عقد العارية
العارية أو الإعارة من أبواب الإحسان التي دعا الإسلام إليها ولها تعريفات كثيرة عند فقهاء المسلمين منها أنها العين المأخوذة من مالك منفعتها للانتفاع بها بلا عوض ويقال لها المعار ، وتعني أيضًا تمليك منفعة مشروعة بغير عوض فهي تخالف البيع والهبة والصدقة والقرض لأن التمليك في جميع تلك العقود هي للذات لا للمنفعة كما أنها تخالف الإجارة لأن تمليك المنفعة فيه بعوض.
وقد عرف القانون المدني الأردني عقد الإعارة في المادة (763) بأنه : ” الإعارة عقد غير لازم ولكل من الطرفين أنهاؤه متى شاء ولو ضرب له اجل”.
وقد جاء في الجزء الثاني من المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الأردني ما يلي : ” والعارية عقد من العقود الرضائية تنعقد بتطابق الإيجاب مع القبول والتسليم فيه لا يُعد ركنًا من أركانه، بل يُعد أثرًا من أثار انعقاده، ولا يُعد عقد العارية من عقود الهبة، لأنها تؤدي إلى نقل ملكية الشيء الموهوب دون عوض، أما العارية فهي من عقود التفضيل، حيث يولي المتبرع في هذه العقود المتبرع له فائدة دون أن يخرج من ملكية ماله، بعبارة أخرى أن المعير المتبرع يتبرع بمنفعة العين المعارة دون أن يخرج عن ملكيتها”.
رابعًا :انفساخ وانتهاء الإعارة
وسنتناول في مقالنا مشروعية عقد العارية، وأركان عقد العارية، وأشكال عقد العارية.
أولًا : مشروعية عقد العارية :
العارية مشروعة في القرآن والسنة والإجماع.
مشروعية العارية في القرآن :
قوله تعالى : ” ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هو يراءون ويمنعون الماعون “
ووجه الدلالة أن الله تعالى ذكر منع الماعون أي منع الناس من منافع ما عندهم وهي صفة من الصفات المذمومة إذ أن الأصل هو تمكين المسلمين من منافع ما عندهم.
قوله تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ،ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنئنا قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب “
ووجه الدلالة أن الآية الكريمة تحث المسلمين على التعاون في أعمال الخير والبر، وتمكين المسلمين من منافع الأعيان من أوجه التعاون، ومن ثم فالعارية تدخل في عموم الآية الكريمة.
مشروعية العارية في السنة النبوية :
قوله صلى الله عليه وسلم : ” العارية مؤداه والمنحة مردودة والدين مقض والزعيم غارم “
فالنبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أن العارية مؤداه إلى أصحابها، مما يدُل على مشروعية العارية، ومن انتفع منها وجب عليه ردها إلى صاحبها.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعار من صفوان ابن أمية أدرعًا يوم حنين فقال أغصبًا يا محمد ؟ قال : بل عارية مضمونة.
فدل فعل النبي صلى الله عليه وسلم على مشروعية العارية.
مشروعية العارية في الإجماع :
العارية مشروعة عند جموع الفقهاء، وابن قدامه المقدسي أقر بهذا الإجماع حين قال : ” أجمع المسلمون على جواز العارية واستحبابها، لأنه لما جازت هبة الأعيان جازت هبة المنافع، ولذلك فإن العارية مشروعة ومندوب إليها “.
ثانيًا : أركان عقد العارية
من شروط صحة العارية اكتمال أركانها، فالعارية تصبح غير صحيحة إذا نقص ركن من أركانها، وهذه الأركان هي :
الصيغة ( الإيجاب والقبول ) :
فالإيجاب من المعير ركن في العارية والقبول من المستعير ركن في العارية، فتنعقد العارية بالإجاب والقبول ويتحقق القبول ولو بالفعل أي القبض، ويصدر بالإيجاب من المعير والقبول من المستعير، والقبول يمكن أن يكون باللفظ أو بالفعل.
العاقدان :
وهما المعير والمستعير المباشران للعقد، فالمعير هو صاحب العين، والمستعير هو طالب منفعة العين، ويشترط فيهما الرشد والعقل والاختيار.
المحل :
المحل في عقد العارية هو الشيء المعار المراد استعارته والاستفادة منه، فيجب أن يكون محل العارية شيئًا معينًا بالذات غير قابل للاستهلاك وقابل للتعامل فيه، وغير مخالف للنظام العام أو الآداب.
