جريمة تغيير الجنس في القانون الأردني

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان على نوعين وهما الذكر والأنثى أو كما يقول البعض الرجل والمرأة ولم يجعل من دونهما نوعاً ثالث، وذلك مصداقاً لقوله تعالى في الآية رقم (13) من سورة الحجرات (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى)، ومن حكمته الله عز وجل أن خص كل نوع منهما بسمات وصفات وقدرات نفسية وجسمانية تتناسب معه وتتيح له ممارسة حياته بصورة طبيعية.

وعلى الرغم من ذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد اراد أن يظهر قدرته في خلقه في صورة ابتلاء ينزله على بعض من عباده، وينصب ذلك الابتلاء على عدم اكتمال بعض الأعضاء التي يتحدد على أساسها جنس الإنسان عند ولادته، فيصعب تحديد جنسه لاختلاف تكوينه الظاهري عن تكوينه العضوي، بحيث يظهر خارجياً على كونه ذكر في حين أن تكوينه العضوي يمثل تكوين أنثى والعكس صحيح، وهو ما يصيب الإنسان باضطراب ينجم عن عدم قدرته على الحياة في ظل هذا الوضع، فيتجه إلى عمليات تغيير الجنس، وعلى الرغم من سبب وداقع للقيام بتلك العمليات إلا أن القانون يجرمها في بعض الحالات، فمتى تكون عمليات تغيير الجنس بمثابة جريمة؟ وما هي أركان تلك الجريمة؟ وللإجابة على تلك التساؤلات فسوف يكون موضوع هذا المقال هو جريمة تغيير الجنس في القانون الأردني.

أولاً: ما هو المقصود بتغيير الجنس؟

ثانياً: معايير تحديد الجنس

ثالثاً: التمييز بين تغيير الجنس وتصحيح الجنس

رابعاً: أركان جريمة تغيير الجنس

خامساً: عقوبة جريمة تغيير الجنس

سادساً: نماذج من أحكام محكمة التمييز الأردنية ذات العلاقة

سابعاً: الخاتمة

أولاً: ما هو المقصود بتغيير الجنس؟

قبل أن نتعرض إلى مدى مشروعية عملية تغيير الجنس وما إذا كانت تعد جريمة يعاقب عليها القانون أم لا، فإنه يلزم علينا في البداية أن نتعرف إلى المقصود بتغيير الجنس في حد ذاته من الناحية القانونية.

بداية فقد تناول الفقه القانوني تغيير الجنس بأكثر من تعريف، ومن أهم وأبرز تلك التعاريف نذكر ما يلي:

  • هو تحويل الجنس للشخص من ذكر إلى أنثى أو من أنثى إلى ذكر، وذلك عبر التدخل الطبي سواء بعمليات جراحية أو بتناول أدوية هرمونية[1].
  • وعرفه جانب آخر بأنه إحساس لدى الإنسان يدفعه إلى أن يكره الجنس الذي ولد عليه بسبب عوامل متعددة تنشأ معه في فترة متقدمة من حياته، ويكون تحديد جنسهم استناداً إلى المظهر والجوهر معاً[2].
  • كما عرف تغيير الجنس أيضاً بأنه شعور لدى الشخص بأنه ينتمي إلى الجنس الآخر المقابل لجنسه، فيبحث عن الوصول إلى الهوية الجنسية الأكثر تطابقاً مع واقعه عن طريق اللجوء إلى العلاج الطبي والجراحي لتحقيق التكيف مع طبيعته وخصائصه النفسية والجسدية للجنس الذي يشعر بانتمائه إليه[3].

