القانون واجب التطبيق على عقود الاستثمار الأجنبي وفقاً للتشريع الأردني

تتسم عقود الاستثمار بأنها عقود لها طبيعتها الخاصة والمتفردة عن سائر العقود الأخرى، لاسيما وأنها تتم بين طرفين يقع كل منهما على النقيض من الطرف الآخر، حيث نجد أن أحدهما هو شخص من أشخاص القانون العام يمثل الدولة، والثاني هو أحد أشخاص القانون الخاص، مما يمنح هذا العقد طبيعة متميزة باعتباره عقداً يحقق الأغراض التي يسعى إليها طرفي العقد على الرغم من تباينها، فالدولة تسعى لتحقيق أغراض عامة، والمستثمر يسعى لتحقيق أغراض خاصة.

وتتضح تلك الخصوصية أيضاً في حالة نشوب أي نزاع بشأن عقود الاستثمار، فهذه العقود مثل أي عقود أخرى قد يتنازع طرفيها خلال تنفيذها بغض النظر عن طبيعة وموضوع هذا النزاع، ويكون مثار الخصوصية في تلك الحالة هو الإجابة على تساؤل هام قوامه: ما هو القانون الذي يجب تطبيقه على تلك النزاعات التي تنشأ بين طرفي عقد الاستثمار؟، خاصة وأن طرفي هذا العقد هما دولة ومستثمر أجنبي عنها لا يحمل جنسيتها ولا يخضع لقانونها، وسيكون محور هذا المقال هو الإجابة على ذلك التساؤل، وذلك في ظل ما جاء بشأنه في قانون البيئة الاستثمارية الأردني رقم (21) لسنة 2022.

أولاً: التعريف بعقد الاستثمار الأجنبي

ثانياً: التكييف القانوني لعقد الاستثمار الأجنبي

ثالثاً: طرفي عقد الاستثمار الأجنبي

رابعاً: القانون واجب التطبيق عند إبرام عقد الاستثمار الأجنبي

خامساً: القانون واجب التطبيق على منازعات عقد الاستثمار الأجنبي

سادساً: نموذج لأحكام القضاء الأردني ذات العلاقة

سابعاً: الخاتمة

أولاً: التعريف بعقد الاستثمار الأجنبي

في البداية وقبل أن نتعرض لموضوع المقال الأساسي المتعلق بالقانون واجب التطبيق على عقود الاستثمار الأجنبي فهناك بعض التفصيلات التي يلزم أن نكون على بينة منها، وأول هذه التفصيلات هي أن نتعرف على عقد الاستثمار الأجنبي باعتباره هو محور التساؤل محل هذا المقال.

يدور عقد الاستثمار الأجنبي – وكما هو واضح من مسماه – حول الاستثمار الأجنبي، والاستثمار الأجنبي يعرف بمسميات أخرى منها “الاستثمار غير الوطني”، وأيضاً “الاستثمار الدولي”، وهو مصطلح يتسم بصعوبة في وضع تعريف محدد وشامل له، وذلك لتعقيد مكوناته التي تتمثل في عوامل اقتصادية وأخرى قانونية، وهو ما يسفر عن تشابك وتداخل كامل بين هذين النوعين من العوامل بصورة تجعل من الصعب وضع تعريف جامع له.

إلا أن هناك بعض المحاولات التي بذلك في هذا الإطار ونتج عنها عدد من التعاريف التي حاولت وضع صورة مناسبة لماهية الاستثمار الأجنبي، كان من أهمها تعريفه بأنه “عملية انتقال تتم لرؤوس الأموال الأجنبية ليتم استثمارها بالخارج بصورة مباشرة، حيث تعمل في شكل وحدات صناعية أو إنشائية أو تحويلية أو زراعية أو خدمية”[1].

أما فيما يخص عقد الاستثمار الأجنبي فإن المشرع الأردني قد اتخذ بشأن تعريف هذا النوع من العقود موقفاً ثابتاً لم يتغير، حيث لم يتعرض إليه بالتعريف سواء في قانون الاستثمار الملغي رقم 30 لسنة 2014 أو في قانون البيئة الاستثمارية الجديد رقم 21 لسنة 2022، وهو موقف نجده محموداً للمشرع الأردني لاسيما وأنه يتفق مع الوضع الغالب في معظم التشريعات والقوانين، والتي تترك مسألة التعريف بأي مصطلح قانوني للاجتهادات الفقهية، وهو ما يتناسب بشكل كبير مع طبيعة تلك المصطلحات حيث أن وضع تعريف قانوني لها يضيق من نطاقها ويحد من شموليتها.

