عقد التأمين في القانون الأردني

في مستهل حديثي عن عقد التأمين لابد أن أشير إلى أهمية التأمين باعتباره إحدى الوسائل الهامة لمعالجة آثار الحوادث والمصائب، وكذا الأضرار التي يتعرض لها الإنسان، وتبدو أهميته للفرد حيث يوفر الأمان وراحة البال ويخفف من القلق والخوف لديه عند حدوث الخسائر والأخطار، ولا يخفى عن الفطنة أهمية التأمين من الناحية الاجتماعية حيث يعزز قدرة المجتمع على تحمل آثار المخاطر المحيطة به، وتنمية الوعى التأميني والاستثماري لدى أفراد المجتمع.

ـ ولا يفوتنا أن ننوه على الأهمية الاقتصادية للتأمين حيث يساهم في انعكاس حركة التنمية في الاقتصاد من خلال إعطاء الثقة للمؤسسات والمشاريع بمختلف أنواعها، وأحجامها في ممارسة نشاطاتها، وتمويل المشروعات الاقتصادية والمالية والاستثمار، وفي التوسع في عمليات الاقتراض، وعمليات البيع، والتقليل من حدة الخسائر في التجارة.

وسوف نحاول شرح عقد التأمين وأهميته ومشروعيته على التفصيل الآتي:

أولاً: تعريف عقد التأمين وخصائصه وأنواعه

ثانياً: المصلحة في عقد التأمين

ثالثاً: مشروعية عقد التأمين

رابعاً: اجتهادات محكمة التمييز الأردنية فيما يتعلق بعقد التأمين

أولاً: تعريف عقد التأمين وخصائصه وأنواعه

1ـ تعريف عقد التأمين: بادئ ذي بدء فقد حاول فقهاء القانون وضع تعريفاً منضبطاً لعقد التأمين، وانقسموا في ذلك إلى اتجاهين:-

– الاتجاه الأول من الفقه، يرى ضرورة مراعاة الجانب الفني الذى تقوم عليه عمليات التأمين، لذا يعرفه جانب من هذا الاتجاه بأنه :(عملية فنية تزاولها هيئات منظمة مهمتها جمع أكبر عدد ممكن من المخاطر المتشابهة، وتحمل تبعتها عن طريق المقاصة بينها وفقاً لقوانين الإحصاء، ومن مقتضى ذلك حصول المستأمن أو من يعينه، حال تحقق الخطر المؤمن منه، على عوض مالي يدفعه المؤمن في مقابل وفاء الأول بالأقساط المتفق عليها في وثيقة التأمين).([1])

وهناك جانب كبير من الفقه القانون العربي ينتمى أيضاً إلى ذات الاتجاه المشار إليه، يذهب إلى تأييد تعريف الفقيه الفرنسي هيمار للتأمين لتناوله جانبي التأمين الفني والقانوني، حيث عرفه بأنه :(عمليه يحصل بمقتضاها أحد الطرفين وهو “المؤمن له”، نظير دفع مبلغ معين وهو القسط، على تعهد لصالحه أو لصالح الغير في حالة تحقق خطر معين من الطرف الآخر وهو “المؤمن” الذى يحمل على عاتقه مجموعة من المخاطر، ويجرى بينها المقاصة وفقاً لقوانين الإحصاء).([2])

أما المشرع الأردني فقد قام  هو الأخر بوضع  تعريفا لعقد التأمين في المادة (920) من القانون المدني الأردني رقم (43) لسنة 1976، حيث نصت المادة سالفة البيان على أن :(التأمين عقد يلتزم به المؤمن أن يؤدى إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذى اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال، أو إيراداً مرتباً، أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث المؤمن ضده، أو تحقق الخطر المبين في العقد، وذلك مقابل مبلغ محدد أو أقساط دورية يؤديها المؤمن له للمؤمن).

والبعض ينتقد التعريف التشريعي لعقد التأمين لأنه نظر إلى الجانب القانوني فقط لعقد التأمين، دون أن يشير إلى الجانب الفني ويفضل هذا الرأي التعريف الفقهي الذى يركز على الجوانب الفنية للتأمين.