وفي سبيلنا للبحث عن تعريف المشرع الأردني لتغيير الجنس فقد طالعنا القوانين والتشريعات الأردنية حيث تبين لنا أن المشرع الأردني قد تعرض لتعريفه بالفعل، وذلك في سياق نص المادة رقم (2) من قانون المسؤولية الطبية والصحية ؤقم 25 لسنة 2018، حيث عرف تغيير الجنس على أنه (تغيير جنس الشخص الذي يكون انتماؤه الجنسي واضحا ذكورة او انوثة وتتطابق ملامحه الجسدية الجنسية مع خصائصه الفسيولوجية والبيولوجية والجينية ولا يوجد اشتباه في انتمائه الجنسي ذكرا او انثى ، كما يعني الانحراف في عملية تصحيح الجنس بما يخالف الصفة الجنسية التي انتهت اليها الفحوصات الطبية).

ومن خلال هذا التعريف يتبين لنا أن المشرع الأردني قد أخذ في تحديده لتعريف تغيير الجنس بمجموعة من المؤشرات والمعايير المختلفة، منها ما هو ظاهر ومنها ما هو باطن، وأيضاً أخذ بمعيار وظيفة أعضاء الجسم، لذلك يلزم أن نتعرض إلى تلك المعايير بشكل أكثر إسهاباً لكي نتمكن من فهم هذا التعريف، وهو ما سنتناوله في البند الثاني من هذا المقال.

ثانياً: معايير تحديد الجنس

عند ولادة الطفل يتم الاستناد من قبل الأطباء إلى مجموعة من المعايير والمؤشرات في شأن تحديد جنس هذا المولود، كما يمكن استخدامها عندما يكون الشخص في مرحلة متقدمة من لمعرفة الجنس الحقيقي له، وسوف نتناول أهم تلك المعايير وأكثرها شيوعهاً في الاستخدام في النقاط الآتي بيانها.

1- المعيار العضوي

يقصد بذلك المعيار ما يمتلكه الشخص من علامات جسدية سواء كانت ظاهرة أو باطنة يمكن أن يستدل منها على جنسه، وتتمثل تلك العلامات في نوعين يمكننا أن نوجزهما في:

  • الجهاز التناسلي: ويقصد به الأعضاء التناسلية الظاهرة التي يستدل منها على الجنس، فالقضيب يستدل منه على الذكر والمهبل يستدل منه على المرأة، وأيضاً الأعضاء التناسلية الداخلية كالخصيتين والبروستاتا وغيرها من الأعضاء التناسلية الداخلية لدى الذكر، والرحم والمبايض وغيرها من الأعضاء التناسلية الداخلية لدى الأنثى[4].
  • العظام: حيث يختلف تشكيل العظام بشكل خاص والهيكل العظمي بوجه عام بين الذكر والأنثى، خاصة في بعض التشكيلات العظمية التي منها عظام الحوض والجمجمة والعجز.

2- المعيار البيولوجي

يتمثل هذا المعيار في التعرف على جنس الشخص بناء على الكروموسومات التي تحملها خلايا جسده، حيث أن تلك الكروموسومات تختلف في الذكر عن نظيرتها في الأنثى، لاسيما وأن خلايا الذكر تحمل داخلها كروموسوم بعرف بـ (XY)، بينما الأنثى تحمل خلاياها كروموسوم يعرف بـ (XX).

3- المعيار النفسي

يتمثل هذا المعيار فيما يحمله الشخص من مشاعر وإحساس تجاه الجنس الآخر المناقض للجنس الذي هو عليه، بمعنى أن يكون ذكراً ولكنه يميل إلى المشاعر والأحاسيس والغرائز التي تمتلكها الأنثى، والعكس صحيح حيث تكون الأنثى ميالة إلى المشاعر والغرائز والأحاسيس التي يمتلكها الذكر، وكلاهما ينفر من الجنس الذي هو عليه حالياً[5]، وإن كانت هناك حالات خارجة عن المألوف تكون فيها الميول والاتجاهات الجنسية والشهوات لدى الشخص تخالف الجنس الذي ينتمي إليه، ولا يمكن أن يتم تحديد جنسه بناء على تلك الميول والاتجاهات لكونها لا تتعدى اختلال واضطراب نفسي لا يستند غليه في تحديد الجنس.

