جريمة الاغتصاب تعتبر أحد أشكال العنف الجسدي ، وهو من الجرائم الخطيرة التي لها تأثير سلبي على المجتمع ، وليس لها أية صلة بالقيم والأخلاق الإسلامية والأخلاق المجتمعية الحميدة، بل تمثل انحراف في السلوك التربوي والأخلاقي ، ولذلك كان لا بد أن تسن القوانين والتشريعات التي تمنع ارتكاب هذه الجريمة وأن تُشدد العقوبة على مرتكبي هذه الجريمة.
ثانياً: عناصر الركن المادي لجريمة الاغتصاب:
ثالثاً: الركن المعنوي لجريمة الاغتصاب:
رابعاً: عقوبة جريمة الاغتصاب في صورتها العادية:
خامساً: عقوبة جريمة الاغتصاب في صورتها المشددة:
سادساً: بعض اجتهادات محكمة التمييز بشأن جريمة الاغتصاب:
يُعد الحق في نقاء العرض من أسمى وأهم الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الإنسان، من أجل ذلك قام المشرع بوضع النصوص القانونية التي تحمي حق الإنسان في سلامة عرضه، ومعاقبة كل من ينتهك هذا الحق أو يحاول انتهاكه، ومن ضمن الجرائم التي شرعت لحماية حق الإنسان في عرضه هي جريمة الاغتصاب والتي تُعد واحدة من أشد الجرائم التي تقع على عرض الإنسان.
فجريمة الاغتصاب لا تنال من عرض المجني عليها فقط وإنما تسبب لها إيذاء نفسي بجانب ما تعرضت له من إيذاء بدني، بل وتنال من حياتها المستقبلية حيث تنحسر عنها فرص الحصول على أسرة واستقرار عائلي، وفي بعض الأحيان قد تفرض عليها – تلك الجريمة – أمومة غير شرعية مما يجعل الألم المعنوي مصاحب لها مدى حياتها.
أولاً: تعريف جريمة الاغتصاب:
الاغتصاب هو اتصال رجل بامرأة جنسياً اتصالاً كاملاً دون رضاء صحيح منها بذلك،[1] ولقد وردت تلك الجريمة في قانون العقوبات الأردني بموجب (المادة 292/1/أ) من قانون العقوبات والتي نصت على أن: (من واقع أنثى (غير زوجه) بغير رضاها سواء بالإكراه، أو بالتهديد، أو بالحيلة، أو بالخداع عوقب بالأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة، وتكون العقوبة الأشغال عشرين سنة إذا كانت المجني عليها قد أكملت الخامسة عشرة ولم تكمل الثامنة عشرة من عمرها).
وتعرف الجريمة وفقاً لما استقر عليه اجتهاد القضاء الأردني بأنها: مواقعه أنثى مواقعه غير مشروعة بدون رضاها وذلك يستلزم إيلاج قضيب الذكر في المكان المخصص له من الأنثى.[2]
وتُعد جريمة الاغتصاب من أخطر الجرائم التي تقع على العرض، ليس فقط لكونها تسبب أضرار مادية ونفسية للمجني عليه وإنما لواقعها المؤلم على الرأي العام، وما تحدثه من صدمة لكل من يقع على مسامعه وقوع تلك الجريمة المفزعة.
وجديراً بالذكر أن تلك الجريمة تُعد واحدة من الجرائم التي تدخل ضمن عداد جرائم “الرقم الأسود” أو ” الرقم المطموس” حيث إن عادة ما يكون هناك عوامل تؤدي إلى عدم وصول نبأ تلك الجريمة إلى السلطات، سواء تمثلت تلك العوامل في التهديد الواقع على المجني عليها أو في خشية المجني عليها وذويهم من الإبلاغ حتى لا ينكشف أمرهم وينالهم العار أمام المجتمع.
ثانياً: عناصر الركن المادي لجريمة الاغتصاب:
1- الاتصال الجنسي الكامل “ركن المواقعة”:
حتى تتحقق جريمة الاغتصاب في حق الجاني يجب أن يحدث اتصال جنسي كامل بين الجاني والمجني عليها، وذلك يتحقق بإيلاج عضوه التناسلي بداخل فرج المرأة المجني عليها.
