الوكالة كأصل عام هي، عقد تضمن بنوده اتفاق طرف يسمى “الموكل” بإسناد بعض الأعمال والصلاحيات إلى شخص الطرف الأخر يسمى “الوكيل”، وذلك مقابل عمولة محددة ومتفق عليها في بنود العقد، وتكون كافة حقوقه والتزاماته خاضعة للأحكام الواردة في العقد وحسب القانون الواجب التطبيق، والوكالة تكون تجارية عندما تكون الأعمال التي يقوم بها الوكيل هي ذات طبيعة تجارية ذاتية، وتتنوع هذه الأعمال وتختلف تبعًا لاختلاف طبيعة النشاط التجاري الذي يمارسه، ومن خلال السطور القادمة سنقوم بتوضيح بعض أركان الوكالة التجارية الغير حصرية، والقانون الواجب التطبيق عليها في النظام السعودي، بإيجاز من الشرح والتفصيل في ضوء العناصر التالية:
(أولاً): مفهوم عقد الوكالة التجارية.
عقد الوكالة التجارية الذي يفوض فيه أحد الطرفين الآخر بأداء عمل باسمه ولحسابه مقابل أجر معلوم، لا يمكن تصور وجوده ونشأته إذا لم تكن هناك علاقة حقيقية قائمة فيما بين الوكيل والموكل، وبما أن عقد الوكالة يتم الدخول فيه كأصل عام بين شخصين، فإن كلاً منها يسعى إلى تحقيق غرض معين من خلال عقد الوكالة، فإذا كانت علاقة الوكالة تجارية فيعتبر عقد الوكالة تجاري، وإذا كانت مسألة مدنية فيعتبر عقد الوكالة مدني، وبالرغم من ذلك في التمييز بين نوعي الوكالة، إلا انه ينطبق على بنود الوكالة في العقود بشكل عام نصوص القانون المدني، حتى ولو كانت العلاقة بين الوكيل التجاري والموكل، ولأهمية نطاق عقود الوكالات التجارية في تنشيط الاستثمار في المملكة العربية السعودية ودفع عجلة التنمية، فقد اهتم بها المنظم السعودي، وأفرد لها نظام خاص يحدد قواعدها وشروطها وأحكامها، وهو نظام الوكالات التجارية، والذي جاء فيه بموجب نص المادة (1) من اللائحة التنفيذية لهذا النظام، بمنطوقها الجاري على أن: (يُقصد بالوكالات التجاريّة المتعلّقة بتطبيق نظام الوكالات التجاريّة وتعديلاته كل من يتعاقد مع المُنتِج أو من يقوم مقامه في بلده للقيام بالأعمال التجاريّة سواءً كان وكيلاً أو مُوزِّعاً بأيّة صورةٍ من صُور الوكالة أو التوزيع وذلك مقابل ربح أو عُمولة أو تسهيلات أيا كانت طبيعتها, ويشمل ذلك وكالات النقل البحري أو الجوي أو البري وأيّة وكالات يصدر بها قرّار من وزير التجارة.
ويجوز للوكيل أو المُوزِّع التعاقد مع مُوزِّعين فرعييّن في نطاق منطقة الوكالة على أن يظل الوكيل أو المُوزِّع الأصلي هو المسؤول عن الالتزامات المُقرّرة نظاماً في مواجهة المُستهلك وبالنسبة لوكالات الخدمات المقصودة في نظام العلاقة بين المقاول الأجنبي ووكليه السعودي فيطبق بشأنها كافة الأحكام المُدّوّنة بالنظام المذكور الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/۲) في ۲۰/۱/۱۳۹۸ هـ).
فضلاً عن ما نصت عليه المادة (2) من ذات اللائحة على أن: (لا يجوز لغير السعودييّن سواءً بصفة أشخاصٍ طبيعييّن أو معنوييّن أن يكونوا وكلاء تجاريين في المملكة العربيّة السعوديّة على أن الشركات السعوديّة يجب أن يكون رأسمالها بالكامل سعوديّاً وأن يكون أعضاء مجالس إدارتها ومُدّيروها ومن لهم حق التوقيع باسمها سعودييّن).