ثالثًا : أشكال العارية
تتعدد أشكال العارية طبقًا لسلطة المستعير على العارية من حيث الزمان والمكان وكيفية الاستفادة من العارية، فقد تكون العارية مطلقة عن الزمان والمكان والكيفية في الاستفادة من العارية، ويُمكن أن تكون مقيدة بقيود متعددة قد تجتمع معًا أو تفترق.
وتقسم أشكال سلطة المستعير على العارية إلى قسمين رئيسيين هما :
العارية المطلقة :
وهي التي تخلوا من قيود زمان الاستخدام أو مكان أو كيفية الاستعمال، مثل من يعير شخصًا وسيلة نقل دون أن يحدد له زمانًا ينتهي فيه العقد ولا يحدد له مكانًا كنطاق للانتفاع ولا أوجه الانتفاع.
وفيما يتعلق بذلك فقد ورد في الفقرة الأولى من المادة (772) من القانون المدني الأردني ما يلي : “ للمستعير ان ينتفع بالعارية على الوجه المعتاد في الإعارة المطلقة التي لم تقيد بزمان أو مكان أو بنوع من الانتفاع “.
العارية المقيدة :
وهي العارية المحددة من حيث زمان أو مكان أو كيفية الاستعمال التي يُراد بها المعير أن يستعملها المستعير، وقد تجتمع تلك القيود معًا أو يجتمع أغلبها أو تفترق وذلك بحسب الاتفاق بين المعير والمستعير بما يحقق مصلحتهما، فالمستعير يتقيد في استعمال العارية بالقيد المتفق عليه.
وبخصوص العارية المقيدة فقد ورد في الفقرة الثانية من المادة (772) من القانون المدني الأردني ما يلي : ” فاذا كانت مقيدة بزمان أو مكان وجب عليه مراعاة هذا القيد وليس له عند تعيين نوع الانتفاع ان يجاوز القدر المماثل أو الأقل ضررا “.
فيُمكن القول إن القيد قد يكون مكانيًا أو زمانيًا أو موضوعيًا كما سيلي شرحه :
القيد الزماني :
وهو قيد يتعلق ببيان المدة الزمانية التي يتاح فيها للمستعير الانتفاع من الشيء المستعار، وذلك مثل أن يتفق الطرفين أن تكون العارية لشهرين أو أكثر فحينها يجب على المستعير ردها عند حلول الأجل.
القيد المكاني :
وهو متعلق بتحديد المكان الذي تُستعمل به العارية من قبل المستعير، فإذا خالف المستعير القيد المكاني فإنه يكون ملزم بضمانها عند هلاكها حتى إن لم يكن مقصرًا، وذلك لمخالفته القيد الذي اشترطه المعير، وذلك مثل أن يتقيد المستعير في استعماله العارية بمكان محدد كأن يعيره المعير سيارة ويشترط عليه ألا يستخدمها خارج حدود المدينة التي يقيم بها مع إعطاؤه الحرية الكاملة في استخدامها كيفهما شاء، ولكن داخل حدود نطاق المدينة.
القيد الموضوعي (كيفية الاستعمال) :
وهو القيد المتعلق بموضوع الاستعمال فقد يتقيد المستعير بشكل من أشكال الاستعمال فلا يحق له تجاوز هذا القيد، وذلك مثل أن يعير شخصًا أرضًا ومن ثم يشترط على المستعير ألا يستخدمها إلا في البناء أو الزارعة، ولكن لا يجوز له أن يستخدمها في للبناء والزراعة معًا فإن خالف ذلك فقد خالف القيد الموضوع وهو المتعلق بكيفية الاستعمال.
رابعًا :انفساخ وانتهاء الإعارة
وبحسب الفقرة الأولى من المادة (776) من القانون المدني الأردني فإن الإعارة تنفسخ برجوع أيًا من المعير أو المستعير أو بموت أحدهما بيد أنها لا تنتقل لورثة المستعير.
وفيما يتعلق بنص المادة سالفة الذكر فقد قضت محكمة التمييز الأردنية في حكمها رقم 59 لسنة 1987 : “ إذا كان المدعي عليه يشغل العقار المذكور بطريق الإباحة بموجب السند المبرز فان من حق المدعية ان تسترده بموجب المادة 776 من القانون المدني. فان ما انتهى اليه الحكم المميز بمنع المميز من معارضة المميز ضدها في العقار المذكور ـ الدرج ـ وتسليمه اليها يكون متفقا وأحكام القانون “.
وتنتهي الإعارة بانقضاء الأجل المتفق عليه أو باستيفاء المنفعة محل الإعارة وذلك بحسب نص المادة (777) من القانون المدني الأردني.