ومما لاشك فيه أن المشرع عندما يُنظم عقد التأمين بوصفه أحد العقود المسماة لا يعنيه أن يبين الجوانب الفنية للتأمين على الرغم من أهميتها، بقدر ما يهمه أكثر في هذا المقام بيان أطراف هذا العقد، وجوهره وأركانه الأساسية، وتنظيم العلاقة بين أطرافه، تاركاً تلك المقومات الفنية للقوانين الخاصة الأخرى، كما أشار إلى ذلك المشرع الأردني في المادة (923) من القانون المدني حيث نصت على أن :(الأحكام الخاصة بعقود التأمين المختلفة والتي لم ترد في هذا القانون تنظمها القوانين الخاصة).

ـ أما الاتجاه الثاني في الفقه، فيرى ضرورة إبراز الجانب القانوني في عقد التأمين دون سواه، وهذا الاتجاه يتفق تماماً مع المسلك الذى تبناه المشرع الأردني، ويأتي في مقدمة هؤلاء الدكتور محمد كامل مرسى الذى عرف عقد التأمين بأنه :(عقد يأخذ فيه المؤمن على عاتقه طائفة معينة من الأخطار يخشى العاقدان وقوعها، ويرغب المستأمن ألا يتحملها منفرداً، في مقابل جعل يسمى قسط التأمين، أو الاشتراك الذي يدفعه المستأمن).([3])

وترتيباً على ما تقدم يتبين لنا أن إقحام الأسس الفنية للتأمين على التعريف القانوني لعقد التأمين لا يخلو من تناقض لاسيما مع المنطق القانوني السليم، وأن الاتجاه الثاني في الفقه الذى يبرز الجانب القانوني هو الأرجح والذى أخذ به المشرع الأردني في تعريفه السابق، فهو يتضمن ما يكفى للإفصاح عن مضمون عقد التأمين، وإلى طرفيه: المؤمن والمؤمن له، كما أشار إلى عناصر عقد التأمين التي لا يقوم إلا بها مجتمعه وهى:-

أـ الخطر، وهو الواقعة المستقبلية الاحتمالية المؤمن منها والتي يترتب على حدوثها قيام التزام المؤمن.

ب ـ القسط الذى يؤديه المؤمن له.   جـ- المصلحة أي المنفعة التي تعود على المؤمن له من عدم حدوث المخاطر الذى يهدده ويخشى وقوعه لما قد يترتب عليه من أعباء مالية عادة.

دـ تقدمة المؤمن، وهو الأداء المال الذى قد يلزم به المؤمن.

2ـ خصائص عقد التأمين:-

أـ عقد التأمين عقد ملزم للجانبين: حيث ينشأ التزامات متبادلة ومتقابلة بين الطرفين، وهما المؤمن والمؤمن له، فيلتزم المؤمن له بدفع أقساط التأمين من وقت إبرام العقد، وفى المقابل يلتزم المؤمن بأن يضمن للمؤمن له تعويضه عند وقوع الخطر أو الكارثة التي قد تصيبه.

ب ـ عقد التأمين عقد معاوضة: حيث يأخذ كلا من المتعاقدين مقابلاً لما يعطى، فالمؤمن يأخذ مقابلاً وهو أقساط التأمين التي يدفعها المؤمن له، وكذلك المؤمن له يحصل مقابلاً لما يدفعه من أقسط التأمين وهو مبلغ التأمين في حالة تحقق الخطر المؤمن منه.

جـ- عقد التأمين من العقود الاحتمالية: جدير بالذكر أن كلا من الطرفين لا يعرف وقت إبرام العقد مقدار ما يأخذ ولا مقدار ما يعطى، لأن ذلك متوقف على تحقق الخطر المؤمن منه أو عدم تحققه.

دـ عقد التأمين من العقود الزمنية: مما لاشك فيه أن الزمن يعد عنصراً جوهرياً في عقد التأمين، فالمؤمن يلتزم بتحمل تبعة الخطر المؤمن منه لمدة معينة، وكذلك يلتزم المؤمن له بدفع الأقساط عن تلك المدة، ويترتب على اعتبار عقد التأمين من العقود الزمنية أنه إذا فسخ العقد فإن الفسخ لا يكون له أثر رجعى بل أثر فورى، فما نفذ منه قبل الفسخ يظل قائماً ولا يسترد المؤمن له من المؤمن الأقساط السابقة على الفسخ.