وبالفعل فقد تصدى الفقه القانوني للتعريف بعقد الاستثمار الأجنبي، ونتج عن ذلك ظهور أكثر من تعريف له، وإن كانت تلك التعاريف قد اجتمعت واتفقت في مضمونها على أن عقد الاستثمار الأجنبي هو العقد الذي بمقتضاه ينتقل رأي المال الأجنبي إلى الدولة المضيفة للاستثمار بصورة مباشرة، حيث يقوم المستثمر الأجنبي بتأسيس مشروعه الاستثماري في إقليم الدولة المضيفة سواء بمفرده أو بالتشارك مع رأس من رؤوس الأموال الوطنية لتلك الدولة[2].

ثانياً: التكييف القانوني لعقد الاستثمار الأجنبي

حتى يمكننا أن نضع أيدينا على القانون واجب التطبيق على عقد الاستثمار الأجنبي يلزمنا أن نكون على بينة من الطبيعة القانونية لهذا النوع من العقود، ونظراً للعناصر القانونية والاقتصادية المختلطة والتي يتشكل منها هذا العقد فقد اختلفت تفسيرات الفقه القانوني حول تكييف عقد الاستثمار الأجنبي وطبيعته القانونية، وسوف نتناول أهم تلك التفسيرات مع بيان أرجحها.

1- تكييفه بأنه اتفاقية دولية

اتجه بعض الفقه القانوني إلى تكييف عقد الاستثمار الأجنبي نظراً لصفته الدولية على أنه شكل من أشكال الاتفاقيات الدولية، وذلك لأنه – وفقاً لهذا الرأي – يعد نتاج مباشر لاتفاقيات يتم إبرامها بين الدول[3]، واستند هذا الرأي في ذلك إلى أن وجود الدولة كطرف من طرفي العقد يستدعي تدويله واعتباره بمثابة اتفاقية دولية تخضع في تنظيمها لقواعد القانون الدولي العام، وينتج عن إخلال الدولة بالتزاماتها الواردة بالعقد مسؤولية دولية.

ولم يلق هذا الرأي صدى لدى غالبية الفقه حيث واجه العديد من الانتقادات، والتي كان من أهمها أن تطبيق وتنفيذ تلك العقود لا يكون وفقاً للقواعد الواردة بالاتفاقيات الدولية ولكن وفقاً لما تتضمنه بنود العقد، وأيضاً أن الاتفاقيات الدولية يتم إبرامها بين أطراف تكون جميعها من أشخاص القانون العام، بينما عقد الاستثمار يكون به طرف يخضع للقانون الخاص وهو المستثمر، لذلك تم هجر هذا الرأي والالتفات عنه.

2- تكييفه بأنه عقد إداري

ذهب رأي آخر من الفقه القانوني إلى أن عقد الاستثمار الأجنبي هو عقد إداري، وكان أهم أسانيد هذا الرأي هو أن الدولة بذاتها أو عن طريق إحدى مؤسساتها تكون طرفاً في هذا العقد، كما أنها تستهدف من إبرامها له تحقيق مصلحة عامة، كما أن الاستثمار محل هذا العقد غالباً ما يستهدف خدمة مرفق عام من مرافق الدولة كما هو الحال في الاستثمارات التي تستهدف مرافق الاتصالات أو البترول، وهذا جميعه يعد من المعايير التي يتم بموجبها تمييز العقود الإدارية عن سائر العقود الأخرى.

إلا أن هذا الرأي كسابقه لم يجد قبولاً لدى الغالبية العظمى من الفقه، لاسيما وأنه قد واجه العديد من الانتقادات التي كان من أهمها أن المعايير الثلاث الخاصة بالعقد الإداري لا تتوافر في عقد الاستثمار الأجنبي كما أثبت الواقع العملي، خاصة وأن الدولة لا تبرم معظم عقود الاستثمار الأجنبي بصفتها السيادية التي يلزم أن تتوافر في العقود الإدارية، حيث قد يرد بالعديد من تلك العقود اشتراطات تضع الدولة والمتعاقد معها في ذات المركز القانوني، وهو ما أدى إلى إخفاق هذا الرأي في تكييف عقد الاستثمار الأجنبي تكييفاً قانونياً سليماً.