ومن الجدير بالذكر أن جريمة الاغتصاب لا تحقق في القانون الأردني – وكذلك في القانون المصري – إذا كان الإيلاج في دبر المرأة، وذلك عكس ما أصبح عليه الوضع في التشريع الفرنسي والذي قرر بتحقق جريمة الاغتصاب بغض النظر عن المكان الذي تم فيه إيلاج عضو الجاني، سواء أكان في قُبل المجني عليها أو دبرها.
فإذا تحقق الإيلاج في المكان المخصص له، فلا يؤثر بعد ذلك في قيام الجريمة أن يتمزق غشاء بكارة المجني عليها أم لا، ولا يؤثر في قيام الجريمة أن يكون الإدخال تم لمرة واحدة أو عدة مرات، وكذلك لا يؤثر في قيام الجريمة أن يكون الجاني قد بلغ شهوته أم لا، أما إذا لم يتحقق الإيلاج في المكان الطبيعي فلا تتحقق الجريمة، حيث تنتفي جريمة الاغتصاب إذا قام الجاني بإدخال إصبعه في فرج المرأة أو إدخال آلة حادة به حتى ولو ترتب على ذلك تمزيق غشاء بكارتها، وكذلك لا تحقق الجريمة إذا اقتصر فعل الجاني على مجرد احتكاك بأي موضع في جسدها.[3]
وتجدر الإشارة إلى أن المرأة إن لم تكن صالحة للإيلاج كما لو كانت تعاني من مرض جسدي أدى إلى انسداد فرجها بالكامل فإن ذلك من شأنه أن يهدم ماديات جريمة الاغتصاب حيث لا تتحقق لا في صورتها الكاملة أو الناقصة، ولكن ذلك لا يُعفي الجاني من أن يسند إليه ارتكاب جريمة هتك عرض حال توافر أركانها.
2- أطراف جريمة الاغتصاب:
أ- الفاعل في جريمة الاغتصاب:
لا تحقق جريمة الاغتصاب إلا إذا كان الجاني رجلاً قادراً على الإيلاج، ومن ثم فلا يمكن أن تنسب تلك الجريمة إلى امرأة حتى ولو قامت الأخيرة بأفعال على المجني عليها من شأنها أن تمزق غشاء بكارتها كأن تستخدم في سبيل ذلك آلات حادة، حيث إنه في هذه الحالة ستنسب إلى تلك المرأة جريمة هتك عرض وليس جريمة اغتصاب.
ونشير في هذا الصدد إلى أنه إذا لم يكن الرجل قادراً على الإيلاج لكونه مصاب بمرض جنسي أو لعدم تمكنه من ذلك فإن فعله في هذه الحالة يقف عند حد الشروع في جريمة اغتصاب، أو شروع في جريمة هتك عرض وفقاً لما تستخلصه محكمة الموضوع من ظروف وملابسات الدعوى.
ب- المجني عليه في جريمة الاغتصاب:
لا تقع جريمة الاغتصاب إلا على أنثى وذلك لصراحة نص المشرع الأردني في (المادة 92) من قانون العقوبات والتي ذكر فيها ” من واقع أنثى “، ومن ثم فلا يتصور أن ينسب إلى الجاني جريمة اغتصاب إذا كان الفعل واقع على رجل، حتى ولو تحقق الإيلاج أو المواقعة الجنسية عليه، حيث تنسب إلى الفاعل في هذه الحالة جريمة هتك عرض وليس جريمة اغتصاب.
