على القانون ضده التمسك بهذا الدفع وهو الدفع بالتحايل على القانون كمانع من موانع تطبيق القانون الأجنبي.

سنتعرف في هذا المقال على مفهوم التحايل على القانون، وعلى ماهية هذا التحايل، وأحكام الدفع بهذا التحايل وشروطه، وذلك على النحو التالي:

جدول المحتويات

مفهوم التحايل على القانون

فكرة التحايل على القانون

موقف المشرع الأردني من فكرة التحايل على القانون

عناصر التحايل على القانون

آثار الدفع بالتحايل على القانون

من تطبيقات التحايل على قواعد القانون الخاص

مفهوم التحايل على القانون

عرف الفقه التحايل على القانون على أنه: تدبير إرادي لوسائل تؤدي إلى الخلاص من قانون دولة لتصبح العلاقة من اختصاص قانون دولة أخرى تحقيقاً للنتائج المتوخاة [1]، كما عرفه البعض على أنه: الغش الذي يتخذه الأشخاص الخاضعون لقواعد قانونية آمره أو ناهية لتجنب هذه القواعد، والوصول إلى تطبيق قواعد قانونية أخرى يتوقف تطبيقها على إرادتهم مع الانحراف عن معناها الحقيقي [2]، ويعرف التحايل أيضاً بأنه استخدام غير مشروع لقواعد القانون بعمل إداري للإفلات من القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام والآداب [3].

فكرة التحايل على القانون

إن فكرة التحايل على القانون ترتبط بالقانون الدولي الخاص حيث أنه مجموعة من القواعد التي تبين مدى اختصاص القضاء الوطني بالفصل في المنازعات الناشئة عن العلاقات ذات العنصر الأجنبي وتعيين القانون الواجب التطبيق عليها، وعليه فإن التحايل على القانون يتم في حال وجود عنصر أجنبي ومن شأن هذا التحايل التأثير على القواعد القانونية الدولية  فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق، حيث أن فكرة التغيير بضابط الإسناد هي فكرة مشروعة بأصلها إلا أن سوء النية باستخدامها وهو الغش بالتحايل على القانون هو من دفع لترتيب جزاء على هذا الغش، فالتصرف مشروع بأصله إلا أن استخدامه للتهرب من القواعد القانونية هو من دفع للمطالبة بمحاسبة مرتكبيه والدفع بالتحايل اتجاههم .

موقف المشرع الأردني من فكرة التحايل على القانون

لم ينص المشرع الأردني صراحةً على فكرة التحايل على القانون في تشريعاته، إلا أنه جاء بنص المادة 25 من القانون المدني الأردني على أن (تتبع مبادئ القانون الدولي الخاص فيما لم يرد في شأنه نص في المواد السابقة من أحوال تنازع القوانين)، ولا يمكن القول بأن نص هذه المادة كافي للقول بأن القانون الأردني قد أخذ بفكرة التحايل على القانون، كما لا يوجد نصوص قانونية تلزم القاضي بقبول الدفع بالتحايل، فالمشرع الأردني لم يقم بوضع قواعد قانونية خاصة تنظم الغش أو التحايل على القانون.

عناصر التحايل على القانون

حتى نقر بوجود تحايل على القانون في تصرف ما يجب أن يكون هذا التصرف مشتملاً على عناصر التحايل وهذه العناصر هي:

1_ العنصر المادي وهو التغيير الحقيقي لا الصوري في ضابط الإسناد

إن التغيير الحقيقي في ضابط الإسناد هو التغيير الذي من شأنه أن يؤثر على القانون الواجب التطبيق، فيجب أن يكون الإجراء فعلي وحقيقي في ضابط الأسناد، أي أن يؤدي إلى تغيير الاختصاص التشريعي، فإذا ما تم تغييره بشكل صوري فإنه لا يجوز التمسك به، بل يجب أن يكون التغيير حقيقياً[4].

2_ العنصر المعنوي وهو نية الغش والتحايل على القانون

إن فكرة التحايل على القانون تتحقق بتوافر نية الغش وهي التغيير في ضابط الأسناد من أجل التهرب من القانون الواجب التطبيق واللجوء لقانون أجنبي أخر يخدم مصلحة المتحايل، والتحقق من وجود نية الغش من عدمها هي سلطة تقديرية للقاضي[5]، فله أن يستخلصها من خلال ملابسات وواقعات النزاع المطروح أمامه، ومن الدلائل أو القرائن التي تدل على وجود نية الغش هو وجود مدة زمنية قصيرة بين العنصر المادي وهو تغيير ضابط الإسناد وبين التصرف الذي خضع للقانون الجديد.

