شروط التنفيذ العيني الجبري

1- لا بد في التنفيذ العيني أن يكون ممكناً:
بمفهوم المخالفة لهذا الشرط إذا كان التنفيذ العيني مستحيلاً فلا يمكن إجبار المدين عليه ، والسبب أن هناك قاعدة عامة مفادها أن ( لا التزام بمستحيل) بغض النظر عن سبب الاستحالة فقد تكون راجعه لخطأ المدين (كأن يقوم البائع سلطان بتسليم قطع الأثاث الصيني لشخص آخر غير احمد) ، أو بسبب أجنبي (كالقوة القاهرة أو الحادث الفجائي أو خطأ الغير أو خطأ الدائن نفسه ولم يكن لإرادة المدين “سلطان” دخل فيها) …هنا الاستحالة تجعل من المطالبة (مطالبة المدين سلطان البائع) بتنفيذ التزامه العيني دون جدوى.
لكن ما هو الحل القانوني في هذه الحالة ؟ الحل نرتبه بحسب سبب الاستحالة ، فإذا كان سبب الاستحالة راجعة لخطأ المدين (سلطان البائع كأن سلم قطعة الأثاث الصيني لشخص آخر) فهنا ليس للدائن (أحمد المشتري) إلا المطالبة بالتعويض (أي مطالبة البائع بتعويضه عن الضرر الذي لحق به جراء عدم تنفيذه لالتزامه) والمطالبة بالتعويض هنا تكون على أساس المسؤولية العقدية لا المسؤولية التقصيرية والسبب وجود عقد بيع (بين البائع والمشتري).

أما إذا كانت الاستحالة ترجع لسبب أجنبي (كالقوة القاهرة أو الحادث الفجائي أو خطأ الغير أو خطأ الدائن نفسه ولم يكن لإرادة المدين سلطان دخل فيها) ، كما لو أحترق (الأثاث الصيني) بفعل (لا يد للمدين سلطان فيه) ، هنا ينقضي التزام (المدين سلطان) دون الوفاء به ولا تترتب عليه أي مسؤولية قانونية …والسبب أن الاستحالة المطلقة ينتج عنها انفساخ العقد بقوة القانون وتنحل الرابطة القانونية ولا رجوع على المدين بالتعويض ما لم يوجد هناك اتفاق على تعديل أحكام المسؤولية العقدية بالتشديد منها .

وهنا تجدر الإشارة إلى ملاحظة هامة : استحالة تنفيذ الالتزام عيناً من المدين أمر متصور وقوعه في جميع الالتزامات ، إلا في الالتزام بدفع مبلغ من النقود ففيه لا يمكن تصور وجود الاستحالة بتنفيذه ، وعدم أمكانية تنفيذ الالتزام عيناً من المدين تتأثر بعاملين هما :
أ) – طبيعة الالتزام : يتخذ عدم إمكانية التنفيذ العيني (أي استحالته) صور مختلفة بحسب اختلاف محل الالتزام ، ففي الالتزام بنقل حق عيني على عقار أو حق تصرف فيه ، فأن استحالة التنفيذ العيني تكمن في (صورة امتناع البائع عن التسجيل العقاري –يسمى في القانون المصري بالإشهار أو الشهر العقاري) .

ب) من حيث ميعاد تنفيذ الالتزام : بمعنى لو حدد ميعاد لتنفيذ الالتزام وتخلف المدين بتنفيذه في المدة المحددة ، هنا يصبح تنفيذه (مستحيلاً) ، وحتى لو عزم المدين على تنفيذه بعد فوات الوقت المحددة فأنه يصبح غير مجديّ ، وليس للدائن في هذه الحالة إلا طلب التعويض ..ومثاله : تعاقدت شركة الحكير للترفيه والمهتمة بترفيه المواطنين في أيام العيد ، مع الممثلين المشهورين (ناصر القصبي وعبد الله السدحان) على أن يقومان بعرض مسرحية فكاهية في ثاني أيام العيد نظراً لدعوة شركة الحكير جمهور من العامة الذين دفعوا التذاكر مسبقاً لحضورها ، وتمت الموافقة بين الشركة والممثلين وتم تحديد الموعد ثاني أيام العيد ، إلا أن (ناصر وعبد الله) قد تخلفا عن الحضور في الموعد ، هنا أصبح التزامهما مستحيلاً وحتى لو حضروا في ثالث أيام العيد يكون حضورهم غير مجد ٍ وبتالي ليس أمام الشركة إلا مطالبتهم بالتعويض بدلاً من إجبارهم على تنفيذ عين ما التزموا به.