فإذا كانت المجني عليها في الجريمة أثنى فلا يهم بعد ذلك أن تكون متزوجة أو غير متزوجة، بكراً كانت أم ثيب، كاملة الأهلية أم ناقصة لها، مع ضرورة ملاحظة أن نقصان أهلية المجني عليها من شأنه أن يشدد العقاب على الجاني وفقاً لما سنعرض له لاحقاً، إلا أن المجني عليها التي تكون محلاً لتلك الجريمة يجب أن تكون حية، بحيث إذا كانت جثة مفارقة للحياة فلن تكون محلاً لتلك الجريمة.[4]
وجديراً بالذكر أن سوء سلوك المجني عليها لا يُعد سبباً مبرراً لفعل الجاني، ذلك أن هدف المشرع من تجريم مثل هذا الفعل هو حماية الأنثى من التعدي عليها وليس تقويم سلوكها.
– نقصان أهلية المجني عليها:
إذا كانت المجني عليها ناقصة الأهلية بأن كانت دون الثمانية عشر عام فإن ذلك من شأنه أن يعدم رضائها، حتى ولو أثبت الجاني سبق موافقتها بمواقعه لها، إلا أن هذا الفعل لا يندرج تحت جريمة الاغتصاب وإنما يوصف بأنه مواقعة أنثى قاصر.
أما إذا كانت الأنثى قاصر وقام المجني عليه باغتصابها كرهاً فإن ذلك من شأنه أن يشدد العقاب عليه.
وفي هذا الصدد تقضي محكمة جنايات أحداث عمان في حكمها رقم 533 لسنة 2015 بأن: (الأفعال التي قام بها المتهم من أفعال مادية اتجاه المجني عليها ….. البالغة من العمر 16 سنة وهي اصطحابها إلى شقة وقيامه بممارسة الجنس معها بعد أن قام بخلع ملابسه وبعد ذلك تشليح المجني عليها ملابسها بالكامل وقم بتقبيلها ونام فوقها وقام بوضع قضيبه المنتصب في فرجها إلى أن استمنى وقد كرر هذه الأفعال مرتين داخل سيارة أثناء وجودهما في منتزه غمدان وأن هذه الممارسة كانت بدون عنف أو تهديد حيث أن المجني عليها قامت برضاها بمرافقة المتهم إلى الشقة بعد أن أخبرها بأن صديقتها ستحضر إلى الشقة وبقيت معه عدة أيام مارس معها الجنس ثلاث مرات إلى أن حضرت الشرطة والقت القبض عليهما أثناء وجودهما في حديقة الشورى، وبالرجوع إلى أحكام المادة 294 من قانون العقوبات حيث تنص على “من واقع أنثى (غير متزوجة) أكملت الخامسة عشرة من عمرها ولم تكمل الثامنة عشر من عمرها عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمسة سنوات، لذا فان المشرع الأردني جرم الأفعال الصادرة عن المتهم عندما يمارس الجنس مع الأنثى التي أكملت الخامسة عشر ولم تكمل الثامنة عشر من عمرها وكانت الأفعال بدون عنف أو تهديد ذلك أن المشرع وضع الأنثى التي هي بهذا السن ضمن الحماية القانونية وعليه فإن الأفعال الصادرة عن المتهم الحدث عبد الله تشكل كافة أركان وعناصر جناية مواقعة أنثى أكملت الخامسة عشرة ولم تكمل الثامنة عشرة من عمرها بالوصف المسند إليه).
3- انعدام الرضاء:
قرر المشرع عقاب الجاني عن فعل اغتصاب إذا واقع أنثى بغير رضاها، وهذا يعني أنه حتى يكتمل البنيان القانون لجريمة الاغتصاب يجب أن يكون الجاني قد قام بمواقعه الأنثى بدون رضاها، ورضاء الأنثى ينعدم حال قيام الجاني بتهديدها إما تهديداً مادياً أو معنوياً، أو أن يكون قد ارتكب جرمه باستخدام وسائل الحيلة والخداع.
وجدير بالذكر أن نقصان أهلية المجني عليها لا يُعد حائلاً دون اكتمال أركان وعناصر جريمة الاغتصاب، بل أن نقصان أهلية المجني عليها من شأنه أن يشدد من عقاب الجاني، أما إذا كان الفعل المرتكب برضاء المجني عليها التي لم تكمل الثمانية عشر عاماً فإننا لا نكون بصدد جريمة اغتصاب، ولكن نكون بصدد جريمة مواقعة أنثى قاصر.