ومن الأمثلة على ذلك أن يتجنس شخص بجنسية جديدة ويقوم فور تجنسه بالحصول على التطليق الذي لم يكن قانون جنسيته الأولى يسمح به، مما يفهم منه أن تغيير الجنسية ما كان إلا للوصول إلى الطلاق[6].

3_ وقوع التحايل على قاعدة قانونية آمره أو مكملة

لا يمكن الدفع بالتحايل على القانون تم على قاعدة إرادية لأنه القواعد الإرادية شرعت للمصلحة الخاصة، ولصاحب المصلحة الحرية في اختيارها، فلا يقع التحايل عليها، ولكن إذا التحايل تم على نصوص آمره أو ناهية، والتي لا يجوز الاتفاق على خلافها، فهنا يقوم الدفع بالتحايل على القانون.

4_ وقوع التغيير في ضابط الإسناد بشكل متعمد

قيام الأفراد باصطناع العنصر الأجنبي في علاقاتهم القانونية لتجنب الخضوع لقانون القاضي الوطني، أو القيام بتغيير العنصر الأجنبي بعناصر وطنية لتتحول إلى علاقة وطنية يحكمها القانون الوطني، أو القيام بتغيير ضابط الإسناد في قاعدة الإسناد يعتبر العنصر الجوهري، لأنه يربط بين الفكرة المسندة والقانون المسند إليه، لذلك فإن تغيير القانون الواجب التطبيق يأتي تباعاً لتغيير ضابط الإسناد[7].

5_ تغيير ضابط الإسناد بوسيلة مشروعة

حتى نقر بوجود تحايل على القانون لابد أن يكون تغيير ضابط الأسناد قد تم بوسيلة مشروعة وهذا هو الأصل في تغيير ضابط الإسناد المشروعية، فإذا كانت الوسيلة غير مشروعة فيكفي التمسك بالبطلان دون الدفع بالتحايل على القانون.

إلا أنه لا يمكن أن يكون أثر الغش هو البطلان، لأنه لا يمكن لأي دولة أن تقرر ما إذا كان التصرف صحيحاً أو غير صحيح في الدولة التي تم إجراؤه فيها، وغاية ما تملك الدولة أن تعتبره غير نافذ في إقليمها[8].

آثار الدفع بالتحايل على القانون

تقسم آثار التحايل على القانون إلى أثرين وهما: الأثر السلبي للتحايل على القانون، والأثر الإيجابي للتحايل على القانون، وسنتناول الحديث عن كلا الأثرين على النحو التالي:

الأثر السلبي للتحايل على القانون

يقصد بالأثر السلبي للتحايل على القانون، هو استبعاد القانون الذي تم التحايل من أجل تطبيقه، إلا أن نتيجة الغش والتحايل لم تؤدي إلى تطبيقه، لهذا الأثر أراء فمنهم من يرى أن الأثر السلبي للتحايل على القانون يشمل النتيجة دون الوسيلة، بحيث يبقى الغاش خاضعاً للقانون الذي تهرب من أحكامه بالنسبة للنتائج التي أراد تحقيقها بتغيير ضابط الإسناد، ومنهم من يرى أن الأثر السلبي للتحايل على القانون يشمل النتيجة والوسيلة معاً، بحيث تبطل الوسيلة أيضاً وهي التغيير الذي حصل في ضابط الإسناد.

كقيام شخص بالحصول على جنسية دولة ثانية غير جنسيته الأصلية من أجل تعدد الزوجات، فتكون نتيجة التحايل على القانون أن القانون الذي أراد تطبيقه لا يسمج بالتعدد وعليه يتحقق الأثر السلبي باستبعاد القانون المراد تطبيقه وبطلان حصوله على الجنسية وذلك وفقاً لأصحاب الرأي الثاني بأن الأثر السلبي يشمل النتيجة والوسيلة معاً، أما بالنسبة لأصحاب الرأي الأول بأن الأثر السلبي يشمل النتيجة دون الوسيلة فإنه يبقى حاملاً للجنسية التي حصل عليها في سبيل تطبيق قانون الدولة المانحة لها.

ونرى أن الأثر السلبي للتحايل على القانون يقتصر على استبعاد القانون الواجب التطبيق، فمسألة صحة التغيير في ضابط الإسناد من عدمه يعود للقانون الأصلي الذي منح هذا التغيير وشرعه، وليس للقانون الجديد الذي كان مراد تطبيقه.

