مررنا بفترة عصيبة في مواجهة فايروس كورونا ، حُجزنا في منازلنا أيام لا نستطيع الخروج منها إطلاقاً وأيام سُمح لنا فيها بالخروج للضرورة القصوى ، شعرنا أن العالم يضيق بنا ، أُغلقت المحافظات ، ابتعدنا عن أحبائنا ، باتت وسائل الاتصال الحديثة هي منفذنا الوحيد لتواصل مع العالم الخارجي ، ماذا حدثتنا عقولنا عندما عشنا في تلك الظروف ؟ ، أنا أجزم أن أكثر من نصف من عاش هذه التجربة شعر بأنه في سجن مقيد الحرية لا يستطيع ممارسة نشاطاته المعتاد عليها ، شعر بالضيق لهذا الحال ، ولعله هذه التجربة جاءت رادعاً لمن كانت تأمره نفسه بارتكاب جرم أو خرق القوانين ، فقد عاش جزء بسيط من شعور المسجون وما كُنا فيه ليس بالسجن بمعنى السجن في القانون فما بالك أن ارتكب جريمة وكانت عقوبتها الحبس ، فما المقصود بالحبس في القانون ؟ .
الحبس أحد العقوبات الجزائية
أن الحبس هو إحدى العقوبات الجزائية التي تفرض على من يرتكب جرائم معينة تنص عقوبتها على الحبس، فما هي تلك الجرائم؟، عرفنا في المقالات السابقة أن الجرائم في القانون الأردني قُسمت حسب شدة عقوبتها إلى ثلاثة أقسام ، جنايات وجنح ومخالفات ، وكانت عقوبة الحبس هي أحد العقوبات الجنحوية التي يتم إيقاعها على من يرتكب جريمة من الجرائم الجنحوية ، ولا ننكر أن العقوبات الجنائية تحمل معنا الحبس لكن بشكل مختلف نوعاً ما ، وسنخصص هذا المقال للحديث عن عقوبة الحبس في الجرائم الجنحوية .
مفهوم الحبس في القانون الأردني
الحبس حسبما جاء في قانون العقوبات الأردني في نص المادة (21) هو إحدى العقوبات الجنحية، وهو وضع المحكوم عليه في أحد مراكز الإصلاح والتأهيل المدة المحكوم بها عليه وهي تتراوح بين أسبوع وثلاث سنوات إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك، وعليه فإن الحبس عقوبة حاجزة للحرية وليست مقيدة لها فقط ، وهذا مفهوم الحبس في القانون العقوبات الأردني، هل هذا يعني أن عقوبة الحبس تقتصر على القضايا الجزائية دون المدنية ؟ لا ، المشرع الأردني لم ينص على الحبس بالقضايا الجزائية فقط ، بل نص على الحبس كجزاء في قانون التنفيذ ، إلا أن الحبس كعقوبة جزائية هو الأصل ، بينما الحبس في تنفيذ القضايا الحقوقية هو خيار للدائن إن شاء طلب حبس المدين وله ألا يطلب ذلك ، كوسيلة للضغط على المدين لتسديد الالتزامات التي أقرها القانون في الحُكم القضائي ، أو التي الزم المدين نفسها بها كالسندات .
كم مدة الحبس في القضايا التنفيذية؟
استناداً لنص المادة (22) من قانون التنفيذ، يجوز للدائن أن يطلب حبس المدين إذا لم يسدد الدين أو يعرض تسوية، ولا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس تسعين يوماً ( هذه المدة قيد التعديل حاليا بموجب مشروع تعديل قانون التنفيذ ومن المتوقع أن يصبح الحبس التنفيذي فقط للمبالغ التي تزيد عن 5000 دينار) في السنة الواحدة عن دين واحد ( وهذه أيضا قيد التعديل) ، وللرئيس تأجيل الحبس إذا اقتنع أن المحكوم عليه مريض بمرض لا يتحمل معه الحبس، ولا يحول ذلك دون طلب حبس المدين مرة أخرى بعد انقضاء السنة.
وعليه فإن الحبس في القضايا الجزائية هو عقوبة أصلية محددة المدة بحدود عقوبة الجرم المرتكب، بينما في القضايا الحقوقية التنفيذية هو خيار للدائن أن يطلبه أو أن يتغاضى عنه ، كما أن الدائن غير ملزم عند طلب الحبس إثبات اقتدار المدين في حالات معينة بنص القانون وهي التعويض عن الأضرار الناشئة عن جرم جزائي ، دين النفقة المحكوم بها ويعتبر كل قسط منها ديناً مستقلاً ، المهر المحكوم به للزوجة ، الامتناع عن تسليم الصغير الذي عهد إليه بحفظه وكذلك عدم الالتزام بتنفيذ حكم المشاهدة ويجدد الحبس تلقائياً لحين الإذعان .
مدى إمكانية استبدال عقوبة الحبس بالغرامة في القضايا الجزائية ؟
بالعودة للحديث عن الحبس كإحدى العقوبات الجنحية، فقد نصت المادة (27/2) من قانون العقوبات على أنه يجوز للمحكمة التي أصدرت حُكم بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، أن تحول مدة الحبس إلى الغرامة على أساس دينارين عن كل يوم، وذلك في حال اقتنعت المحكمة أن الغرامة عقوبة كافية للجريمة التي أُدين بها الشخص.
الاستثناءات على تأجيل الحبس الجزائي
ورد بنص المادة (27/3 ) من قانون العقوبات أنه إذا كان المحكوم عليهم زوجين ومدة الحبس لا تتجاوز السنتين ، فيجوز للمحكمة وبناءً على طلب مقدم منهما ولسبب مبرر أن تقضي بتنفيذ العقوبة بحقهما على التوالي بشرط أن يكون لهما محل إقامة ثابت ومعروف في المملكة .