أما إذا كانت المرأة بالغة سن الثمانية عشر عاماً وتمت المواقعة بموافقتها فإن ذلك من شأنه أن ينفي جرم الاغتصاب عن الجاني، ولكنه قد يقيم في شأنهما جريمة زنا إذا توافرت أركانها القانونية.
وفي هذا الصدد يثار تساؤل حول مدى تحقق الجريمة في شأن الزوج الذي يواقع زوجته بالقوة؟
الواقع أن المشرع الأردني قد حسم إجابة هذا التساؤل عندما قرر في مستهل (المادة 92) من قانون العقوبات أن جريمة الاغتصاب لا تقع إلا على أنثى غير زوجة الجاني، فحق الزوج في مواقعة زوجته رغماً عنها – سواء كان بالإكراه أو التحايل أو الخداع – يكون مشروعاً باعتباره ممارسة لحق يخوله إياه القانون بموجب عقد الزواج الذي يبيح للزوج حق الاتصال بزوجته في أي وقت.[5]
والأمر ذاته ينطبق على مواقعة المطلقة وهي في أشهر العدة الرجعية، حيث إن المواقعة في هذه الحالة – ولو بالقوة – تُعد بمثابة رجعة، أما إذا كانت المواقعة على المطلقة وهي في أشهر عدتها البائنة سواء كانت بينونة كبرى أم صُغري ففي هذه الحالة نكون بصدد جريمة اغتصاب.[6]
وفقاً لما سبق فإنه يمكن القول إن الحالات التي ينعدم بها رضاء المجني عليها والتي تُعد أحد عناصر جريمة الاغتصاب هي:
أ- الإكراه المادي:
وهو ما يتمثل في استخدام العنف على المجني عليها والذي من شأنه أن يشل مقاومتها للجاني، سواء اتخذ ذلك صورة الجرح أو الضرب أو التقييد سواء أكان من شأن ذلك أن يترك علامات على جسد المرأة أم لا، أو بمعنى آخر أنه لا يؤثر في الجريمة أن يكون الإكراه الذي استعمله الجاني بالغاً حداً من الجسامة أم لا.
ويتعين أن يكون العنف المستخدم ضد المجني عليها سبباً في رضوخها لأفعال الجاني، بحيث إذا سلمت المرأة إلى الجاني فإن سبق استعمال القوة لا يُعد سبباً كافياً للقول بتحقق الجريمة.[7]
وفي صدد بيان أثر الإكراه على نفس المجني عليها تقضي محكمة جنح جنوب عمان في حكمها رقم 1834 لسنة 2017 بأن: ( جرم الاغتصاب يقوم على استعمال الفاعل للتهديد والعنف لاجتلاب نفع غير مشروع له أو لغيره وأن الأفعال المادية (الركن المادي ) في هذه الجريمة تقوم باستعمال وسائل قسريه من شانها تعطيل الاختيار أو إعدام المقاومة وأن ركن الإكراه في جريمة اغتصاب التوقيع يكون باستعمال وسائل تتمثل بالقوة أو العنف أو عن طريق التهديد حيث تشل إرادة المجني عليه وأن العبرة ليس في الوسائل المادية التي تستعمل بالإكراه بل في الرهبة التي تقع في نفس المجني عليه لأن الأخير يكون معدوم الإرادة بل أن إرادته غير موجوده ولكن انتزعت هذه الإرادة بالقوة لأنه خّير بين أن يريد أو يقع به المكروه الذي هدد به فاختار أهون الضررين).
ب- الإكراه المعنوي:
يعني الإكراه المعنوي أن هناك تهديد وقع على المرأة في نفسها أو مالها أو بإلحاق الأذى بأحد أبنائها أو أقربائها إذا لم ترتض لإقامة علاقة جنسية مع الجاني، ويتحقق الإكراه المعنوي الذي يُعد أحد عناصر جريمة الاغتصاب حتى ولو قام الجاني بتهديد المجني عليها بشيء غير مشروع قامت هي بفعله، كأن يهددها بأن يعلم زوجها بأنها ارتكبت فعل الزنا إذا لم تقم بإقامة علاقة جنسية معه.