ثالثاً: التمييز بين تغيير الجنس وتصحيح الجنس

للوهلة الأولى قد يعتقد البعض أن تغيير الجنس وتصحيح الجنس هما مصطلخين يستدل منهما على ذات المغزى والمضمون، لذلك نجد أنه في كثير من الحالات يخلط البعض بين هذين المصطلحين ويستخدم أحدهما بقصد الإشارة للآخر، إلا أن ذلك خطأ جسيم يلزم توضيحه نظراً لاختلاف معنى ومضمون كلاً من هذين المصطلحين عن الآخر.

وبالرجوع إلى قانون المسؤولية الطبية والصحية نجد أن المادة الثانية منه والتي ورد بها التعريف بتغيير الجنس قد ورد بها أيضاً تعريف مستقل لتصحيح الجنس، حيث عرفه المشرع بأنه (التدخل الطبي بهدف تصحيح جنس الشخص الذي يكون انتماؤه غامضا بحيث يشتبه أمره بين أن يكون ذكراً أو أنثى، وذلك كأن تكون له ملامح جسدية جنسية مخالفة للخصائص الفسيولوجية والبيولوجية والجينية للشخص، كمن تدل ملامحه على أنه ذكر بينما هو في الحقيقة أنثى والعكس).

وبغض النظر عن أن أهم أوجه الاختلاف بين تغيير الجنس وتصحيح الجنس هو أن لكل منهما تعريف خاص به في القانون مما يؤكد اختلافهما في المغزى والمضمون، إلا أن هناك مجموعة أخرى من أوجه التمييز بينهما من أهمها:

  • يقع فعل تغيير الجنس ضمن دائرة التجريم وذلك لكونه بمثابة شذوذاً جنسياً يخالف الفطرة السليمة التي فطر الله عز وجل عليها الإنسان، في حين لم يجرم فعل تصحيح الجنس بل اعتبره بمثابة علاج يستخدم للشفاء من مرض بصيب الإنسان في جسده، ولا يمكن معالجته إلا عن طريق التدخل الجراحي.
  • يعتبر التدخل الطبي والجراحي في عملية تغيير الجنس هو تدخل غير مشروع ويمثل مخالفة قانونية يفع على أثرها عبء المسؤولية القانونية على عاتق الطبيب القائم بإجراء العملية، بينما يعد التدخل الطبي والجراحي في عملية تصحيح الجنس هو تدخل مشروع لا يترتب عليه مسؤولية قانونية على عاتق الطبيب القائم بها.
  • يترتب على عملية تغيير الجنس فقدان الشخص للصفات الجنسية التي كانت لديه قبل إجرائها ولا تكسبه الصفات الخاصة بالجنس الذي أصبح عليه بعد إجرائها، في حين يترتب على عملية تصحيح الجنس توضيح وإظهار حقيقة جنس الشخصالذي هو عليه بالفعل.

رابعاً: أركان جريمة تغيير الجنس

مثلها في ذلك مثل سائر الجرائم الأخرى فإن جريمة تغيير الجنس يلزمها توافر مجموعة من الأركان، بحيث لا تتحقق تلك الجريمة إلا بتوافر تلك الأركان مجتمعة، لذلك فسوف يكون محور الحديث في هذا البند من المقال هو بيان هذه الأركان، مع العلم بأن هذه الجريمة تتطلب ركن إضافي وهو الركن الخاص بها كما سنوضح في النقاط التالية.

1- الركن الشرعي

يعتبر الركن الشرعي للجريمة تطبيقاً لنص المادة رقم (3) من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته، والتي نصت على أن (لا جريمة إلا بنص ولا يقضى بأي عقوبة أو تدبير لم ينص القانون عليهما حين اقتراف الجريمة)، فلا يوضع أي فعل في موضع التجريم إلا إذا كان هناك نص قانوني يقر له وصف الجريمة التي يعاقب عليها القانون، وأيضاً نص قانوني يقرر العقوبة التي توقع على مرتكب الفعل المكون لهذه الجريمة، وبالتالي فإن الركن الشرعي يلزم لتحققه عنصرين، العنصر الأول النص القانوني الذي يجرم الفعل، والعنصر الثاني هو النص القانوني الذي يحدد عقوبة لتلك الجريمة.

