علاقة الدعوى التأديبية بالدعوى الجزائية المرتبطة

الموظف العام أثناء تأديته لوظيفته يمكن أن يرتكب فعل مخالفًا للمقرر بنظام الخدمة المدنية فيستحق عليه الجزاء التأديبي، قد يكون هذا الفعل يشكل خرقًا لنظام الخدمة المدنية فقط وقد يكون في ذات الوقت هذا الفعل مخالفًا للقانون الجزائي، وموضوع هذا المقال هو العلاقة التي يمكن أن تحدث بين الدعوى التأديبية والدعوى الجزائية. وسنناقش ذلك بتفصيل أكثر من خلال النقاط التالية:

أولًا: ماهية الجريمة التأديبية والجريمة الجزائية

ثانيًا: الاستثناء على قاعدة “سابقة الفصل”

ثالثًا: النتائج المترتبة على ارتباط الجريمة التأديبية بجريمة جزائية

رابعًا: تأثير الدعوى التأديبية والفصل فيها على الدعوى الجزائية

خامسا: تأثير الفصل في الدعوى الجزائية على الدعوى التأديبية

سادسا: تطبيقات قضائية

سابعًا: خاتمة

أولًا: ماهية الجريمة التأديبية والجريمة الجزائية

تقوم المرافق الإدارية على العلاقة بين الأفراد والجهة الإدارية، وتلك العلاقة قوامها سلوك الفرد، ومن هذا السلوك ما هو قويم و يتفق مع القانون، ومنه ما هو غير قويم يخالف أحكام القانون، الأخير هو ما يشكل الجريمة التأديبية[1]. هذه الجريمة قد تكون مخله للوائح العمل فقط فتشكل جريمة “تأديبية”، وقد تشكل في ذات الوقت جريمة “جزائية”، ولكلا النوعين ذاتيته.

1- تعريف الجريمة التأديبية

المادة (142/أ) من نظام الخدمة المدنية نصت على (إذا ارتكب الموظف مخالفة للقوانين والأنظمة والتعليمات والقرارات المعمول بها في الخدمة المدنية أو في تطبيقها، أو أقدم على عمل أو تصرف من شأنه الإخلال بالمسؤوليات والصلاحيات المنوطة به، أو عرقلتها أو الإساءة إلى أخلاقيات الوظيفة وواجبـــات الموظف وسلوكه أو قصر أو اهمل أداء واجباته أو اعتدى على أموال الدولة ومصالحها، فتوقع عليه إحدى العقوبات التأديبية التالية:-………….)

ومن الملاحظ أن تعريف الجريمة التأديبية سواء التعريف التشريعي أو التعريف الفقهي لا يمكن وضعه في قالب ثابت، حيث كلا الفرقين أكتفي كلا منهما بوضع الإطار المحدد للجريمة فقط.

2- تعريف الجريمة الجنائية

يعتبر تعريف الأستاذ الإيطالي (كرارا) للجريمة من أفضل التعريفات التي وضعت لها حيث عرفها بأنها: “مخالفة قانون من قوانين الدولة بفعل خارجي صادر عن رجل، لا يبرره قيام بواجب ولا ممارسة لحق، على أن يكون هذا الفعل معاقب عليه في نصوص القانون”[2]

ومن الملاحظ أن تعريف الجريمة الجنائية مقيد بالنظر إلى نظيرتها التأديبية، حيث أن الجريمة الجنائية محدد حصرًا تطبيقًا للقاعدة “لا جريمة ولا عقوبة إلا بالنص.