وفي جميع الأحوال يجب أن يكون الإكراه المعنوي الذي استخدمه الجاني واصلاً إلى درجة من الجسامة حتى يمكن القول معه أن رضاء المرأة وصل إلى حد الانعدام، وهذا ما دفع بعض الفقه إلى القول بأن تهديد المرأة في مالها لا يُعد كافياً لأن يكون معدماً لرضاها في جريمة الاغتصاب، حيث إنه في سبيل الموازنة بين المال والعرض فإن رجحان كافة العرض تكون أولى من المال.
ج- استخدام وسائل التدليس والخداع:
لا تقوم جريمة الاغتصاب طالما توافر رضاء من المجني عليها، إلا أن هذا الرضاء يجب أن يكون رضاء صادر عن إرادة حرة سليمة غير مشوبة بأي عيب من عيوب الرضا، فإذا تمت المواقعة استناداً إلى استخدام الجاني حيلاً وأساليب تدليسيه من شأنها أن توقع المرأة في غلط مما يدفعها إلى التسليم للجاني فإن ذلك من شأنه أن يقيم جريمة اغتصاب في حق الجاني.
ومن الأمثلة على ذلك أن يستغل الجاني أن المرأة ضريرة ويوهمها أنه زوجها ليتمكن من إتيان فعلته، أو أن يوهمها أنه أبرم معها عقد زواج ليتمكن من إقامة علاقة جنسية معها، أو أن يوهم مطلقته أنه راجعها على خلاف الحقيقة حتى يتصل بها برضائها معتقدة بأنه زوجها.
د – الضعف الجسدي للمجني عليها:
إذا كانت المجني عليها تُعاني من ضعف جسدي يحول دون استطاعتها مقاومة الجاني فإن ذلك من شأنه أن يكون معدماً لرضائها ويوقع فعل الجاني تحت مغبة جرم الاغتصاب الوارد (بالمادة 293) من قانون العقوبات والتي نصت على أن: (من واقع أنثى (غير زوجه) لا تستطيع المقاومة بسبب ضعف، أو عجز جسدي ،أو نفسي، أو عقلي يعد مرتكباً للجرم المنصوص عليه في المادة (292) من هذا القانون ويعاقب بالعقوبة المنصوص عليها فيها).
ثالثاً: الركن المعنوي لجريمة الاغتصاب:
تُعد جريمة الاغتصاب من الجرائم العمدية التي لا تقوم إلا إذا تحققت لدى الجاني عنصري القصد الجنائي المتمثلين في العلم والإرادة:
حيث يجب أن يكون الجاني عالماً بأن فعله يقع على أنثى لا تحل له دون رضاها، سواء أكان انعدام رضاها راجعا إلى قيامه بإكراهها إكراه مادي أو معنوي أو لأنه استعمل وسائل تدليسية عليه أعدمت هذا الرضاء.
وتنتفي جريمة الاغتصاب إذا كان الجاني قد اعتقد بمشروعية العلاقة التي أقامها مع المرأة، وذلك كما في حالات الوطء بشبهة، أو أن يكون الرباط الذي يربط بين الرجل والمرأة عقد زواج فاسد أو باطل يعتقدان أنه صحيح.
ويجب كذلك أن تكون إرادة الجاني الحرة متجهة إلى إتيان هذا الفعل، حيث يجب أن يكون قاصداً إتيان أمرأه كرهاً لا تحل له حتى يكون خاضعاً للنص التجريمي.
وتظهر أهمية القصد الجنائي في الحالات التي نكون فيها بصدد جريمة ناقصة، فإذا كان لدى الجاني نية إتيان المرأة في الموضع الطبيعي لأدى ذلك إلى مُعاقبته عن جناية شروع في اغتصاب، أما إذا كانت نيته قد اتجهت إلى مجرد إتيان أفعال فاحشة على جسد المرأة قاصداً إفضاء شهوته أو الانتقام من المرأة فإن ذلك ينفي عنه جرم الاغتصاب مع إمكانية ملاحقته عن جرم آخر كهتك العرض مثلاً.