- وقد قامت وزارة التجارة في النظام السعودي بتعريف عقود الوكالات التجارية بشكل عام بمقالة: (يقصد بالوكالة التجارية المتعلقة بتطبيق نظام الوكالات التجارية وتعديلاته كل من يتعاقد مع الشركة المنتجة الأم او من يقوم مقامها في بلدها الأصلي للقيام بالأعمال التجارية، سـواء كان وكيلاً أو موزعاً بأي صـورة مـن صـور الوكالة أو التوزيع، وذلك مقابل ربح أو عمولة أو تسهيلات أيا كانت طبيعتها، ويجب أن يكون الوكيل التجاري الذي يعمل بالمملكة سـعودي الجنسية، سـواء كان شخصاً طبيعياً أو معنوياً، على أن الشركة السعودية التي تنوي القيام بأعمال الوكالات التجارية، يجب أن يكون رأس مالها بالكامل سعودياً، وأعضاء مجالس إدارتها ومديريها ومن لهم حق التوقيع باسمها سـعوديين).
- ومما تقدم يتضح وجوب أن تكون طبيعة العمل موضوع عقد الوكالة التجارية من الأعمال التجارية التي حددها نظام التجارة السعودي، ومن ثم فالوكالة التجارية يكون الضابط فيها هو النظر إلى طبيعة العمل الذي يقوم به الوكيل لحساب الموكل نفاذاً لعقد الوكالة، فإذا كان هذا العمل من الأعمال التي حددها النظام التجاري كانت الوكالة تجارية، وإذا كانت خلاف ذلك، وتم وصفها بأنها من الأعمال المدنية، ففي تلك الحالة تكون الوكالة مدنية،[1] ومما يجب الإشارة إليه أن الوكالة التجارية ممكن أن تكون وكالة مطلقة، أو وكالة متخصصة مع ملاحظة أن الوكالة المطلقة مناسبة أكثر للمعاملات التجارية، لأن الوكيل فيها يكون له الحرية المطلقة في تنفيذ كافة مهام الوكالة الموكلة إليه، مما مفاده أن الوكيل في الوكالة المطلقة يؤدي عمله وفقًا للقواعد العامة المطلوبة في الوكالة، إلا أنه في سبيل تنفيذ ذلك يجب عليه ممارسة العناية العادية ويأخذ في الاعتبار الحرص على مصالح الموكل،[2] في حين أن الوكالة المتخصصة، يسمح فيها للوكيل بالقيام بمختلف الأعمال التجارية الضرورية لإتمام العملية دون الحاجة للرجوع إلى الموكل للحصول على إذن منه، مع الإشارة إلى حالة صدور تعليمات من الموكل بشأن الصفقة محل الوكالة، وجب على الوكيل إتباعها والالتزام بها وعدم تجاوزها، كتحديد الموكل لسعر السلعة المراد شراءها أو بيعها، أو تحديد مدة يلتزم فيها الوكيل بإجراء العملية أو الصفقة، أو ما شابه، وفي حالة تجاوز الوكيل هذه التعليمات دون مبرر أو مسوغ شرعي يبيح له ذلك، فللموكل حق قبول أو رفض الصفقة، ويكون الوكيل مسؤول عن الأضرار الناتجة جراء هذا التجاوز ويلتزم بالتعويض عن الأضرار التي تصيب الموكل.
(ثانياً): خصائص عقد الوكالة التجارية الغير حصرية وأنواعه
من خلال التعاريف السابقة، نستخلص أن لعقد الوكالة التجارية الغير حصرية خصائص ينفرد بها، والتي تجعله يتميز عن غيره من العقود، والتي تتمثل خصائصه بأنه:
أ- عقد تجاري: يعتبر عقد الوكالة التجارية الغير حصرية بأنه عمل تجاري، وذلك بحسب نطاق صلبه وموضوعه دون التقييد بكون الوكيل له صفة التاجر من عدمه،[3] وفق نص المادة (2) من النظام التجاري السعودي بنصها الجاري على أن: (يعتبر من الأعمال التجارية كل ما هو آت:
أ- كل شراء بضاعة أو أغلال من مأكولات وغيرها لأجل بيعها بحالها أو بعد صناعة وعمل فيها.
ب- كل مقاولة أو تعهد بتوريد أشياء أو عمل يتعلق بالتجارة بالعمولة أو النقل برا أو بحرا أو يتعلق بالمحلات والمكاتب التجارية ومحلات البيع
بالمزايدة يعني الحراج .