3- تكييفه بأنه من عقود القانون الخاص

اتجه هذا الجانب من الفقه إلى تكييف عقد الاستثمار الأجنبي على أنه عقداً مدنياً تقليدياً يخضع لأحكام القانون الخاص، واتخذ أنصار هذا الرأي سنداً لهم في ذلك ما قررته أحكام التحكيم التجاري الدولي من أن عقود الاستثمار الدولية هي عقود تتمتع بطبيعة خاصة هي أقرب لعقود القانون الخاص وبعيدة كل البعد عن كونها عقود إدارية، كما أن الاعتراف بأن الدولة تبرم عقود الاستثمار باعتبار صفتها السيادية لا يطابق الواقع لأن المستثمر الذي يتعاقد مع الدولة عندئذ سيحجم عن التعاقد معها.

وقد وجهت أيضاً إلى هذا الرأي العديد من الانتقادات التي عارضت تكييف عقود الاستثمار الأجنبي على أنها عقود قانون خاص، واستندت الآراء المعارضة إلى أن عقود الاستثمار بوجه عام وعقود الاستثمار الأجنبي بوجه خاص هي عقود تتمتع بذاتية خاصة بها، وهذه الذاتية تتضمن استخدام الدولة لجزء من سلطتها العامة لتحقيق المصلحة العامة، وهو ما يحول دون حصر عقود الاستثمار التي تقوم الدولة بإبرامها في وصف عقود القانون الخاص[4].

4- تكييفه بأنه عقد ذو طبيعة مختلطة

اتجه السواد الأعظم من الفقه القانوني إلى تكييف عقود الاستثمار الأجنبية على أنها عقود تتمتع بطبيعة مختلطة، فهي تجمع بين سمات كلاً من القانونين العام والخاص، كما تتضمن اشتراطات مستحدثة بين بنودها تمنحها طابع ذو خصوصية وتفرد، وهذه الاشتراطات تحد من سيادة الدولة وتقلل من السلطة التي تتمتع بها فيما تفرضه عليها من عدم قدرتها على الانفراد بتعديل العقد من جهة، ومن جهة أخرى فهي تحرص على مصالح المستثمر وتحول دون وقوعه في براثن أي تعديل في قوانين الضرائب والجمارك التي قد تضر بمصالحه المالية.

ونرى كما رأى غالبية الفقه القانوني أن عقد الاستثمار الأجنبي بالفعل هو عقد ذو طبيعة مختلطة، وهذا التكييف يتناسب بالفعل مع سمات وخصائص هذا العقد، والذي يجمع بين طياته إمكانية تطبيق قواعد القانون العام وأيضاً تطبيق قواعد القانون الخاص، وإن كان تطبيق قواعد القانون الخاص هو الغالب على تلك العقود لكونها القواعد الأكثر توافقاً مع احتياجات هذا العقد، ومع المرونة التي تتصف بها بنود العقد وشروطه.

ثالثاً: طرفي عقد الاستثمار الأجنبي

لا يختلف عقد الاستثمار عن سائر العقود الأخرى في كونه يتم إبرامه عن طريق التقاء إرادتين بغرض ترتيب أثر قانوني محدد، لذلك فإن عقد الاستثمار الأجنبي ينعقد بالتقاء إرادتي طرفيه، وهذين الطرفين هما الدولة التي تستضيف الاستثمار الأجنبي بأرضها، والمستثمر الأجنبي.

1- الدولة التي تستضيف الاستثمار الأجنبي

الطرف الأول في عقد الاستثمار الأجنبي يتمثل في الدولة التي تستضيف الاستثمار الأجنبي موضوع العقد بأرضها، وليس المقصود بذلك هو أن الدولة نفسها هي التي تقوم بإبرام العقد مع المستثمر الأجنبي والتوقيع عليه، حيث أن إبرام هذا النوع من العقود قد يتم إبرامه بصورة مباشرة عن طريق ممثلي الدولة كرئيسها أو رئيس وزرائها، كما يمكن أن يتم ذلك بصورة غير مباشرة عن طريق أي مؤسسة أو هيئة تتبع الدولة.

ولا تكون الدولة عند إبرامها عقد الاستثمار الأجنبي هي الدولة التي نعرفها باعتبارها شخص من أشخاص القانون الدولي العام، ولكنها تكون الدولة بمفهومها الذي يعرفه القانون الدولي المعاصر بأنها شخص اعتباري يقع في ذات المركز الذي يشغله أي شخص خاص في علاقة تتساوى فيها المراكز القانونية، حيث أن الدولة لا تتمتع بسيادتها وحصانتها عند توقيعها على عقد الاستثمار الأجنبي.