هـ- عقد التأمين من عقود الإذعان: فالمؤمن يعد هو الجانب القوى في عقد التأمين ويتمتع بالقدرة على الاحتكار من الناحية الفعلية، وينفرد بوضع شروط عقد التأمين بل إن معظم تلك الشروط مطبوعة، ولا تتوافر للمؤمن له الحرية الكافية لمناقشة بنود وشورط العقد الذى وضعه المؤمن، بل يقتصر دور المؤمن له على مجرد الموافقة بتلك الشروط كما هي.

وـ عقد التأمين من عقود حسن النية: وفى ذلك يتفق عقد التأمين مع سائر العقود الأخرى، وإن كان لمبدأ حسن النية معنى خاص في عقد التأمين، فالمؤمن لا يستطيع معرفة حقيقة الخطر المؤمن منه وجسامته ودرجة احتماله وكل ما يتعلق به إلا من خلال المعلومات والبيانات التي يدل بها المؤمن له، ولذلك يلتزم المؤمن له بالإدلاء بالبيانات الصحيحة والمعلومات الحقيقية عن الخطر وذلك بحسن نية، كما يظهر حسن النية في مرحلة تنفيذ العقد، فهناك التزام على عاتق المؤمن له، بالامتناع عن كل ما من شأنه زيادة الخطر وأن يعلن ويبلغ المؤمن بكل الظروف التي تؤدى إلى زيادة الخطر.

3ـ أنواع التأمين:-

ـ أنواع التأمين باعتبار غرض التأمين:-

أـ التأمين على الأشياء أو من الأضرار: ويقصد به تأمين الشخص وتعويضه عن ضرر يصيب ذمته المالية، إذا تحقق الخطر المؤمن منه، ويشمل تأمين الأشياء كالتأمين ضد السرقة وضد الحريق وغيرهما، وتأمين المسئولية ويقصد به ضمان المؤمن له ضد رجوع الغير عليه بسبب الضرر الذى قد يسببه المؤمن له للغير كتأمين المسئولية الناشئة عن حوادث السيارات، وكذلك حوادث العمل وغيرها.

ب ـ التأمين على الأشخاص: ويقصد به التأمين المتعلق بالإنسان من حيث وجوده وحياته وصحته وسلامته، كالتأمين ضد المرض والعجز والحوادث التي تصيب الإنسان ويستحق المستفيد من هذا التأمين بعد موت المؤمن له لمبلغ التأمين الذى تحدده الوثيقة، والذى يتم تقدير القسط على أساسه دون حاجة إلى إثبات حدوث الضرر نتيجة وقوع الخطر المؤمن منه،([4]) والتأمين على الحياة له عدة صور كالتأمين من خطر الموت وهو التأمين لحالة الوفاة، وكذلك التأمين لخطر البقاء بعد سن معينة كالتأمين لحالة البقاء، ويمكن أن يكون للتأمين على الحياة له صورة مختلطة في حالة التأمين لحالة الوفاة والبقاء، مثل أن يؤمن شخص على حياته لمدة خمس عشرة سنة، بحيث يستحق مبلغ التأمين اذا بقى حياً طيلة هذه المدة، أما إذا توفى آل مبلغ التأمين لمستفيد يحدده المؤمن له.

ـ أنواع التأمين باعتبار المصلحة فيه:-

أـ تأمين خاص بالفرد أو المؤسسة: ويهدف المستأمن منه إلى حماية مصلحته الخاصة واحتياطا لمستقبله، فهو اختياري من حيث المبدأ ويتحمل المستأمن وحده أقساط التأمين.([5])

ب ـ تأمين اجتماعي: وهو الوسيلة التي تضمن للشخص الدخل الناتج عن نشاطه الحرفي أو المهني، فيحل المعاش أو التعويض محل ما يفقد المؤمن عليه من أجر ودخل، كتأمين العمال الذين يعتمدون في معيشتهم على كسب عملهم من بعض الأخطار التي قد يتعرضون لها فتعجزهم عن العمل كالمرض والشيخوخة والعجز.

ـ أنواع التأمين من حيث موضوع التأمين:-

أـ التأمين البحري: وهو التأمين من مخاطر البحر، والتي تحدث أثناء النقل البحري والملاحة البحرية، سواء تعلقت تلك المخاطر بالسفينة، أو ما تحمله من بضائع وهو أقدم أنواع التأمين.