الأثر الإيجابي للتحايل على القانون

يرتبط الأثر الإيجابي بالأثر السلبي، فهو مكملاً للأثر السلبي، فبعد أن يتحقق الأثر السلبي باستبعاد تطبيق القانون الأجنبي، يتم تحديد القانون الواجب التطبيق، وهو القانون المتحايل عليه، وذلك ليحكم بالمسألة وفقاً لأحكامه، وإلا أصبحت الفكرة من أساسها مستحيلة التطبيق.

إذن فللغش نحو القانون أثر سلبي ينطوي على استبعاد تطبيق القانون الأجنبي الذي قصد المتحايل تطبيقه بالغش نحو القانون، وأثر إيجابي يتمثل بتطبيق القانون الأصلي الذي نصت عليه قاعدة الإسناد في الوقت ذاته، وأن الأثر الإيجابي ما هو إلا نتيجة مترتبة على الأثر السلبي للغش نحو القانون[9].

من تطبيقات التحايل على قواعد القانون الخاص

من الأمثلة على التحايل على قواعد القانون ما يلي:

التحايل على قواعد القانون في مجال الأحوال الشخصية

تبرز فكرة التحايل على قواعد القانون الدولي الخاص فيما يتعلق بمجال الأحوال الشخصية في مسائل الزواج، حيث هناك اختلاف بأحكام الزواج والطلاق بين الدول فبعض الدول تبيح تعدد الزوجات والبعض الأخر لا يجيز، بعض الدول تسمح بالزواج المدني وبعضها لا يسمح إلا بالزواج الشرعي، عدا عما تنص عليه التشريعات من حيث القانون الواجب التطبيق في مسائل الزواج والطلاق، فمنها ما يجعل أهلية إبرام عقد الزواج إلى الموطن مثل إنجلترا، في حين تخضعها دول أخرى إلى قانون الجنسية مثل الدول العربية.

ومن الأمثلة على التحايل على قواعد القانون في مسائل الزواج والطلاق ما جاء بالقانون الفرنسي الخاص:

في عام 1910 تزوج رجل فرنسي بامرأة زواجاً عرفياً وأنجب منها خمسة أطفال أعترف بأبوتهم، ثم ذهب إلى إنجلترا لإبرام عقد زواج مع أمراه دون إعلان هذا الزواج، ثم عاد إلى باريس، وعندما توفى أرادات المرأة التي تزوجها في إنجلترا تسجيل عقد الزواج بالسجلات المدنية، لكن خليلته رفعت دعوى عارضت فيها الزواج، فقضى القضاء الفرنسي بأن الزواج الذي تم في إنجلترا ليس له أي أثر في فرنسا، وذلك لأن المدعى عليها وشريكها قاما بالتحايل على القانون الفرنسي، وذلك بانتقالهما إلى إنجلترا لإبرام عقد الزواج عرفي وإخفائه عن كل من له مصلحة في معارضته، وبتالي يعتبر هذا الزواج باطل [10].

[1] حسن الهداوي، القانون الدولي الخاص تنازع القوانين المبادئ العامة والحلول الوضعية في القانون الأردني (دراسة مقارنة)، مكتبة دار الثقافة، عمان، 2019، ص 196.

[2] حسن الهداوي، المرجع السابق، ص 186.

[3] علي هادي العبيدي، التحايل على القانون، دراسة مقارنة بين القانون المدني والفقه الإسلامي، رسالة دكتوراة مقدمة لجامعة بغداد في سنة 1990، ص 8.

[4] حداد حفيظة، الموجز في القانون الدولي الخاص، الكتاب الأول، المبادئ العامة في تنازع القوانين، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2005، ص 318.

[5] محمد فهمي، أصول القانون الدولي الخاص، الطبعة الأولى، دار الطالب، الإسكندرية، 1995، ص 421.

[6] محمد خالد حسن عوده، التحايل على القانون في القانون الدولي الخاص الفلسطيني: دراسة تحليلية، مركز جيل البحث العلمي، مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة، العدد 45 ديسمبر، 2020، ص92.

[7] عمار محمود أيوب الرواشدة، الدفع بالتحايل على القانون في التشريع الأردني، مجلة القانون والمجتمع، 2022، ص 8.

[8] محمد خالد حسن عوده، التحايل على القانون في القانون الدولي الخاص الفلسطيني: دراسة تحليلية، مركز جيل البحث العلمي، 2020، ص 93.

[9] محمد خالد حسن عوده، المرجع السابق، ص 95.

[10] عوض عباس موسى، أثر التحايل على قواعد القانون الدولي الخاص: دراسة مقارنة، رسالة ماجستير- جامعة أم درمان الإسلامية، 2014، ص 179.

الرئيسية
إختصاصات
مقالات
واتساب
إتصال
error: المحتوى محمي !!