ثانيًا: الاستثناء على قاعدة “سابقة الفصل”

الأصل أن الفعل لا يحاسب عليه قانونا إلا لمرة واحدة وإلا يقضى بعدم القبول لسابقة الفصل، إلا أن هذا لا يسري في موضوع مقالنا “الدعوى التأديبية والدعوى الجزائية” متى كانتا ناتجتين عن فعل واحد، وهذا ما توضحه لنا أحكام محكمة التمييز إذا جاء بالحكم رقم 2064 لسنة 2012 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية الصادر بتاريخ 2013-05-29- (إن نطاق تطبيق العقوبة التأديبية يختلف عن نطاق العقوبة الجزائية فإذا كانت الجريمة الجزائية تعرف بأنها (كل نشاط غير مشروع صادر عن إرادة آثمة يقرر له المشرع جزاءً جنائياً) والجريمة التأديبية تعرف بأنها (إخلال شخص ينتمي على هيئة معنوية بالواجبات التي تلقى على عاتقه من خلال الأنظمة والتعليمات الداخلية)، كما أن محل الجريمة الجزائية عدوان على المجتمع ككل في حين أن محل الجريمة التأديبية هو عدوان على مصلحة المؤسسة أو الهيئة المختصة، وهناك اختلاف بينهما من حيث الجهة مصدرة العقوبة ففي العقوبة الجزائية تصدر عن طريق القضاء في حين أن العقوبة التأديبية تصدر عن السلطة المختصة في الهيئة أو المؤسسة).

مما يعني أن صدور حكم جزائي على الموظف متى كان فعله يشكل جريمة لا يكون سابقة فصل بالنسبة للدعوى التأديبية إذا يظل الموظف واقع تحت طائلة المحاسبة التأديبية. والعكس صحيح فصدور قرار تأديبي تجاه الموظف قبل الفصل في الدعوى الجزائية لا يعد سابقة فصل في الموضوع.

ثالثًا: النتائج المترتبة على ارتباط الجريمة التأديبية بجريمة جزائية

1- إيقاف الدعوى التأديبية لحين الفصل في الجزائية

نصت المادة (149/أ) من نظام الخدمة المدنية وتعديلاته على (إذا تبين أن المخالفة التي أُسندت للموظف تنطوي على جريمة جزائية، فيترتب إيقاف الإجراءات التأديبية، وإحالة الموظف ومحاضر التحقيق الذي أجري معه والأوراق والمستندات الأخرى المتعلقة بالمخالفة إلى المدعي العام المختص أو إلى المحكمة المختصة، ولا يجوز في هذه الحالة اتخاذ أي إجراء تأديبي بحق ذلك الموظف أو الاستمرار في أي إجراء تم اتخاذه إلى أن يصدر الحكم القضائي القطعي في الشكوى أو الدعوى الجزائية التي قدمت ضده.)، ومن خلال مطالعة المادة سالفة الذكر نجد أن المشرع الأردني قد أوجب إيقاف الإجراءات المتخذة في الدعوى التأديبية لحين الفصل في الدعوى الجزائية، بل إن الإيقاف يشمل كذلك الأثر المترتب على الفصل في الدعوى التأديبية لحين الفصل في الدعوى الجزائية.

2- إحالة الموظف للمدعي العام لمباشرة الدعوى الجزائية

يترتب على ثبوت تشكيل فعل الموظف لجريمة جزائية أن يتم إحالة الموظف إلى المدعي العام لاتخاذ المقتضى القانوني تجاهه، وفي ذلك نصت المادة (149/ ب) نظام الخدمة المدنية على (تتم إحالة الموظف إلى المدعي العام أو المحكمة المختصة بقرار من الوزير أو من المجلس التأديبي المختص إذا كان الموظف محالاً إليه.)

رابعًا: تأثير الدعوى التأديبية والفصل فيها على الدعوى الجزائية

‌بعد ارتكاب الجريمة التأديبية تبدأ جهة الإدارة في اتخاذ الإجراءات ضده والتي منها إجراء التحقيق الإداري وإصدار القرار المناسب للفعل المرتكب، وتأثير تلك الإجراءات المتخذة والتحقيقات والقرارات لا تعدوا إلا أن تكون مجرد قرائن تتخذها المحكمة الجزائية لإثبات الجرم على مرتكبه فهي ليست ملزمه للمحكمة الجزائية، ويرجع لذلك لأن التجريم في المحاكمات الجزائية يقوم على اقتناع محكمة الموضوع، فلا يكون لمجموع الإجراءات والقرارات المتخذة من قبل جهة الإدارة كنتيجة لارتكاب الموظف الفعل حجية أمام المحكمة الجزائية إلا ما تقتنع به محكمة الموضوع ولا يقيدها في ذلك إلا أن تكون بنيت حكمها على أسباب سائغة، ولا معقب من المحكمة العليا وفي ذلك جاء بالحكم رقم 1434 لسنة 2023 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية الصادر بتاريخ 2023-07-30 إذ جاء فيه (وإن القاضي الجزائي حر في اختيار الدليل الذي يقنع به ويرتاح إليه ضميره ويطرح الدليل الذي يساروه فيه الشك ولا يرتاح إليه ضميره)