وبالرجوع إلى قانون المسؤولية الطبية والصحية الأردني نجد أن الركن الشرعي لجريمة تغيير الجنس متحقق بالفعل، حيث تضمن هذا القانون نصاً قانونياً يجرم فعل تغيير الجنس وهو نص المادة رقم (8/ح) منه والتي نصت على أنه (يحظر على مقدم الخدمة ما يلي: ……. ح- إجراء عمليات تغيير الجنس)، كما تضمن النص القانوني الذي يحدد العقوبة المقررة لجريمة تغيير الجنس وهو نص المادة رقم (22) منه والتي تنص على أنه (يعاقب بالأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات كل من يخالف حكم الفقرة (ح) من المادة (8) من هذا القانون)، وهو ما يتبين معه تحقق عنصري الركن الشرعي لجريمة تغيير الجنس.

2- الركن المادي

يتشكل الركن المادي لجريمة تغيير الجنس من ذات العناصر التي يتكون منها الركن المادي لسائر الجرائم الأخرى، وتتمثل تلكالعناصر في ثلاث عناصر أساسية وهي السلوك الإجرامي، والنتيجة الإجرامية، وعلاقة السببية.

أ- السلوك الإجرامي

يتم تحديد السلوك الإجرامي الذي يمثل الفعل المخالف للقانون وفقاً للوصف الوارد له في نص مادة التجريم الخاصة به، وبالتالي فإن السلوك الإجرامي في جرائم تغيير الجنس وفقاً لما ورد بنص التجريم رقم (9/ح) من قانون المسؤولية الطبية والصحية الأردني يتمثل في قيام مقدم الخدمة بتغيير جنس الخاضع لعملية التغيير، وهو في ذلك يتماثل مع السلوك الإجرامي في جرائم الاعتداء على سلامة الجسد، حيبث تشمل الجريمتين ذات السلوك الإجرامي المتمثل في القطع والاستئصال، ففي جريمة تغيير الجنس يكون السلوك الإجرامي هو قطع أو استئصال أعضاء تناسلية للشخص الخاضع لعملية تغيير الجنس، أو إحداث جرح في جسده[6].

ومقدم الخدمة وفقاً لتعريف المشرع الأردني في نص المادة الثانية من ذات القانون هو (أي شخص طبيعي أو اعتباري يزاول مهنة من المهن الطبية أو الصحية ويقوم بعمل من أعمال الخدمة أو يشترك في القيام بها وفقا لأحكام التشريعات المعمول بها).

وبالتالي فإن أي شخص طبيعي أو اعتباري يمارس أو يشارك في ممارسة مهنة من المهن الطبية أو الصحية يقوم بفعل تغيير في جنس شخص ما من ذكر إلى أنثى أو العكس فإنه يعد مرتكباً للسلوك الإجرامي لجريمة تغيير الجنس.

ب- النتيجة الإجرامية

تمثل النتيجة الإجرامية الأثر المادي الملموس الذي يترتب على ارتكاب السلوك الإجرامي من قبل الجاني، وفي جريمة تغيير الجنس تتمثل النتيجة الإجرامية في تحول جنس الشخص الخاضع لعملية تغيير الجنس من ذكر إلى أنثى أو من أنثى إلى ذكر، أي أن النتيجة الإجرامية تتحقق بمجرد تمام التدخل الجراحي وتحول جنس الشخص.