وتبين محكمة جنايات أحداث عمان الركن المعنوي لجرم الاغتصاب في حكمها رقم 533 لسنة 2015 والتي قضت فيه بأن: (تعتبر جريمة الاغتصاب من الجرائم العمدية التي تتطلب وجود القصد الجرمي وهو يتمثل بانصراف الإرادة إلى ارتكاب الفعل وعلمه بانه يكره المجني عليها على الجماع والصلة الجنسية، ويعتبر استعمال القوة أو العنف أو التهديد قرينة على القصد الجرمي في اغلب الحالات).
رابعاً: عقوبة جريمة الاغتصاب في صورتها العادية:
بينت (المادة 292/1) من قانون العقوبات الأردني عقوبة جريمة الاغتصاب في صورتها العادية عندما نصت على أن: (من واقع أنثى (غير زوجه) بغير رضاها سواء بالإكراه، أو بالتهديد، أو بالحيلة، أو بالخداع عوقب بالأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة).
وفي حال قيام الجاني بارتكاب جريمة الاغتصاب مقترنة بجريمة أخرى فإن ذلك من شأنه أن يجعل عقوبة الجريمة الأشد هي الواجبة التطبيق على الجاني وفقاً لما قررته (المادة 72) من قانون العقوبات الأردني.
خامساً: عقوبة جريمة الاغتصاب في صورتها المشددة:
قرر المشرع الأردني تشديد العقاب في جريمة الاغتصاب لعدة حالات، بحيث يشدد العقاب على الجاني إذا توافرت أياً منهم، وحالات التشديد التي قررها المشرع هي:
1- التشديد بسبب سن المجني عليها:
قرر المشرع الأردني تشديد العقاب على الجاني المغتصب إذا كان سن المجني عليها دون الثمانية عشر عام، وفي هذا الصدد يفرق بين حالتين:
الحالة الأولى: إذا كانت المجني عليها دون الثمانية عشر عام، ولكنها أكلمت الخمسة عشرة عام، ففي هذه الحالة يكون عقاب الجاني هي الأشغال عشرين سنة وذلك وفقاً لما ورد (بالمادة 292/1/ب) من قانون العقوبات والتي نصت على أن: (وتكون العقوبة الأشغال عشرين سنة إذا كانت المجني عليها قد أكملت الخامسة عشرة ولم تكمل الثامنة عشرة من عمرها).
الحالة الثانية: فإذا كانت المجني عليها دون الخمسة عشر عام فإن ذلك من شأنه أن يجعل عقاب الجاني هو الإعدام، وذلك وفقاً لما ورد (بالمادة 292/2) والتي نصت على أن: (كل شخص أقدم على اغتصاب فتاة لم تتم الخامسة عشرة من عمرها يعاقب بالإعدام).
2- التشديد بسبب وجود صلة قرابة بين الجاني والمجني عليها:
وردت تلك الحالة التي تشدد من عقوبة جريمة الاغتصاب بموجب (المادة 295) من قانون العقوبات والتي نصت على أن: (من واقع أنثى أكملت الخامسة عشرة ولم تكمل الثامنة عشرة من عمرها وكان الجاني أحد أصولها سواء كان شرعيا أو غير شرعي أو واقعها أحد محارمها أو من كان موكلا بتربيتها أو رعايتها أو له سلطة شرعية أو قانونية عليها عوقب بالأشغال عشرين سنة، وتكون العقوبة الأشغال المؤبدة إذا أكملت المجني عليها الثانية عشرة ولم تكمل الخامسة عشرة من عمرها.
ويقضى بالعقوبة ذاتها المقررة في الفقرة السابقة إذا كان الفاعل رجل دين أو مدير مكتب استخدام أو عاملا فيه فارتكب الفعل مسيئا استعمال السلطة أو التسهيلات التي يستمدها من هذه السلطة).