خامسا: تأثير الفصل في الدعوى الجزائية على الدعوى التأديبية

أوضحنا في العنصر السابق أن الدعوى التأديبية يتم إيقاف إجراءاتها متى تم إحالة الأوراق إلى المدعي العام إلى لاتخاذ المقتضى القانوني، وموضوع الحديث في هذا العنصر هو تأثير الفصل في الدعوى الجزائية على الدعوى التأديبية، الأصل أن الفصل في الدعوى الجزائية لا يؤثر على الإجراءات المتخذة في الدعوى التأديبية، وهذا ما نصت عليه المادة (149/ ج/1) نظام الخدمة المدنية إذ نصت على (لا يحول القرار الصادر بإدانة الموظف أو تبرئته من الشكوى أو الدعوى التي قدمت ضده أو الحكم بعدم مسؤوليته عما أسند إليه أو منع محاكمته دون اتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة بحقه بمقتضى أحكام هذا النظام على المخالفة التي ارتكبها وإيقاع العقوبة التأديبية المناسبة عليه من المرجع المختص أو المجلس التأديبي). ويمتد هذا الأصل ليشمل الموظف الحاصل على عفو عام في الجريمة الجزائية حيث لا يمتد العفو العام في الدعوى الجزائية ليشمل الدعوى التأديبية، بل تعاد الأوراق لاتخاذ الإجراءات والقرارات التأديبية المناسبة وهذا ما نصت عليه المادة (149/ ج/2) من نظام الخدمة المدنية إذ نصت على (إذا تم شمول الموظف بالعفو العام سواء أثناء المحاكمة أو بعد صدور قرار قضائي قطعي فيحال حكماً إلى المجلس التأديبي لاتخاذ القرار المناسب بشأنه وفقا لأحكام هذا النظام.)، وهذا بالتأكيد مقيد بكون الحكم القطعي الصادر من المحكمة الجزائية لا يؤدي إلى عزل الموظف لأنه في حالة العزل تنقطع صلة الموظف بالعمل، وهذا ما نصت عليه المادة (149/ د) من نظام الخدمة المدنية إذ نصت على (إذا كان الحكم القضائي القطعي الصادر بحق الموظف في الشكوى أو الدعوى الجزائية لا يؤدي إلى عزل الموظف ورأى الوزير إحالته إلى المجلس التأديبي فيستمر نفاذ قرار إيقافه عن العمل ويحال وفقاً لأحكام هذا النظام.)، وحالات العزل المترتبة على الحكم الجزائي نصت عليها المادة (172/أ) من نظام الخدمة المدنية إذ نصت على (يعزل الموظف في أي من الحالات التالية:- إذا حكم عليه من محكمة مختصة بأي جناية أو بجنحة مخلة بالشرف كالرشوة والاختلاس والسرقة والتزوير وسوء استعمال الأمانة واستثمار الوظيفة والشهادة الكاذبة أو أي جريمة أخرى مخلة بالأخلاق العامة. إذا حكم عليه بالحبس من محكمة لمدة تزيد على ستة أشهر لارتكابه أي جريمة أو جنحة من غير المنصوص عليها في البند (1) من هذه الفقرة.).