2- المستثمر الأجنبي

يمثل المستثمر الأجنبي الطرف الثاني من أطراف عقد الاستثمار الأجنبي، ويقصد بأجنبي هنا أنه يحمل جنسية دولة تختلف عن الدولة التي يبرم معها عقد الاستثمار، كما يمكن أيضاً لهذا المستثمر أن يكون شخصاً طبيعياً أو شخصاً معنوياً[5].

ويختلف الأساس الذي يتم الاستناد إليه في تحديد مدى كون المستثمر أجنبياً من عدمه بحسب نوع هذا الشخص، ففي حالة الشخص الطبيعي يتم تحديد كونه أجنبياً أم لا وفقاً للجنسية التي يحملها، بينما إذا كان المستثمر شخصاً معنوياً فإن الأساس في تحديد جنسيته هو مكان وجود المركز الرئيسي لإدارته أو المكان الذي تم فيه تأسيس هذا الشخص المعنوي، ولذلك فإنه متى تم تأسيس شركة طبقاً لقوانين الدولة التي تستضيف الاستثمار وكان مقرها الرئيسي بها، فإنها لا تعد شخصاً أجنبياً عن تلك الدولة بل تعد حاملة لجنسيتها.

رابعاً: القانون واجب التطبيق عند إبرام عقد الاستثمار الأجنبي

عند تحديد القانون واجب التطبيق على عقود الاستثمار الأجنبي فإن المقصود بذلك هو القانون الواجب التطبيق على مرحلتين لهذا العقد، المرحلة الأولى هي مرحلة إنشائه وإبرامه، والمرحلة الثانية هي مرحلة تنفيذه وما قد ينشأ عن ذلك التنفيذ من نزاعات بين طرفيه، وسوف يكون محل هذا القسم من المقال هو دراسة القانون واجب التطبيق على مرحلة إنشاء العقد وإبرامه.

ومما لا يخفى على أحد أن هناك بعض الشروط والمتطلبات التي يجب أن تتوافر وتتحقق عند إبرام العقد حتى ينعقد صحيحاً ومرتباً لآثاره القانونية، ومن أهم المسائل التي تثيرها تلك الشروط والمتطلبات هي مسألة توافر الأهلية لدى طرفي عقد الاستثمار الأجنبي، ومسألة الشكلية فيه، فأي القوانين هي التي تكون واجبة التطبيق على تلك المسائل؟ وهذا التساؤل هو ما سنجيب عليه في هذا القسم من المقال، لاسيما وأن قانون البيئة الاستثمارية الأردني لم ينظم أي منها بنص خاص فيه، وهو ما يجعلها تخضع للقواعد العامة في القانون الأردني كما سنرى.

1- مسألة توافر الأهلية لدى طرفي عقد الاستثمار الأجنبي

يشترط لصحة إبرام أي عقد من العقود بوجه عام وعقد الاستثمار الأجنبي بوجه خاص أن يكون طرفي العقد – أو أطرافه – متمتعين بالأهلية القانونية اللازمة لإبرامه، وفي الواقع العملي قد يندر الحديث عن مدى توافر أهلية طرفي عقد الاستثمار الأجنبي حيث أن طرف من هذين الطرفين هو الدولة نفسها أو أحد مؤسساتها، والطرف الثاني هو مستثمر أجنبي سواء كان شخص طبيعي أو معنوي، وهو ما يصعب معه الطرح بأن أحد هذين الطرفين قد لا يتمتع بأهلية إبرام مثل هذا العقد.

وإن كانت تلك الحالة نادرة الحدوث إلا أن تحققها لا يعد مستحيلاً، لذلك قد يحدث وأن تنشأ حالة من النزاع حول مدى توافر أهلية المستثمر الأجنبي الذي يبرم العقد مع الدولة أو مؤسساتها، فأي قانون هو القانون الذي يعد واجب التطبيق على تلك الحالة والذي يتم الرجوع إليه لتحديد ما إذا كان المستثمر يتمتع بالأهلية القانونية لإبرام عقد الاستثمار الأجنبي من عدمه؟

وبالرجوع إلى القواعد العامة في القانون المدني الأردني فقد تبين لنا أن المشرع الأردني قد نص في المادة رقم (12) منه على إجابة ذلك التساؤل، حيث نصت في الفقرة رقم (1) منها على أن (1- تسري على الحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم قانون الدولة التي ينتمون إليها بجنسيتهم ….)، وبالتالي فإن المستثمر الأجنبي متى كان شخصاً طبيعياً فإن تحديد أهليته القانونية يتم وفقاً لأحكام القانون الخاص بدولته التي يحمل جنسيتها.