والملاحظ على هذا الظرف المشدد أنه لا ينطبق إلا إذا كانت المجني عليها لم تكمل الثامنة عشر من عمرها، بحيث إذا كانت قد أتمت ثماني عشر سنة فلا يطبق على الجاني جرم الاغتصاب وإنما يطبق عليها جرم السفاح الوارد (بالمادة 285) من قانون العقوبات الأردني والتي نصت على أن: (السفاح بين الأصول والفروع سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين وبين الأشقاء والشقيقات والأخوة والأخوات لاب أو لام أو من هم في منزلتهم من الأصهار والمحارم، يعاقب مرتكبه بالأشغال المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات، والسفاح بين شخص وشخص آخر خاضع لسلطته الشرعية أو القانونية أو الفعلية يعاقب مرتكبه بالأشغال المؤقتة لمدة لا تقل عن خمس سنوات وإذا كان للجاني ولاية على المجني عليها فيحرم من هذه الولاية).
سادساً: بعض اجتهادات محكمة التمييز بشأن جريمة الاغتصاب:
ورد في حكم محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم 2375 لسنة 2020 ما يلي:
تشكل الأفعال التي قارفها المتهم (المميز ضده) …. والمتمثلة بقيامه بضم المجني عليها من الخلف وتقبيلها على رقبتها وتحريك جسمه على جسمها من الخلف وشعورها —— يلامس —– رغماً عنها إنما تشكل جناية هتك العرض طبقاً للمادة (296/1) من قانون العقوبات ذلك أن أفعال المتهم تلك قد استطالت لمواطن عفة المجني عليها وخدشت عاطفة الحياء العرضي لديها كما انتهى لذلك القرار المطعون فيه ، كما أن قيامه بالإمساك بالمجني عليها بعد محاولتها الفرار منه وإسقاطها على الأرض وقلبها على ظهرها والنوم فوقها وقيامه بتنزيل بنطاله ومحاولة تنزيل —- وإمساكه —- وتحريك جسمه فوق جسمها ومحاولة تنزيل بنطالها رغماً عنها إلا أنه لم يتمكن من ذلك نتيجة مقاومة وصراخ المجني عليها وسماع المتهم لصوت الشاهدة —- أثناء نزولها الدرج وقيامه بعد ذلك بالفرار هذه الأفعال تشكل جناية الشروع الناقص بالاغتصاب خلافاً للمادتين (292/أ و68) من قانون العقوبات، وعليه فإن ما قارفه المتهم له عدة أوصاف هي في حقيقتها فعل واحد فإن ذلك وأنه وفقاً لأحكام المادة (57) من قانون العقوبات يتوجب تجريمه بالوصف الأشد وهي جناية الشروع الناقص بالاغتصاب وفقاً لأحكام المادتين (292/1/أ و68) من قانون العقوبات كما انتهى إليه القرار المطعون فيه.
ورد في حكم محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم 1546 لسنة 2020 ما يلي:
وجدت المحكمة أن المستفاد من نص المادة (292) من قانون العقوبات وما استقر عليه الاجتهاد الفقهي والقضائي أن جناية الاغتصاب تستلزم توافر الأركان التالية:
1- الركن القانوني (الشرعي) : ويتمثل في وجود نص قانوني يجرِّم فعل الاغتصاب ويفرض العقوبة اللازمة له وهذا الركن متوافر بنص المادة (292) عقوبات.
2- الركن المادي : ويستلزم توافر هذا الركن وجود العناصر التالية:
السلوك المجرَّم: ويتمثل في إيلاج الجاني لقضيبه في المكان المخصص له عند امرأة كلياً أو جزئياً.
محل الجريمة: أن يقع السلوك المجرّم من الجاني على امرأة غير زوجة.
انعدام الرضا: ويتمثل هذا العنصر في أن تكون المجني عليها عند وقوع فعل الاغتصاب منعدمة الرضا بإحدى الصور التي أوردها المشرع في المادة (292) من قانون العقوبات وهي: الإكراه، أو التهديد، أو الحيلة، أو الخداع وهي صور أوردها المشرع على سبيل الحصر ويكفي توافر إحداها لقيام هذا العنصر من الركن المادي.