ج- كل ما يتعلق بسندات الحوالة بأنواعها أو بالصرافة والدلالة (السمسرة).
د- جميع العقود والتعهدات الحاصلة بين التجار والمتسببين والسماسرة والصيارف والوكلاء بأنواعهم، وجميع المقاولات المتعلقة بإنشاء مبان ونحوها
متى كان المقاول متعهدا بتوريد المؤن والأدوات اللازمة لها).
ومن ثم يتضح، أن العبرة في وصف عقد الوكالة بانه تجاري من عدمه هي بطبيعة العمل المطلوب موضوع العقد، ولا ينظر مطلقاً لأطراف التعاقد،[4] وبناء على ذلك يترتب على تجارية عقد الوكالة عدة نتائج وبشكل خاص فيما يتعلق بقواعد الاختصاص والإثبات، حيث يخضع العقد للقضاء التجاري ونظامه الخاص بكافة قواعده وأحكامه الخاصة بشأن طرق اثبات العقد.
ب- عقد من عقود المعاوضة: لما كانت الوكالة التجارية الغير حصرية تقوم على مبدأ النفع والعطاء المتبادل بين طرفيها، خلاف الوكالة المدنية التي توصف بأنها من عقود التبرع ما لم يوجد بند اتفاقي في العقد على خلاف ذلك، أو حتى اتفاقاً ضمنياً يؤكد عليه، الأمر الذي يؤكد على اعتبار عقد الوكالة التجارية الغير حصرية من عقود المعاوضة.[5]
د- عقد ملزم لطرفيه: يوجب عقد الوكالة التجارية الغير حصرية التزامات مقابلة على كلا من عاقديه، مما يجعل كلا الطرفين دائنين ومدينين في نفس الوقت، وبالتالي يعتبر أحد العقود المتبادلة الملزمة لكلا الطرفين، مما يرتب عدم إعمال فسخ العقد بالإرادة المنفردة ودون موافقة الطرف الأخر على الفسخ.
هـ – عقد قائم على الاعتبارات الشخصية: تعتمد عقود الوكالة التجارية الغير حصرية بشكل أساسي على اعتبارات شخصية يكون فيها شخص الوكيل ومهاراته المهنية محل اعتبار، في قدرته على أداء العمل الموكول إليه، ومن أثار هذه السمة في العقد، أنه لا يجوز قيام الوكيل بأن يعهد بالأعمال موضوع العقد إلى شخص أخر، ما لم يحصل على موافقة الوكيل،[6] ولعل من أهم النتائج المترتبة عن قيام عقد الوكالة التجارية الغير حصرية على الاعتبار الشخصي هو انقضاءها بمجرد موت أحد طرفيه، إلا في حالة اتفاقهما على استمراره بعد موتهما.
- وفي هدي نص المادة (2) من النظام التجاري السعودي، تنقسم الوكالة التجارية الغير حصرية إلى نوعين من الوكالة، وهما:
(أولاً)- الوكالة بالعقد: وهي عقد يتعهد بموجبه الشخص بأداء نشاط معين لصالح أخر، بشرط أن يتم تنفيذ العمل باسم ولحساب الموكل، مقابل مبلغ معين متفق عليه من المال فيما بينهما، ومع ذلك، في هذا النوع من الوكالات هناك بعض الأعمال التي لا يجوز له القيام بها، ومن أهمها: أنه لا يُسمح لوكلاء العقود بالإفصاح عن الأسرار المتعلقة بالعميل ونشرها، كما أنه لا يحق للوكيل استلام وتحصيل حقوق الموكل فيما يتعلق بعمله.
(ثانياً)- الوكالة بالعمولة: وهي عبارة عن تعهد يقدمه الموكل باسمه الخاص لحساب الوكيل، وفي حالة ما إذا باع الوكيل بسعر أعلى أو أقل من طلب وعرض الموكل، فالأمر متروك للموكل للاختيار بالموافقة على ذلك البيع أو الرفض، ولكن يجب عليه إخطار الوكيل بالرفض في حالة رفضه، وإلا فسيُعتبر سكوته بمثابة تفويض للبيع، وفي كل الأحوال لا يجوز للوكيل تغيير وتزوير العلامة التجارية للبضائع التي يسلمها للغير لصالح موكله، علاوة على ذلك، لا يجوز للوكيل بالعمولة أن يذكر اسم من عينه أو كله وقت التعامل مع الغير، إلا إذا طلب الموكل ذلك من الوكيل .