أما في حالة أن يكون المستثمر هو شخص معنوي كمؤسسة أو شركة فقد جاء إجابة التساؤل بشأنها في نص الفقرة رقم (2) من ذات المادة سالفة البيان، والتي نصت في مضمونها على أن (2- أما النظام القانوني للأشخاص الحكمية الأجنبية من شركات وجمعيات ومؤسسات وغيرها، فيسري عليه قانون الدولة التي اتخذت فيها هذه الأشخاص مركز إدارتها الرئيسي الفعلي …)، وبالتالي فإن تحديد الأهلية القانونية للشخص المعنوي الأجنبي تكون وفقاً لقانون الدولة التي يقع بها مركز إدارته الرئيسي الفعلي، بحيث أنه إذا اتخذ هذا الشخص مركز نشاطه الرئيسي الفعلي بالأردن فإنه يكون خاضعاً في شأن تحديد أهليته القانونية لقانون الأردني.

كافة ما سبق يكون في حالة ما إذا كان المستثمر الأجنبي يحمل جنسية وحيدة، فما هو الحال إذا كان المستثمر الأجنبي يحمل أكثر من جنسية؟ وهو ما لا يتصور تحققه إلا في الشخص الطبيعي، لاسيما وأن الشخص المعنوي لا يكون له سوى مركز إدارة رئيسي واحد وبالتالي لا يتصور أن يكون له إلا جنسية واحدة وهي – كما سبق وأن أوضحنا – جنسية الدولة التي يوجد بها هذا المركز الرئيسي، وبالتالي يصبح التساؤل في تلك الحالة عن ماهية القانون واجب التطبيق على أهلية المستثمر الأجنبي الذي يحمل أكثر من جنسية؟

يرى الرأي الراجح لدى الغالبية العظمى من فقهاء القانون أن تحديد القانون الذي يتم الرجوع إليه في تلك الحالة لبيان أهلية المستثمر الأجنبي ومدى توافرها هو قانون الدولة التي يرتبط المستثمر فعلياً بجنسيتها، فمن بين الجنسيات التي يحملها المستثمر الأجنبي تكون هذه الجنسية هي التي يرتبط بها برابطة حقيقية، ويمكن الاستعانة للاستدلال على تلك الرابطة بأكثر من مظهر من مظاهر الارتباط، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر الموطن الرئيسي له، وعلاقاته الأسرية، ورغبته في التعامل بموجبها، وغيرها من المظاهر الأخرى التي تدل على قوة رابطته بإحدى الجنسيات التي يحملها[6].

ونود أن ننوه إلى أمر هام وهو أن المشرع الأردني قد حال دون تطبيق القانون الأجنبي واجب التطبيق في تلك الحالة بشأن مسألة توافر أهلية المستثمر الأجنبي، وذلك في حالة أن يكون هذا القانون مخالفاً للنظام العام والآداب في المملكة الأردنية الهاشمية، وذلك طبقاً لما جاء بنص المادة رقم (29) من القانون المدني الأردني والتي قررت أنه (لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبي عينته النصوص السابقة إذا كانت هذه الأحكام تخالف النظام العام أو الآداب في المملكة الأردنية الهاشمية).

2- مسألة الشكلية في عقد الاستثمار الأجنبي

فيما يخص القانون واجب التطبيق على الشكل الذي يفرغ فيه عقد الاستثمار الأجنبي فإننا نجد أن المشرع الأردني قد أخضع العقود من حيث شكلها القانوني الذي تفرغ فيه إلى قاعدة عامة، وهي القاعدة التي قررها في سياق نص المادة رقم (21) من القانون المدني الأردني، والتي نصت في مضمونها على أنه (تخضع العقود ما بين الأحياء في شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه، ويجوز أيضاً أن تخضع للقانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية، كما يجوز أن تخضع لقانون موطن المتعاقدين أو قانونهما الوطني المشترك).