ب ـ التأمين النهري: وهو التأمين من مخاطر النقل في مياه الأنهار والترع العامة.

جـ- التأمين الجوي: هو التأمين من خطر النقل الجوي الذى تتعرض له الطائرات، أو ما تحمله من بضائع.

دـ التأمين البرى: وهو التأمين الذى يغطى كل المخاطر، عدا حوادث البحر والجو.

ـ أنواع التأمين باعتبار طبيعة التأمين:-

أـ التأمين التجاري (بقسط ثابت): وهو عقد يلتزم به المؤمن أن يؤدى إلى المؤمن له، أو إلى المستفيد الذى اشترط التأمين لصالحه، مبلغاً من المال أو إيرادا مرتباً أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث، أو تحقق الخطر المبين في العقد، وذلك نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن.

ب ـ التأمين التعاوني: وهو اتفاق جماعة من الناس يجمع بينهم تماثل الأخطار على تعويض المصاب منهم مما يجبونه منهم فإن زاد مما جبوه شيئاً رد عليهم، وإن نقص دفعوا مبلغاً آخر حتى يسد النقص.

ثانياً: المصلحة في عقد التأمين

مما لا شك فيه أن المصلحة تعتبر من أهم المبادئ التي يقوم عليها عقد التأمين، حيث أن من مبررات مشروعية عقد التأمين وجود مصلحة للمؤمن له من وراء عقد التأمين الذى يقوم بإبرامه مع المؤمن، فالغاية من اشتراط المصلحة في التأمين اعتبارات النظام العام، فهي وسيلة لتوفير الأمان كما أنها تمنع المؤمن له أو المستفيد من تعمد إحداث الخطر المؤمن منه وتميز التأمين عن المقامرة والرهان.

ـ وترتيباً على ما تقدم فيشترط أن تكون المصلحة في عقد التأمين جدية، سواء في التأمين من الأضرار أو التأمين على الأشخاص، ففي التأمين من الأضرار على سبيل المثال يكون الدائن المرتهن صاحب مصلحة جدية في التأمين إذا لم يسبقه في الأولوية دائنون يستطيعوا التنفيذ بحقوقهم على الشيء الموهون له، أو كان هناك دائنين سابقين له، إلا أن حقوقهم لا تستنفذ كامل قيمة الشيء المؤمن عليه فيما لو نفذت حقوقهم عليه.([6])

ـ أما في مجال التأمين على الأشخاص فإنه في حالة قيام المؤمن له بالتأمين على حياته لمصلحته تتوافر مصلحة جدية حقيقية، فليس هناك علاقة أقوى من علاقة الشخص بنفسه، إذ يسعى من خلال هذا التأمين إلى ضمان حياة كريمة له إذا بلغ من العمر سن معين وهو غالباً يكون سن الشيخوخة، حيث سيكون بحاجة ماسة إلى بعض الأموال إما لاحتمال مرضه أو عجزه عن لعمل.([7])

ـ أما في حالة قيام المؤمن له بالتأمين على حياته لمصلحة آخر فلابد من التأكد من توافر شرط الجدية في المصلحة، وذلك من نوع العلاقة التي تربط المؤمن له بالمستفيد، مثال قيام الزوج بالتأمين على حياته لمصلحة زوجته أو أولاده هنا توجد مصلحة جدية في بقاء الزوج على قيد الحياة لهم، في حين تنعدم هذه الجدية متى كان التأمين لمصلحة شخص لا تربط المؤمن له به صلة قوية، ([8])كذلك الحال في التأمين على حياة الغير، فإن العلاقة التي تربط المؤمن له المؤمن على حياته هي أيضاً دليل على جدية المصلحة، مثال ذلك قيام الدائن بالتأمين على حياة مدينه ضماناً لدينه فإنه يوجد مصلحة للدائن في ذلك.([9])