(ثالثاً)- عقد الامتياز التجاري: هو عقد يقوم فيه (مانح الامتياز) بالموافقة على منح الامتياز لطرف اخر (الممنوح له الامتياز) على الانتفاع بحق أو أكثر من حقوق الملكية الفكرية أو النماذج الصناعية أو توزيع منتجاته أو خدماته بشكل مدرج تحت لواء العلامة التجارية للمانح في ضوء تعليماته وتحت رقابته وإشرافه
(ثالثاً): أسباب إنهاء عقد الوكالة التجارية الغير حصرية في النظام السعودي.
لم يتصدى المنظم السعودي سواء من خلال نظام الوكالات التجارية الساري أو نظام المحكمة التجارية في المملكة لأحكام خاصة تنظم كيفية انقضاء الوكالة التجارية الغير حصرية وضوابطها، بالمقارنة ببعض التشريعات، واتجه الرأي لغالبية شراح القانون على انقضاء هذا النوع من الوكالة بالأسباب العامة لانقضاء الوكالة[7] بشكل عام، وهي كالتالي:
(أولاً) -عزل الوكيل أو اعتزاله: اختلفت أراء الفقه القانوني في التفرقة بين حالتين لانقضاء الوكالة التجارية الغير حصرية، وهما:
أ- إذا كانت الوكالة التجارية الغير حصرية بعوض: فإنه يجوز للموكل عزل وکيله، شريطة أن يتم العزل لمبرر شرعي أو مسوغ قانوني يبيح ذلك، فضلاً عن اتخاذ قرار العزل في وقت مناسب للطرفين، لوجود مصلحة مشروعة للوكيل في استحقاقه للأجر المتفق عليه بالعقد، وفي حالة مخالفة ذلك، وتم عزل الوكيل من قبل موكله دون مراعاة الشرط والقيد سالف الذكر، فإنه يجوز للوكيل مطالبة الموكل بالتعويض في حالة توافر مسبباته، وعلى الجانب الأخر فإنه يجوز للوكيل التنحي عن أعمال الوكالة واعتزالها بشكل عام، ولكن مع ضرورة ألا يتسبب الاعتزال أو التنحي بأضرار تلحق بالموكل.
ب- إذا كانت الوكالة التجارية الغير حصرية لمصلحة الوكيل أو الغير: ففي تلك الحالة يجوز للموكل عزل وكيله، ولكن بشرط ضرورة توافر رضا صاحب المصلحة في الوكالة من الوكيل أو الغير، إلا أن هذا الحق تم حجبه عن الوكيل، فلا يجوز للأخير اعتزال الوكالة، حتى لا يترتب ضرر قد يصيب الغير.
(ثانياً) – نقص الأهلية أو فقدها: تصدى جانب من الفقه القانوني لتعريف الأهلية التجارية، بأنها: الصلاحية في ممارسة واحتراف مباشرة كافة الأعمال التجارية،[8] وأهلية التصرف والإرادة في كل من الموكل والوكيل من الشروط التي لا بد من توافرها عند قيام عقد الوكالة ونفاذه في مواجهة طرفيه والغير، مما ينبني عليه وجوب تمتع طرفي عقد الوكالة التجارية الغير حصرية بأهلية التصرف والإرادة وقت تحرير عقد الوكالة وحتى نهايته، ويعد إنهاء الوكالة بسبب نقص الأهلية أو فقدها، من الأسباب العارضة لانتهاء الوكالة، مما يتضح أنه في حالة فقد أحد طرفي العقد أهليته بالجنون، أو نقصت بشكل يؤدي إلى حالة عدم الإدراك الكامل لحقائق وطبائع الأمور، فإن الوكالة التجارية الغير حصرية بضرورة الحال تنتهي لعدم توافر الأهلية،[9] ومن ثم يتضح جلياً ضرورة توافر الأهلية الكاملة في الوكيل التجاري.