وعلى الرغم من أن الفصل في الدعوى الجزائية لا يقيد الفصل في الدعوى التأديبية ولكن يمكن القول أن لهذا الفصل أثر نسبي على الدعوى التأديبية، الأثر النسبي للحكم الجزائي على الدعوى التأديبية يكمن في أن الحكم الجزائي متى أصبح بات فإنه يعد عنوان للحقيقة متى ثبت من خلاله الاتهام، حيث يمكن الاتكاء عليه في الإجراءات التأديبية، يؤكد ذلك ما جاء بالحكم  رقم 232 لسنة 1965 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 1965-08-22 الذي جاء فيه (في غير الجرائم الجنائية أو الجنوحية الأخلاقية يعتبر مجلس النقابة مقيدا باتخاذ إجراء التحقيق الأولى ورفع توصية من مجلس التأديب إلى مجلس النقابة ومن ثم إيقاع العقوبة التأديبية، أما في حالة إدانة المحامي من قبل المحكمة بجناية أو جنحة أخلاقية ، فلا يكون هنالك ضرورة لإجراء تحقيق أولى وتقديم توصية بالإدانة من المجلس التأديبي إلى مجلس النقابة بل يعتبر قرار المحكمة بالإدانة بمثابة هذه التوصية.).

وأخيرًا فصدور حكم الدعوى الجزائية بالبراءة لا يقيد الدعوى التأديبية، حيث تستأنف الإجراءات الخاصة بالدعوى التأديبية مرة أخرى ويصدر القرار المناسب بناء على الإجراءات المتخذة، ولعل العلة في ذلك أن الحكم الجزائي يبنى على قناعة القاضي الذي قد لا يطمئن للأدلة فيحتاط بالقضاء بالبراءة بدلًا من إدانة مظلوم، بالإضافة إلى أن الجزاء الإداري له الأسس التي يبنى عليها وله سبل الطعن فيه فله من الضمانات المستقلة التي تضمن نزاهته.

سادسا: تطبيقات قضائية

الحكم رقم 337 لسنة 2022 – المحكمة الإدارية العليا- الصادر بتاريخ 2022-07-05

وبتطبيق القانون على وقائع الدعوى نجد أن المطعون ضده قد تم محاكمته عن الجرائم المسندة إليه والمشار إليها في مستهل هذا القرار وصدر قراراً يقضي ببراءته عن الجرائم المسندة إليه وتأييد هذا الحكم استئنافاً وتمييزاً والذي أصبح عنواناً للحقيقة في ظل الوقائع المنسوبة للمطعون ضده ولا تملك أي جهة معاودة البحث في الوقائع موضوع الأحكام الجزائية القطعية، لا سيما وأن قرار محكمة التمييز الموقرة قد أكّد (أن المميز ضده لم يدخل في ذمته أي مبلغ مالي من معاملات الإدارة التي يعمل بها) وأنه استناداً لأحكام المادة (149/ج/1) من نظام الخدمة المدنية لا يحول القرار الصادر بإدانة الموظف أو تبرئته من الشكوى أو الدعوى التي قدمت ضده أو الحكم بعدم مسؤوليته عما أسند إليه أو منع محاكمته دون اتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة بحقه من المجلس التأديبي وإيقاع العقوبة التأديبية المناسبة عليه، وكذلك الحال إذا تم شمول الموظف بالعفو العام سواء أثناء المحاكمة أو بعد صدور قرار قضائي قطعي فيحال حكماً إلى المجلس التأديبي لاتخاذ القرار المناسب بشأنه وفقاً لأحكام نظام الخدمة المدنية.

وحيث أن الطاعن أصدر قراره الطعين (المشكو منه) مراعياً في ذلك جميع الإجراءات والضمانات القانونية والتي تتفق مع نظام الخدمة المدنية قبل إيقاع العقوبة المقررة في الدعاوى التأديبية، وجاءت العقوبة التي قررها وفقاً للصلاحيات الممنوحة له بموجب المادة (142) والمادة (147) من نظام الخدمة المدنية ودلالة المواد (67 و 68) من ذات النظام، وبذلك يكون القرار المشكو منه قد صدر وفقاً للقانون والنظام ومستنداً إلى إجراءات قانونية سليمة.