ـ كما يشترط أن تكون المصلحة مشروعة غير مخالفة للنظام العام والآداب العامة وإلا وقع التأمين باطلاً، وهذا ما أكدته المادة (921) من القانون المدني الأردني إذ جاء فيها أنه :(لا يجوز أن يكون محلاً للتأمين كل ما يتعارض مع دين الدولة الرسمي أو النظام)، ولذلك لا يجوز التأمين من الأخطار العمدية، ولا يجوز التأمين من الأحكام الجنائية كالغرامة والمصادرة لانهما عقوبة والعقوبة شخصية، ولا يجوز التأمين على البضائع المهربة، ولا يجوز التأمين لمصلحة الخليلة اذا قصد المؤمن له من وراءه مكافأتها على إقامة علاقة غير مشروعة، أما لو بغرض تعويضها عن الضرر الذى لحقها بسبب إنهاء العلاقة غير المشروعة عدا التأمين ف هذه الحالة مشروعاً.([10])

ـ وجدير بالذكر أن الأصل في التأمين من الأضرار أن تكون المصلحة اقتصادية ذات قيمة مالية، أي يترتب على تحقق الخطر المؤمن منه خسارة مالية، تتمثل في قيمة الشيء المؤمن عليه ضد الحريق مثلاً أو السرقة، أو الدين في التأمين من إعسار المدين، أو مبلغ التأمين الذى يلتزم المؤمن له بدفعه في حالة التأمين من المسئولية، وعلى الرغم من ذلك، فإن المصلحة التي قد تتوافر في مجال التأمين من الأضرار قد تكون أدبية أحياناً، وذلك إذا كان الشيء يعبر للمؤمن له عن ذكريات عاطفية، كأن يكون عبارة عن هدية مقدمة إليه من شخص عزيز عليه، وإن كان الغالب في تأمين الأضرار أن تكون المصلحة اقتصادية.

أما عن طبيعة المصلحة في مجال التأمين على الأشخاص فالغالب أن المصلحة التي يسعى المؤمن له أو المستفيد إلى تحقيقها هي مصلحة أدبية، ومع ذلك قد تكون في بعض الحالات اقتصادية، وذلك اذا كان المؤمن على حياته ملزماً بالنفقة على المؤمن له أو المستفيد، كرب الأسرة ملزم بالإنفاق على زوجته وأولاده ومن ثم فإن المستفيد زوجته أو أولاده لهم مصلحة جدية اقتصادية ظاهرة في بقاء من يعيلهم على قيد الحياة، واستمرار حياته لكى تستمر النفقة التي يحصلوا عليها.([11])

ثالثاً: مشروعية عقد التأمين

ـ من المسلم به أن التأمين من المسائل المستجدة والتي لم يرد فيها نص بحل أو حرمة وقت نزول التشريع، لذا فقد اختلف فقهاء العصر في مشروعية التأمين وانقسموا في ذلك إلى رأيين:-

الرأي الأول: التأمين التجاري غير جائز: يعتبر ابن عابدين أول من تكلم عن التأمين التجاري وحكمه في الشريعة الإسلامية، ولقد أفتى بأنه عقد لا يحل، كذلك أفتى بعدم جواز التأمين التجاري المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بالقرار رقم 55 في 4/4/1397هـ، كما أبطله أكثر العلماء والفقهاء مثل الشيخ محمد أبو زهرة، وأحمد إبراهيم، والشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالرازق عفيفي، والشيخ عبدالله بن عديان، والشيخ عبدالله بن قعود.

أدلة الرأي الأول:-

1ـ أن التأمين يعتمد على الغرر وهو الجهالة أو الخطر، والمراد بيع ما لا يعلم وجوده وعدمه، أو قلته أو كثرته أو لا يقدر على تسليمه، فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر)، فهو عقد مبنى على جهالة، والخطر فيه احتمالي يمكن وقوعه أولاً، والغرر يدخل في عقد التأمين، لأن المؤمن وقت إبرام العقد لا يعرف مقدار ما يأخذه، ولا مقدار ما يعطى، لأن ذلك متوقف على وقوع الخطر أو عدم وقوعه، وكذلك المستأمن فكلا من العوضين مجهول لطرفي العقد.([12])

2ـ التأمين التجاري بكافة صوره أكل لأموال الناس بالباطل، لأن نسبة ما يعاد إلى الناس قليلة جداً وفيه مفسدة للمسلمين ونشر العداوة والبغضاء بين الأفراد في المجتمع المسلم، لقوله تعالى :(يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل).([13])

3ـ هو غير جائز لكونه قائم على الربا المحرم ويشتمل على: ربا الفضل، ويتمثل في عدم تساوى ما يأخذه المؤمن مه يدفعه للمستأمن، ويشتمل على ربا النسيئة ويتمثل في أن ميلغ التأمين قد يتأخر دفعه عن العوض المقابل له وهو القسط، وقال سبحانه وتعالى :(الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس).