(ثالثاً) – موت أحد طرفي عقد الوكالة: لما كانت عقود الوكالات التجارية الغير حصرية قائمة على الاعتبارات الشخصية كما سبق وأن أسلفنا، مما يترتب عليه وبالضرورة أنه في حالة وفاة الموكل أو الوكيل فإن الوكالة التجارية لا بد وأن تنتهي، أما إذا كان أحد طرفي العقد شخصا معنويا كشركة أو ما شابه من كيان، فإن الوكالة تنتهي بحل هذا الكيان أو تصفيته، ذلك لإن النهاية للشخص الطبيعي تكون بالوفاة، فإن نهاية الشخص المعنوي تكون بالحل والتصفية، إلا أن الوكالة في تلك الحالة تظل قائمة المدة المناسبة لتصفية الشركة، فالشخصية المعنوية تبقى للشركة في حدود أغراض التصفية.[10]
(رابعاً)- الفسخ: يعد الفسخ، بمثابة حل الرابطة العقدية في كافة الحقوق والالتزامات، متى ترتب إخلال بأحد تلك الالتزامات من قبل طرف من الأطراف،[11] وفي حالة عدم جواز عزل الوكيل بإرادة الموكل، فإنه يجوز للأخير طلب الفسخ قضائياً متى توافرت أسباب الفسخ، أو في حالة رغبة الموكل مطالبة الوكيل بالتعويض عن الأضرار التي أصابته من الإخلال العقدي من قبل الأخير، ولما كان عقد الوكالة التجارية الغير حصرية هو عقد تبادلي فإنه في حالة الإخلال العقدي من قبل الموكل، فإنه يجوز للوكيل في الأحوال التي لا يجوز له التنحي والاعتزال أن يطلب الفسخ قضائياً مع الاحتفاظ بحقه في التعويض عن الأضرار التي ألمت به من فسخ العقد دون تمام تنفيذه.
(خامسا) – تنفيذ الغرض من الوكالة أو تعذر التنفيذ: إذا كان الوكيل يتصرف ضمن الحدود الموضوعة له، وانتهى غرض الوكالة، فإن الوكالة تنتهي تلقائيًا، حيث لا يوجد غرض أخر بعد اكتمال الوكالة بالانتهاء من الأعمال موضوع العقد، فضلاً عن ذلك، فإن استحالة أداء أعمال الوكالة سواء كان ذلك استحالة مادية طبيعية، أو استحالة قانونية أو شرعية، فإنه يستتبع ذلك انتهاء الوكالة أيضاً.
(رابعاً): القانون الواجب التطبيق على عقود الوكالات التجارية الغير حصرية
تعد الوكالة التجارية الغير حصرية من العقود المسماة التي نظمها المنظم السعودي بموجب أحكام نظام خاص، وهو نظام الوكالات التجارية، وفي ضوء نص المادة (1) من اللائحة التنفيذية لنظام الوكالات التجارية، تعتبر الوكالة التجارية الغير حصرية عقداً بين الأصيل والوكيل الذي يبيع حصريًا البضائع المملوكة للموكل في مقابل عمولة أو ربح وفقًا للعرف التجاري الدولي، مما يعني أن الوكيل يشتري سلع الموكل، وفي ضوء قواعد البيع والأسعار والمواصفات السائدة في السوق يتم طرحها للبيع مرة أخرى لتحقيق هوامش من الربح، وهو ما يسمى في نظام الوكالات التجاري السعودي بعقد التوزيع، هذا ويمكن أن تكون أعمال الوكالة قاصرة على منطقة معينة بذاتها ولا تمتد لغيرها من المناطق المجاورة، كما يمكن أيضاً أن تختص بجميع أراضي الدولة، وقد عني النظام السعودي بتنظيم أعمال الوكالات التجارية بأنواعها، وذلك بهدف تحقيق الصالح العام وحماية المستهلكين، كما اوجب بعض الشروط في هذا النوع من العقود، فنص في المادة (2) من اللائحة التنفيذية المشار إليها على أن: (لا يجوز لغير السعودييّن سواءً بصفة أشخاصٍ طبيعييّن أو معنوييّن أن يكونوا وكلاء تجاريين في المملكة العربيّة السعوديّة على أن الشركات السعوديّة يجب أن يكون رأسمالها بالكامل سعوديّاً وأن يكون أعضاء مجالس إدارتها ومُدّيروها ومن لهم حق التوقيع باسمها سعودييّن).