2- أن لا يكون في التنفيذ العيني إرهاقا للمدين أو يكون فيه إرهاق لكن العدول عنه يلحق بالدائن ضرراً جسيماً.
قبل الحديث عن مضمون هذا الشرط ، وجب علينا تحديد المقصود من الإرهاق ، يقصد بالإرهاق هو (العنت الشديد الذي من شأنه أن يلحق بالمدين خسارة جسيمة فادحة) ، أما مضمون هذا الشرط فهو إذا كان التنفيذ العيني مرهقاً للمدين ، فبدلاً من أن نطالبه بالتنفيذ العيني نكتفي بطلب (التعويض العيني أو التعويض النقدي) منه ولكن بشرط أن لا يكون العدول عن التنفيذ العيني والاقتصار على (التعويض العيني أو التعويض النقدي) يلحق بالدائن ضرراً جسيماً .
ونكون في حالة التعويض العيني إذا كان محل الالتزام من المثليات (أي ما يمكن فرزه كالسكر والقطن والأرز والكتب وهكذا) أما اذا كان محل الالتزام من القيميات (كالسيارات والأثاث فيكون التعويض عنه نقداً) ومثال على (التعويض العيني) : أشترى صالح وهو صاحب سوبر ماركت في خنشليلة عدد 50 كيس من الأرز الهندي ( بنجابي درجة أولى) من خالد مورد الأرز في جنوب الرياض ، وبين تسلم المورد قيمة البضاعة وموعد تسليمها ، فرغت مخازن المورد خالد من الأرز البنجابي درجة أولى نتيجة لالتزامات سابقة مع متعاقدين آخرين غير صالح ، ونظراً لتأخر وصول البضاعة الجديدة من (مصدرها الهند) ، تعذر عليه التسليم لوجود الإرهاق (الخسارة الجسيمة التي تلحق بالمدين خالد المورد) فصعوبة وصول البضاعة في الوقت المتفق عليه من شأنه أن يرهق كاهل المدين خالد ، هنا في هذه الحالة وبما أن محل الالتزام ( عقد بيع على المثليات) فأنه يصار إلى التعويض العيني أي يقوم المورد خالد بتسليم المشتري صالح أرز بنجابي درجة ثانية أو أي أرز آخر ، وعلى المشتري صالح قبول هذا التعويض العيني (أي قبول أرز بنوعية أخرى) ، ولكن إذا كان قبول المشتري صالح (الدائن) بالتعويض العيني قد يلحقه ضرراً جسيماً فأنه يصار إلى التعويض النقدي………وهذا كله يخضع لتقدير القاضي فعليه الموازنة بين مصلحة المدين المرهق ومصلحة الدائن المتضرر بضرر جسيم ، كما عليه أن يراعي مصلحة الدائن فهي أولى بالرعاية لأن الدائن في ذلك يطالب بحقه في غير تعسف.

3- أن يطالب الدائن بالتنفيذ العيني :
من المعلوم في قوانين أصول المحاكمات، أن القاضي لا يحكم إلا بناء على طلبات المدعي في صحيفة الدعوى ،إلا في حالات الدفوع إذا كانت من النظام العام فأن القاضي يحكم بها من تلقاء نفسه دون طلب الخصوم ، وما يهمنا أن الدائن إذا لم يطلب التنفيذ العيني من المدين في صحيفة الدعوى فأنه لا يمكن للقاضي أن يحكمها بها تلقائياً لأن الدائن هو صاحب المصلحة في الموضوع كما أن المحكمة لا يمكن أن تفصل في قضية لم ترفع لها .
وعليه إن طالب الدائن بالتنفيذ العيني بعد توافر شروطه ،فأنه لا يجوز للمدين الامتناع عن تنفيذه ولا يجوز له أن يعرض التنفيذ بطريق التعويض لأن القضاء سيجبره على ذلك ، لكن من المتصور جداً حدوث العكس ، أي قد يعرض المدين التنفيذ العيني ولكن الدائن يطالب بالتعويض بدلاً منه وعندها يمكن للقاضي أن يحكم بالتنفيذ العيني بدلاً من التعويض ويستجيب لرغبة المدين ؟ والسؤال هل يحق للدائن رفض ذلك ؟ الجواب ، لا والسبب أن التنفيذ العيني وهو الالتزام الأصلي بين الدائن والمدين.