الركن المعنوي: وقوامه عنصرا العلم والإرادة فلا بد أن يعلم الجاني طبيعة الفعل الذي أقدم عليه بكافة عناصره وأن هذا الفعل مجرَّم قانوناً ولا بد أن تتجه إرادته لإثبات هذا الفعل وتحقيق النتيجة الجرمية، والقصد الجرمي الذي تطلبه المشرع في جناية الاغتصاب هو القصد العام.
ورد في حكم محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم 142 لسنة 1983 ما يلي:
إن عنصر الإكراه المشروط للعقاب في جريمة الاغتصاب المنصوص عليها في المادة 292/ 1 من قانون العقوبات لا يكفي فيه أن تكون توسلات المجني عليها ومقاومتها غير كافية لمنع الواقعة، بل لا بد أن تكون الوسائل التي استعملها الجاني أو القوة التي استخدمها أو الظروف التي أحاط المجني عليها بها من شانها أن تعطل مقاومتها وتشل إرادتها وتسلب رضاها.
عقوبات جريمة الاغتصاب: –
تختلف العقوبة باختلاف الحالة التي كانت عليها الأنثى وقت وقوع الجريمة.
إذا وقعت جريمة الاغتصاب استخدم الجاني الإكراه، أو الحيلة، أو التهديد، أو الخداع على المجني عليها عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن عشر سنوات. سنداً لنص المادة (292/1) من قانون العقوبات الأردني.
إذا وقعت جريمة الاغتصاب على أثنى لم تكمل الخامسة عشرة من عمرها يعاقب بالإعدام، سنداً لنص المادة (292/2) من قانون العقوبات الأردني.
إذا وقعت جريمة الاغتصاب على أنثى لا تستطيع المقاومة بسبب ضعف، أو عجز جسدي ،أو نفسي، أو عقلي يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن عشر سنوات. سنداً لنص المادة (293) من ذات القانون .
إذا وقعت جريمة الاغتصاب على أنثى أكملت الخامسة عشرة من عمرها ولم تكمل الثامنة عشرة من عمرها عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس سنوات . سنداً لنص المادة (294) من ذات القانون .
إذا وقعت جريمة الاغتصاب من أحد الأصول أو المحارم أو ممن كان موكلاً بتربية أو رعاية المجني عليها أو كان له سلطة شرعية أو قانونية عليها عوقب بالأشغال الشاقة مدة لا تقل عن عشر سنوات . سنداً لنص المادة (295) من ذات القانون.
إذا كان الجاني في جريمة الاغتصاب رجل دين أو مدير مكتب استخدام أو عاملاً فيه فارتكب الفعل مسيئاً استعمال السلطة أو التسهيلات التي يستمدها من السلطة عوقب بالأشغال الشاقة مدة لا تقل عن عشر سنوات، سنداً لنص المادة (295/2) من ذات القانون.
[1] الأستاذ الدكتور/ محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات “القسم الخاص” ” جرائم الاعتداء على الأشخاص، دار النهضة العربية، ص215.
[2] حكم محكمة جنايات أحداث عمان رقم 1273 لسنة 2018.
[3] أنظر الأستاذ الدكتور/ محمد زكي أبو عامر، قانون العقوبات ” القسم الخاص “، 2017، دار المطبوعات الجامعية، ص686.
[4] أنظر الأستاذ الدكتور/ محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص 217، 218.
[5] أنظر موسى عبد الحافظ مناحي، الحماية الجزائية لجريمة الاغتصاب في التشريع الأردني، 2020، الجمعية العلمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ص92.
[6] أنظر الأستاذ الدكتور/ رمسيس بهنام، قانون العقوبات جرائم القسم الخاص،1999، الطبعة الأولى، منشأة المعارف بالإسكندرية، ص943.
[7] أنظر عكس ذلك، الأستاذ الدكتور/ محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص ص223.
——————————————————————————————