ووفقاً لنظام المحاكم التجارية 1441هـ، بالمادة رقم (2) منه، تختص المحاكم التجارية كاًصل عام بالمنازعات المتعلقة بعقود الوكالات التجارية، حيث نصت تلك المادة على أن: (دون إخلال بما نصت عليه الأنظمة التجارية والاتفاقيات الدولية التي تكون المملكة طرفاً فيها، تسري أحكام النظام واللائحة على المحكمة والدعاوى التي تختص بنظرها)، فضلاً عن ما نصت عليه المادة (16) من ذات النظام تاكيداً على اختصاص المحاكم التجارية السعودية على كافة المنازعات المترتبة والمتفرعة عن عقود الوكالات التجارية، بنصها الجاري على أن: (تختص المحكمة بالنظر في الآتي:
المنازعات التي تنشأ بين التجار بسبب أعمالهم التجارية الأصلية أو التبعية.
الدعاوى المقامة على التاجر في منازعات العقود التجارية، متى كانت قيمة المطالبة الأصلية في الدعوى تزيد على مائة ألف ريال، وللمجلس عند الاقتضاء زيادة هذه القيمة.
منازعات الشركاء في شركة المضاربة.
الدعاوى والمخالفات الناشئة عن تطبيق أحكام نظام الشركات.
الدعاوى والمخالفات الناشئة عن تطبيق أحكام نظام الإفلاس.
الدعاوى والمخالفات الناشئة عن تطبيق أنظمة الملكية الفكرية.
الدعاوى والمخالفات الناشئة عن تطبيق الأنظمة التجارية الأخرى.
الدعاوى والطلبات المتعلقة بالحارس القضائي والأمين والمصفي والخبير المعينين ونحوهم؛ متى كان النزاع متعلقاً بدعوى تختص بنظرها المحكمة.
دعاوى التعويض عن الأضرار الناشئة عن دعوى سبق نظرها من المحكمة).
إلا أنه يجوز لأطراف عقد الوكالة التجارية الغير حصرية الاتفاق على تطبيق قواعد خاصة، أو قانون معين نافذ وساري على تلك العقود، إعمالاً لنص المادة (57) التى جرت على أن: (فيما لم يرد فيه نص خاص، أو اتفاق بين الأطراف على غيره؛ يجوز الاستناد إلى العرف التجاري، أو العادة بين الأطراف، وعلى من يتمسك بالعرف أو العادة أن يثبت وجودهما).
وفي ضوء النصوص سالفة الذكر، ومبدأ حرية أطراف عقد الوكالة التجارية الغير حصرية بوصفه عقد من عقود الاستثمار في اختيار القانون الذي يسري على العقد وقت حدوث المنازعة، نستعرض أحكام القانون الواجب التطبيق على عقود الوكالات التجارية الغير حصرية في ضوء عدة معايير وضوابط، بالسرد التالي:
(أولاً)- قانون إرادة المتعاقدين: ينبثق اتفاق الأطراف على إبرام عقد الوكالة التجارية الغير حصرية عن الإرادة المحضة للمتعاقدين، ومن تسري عليه قاعدة: العقد شريعة المتعاقدين، وعليه يجوز للخصوم اختيار قانون معين ليطبق على الخصومة بينهم، ولا يحد من سلطان الإرادة هنا إلا التعارض مع فكرة النظام العام والآداب، ويفرض المنظم السعودي في عقود الوكالات التجارية الغير حصرية أن تطبق القواعد التي اتفق الأطراف على تطبيقها على موضوع النزاع، وفي حالة الاتفاق على تطبيق قانون دولة أخرى، فيجب تطبيق القواعد الموضوعية لذلك القانون دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين.
(ثانياً)- تطبيق قانون الدولة محل تحرير العقد: في حالة إغفال أطراف العقد على تضمين بنوده القانون واجب التطبيق وقت قيام المنازعة، فإن هذا المعيار يقتضي تطبيق قانون الدولة التي تم فيها تحرير العقد ونشأته باعتباره القانون الانسب في التطبيق لسهولة الرجوع إلية في الوقوف على ظروف التعاقد من بدايته وظهوره وسهولة الرجوع إليه، فضلاً عن توحيده لشكل العقد ومضمونه، مما يترتب عليه توحيد نصوص النظام الساري على العقد تجنباً لمشكلة تنازع القوانين.