مع ملاحظة : أن طلب الدائن للتنفيذ العيني الجبري من المدين يجب أن لا يكون امتناع المدين عن التنفيذ أو تأخره في التنفيذ راجعاً إلى إخلال الدائن بتنفيذ التزامه أي (حالة الدفع بعدم التنفيذ) لأنه في هذه الحالة لا يمكن له المطالبة بالتنفيذ العيني.
ومثاله : امتناع البائع سلطان (بائع الاثاث الصيني) من تسليم المبيع إلى المشتري أحمد لكونه لم يدفع باقي قيمة الاثاث ، هذا ما يسمى بحالة الدفع بعدم التنفيذ وبتالي لا يستطيع احمد مطالبة البائع سلطان بالتنفيذ العيني… كما أن الدائن لا يستطيع أن يطلب من المحكمة المختصة التنفيذ العيني إلا إذا كان حقه ثابتاً ومؤكداً ولا نزاع فيه.

4-أن يكون بيد الدائن سند تنفيذ واجب النفاذ:
لا يمكن الاستجابة لطلب الدائن في التنفيذ العيني إذا كان ممكناً من المدين إلا إذا كان حقه ثابتاً ومؤكداً وحائزاً على (حكم قضائي أو سند واجب التنفيذ) حتى تتولى (أجهزة تنفيذ الأحكام في الدولة) استخدام الوسائل القانونية اللازمة لتجبر المدين على التنفيذ لأنه وبدون هذا الحكم أو سندات التنفيذ لا يمكن إلزام الشخص على القيام بتنفيذ التزامه.

5-أن يكون إخلال المدين بالتزامه ليس مشروعاً :
بمفهوم المخالفة لهذا الشرط أنه يجوز للمدين أن يمتنع عن التنفيذ العيني إذا اتلف الدائن عيناً من مال المدين وكان من جنسه ، وللمستأجر أن يمتنع عن الوفاء بدفع الأجرة ويحبسها عنده إذا كان قد انفق مصروفات ضرورية أو نافعة لعين المأجور ، وكذلك الحال إذا كان إخلال المدين بالتزامه مشروعاً كأن يكون سبب امتناعه عن الوفاء بالثمن أو الأجرة لأن الدائن لم ينفذ الالتزام واجب عليه (حالة الدفع بعدم التنفيذ السابق ذكرها) فلا يمكن إجباره عينيناً ،وهكذا.

6- أن لا يكون في التنفيذ العيني مساس بحرية المدين الشخصية
مضمون هذا الشرط ، أن الدائن يلجأ إلى طلب التعويض بدلاً من التنفيذ الجبري إذا كان من شأن التنفيذ العيني الجبري أن يمس بحرية المدين الشخصية ومثال ذلك : تعاقدت شركة (من يقول أن صيف الرياض نار) والمهتمة بدعم السياحة الداخلية مع أحد المذيعين على تقديم فقرات حفل الترفيه المعلن عنها وبعد تسلمه قيمة العقد نقداً وقبيل بدأ الحفل بيومين قدم اعتذاره ، هنا لا يمكن للشركة إجبار (المذيع) على تنفيذ عين ما التزمت به (تقديم الحفل) لأن هذا الإجبار يتعارض مع حرية المدين (المذيع) الشخصية وبتالي ليس أمام (مدير) الشركة والمغلوب على أمره إلا اللجوء إلى المطالبة بالتعويض أو حث المدين (المذيع) على التنفيذ بالغرامة التهديدية.

ولا يفوتنا القول بأن أداء الالتزام جبراً على المدين يكون في أغلب الأحوال غير مجد ٍ ، والحال كذلك ينطبق على الالتزام بالامتناع عن عمل ، ومثاله : تعاقد الكابتن (يوسف الثنيان) مع قناة أوربت الرياضية على التحليل الفني لمباريات الدوري السعودي وكان في بنود هذا العقد أن يلتزم الكابتن يوسف بالامتناع عن ذات العمل المتفق بينه وبين القناة لدى أي قناة رياضية أخرى خلال مدة العقد ، إلا أن (يوسف) أثناء مدة العقد قام بالتحليل الفني لدى قناة art الرياضية هنا يصبح التنفيذ عيناً غير ممكن بالنسبة للفترة التي قام فيها يوسف بالتحليل لدى art ، إلا أن التنفيذ العيني في ذاته لا زال قائماً وممكناً بالنسبة للمستقبل ومع ذلك كله فإن إجبار يوسف على عدم التحليل يقتضي منعه (بقوة الشرطة) من دخول إستديوهات art وهو ما يعد مساساً بحريته الشخصية وبتالي لا يجوز إجباره على ذلك ، وذلك لأن الحق في الحرية هو من الحقوق المدنية الأساسية للإنسان والتي يطلق عليها بالحقوق العامة.

الرئيسية
إختصاصات
مقالات
واتساب
إتصال
error: المحتوى محمي !!