وجدير بالذكر أن جريمة تغيير الجنس من جرائم الشروع، والشروع في تعريف قانون العقوبات الأردني هو البدء في تنفيذ الأفعال الظاهرة التي تؤدي لارتكاب جناية أو جنحة ولكن لا يتمكن الفاعل من إتمام الفعل اللازم لتحقق تلك الجريمة لأسباب لا دخل له فيها، وينطبق ذلك على جريمة تغيير الجنس حيث يمكن أن يعد الطبيب العدة لإجراء العملية الجراحية لتغيير جنس الشخص الراغب في ذلك، ولكن يحول دون إتمام تلك العملية وصول الأجهزة الأمنية ومنعه من ذلك.

ج- علاقة السببية

تعد علاقة السببية هي العنصر المكمل لعناصر الركن المادي للجريمة، فهي تمثل الرابطة التي تربط بين السلوك الإجرامي والنتيجة الإجرامية، بحيث يكون الأثر المترتب على ارتكاب السلوك الإجرامي هو النتيجة الإجرامية.

وبشأن جريمة تغيير الجنس فإن علاقة السببية تتحقق متى كان تحول جنس الشخص عائداً إلى السلوك الذي ارتكبه مقدم الخدمة، فيكون تحقق التحول في الجنس هو نتيجة عملية القطع أو الاستئصال أو الجرح التي يقوم بها مقدم الخدمة، وبالتالي إذا تحقق التحول في الجنس لسبب آخر خلاف العملية التي قام بها مقدم الخدمة فإن رابطة السببية تنتفي، ولا يتم مساءلة مقدم الخدمة الذي قام بإجراء العملية.

3- الركن المعنوي

تعتبر جريمة تغيير الجنس من الجرائم العمدية التي يلزم فيها توافر الركن المعنوي، والركن المعنوي يتمثل في القصد الجنائي لدى مقدم الخدمة الذي يقوم بإجراء عملية تغيير الجنس، ويقوم الركن المعنوي على عنصرين رئيسيين وهما عنصر العلم وعنصر الإرادة.

أ- عنصر العلم

يقصد بالعلم أن يكون لدى مرتكب الجريمة وعي وإدراك كاملين بما يرتكبه من فعل، وأنه يمثل سلوكاً إجرامياً يؤدي إلى نتيجة يجرمها القانون ويقرر لها عقوبة، أي أن يكون مرتمب الجريمة على علم بكافة العناصر القانونية التي تتشكل منها الجريمة.

وبالتالي يجب على من يرتكب جريمة تغيير الجنس أن يكون عالماً بأن العملية التي يجريها على الشخص الراغب في تغيير جنسه هي عملية يترتب عليها نتيجة إجرامية وهي تغيير الجنس وتحوله، وأنها نتيجة يجرمها القانون ويقرر عقوبة على القيام بها، وأنه بقيامه بتلك العملية يضع نفسه تحت طائلة القانون.

ب- عنصر الإرادة

أما عنصر الإرادة فيقصد به النية الداخلية لدى مرتكب الفعل الإجرامي على القيام به وتحقيق النتيجة الإجرامية التي تترتب عليه، فهي تتعلق بالدافع الداخلي لارتكاب الجريمة وتحقيق نتيجتها الإجرامية، ويجب أن تكون تلك الإرادة خالية من أي عيب من العيوب التي قد تشوب الإرادة فتبطلها، فعلى سبيل المثال لو قام الشخص بارتكاب الجريمة تحت إكراه أو إجبار ودون إرادة حرة فإن عنصر الإرادة يتخلف، وينهار الركن المعنوي للجريمة من أساسه.

وفي جريمة تغيير الجنس يلزم أن يكون مقدم الخدمة قد قام بعملية تغيير الجنس بكامل إرادته الحرة، ودون وجود أي ضغط أو إكراه عليه لإجرائها، بحيث تكون إرادته منصرفة ومتجهة إلى تحقيق النتيجة الإجرامية المتمثلة في تغيير جنس الشخص الخاضع للعملية من الجنس الطبيعي له إلى الجنس الآخر،

4- الركن الخاص

يتمثل الركن الخاص في جريمة تغيير الجنس في الصفة التي استلزم القانون توافرها في شخص مرتكب تلك الجريمة، حيث اشترط المشرع في القائم على عملية تغيير الجنس أن يكون من أحد مقدمي الخدمة العاملين في المجل الطبي والصحي، وذلك بغض النظر عن كون هذا الشخص هو شخص طبيعي او اعتباري.