(ثالثاً)- تطبيق قانون الدولة الأكثر ارتباط بالعقد: في حالة عدم قيام طرفي عقد الوكالة التجارية الغير حصرية بتحديد القانون الواجب التطبيق بشكل ينفي عنه أي غموض او إبهام في ذلك، فإن العقد وفقاً لهذا المعيار يخضع لقانون الدولة الاكثر ارتباطاً ببنود العقد، كما أن ضابط التحديد في ذلك هو تنظيم المصالح الاستثمارية التي خلفها ابرام العقد بين طرفيه.
(رابعاً)- ظروف وملابسات العقد: ويتحدد هذا المعيار بإحدى الصورتين، وهو معيار طبيعة عقد الوكالة التجارية الغير حصرية، حيث يستند هذا المعيار في تحديد القانون الواجب التطبيق في حالة عدم النص والاتفاق على طبيعة الالتزام الاساسي والجوهري الذي من أجله تم تحرير العقد وإبرامه، والمعيار الثاني هو النظر إلى طبيعة مهنة طرفي العلاقة العقدية، وهذا المعيار يؤخذ به غالباً في العقود التي يكون أحد طرفيه لها دور رئيسي وبارز أكبر من الطرف الأخر، مثال عقد القرض والذي يكون فيه الطرفى الرئيسي فيه هو البنك مانح القرض، والطرف الأخر هو العميل ممنوح القرض أو طالبه، الأمر الذي يستتبع بضرورة الحال ان يكون القانون الواجب التطبيق على المنازعات المترتبة على تلك العقود هو قانون الدولة التي يتبع جنسيتها البنك.
(خامساً): خاتمة
مع زيادة حجم الاستثمارات وتطور الاقتصاد بين البلدان المختلفة، ظهرت ما يعرف بالوكالات التجارية والتي من خلالها يستطيع التاجر أو المنتج في دولة ما أن يستعين بشخص أو أكثر حتى يقوم بذات نشاطه بكفاءة عالية تحقق له القدرة على المنافسة في الدول المختلفة، وتبين من خلال سطور المقال ان تلك العقود تتنوع وتختلف تبعا لطبيعة العمل موضوع العقد، مما جعل المنظم السعودي يعتني بتنظيم أحكام الوكالة التجارية بشكل عام، وعقود الوكالات التجارية بشكل خاص في نظام الوكالات التجارية، وكذا نظام المحكمة التجارية في المملكة العربية السعودية.
[1] – العزيز العكيلي، شرح القانون التجاري، دار الثقافة، عمان ،2005، ص 368-369.
[2] – صالح حميد العلي،المؤسسات المالية الإسلامية ، مركز د ارسات الاقتصاد الإسلامي، دمشق، 2008، ص238-239.
[3] – أحمد محرز، القانون التجا ري، الجزء ال اربع:العقود التجارية، دار النهضة العربية،بيروت ،1980- 1981، ص 175.
4- هاني محمد دويدار، الوجيز في شرح العقود التجارية والعمليات المصرفية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2003، ص47.
[5] – سمير جميل حسن الفتلاوي، العقود التجارية الج ازئرية، ديوان المطبوعات الجامعية، الج ازئر،2001، ص.369-372.
[6] – عدنان إب ارهيم السرحان،شرح القانون المدني:العقود المسماة في المقاولة،الوكالة،الكفالة،مكتبة دار الثقافة، عمان،2005، ص 105.
[7] – الجبر، د. محمد حسن، العقود التجارية وعمليات البنوك، الناشر: جامعة امللك سعود، ط2 – عام 1418هـ، ص 121.
[8] – عبد الصادق، د. محمد مصطفى، النظام القانوني للتاجر في ضوء التشريعات العربية، الناشر: دار الفكر والقانون، مصر، الطبعة الأولى عام 2015م، ص 34.
[9] – العاني، د. محمد رضا عبد الجبار، الوكالة في الشريعة والقانون، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1428، ص 342.
[10] – الجبر، د. محمد حسن، العقود التجارية وعمليات البنوك، الناشر: جامعة امللك سعود، ط2 – عام 1418هـ، ص 86.
[11] – العبيدي، فهد بن عبد العزيز بن عبد هللا، فسخ العقد التجاري دراسة مقارنة، سلسة ملخصات الأبحاث القضائية، العدد: 17، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – الجمعية العلمية الفقهية السعودية، 1473، ص 23.