وحيث أن الأصل في القرار الإداري أن يصدر صحيحاً مصحوباً بقرينة السلامة ما لم يرد عكس ذلك، وحيث لم ترد أية بينة قانونية تثبت أي عيب ورد على القرار المشكو منه محل الطعن فيكون القرار موافقاً للقانون والنظام.

إلا أن محكمتنا تجد أنه وإن كان للسلطة التأديبية سلطة تقدير الخطورة للذنب الإداري وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها في ذلك، إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة شأنها كشأن أي سلطة تقديرية أخرى ألا يشوب استعمالها نوعاً من الغلو ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري وبين نوع الجزاء ومقداره.

ومحكمتنا تجد أيضاً أن العقوبة التي أوقعها الطاعن على المطعون ضده وهي الاستغناء عن خدمته لا تتناسب مع ظروف القضية والمخالفات المسلكية المنسوبة إليه، ودون الأخذ بعين الاعتبار أنه موظف منذ عام 2000 ذلك أنه من المعلوم أن العقوبة التأديبية شرعت لتتمكن سلطة التأديب المختصة من إيقاع الجزاء على الموظف مرتكب المخالفة التأديبية حفاظاً على المصلحة العامة وحسن سير المرفق العام ولا يتأتى ذلك إذا انطوى الجزاء على قسوة شديدة أو التساهل في الإجراءات التأديبية وفق ما تقضي بذلك المادة (141/4) من نظام الخدمة المدنية.

ولمّا كانت العقوبة المفروضة هي الاستغناء عن الخدمة وهي العقوبة التي جاءت من حيث الشدة بالترتيب السابع من بين حزمة العقوبات المتدرجة والمقررة في المادة (141/1) من نظام الخدمة المدنية.

ولمّا كانت الأوراق المقدمة في الدعوى قد خلت من ثبوت ما يستدعي الارتفاع بالعقوبة إلى حد اختيار أشدها مما يوصم القرار بالغلو وعدم الأخذ بمبدأ الملائمة والتناسب بين الفعل المخالف والجزاء المترتب عليه الأمر الذي يتعين معه إلغاء القرار المشكو منه من حيث العقوبة فقط للغلو.

وحيث نجد أن المحكمة الإدارية قد توصلت في حكمها المطعون فيه إلى ذات النتيجة التي توصلت إليها محكمتنا فيكون حكمها واقعاً في محله لموافقته القانون والنظام وأسباب الطعن لا ترد عليه، ويتعين ردها.

لهذا وتأسيساً على ما تقدم نقرر رد الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه وتضمين الطاعن الرسوم ومبلغ خمسين ديناراً أتعاب محاماة.

الحكم رقم 6074 لسنة 2012 – صلح جزاء شمال عمان الصادر بتاريخ 2018-06-26

أما فيما يتعلق بصدور حكم براءة من لجنة التحقيق وحيث ان صدور حكم قضائي بعد إجراءات تحقيق قضائي يحوز حجية الأمر المقضي به فيما يتعلق بالأفعال الصادرة عن موظف وتكون الجريمة ذات الطابع التأديبي و الجزائي معا أما اتخاذ أي إجراء ت تأديبه من قبل الإدارة فلا حجية لها على الإجراءات في الدعوى الجزائية فيما يتعلق بالفعال الصادرة من قبل الموظف والتي تشكل جريمة ذات طابع جزائي .