وبالتالي يلزم أن يكون القائم بعملية تغيير الجنس هو طبيب أو أي شخص ينطبق عليه وصف مقدم الخدمة الطبية والصحية، فهذه الصفة هي التي تضعه تحت طائلة التجريم الوارد بقانون المسؤولية الطبية والصحية، وفي حالة انتفاء تلك الصفة في حقه بأن يكون من غير العاملين بمجال تقديم الخدمة الطبية والصحية فإن وضعه في تلك الحالة يختلف، فعلى الرغم من خروجه من نطاق تطبيق قانون المسؤولية الطبية والصحية إلا أنه يدخل تحت نطاق تطبيق قانون العقوبات الأردني، حيث يعد عندئذ مرتكباً لجريمة القطع أو الجرح أو غيرها من الجرائم المشابهة التي يخضع تكييفها لظروف كل حالة على حدة.

خامساً: عقوبة جريمة تغيير الجنس

نص المشرع الأردني على عقوبة جريمة تغيير الجنس والتي خص بها مقدم الخدمة باعتباره مرتكب الجريمة في المادة رقم (22) من قانون المسرولية الطبية والصحية الأردني، وتمثلت تلك العقوبة في الأشغال المؤقتة لمدة حدها الأقصى عشر سنوات وحدها الأدنى ثلاث سنوات، بحيث لا تقل مدة العقوبة عن الحد الأدنى لها ولا تزيد عن الحد الأقصى لها.

وقد قرر المشرع في المادة رقم (24) من ذات القانون مضاعفة العقوبة التي تصدر على مرتكب الجريمة متى توافر ظرف من الظروف المشددة للجريمة، وتتمثل تلك الظروف في أن يكون مقدم الخدمة الذي يرتكب تلك الجريمة قد قام بارتكابها وهو تحت تأثير تعاطي مخدر أو أحد المؤثرات العقلية.

سادساً: نماذج من أحكام محكمة التمييز الأردنية ذات العلاقة

1- حكم محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية الصادر في الطعن رقم 6915 لسنة 2022 بجلسة 6/6/2023، والمتضمن أنه (وإننا نجد أن ما توصلت إليه محكمة الاستئناف غير سديد من ناحيتين ذلك أن التقريرين الصادرين عن مستشفى الأطفال صور فوتوستاتية معترض عليها من الخصم غير واضحة أحدها يحمل ختم المستشفى غير مقروء والتقرير الآخر بدون ختم ومن ناحية أخرى فإن مضمون التقريرين الصادرين من طبيب جراحة أطفال وصف لحالة المريض وللعملية اللازمة التي أجريت له بتصحيح التشوه الخارجي وأنه حالياً بأعضاء خارجية وداخلية أنثوية حيث نجد أن ذلك غير كافٍ لتغيير جنس الطفل من ذكر إلى أنثى ما لم تقرر لجنة مختصة أن السمات الأنثوية غالبة على الذكورية وبالتالي هي أنثى الأمر الذي كان يتوجب على محكمة الاستئناف الاستجابة لطلب المميز بإحالة ابن المدعي إلى اللجنة الطبية اللوائية لمعاينته وتقرير ذلك ولما لم تفعل ذلك فيكون سبب الطعن هذا وارد على قرارها مما يتعين نقضه).