ومن نص المادة سالفة الذكر يمكننا أن نتبين أن المشرع الأردني قد وضع قاعدة استقرت عليها الكثير من القوانين والتشريعات المعاصرة، وهذ1ه القاعدة قوامها أن القانون واجب التطبيق على شكلية العقد – ومن ضمنها عقد الاستثمار الأجنبي – هو قانون الدولة التي تم إبرام هذا العقد فيها، ويمكننا أن نعزي هذه القاعدة العامة إلى رغبة المشرع في تيسير الأمر على المتعاقدين بشأن معرفة القواعد التي تحكم شكل التعاقد المبرم بينهما.

ونظراً لأن الحكمة التي تقررت تلك القاعدة من أجلها تتعلق بحق خاص للمتعاقدين، فإن القانون قد جعلها قاعدة غير ملزمة، بحيث أجاز للمتعاقدين أن يتفقوا على إخضاع شكل العقد المبرم بينهما للقانون الذي يحكم موضوع العقد أي للقانون واجب التطبيق على موضوع العقد، أو إلى قانون الموطن الخاص بالمتعاقدين، أو القانون الوطني المشترك لهما، وبوجه عام فإن القانون واجب التطبيق على الشكل الذي يفرغ فيه عقد الاستثمار الأجنبي هو قانون الدولة التي يبرم فيها العقد كقاعدة عامة، ولكن الأمر يعد متروكاً لاختيار طرفي العقد متى اتجهت رغبتهما معاً إلى تحديد قانون آخر.

خامساً: القانون واجب التطبيق على منازعات عقد الاستثمار الأجنبي

قبل أن نتعرض إلى القانون واجب التطبيق على المنازعات التي تنشب بشأن عقود الاستثمار الأجنبي يلزم بداية أن نوضح الطرق التي حددها المشرع الأردني في قانون البيئة الاستثمارية لفض وتسوية المنازعات التي تنشأ بين الدولة والمستثمر عن عقد الاستثمار الأجنبي، حيث لم يقتصر ذلك على الجهات القضائية – المحاكم – فقط ولكنه أجاز أيضاً الاتفاق على اللجوء للتحكيم، وسوف نتعرض إلى القانون واجب التطبيق أمام كل من هاتين الجهتين بشكل منفصل.

1- القانون واجب التطبيق أمام المحكمة

نصت المادة رقم (46) من قانون البيئة الاستثمارية الأردني على أن (تطبق المحكمة أو هيئة التحكيم على منازعات عقود الاستثمار القانون المتفق عليه بين الأطراف، وفي حالة عدم وجود مثل هذا الاتفاق تطبق القانون الأردني باستثناء قواعد القانون الدولي الخاص).

ومن خلال نص المادة سالفة البيان يتبين لنا أن المشرع الأردني قد منح المتعاقدين في عقد الاستثمار الأجنبي الحرية في الاتفاق على اختيار القانون الذي تخضع لتطبيقه المنازعات التي تنشأ عن عقدهما، واعتد بإرادتهما في ذلك بحيث تكون المحكمة المعروض عليها النزاع ملتزمة بتطبيق القانون المتفق على تطبيقه في عقد الاستثمار الأجنبي.

وقد عالج المشرع في ذات المادة الحالة التي يخلو فيها عقد الاستثمار الأجنبي من تحديد القانون واجب التطبيق على المنازعات الناشئة عن العقد، حيث قرر في هذه الحالة أن يكون القانون واجب التطبيق على تلك المنازعات هو القانون الأردني، إلا أنه استثنى من ذلك قواعد القانون الدولي الخاص، كما هو الحال في مسألة الأهلية التي تخضع عندئذ في تحديدها لقانون الجنسية، فمثل تلك الحالة وغيرها من الحالات المشابهة الأخرى تخضع لقواعد القانون الدولي الخاص.

2- القانون واجب التطبيق أمام جهات التحكيم

أجاز المشرع الأردني لطرفي عقد الاستثمار الأجنبي أن يتفقا على اللجوء إلى التحكيم لتسوية منازعاتهما الناشئة عن العقد وذلك عوضاً عن اللجوء إلى المحكمة، وذلك بموجب نص المادة رقم (45/أ) من قانون البيئة الاستثمارية الأردني، حيث نصت هذه المادة على أن (أ- يجوز تسوية منازعات عقود الاستثمار بين الجهة الرسمية والمستثمر من خلال التحكيم …..)، وبالتالي يمكن تضمين عقد الاستثمار الأجنبي شرط التحكيم، أو إبرام اتفاقية تحكيم منفصلة بين طرفي عقد التحكيم.