الحكم رقم 61 لسنة 2022 – المحكمة الإدارية- الصادر بتاريخ 2022-04-25

وبتطبيق القانون على الوقائع الثابتة في هذه الدعوى، نجد أنه من الثابت لمحكمتنا أن المستدعى ضده توصل بما له من صلاحية في وزن البينة إلى إدانة المستدعي بمخالفته لأحكام نظام الخدمة المدنية ومدونة قواعد السلوك الوظيفي والإساءة لأخلاقيات وآداب الوظيفة العامة وقيامه بأعمال تسيء إلى الأخلاق والآداب والسلوك العامين، ولما كان الهدف من إيقاع العقوبات على الموظف المخالف لأحكام النظام هو ضمان حسن سير عمل المرفق العام وتعزيز الاتجاهات الإيجابية في العمل ورفع كفاءة الأداء وضمان التزام الموظفين بقواعد السلوك الوظيفي وردع الموظف المخالف، ولما كان المستفاد من المواد السالف ذكرها من نظام الخدمة المدنية وتعديلاته رقم 9 لسنة 2020 أن المشرع قد رسم طريقًا وشكلًا لإيقاع العقوبات التأديبية بحق الموظف المخالف الذي يسيء لسمعة الوظيفة وأخلاقياتها بحيث تراعى الإجراءات والشكليات التي رسمها نظام الخدمة المدنية باعتبارها ضمانات هامة.

ولما كان الثابت،، من خلال أوراق الدعوى التأديبية وملف الدعوى الجزائية ثبوت ارتكاب المستدعي لما أسند إليه كما ثبت ومن خلال محاضر المجلس التأديبي أنه قد تم مراعاة الإجراءات والضمانات التي رسمها المشرع في مثل هذه الحالة وهي تتفق ونظام الخدمة المدنية، وحيث أن الجهة المستدعى ضدها (المجلس التأديبي) قد سلكَ الطريق التي رسمها المشرع والتي تتفق ونظام الخدمة المدنية فيكون قرار المستدعى ضده قد أصاب صحيح القانون من حيث صدوره من جهة مختصة وبالشكل الذي رسمه القانون من حيث الإدانة وأسباب الطعن لا ترد عليه من هذه الناحية.

أما من حيث العقوبة فان القرار المطعون فيه وإن صدر عن سلطة لها الحق بتقدير خطورة المخالفة المسلكية وما يناسبها من جزاء إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة إلا يشوب استعمالها غلو، وحيث أن عقوبة الاستغناء عن خدمات المستدعي فيها شطط وغلو ولم تراع الجهة المستدعى ضدها التدرج بالعقوبة سيما وأن الجرم المسند للمستدعي وهو جرم حيازة مادة مخدرة بقصد التعاطي وإن كان يدل ذلك على سلوك سلبي وإخلالًا بأخلاقيات وواجبات الوظيفة إلّا أنه لا يعتبر من الجرائم المخلة بالشرف والأخلاق المنصوص عليها في المادة (172) من نظام الخدمة المدنية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الجرم المسند للمستدعي قد تم شموله بقانون العفو العام وهو ما نراه غلوًا في تطبيق العقوبة مما يخرج التقدير من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية مما يتعين معه إلغاء القرار المطعون فيه من حيث العقوبة..

سابعًا: خاتمة

ترتبط الدعوى التأديبية والدعوى الجزائية ارتباطًا وثيقًا، وذلك لأن الفعل الذي يشكل جريمة تأديبية قد يشكل في ذات الوقت جريمة جزائية، أو العكس. وقد نظم المشرع الأردني العلاقة بين هاتين الدعويين في نظام الخدمة المدنية، حيث نص على إيقاف الدعوى التأديبية لحين الفصل في الدعوى الجزائية، وإحالة الموظف إلى المدعي العام لمباشرة الدعوى الجزائية، وعدم تأثر الدعوى التأديبية بالفصل في الدعوى الجزائية. وقد بينا إلى أن الجزاء التأديبي قد يتكأ على حكم الإدانة من المحكمة الجزائية، وأخيرا بينا أن صدور جزاء تأديبي بعد صدور حكم البراءة في الدعوى الجزائية له ضمانات لما لصدور القرار من إجراءات ورقابة عليه.

كتابة: محمد السعيد عبد المولى

[1] رياض، احمد رزق : الجريمة والعقوبة التأديبية. مبادئ القضاء الإداري في التأديب. الطبعة الأولى. القاهرة : مكتبة الوفاء القانونية. 2010 .ص5

[2] حومد، عبد الوهاب: شرح قانون الجزاء الكويتي القسم العام. لم تذكر الطبعة. الكويت: جامعة الكويت. 1972 .ص:51

الرئيسية
إختصاصات
مقالات
واتساب
إتصال
error: المحتوى محمي !!