2- حكم محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية الصادر في الطعن رقم 6341 لسنة 2019 بجلسة 11/11/2019، والمتضمن أنه (وفي الحالة المعروضة وحيث قدم المدعي (المميز ضده) من البينات والمتمثلة بالتقارير الطبية ومنها تقرير اللجنة الطبية اللوائية رقم ل ط ل/1423 تاريخ 20/4/2016 والمتضمن (بأنه وبعد المعاينة الطبية للمدعي تبين وجود ثديين وبأن له مهبل طبيعي في المنظر حيث يوجد به فتحة بعمق 5سم وأن السمات الخارجية الأنثوية غالبة على الذكورية) وبالتالي فهي أنثى وهي بينة قانونية صادرة عن جهة رسمية مختصة لا يطعن فيها إلا بالتزوير كما أنها بينة فنية لا يجوز إثبات عكسها إلا ببينة فنية من درجتها أو أعلى منها، وكافية لإثبات الخطأ في قيود المدعي في دائرة الأحوال المدنية مما يقتضي تعديله وتصحيحه إلى الواقع الصحيح والثابت من جهة الجنس والاسم تطبيقاً لحكم المادة التاسعة من قانون الأحوال المدنية).

سابعاً: الخاتمة

لاتزال جريمة تغيير الجنس محل خلاف بين مشرعي القانون في مختلف دول العالم، حيث اتجه جانب منهم إلى تجريم عمليات تغيير الجنس، بينما اتجه الجانب الآخر إلى إباحة إجراء مثل تلك العمليات وخاصة في التشريعات الغربية، وإن كان موقف المشرع الأردني متوازناً في تجريمه لتغيير الجنس وإباحته لتصحيح الجنس، لاسيما وأن عملية تغيير الجنس تتعارض مع الفطرة السليمة التي فطر الله سبحانه وتعالى خلقه عليها، إلا أننا نرى أن هناك قصوراً في قانون المسؤولية الطبية والصحية الأردني ويتمثل في أن المشرع قد قصر تعريف مقدم الخدمة على العاملين بالمجال الطبي والصحي، مما يتيح ارتكاب تلك الجريمة من قبل غير العاملين بهذا المجال، وبالتالي يمكن لمرتكبها ان يتجنب العقاب المقرر لتلك الجريمة، كما أن المشرع لم يتعرض إلى عقاب الشخص الذي يطلب تغيير جنسه على الرغم من كون طلبه هذا يمثل طلباً بارتكاب جريمة، مما قد يضعه في موضع المحرض أو الشريك في ارتكابها، مما يلزم معه تعديل القانون بأن يكون النص على تجريم عملية تغيير الجنس بغض النظر عن القائم بها من جهة، ومن جهة أخرى تعديله من حيث تجريم فعل طالب تغيير الجنس باعتباره محرض أو مشارك في ارتكاب الجريمة، والنص على عقوبة له على ذلك. 

[1] – منال منجد – مجلة جامعة الشارقة للعلوزم القانونية – مج 18 – ع (2) – كلية القانون – جامعة الشارقة – ديسمبر 2021 – ص 733.

[2] – محمد مختار الشنقيطي – أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها – ط2 – مكتبة الصحابة – جدة – 1994 – ص 199.

[3] – سعيدي نجيب – التغيير الجنسي من منظور قانوني وشرعي – المجلة الأكاديمية للبحوث القانونية والسياسية – مج 4 – ع (2) – جامعة عمار ثليجي الأغواط – الجزائر – 2020 – ص 403.

[4] – علي ياسين – علم التشريح – ط1 – دار الحرية – العراق – 1985 – ص 59 وما بعدها.

[5] – الشهابي الشرقاوي – تثبيت الجنس وآثاره: دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي – ط1 – دار الكتب – مصر – 2002 – ص132.

[6] – محمود عاصم – تغيير جنس الإنسان: دراسة في القانون الجنائي والشريعة الإسلامية – رسالة ماجستير غير منشورة – جامعة بغداد – العراق – 2004 – ص33.

الرئيسية
إختصاصات
مقالات
واتساب
إتصال
error: المحتوى محمي !!