وفي حالة وجود اتفاق على التحكيم بين طرفي عقد الاستثمار الأجنبي فإن تحديد القانون واجب التطبيق يختلف بين فرضين:

  • الفرض الأول: هو أن يتضمن الاتفاق على التحكيم بين طرفي عقد الاستثمار الأجنبي بيان بالقواعد التي تلتزم بها هيئة التحكيم، وتلتزم بتطبيقها على المنازعة التحكيمية التي تعرض عليها، وعندئذ يكون القانون واجب التطبيق على تلك المنازعة هو القانون المتفق على تطبيق قواعده على النزاع من قبل هيئة التحكيم أو المحكم.
  • الفرض الثاني: هو أن يخلو الاتفاق على التحكيم المبرم بين طرفي عقد الاستثمار الأجنبي من تحديد القواعد التي تخضع لها المنازعة التحكيمية، سواء كان ذلك على سبيل السهو أو الإهمال منهما، فإن المشرع قد منح المستثمر الحرية في اختيار القواعد التي يتم تطبيقها على المنازعة، ومنحه مجموعة من القواعد التي يختار من بينها ما يرغب في تطبيقه على النزع، وهذه القواعد هي:
  • قواعد قانون التحكيم الأردني.
  • قواعد التحكيم الخاصة بلجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسيترال).
  • قواعد التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية.

وبالتالي متى تم إغفال ذكر القواعد التي تطبق على التحكيم في اتفاق التحكيم، يكون المستثمر الأجنبي مقيداً بهذه الاختيارات الثلاث الموضحة أعلاه، ولا يمكنه اختيار أي قواعد أخرى لتطبيقها على النزاع التحكيمي.

سادساً: نموذج لأحكام القضاء الأردني ذات العلاقة

حكم محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية رقم 489 لسنة 2010 والصادر بجلسة 7/6/2010، والمتضمن أنه (يسري قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين على الالتزامات التعاقدية فيما بينهما إذا اتحدا موطناً، وإن قانون الدولة التي تم فيها العقد هو الذي يسري على تلك الالتزامات إن اختلفا موطناً).

سابعاً: الخاتمة

في ختام هذا المقال يمكننا أن نستخلص أن المشرع الأردني قد تكفل في قانون البيئة الاستثمارية بتحديد القانون واجب التطبيق على المنازعات التي تنشأ عن عقود الاستثمار الأجنبي، سواء كانت تلك المنازعات من اختصاص الجهات القضائية أو المحكمين، في حين ترك الأمر في شأن المسائل المتعلقة بإبرام العقد كالأهلية والشكلية وغيرها من التفصيلات الأخرى للقواعد العامة في القانون، وإن كان تحديد القانون واجب التطبيق على المنازعات في هذا النوع من العقود قد اتسم بالمرونة حيث ترك المشرع الفرصة متاحة أمام طرفي العقد لتحديد القانون واجب التطبيق على عقدهما.

[1] – ليندا جابر – القانون واجب التطبيق على عقود الاستثمار الأجنبي – المؤسسة الحديثة للكتاب – لبنان – 2014 – ص10.

[2] – يوسف صغير – القانون الواجب التطبيق على عقود الاستثمار أمام قضاء التحكيم – رسالة ماجستير – دامعة الدكتور مولاي الطاهر – الجزائر – 2017 – ص21.

[3] – إبراهيم القعود – الطبيعة القانونية لعقود الاستثمار الدولية – مجلة العلوم القانونية والشرعية – ع (7) – كلية القانون – جامعة الزاوية – 2015 – ص300.

[4] – أزاد صالح – الوسائل البديلة لتسوية منازعات عقود الاستثمار الدولية – الطبعة الأولى – المؤسسة الحديثة للكتاب – لبنان – 2016 – ص57.

[5] – جلال محمدين – التحكيم بين المستثمر الأجنبي والدولة المضيفة للاستثمار – دار الجامعة الجديدة – مصر – 2001 – ص27 وما بعدها.

[6] – أحمد الفتلاوي – القانون واجب التطبيق على الالتزامات العقدية الناتجة عن عقد الاستثمار – مجلة بابل للعلوم الإنسانية – مج 16 – ع (1) – العراق – 2008 – ص11.

الرئيسية
إختصاصات
مقالات
واتساب
إتصال
error: المحتوى محمي !!