4- التأمين غير جائز لكونه قائم على القمار وهو الميسر المحرم بنص القرآن، لقوله تعالى :(يا أيها الذين منوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)، فهو لعبة خط حيث أن المستأمن قد يدقع أقساط التأمين طيلة مدة العقد ولا يحدث أي خطر، فتذهب أمواله سدى، وقد يتعرض للخطر فتدقع الشركة أضعاف ما دفع من القسط دون مقابل.([14])

الرأي الثاني: التأمين التجاري جائز:-

وقال بذلك الرأي قلة من الفقهاء ومنهم الشيخ مصطفى الزرقاء، وعلى الخفيف، ومحمد سلام مدكور، وعبدالله بز زيد آل محمود، وغيرهم.([15])

أدلة الرأي الثاني:-

الأصل في العقود الإباحة ولا تحرم إلا بنص، وهو عقد يشبه للكثير من العقود الفقهية التي أباحها الفقهاء، وأنه قائم على التعاون والتخفيف من حدة الخسائر والمصائب، وتحقيق الأمان والاطمئنان للأفراد ومساعدة الآخرين، وهذه الأنواع من العقود أصبحت من ضرورات التجارة والصناعة والمواصلات العصرية لدرأ أخطارها، فالتأمين فكرة تعاونية لترميم الأضرار والمخاطر الكبيرة، وهذا ما جثت عليه الشريعة الإسلامية.

رابعاً: اجتهادات محكمة التمييز الأردنية فيما يتعلق بعقد التأمين

1ـ قرار محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية رقم 372 لسنة 2006 (هيئة خماسية) بتاريخ 18/3/2007، منشورات عدالة:- والذى قضت فيه بأنه :(يعتبر عقد التأمين الذى أجرته المميز ضدها مع شركة العربة للتأمين على الحياة هو من قبيل الاشتراط لمصلحة الغير، كما أنه من قبيل التأمين من المسؤولية بالمعنى المقصود في المادة 922 من القانون المدني التي أجازت هذا التأمين، وأساس هذا التأمين قيام مسؤولية المؤمن له تجاه المضرور أو المنتفع، فتقوم شركة التأمين بتغطية التعويض الناجم عن هذه المسؤولية لقاء الأقساط التي يدفعها المؤمن له، ويقصد بهذا التأمين أن يزيح المسؤول عن عاتقه عبء المسؤولية فتحل شركة التأمين محله بالالتزام بالتعويض، إلا أن هذا الأمر لا يعنى انتفاء المسؤولية تماماً بجانب المسؤول وهو في هذه الدعوى الجهة المدعى عليها (المميز ضدها)، إذ أن عقد التأمين قد يتضمن أحكاماً تشير لالتزام شركة التأمين بحدود معينة من التعويض، وفى هذه الحالة يتعين احترام هذا الاتفاق فيما بين شركة التأمين المدعى عليه، إلا أن المدعى عزب عن هذا العقد …..).

2ـ قرار محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية رقم 1805 لسنة 2005 (هيئة خماسية) بتاريخ 11/10/2005، منشورات عدالة:- حيث قضت بأنه :(بالرجوع إلى عقد التأمين الذى يحكم العلاقة بين طرفي الدعوى نجد أنه عقد تأمين شامل، وأنه ورد فيه في خانة تغطية الحوادث الشخصية الإضافية عبارة (السائق المأجور لف دينار)، وتفسير ذلك أن السائق مشمول بالتغطية التأمينية في هذا العقد، وأن شركة التأمين ملزمة بالتعويض عما يصاب به من أضرار على أن لا يتجاوز هذا التعويض ألف دينار، وحيث أن الخبيرين اللذين أجريا الخبرة في هذه الدعوى قدرا الضرر المادي الذى أصاب المميزة ضده بما يجاوز خمسة آلاف دينار، فيتوجب الحكم له بالحد الأعلى للتغطية التأمينية الواردة في عقد التأمين وهو ألف دينار ….).

3ـ قرار محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية رقم 170 لسنة 1983 (هيئة خماسية) منشورات عدالة:- والذى جاء فيه 🙁بالرجوع إلى أحكام المادة (927) من القانون المدني، نجد أنها نصت صراحة على :(التزام المؤمن له بأن يقرر وقت إبرام العقد كل المعلومات التي يهم المؤمن معرفتها لتقدير المخاطر التي يأخذها على عاتقه)، وحيث أن البيانات الخاطئة التي يصرح بها المؤمن له للمؤمن، أو كتمانه لمرض أصابه قبل التأمين، أو إخفاء المعلومات عن واقعة يجهلها المؤمن، لا تعطى المؤمن له من التزامه بتقرير المعلومات المنصوص عليها في هذه المادة، ولم يكشف طبيب الشركة المؤمنة الحالة الصحية للمؤمن له وعليه وبالبناء على ما تقدم فإن تقرير المعلومات التي تهم المؤمن وقت إبرام العقد هو التزام قانوني رتبه القانون على المؤمن له وليس على الشركة المؤمنة، وفى حال إخفاء المؤمن له معلومات عن حالته الصحية، أو قدم بيانات كاذبة عن حالته فإن ذلك يشكل إخلالاً بالتزام تعاقدي يترتب عليه البطلان).

ـ كما ذهبت أيضاً في ذات الحكم إلى أن :(الأصل في العقود هو حسن النية، وحيث أن عقد التأمين هو منتهى عقود حسن النية، وأن عبء إثبات الكتمان أو تقديم بيانات كاذبة يقع على عاتق المؤمن).
إعداد الأستاذ: جمال مرعي

[1]– أنظر عرفه محد على، شرح القانون المدني الجدي، القاهرة، مطبعة جامعة فؤاد الأول، سنة 1949، ص11.

[2]– انظر الأهوانى، حسام الدين كامل، المبادئ العامة للتأمين، 1995، ص14.

[3]– أنظر مرسى، محمد كامل، العقود المدنية الصغيرة، ط2، 1938، ص545.

[4]– أنظر شرف الدين، أحمد، عقود التأمين وعقود ضمان الاستثمار، القاهرة، 1986، ص15.

[5]– أنظر الدكتور على القره داغى، التأمين الإسلامي، الطبعة الأولى، دار البشائر الإسلامية، 1432هـ، ص42.

[6]– أنظر شرف الدين، أحمد، أحكام التأمين، الطبعة الثانية، القاهرة، منشورات نادى القضاة، 1991، ص263.

[7]– أنظر المصاروة، هيثم حامد، المنتقى في شرح التأمين، إثراء للنشر والتوزيع، ط1، عمان، الأردن، 2010، ص212.

[8]– أنظر حطاب، رشاد محاسنه، نسرين، المصلحة في عقد التأمين على الحياة، بحث منشور في مجلة الشريعة والقانون، جامعة الإمارات، العدد الثامن والأربعون، أكتوبر 2011، ص484-485.

[9]– أنظر عبدالرحمن فاير أحمد، المصلحة في التأمين، دراسة مقارنة في نطاق التأمين البرى الخاص، دار المطبوعات الجامعية، ط1، الإسكندرية، ص8.

[10]– أنظر إبراهيم، جلال محمد، التأمين وفقاً للقانون الكويتي، دراسة مقارنة مع القوانين المصري والفرنسي، ذات السلاسل للنشر الكويت، ط1، ص227.

[11]– أنظر عبدالرحمن، فايز أحمد، المصلحة في التأمين – مرجع سابق – ص50.

[12]– أنظر الدكتور الضرير، الغرر في العقود وآثاره في التطبيقات المعاصرة، الكبعة الثانية، مجموعة دلة البركة ص922.

[13]– أنظر حمد عبدالعزيز الحماد، عقود التأمين وحقيقتها وحكمها، الكبعة الثالثة، دار العلم للملايين، بيروت، 1995، ص75.

[14]– أنظر شوكت عليان، التأمين، الكبعة الأولى، دار الرشيد، الرياض، 1414هـ، 1993، ص170.

الرئيسية
إختصاصات
مقالات
واتساب
إتصال
error: المحتوى محمي !!