وتعتبر قاعدة “التابع تابع” من القواعد الكلية في علم القواعد الفقهية، وتندرج ضمنها الكثير من القواعد الفرعية، وأن المعنى الإجمالي لقاعدة التابع تابع يتمثل في أن ما يكون تابعـًا لغيـره فـي الوجـود يكون تابعًا له في الحكم، فيسري على التابع ما يسري على المتبوع من أحكام، فما يتبـع غيـره وجـودًا يتبعـه حكمًا، وسوف نوضح في مقالنا كل ما يتعلق بقاعدة التابع تابع من خلال العناصر الرئيسية التالية:
ثانيًا: الأدلة على مشروعية قاعدة التابع تابع من القرآن الكريم والسنة
ثالثًا: ما هي أركان قاعدة التابع تابع في القانون الأردني
رابعًا: ما هي شروط تطبيق قاعدة التابع تابع في القانون الأردني
خامسًا: ما هي أنواع اتصال التابع بالمتبوع
سادسًا: ما هي القواعد المتفرعة من قاعدة التابع تابع
سابعًا: الأحكام القضائية المتعلقة بقاعدة التابع تابع في القانون الأردني
ونقدم شرحًا تفصيليًا لكل عنصر من العناصر الرئيسية السابقة، فيما يلي:
أولًا: تعريفات مهمة
لا بد من إيضاح تعريفات تخص قاعدة التابع تابع وهي كالتالي:
١. مفهوم قاعدة التابع تابع
إن ما كان تابعًا لغيره في الوجود لا ينفرد بالحكم، بل يدخل في الحكم مع متبوعه.
٢. التابع
ما لا يوجد مستقل بنفسه؛ بل وجوده تابع لوجود غيره، فهذا لا ينفك حكمه عن حكم متبوع.
ثانيًا: الأدلة على مشروعية قاعدة التابع تابع من القرآن الكريم والسنة
تستمد قاعدة التابع تابع مشروعيتها من القرآن الكريم والسنة النبوية والمعقول على النحو التالي:
١.من القرآن الكريم
قوله تعالى” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (المائدة:9٠)
٢. من السنة
قوله صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته”
٣. من المعقول
يستدل على مشروعية قاعدة التابع تابع من المعقول بالأدلة الآتية:
“إن سريان أحكام المتبوعات على توابعها مما يحقق المصالح الحاجية للناس في تعاملاتهم ويرفع المشقة عنهم؛ لأن استقلال التوابع في الأحكام يؤدي إلى فوات المصلحة من العقد، أو حصول المشقة والحرج في التنصيص عليه في العقد”([1]).
كما أن العقل يحكم بانسحاب الحكم على التابع، حيث ثبت تعذر الانفكاك بين التابع ومتبوعه، وإن كان تابعًا وجب أن يلتحق بمتبوعه، وأن التابع إن أستقل بنفسه لم يصح تسميته تابعًا وكيف لا يأخذ التابع حكم المتبوع وهو جزء منه لا يستقل بنفسه.
ثالثًا: ما هي أركان قاعدة التابع تابع في القانون الأردني
قاعدة التابع تابع ترتكز على أربعة أركان وهي كالتالي:
الركن الأول: المتبوع
وهو الذي ثبت له الحكم أصالة ثم ألحقنا به التابع في الحكم، وهو يقابل الأصل في باب القياس.
الركن الثاني: التابع
وهو الذي لم يثبت له الحكم أصالة؛ وإنما ثبت تبعًا للمتبوع، وهو يقابل الفرع في باب القياس.
الركن الثالث: حكم المتبوع
وهو الحكم الثابت للمتبوع الذي تعدى إلى التابع، وهو يقابل حكم الأصل في باب القياس.
الركن الرابع: التبعية
وهي التي يثبت بها حكم المتبوع للتابع، وهي تقابل العلة في باب القياس.
رابعًا: ما هي شروط تطبيق قاعدة التابع تابع في القانون الأردني
تتمثل تطبيق قاعدة التابع تابع في الشروط التالية:
١. إن يثبت الحكم للمتبوع
يشترط لتطبيق قاعدة التابع تابع أن يثبت الحكم للمتبوع؛ لأن المقصود من القاعدة هو إثبات حكم المتبوع للتابع، وهذا متفرع عن ثبوت الحكم للمتبوع، فإذا كان الحكم لم يثبت أصلًا في المتبوع فإنه لن يثبت للتابع؛ لأن الحكم إذا لم يثبت في الأصل لا يثبت للفرع.
٢. ألا يكــــون الحكــــم الثابــــت بالاتباع مخالفًا لدليل أو شرط
ويعني ذلك ألا يوجد نص شرعي يعارض تطبيق هذه القاعدة على أي من التوابع محل تطبيق القاعدة، وألا يوجد ما يشترطه أحد المتعاقدين يخالف الحكم الثابت عن طريق قاعدة التبعية.
على سبيل المثال: فلو قال قائل: إذا بيع النخل وعليه ثمر قد أُبر، فإن الثمر يدخل في العقد تبعًا للنخل، ويكون للمشتري وإن لم يشترطه، فإن هذا الحكم لم يصح لمخالفته لنص شرعي وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من باع نخلًا قد أبرت، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع”، ودل ذلك على أن من باع نخلًا وعليها ثمرة مؤبرة، فثمرتها للبائع ولا تدخل الثمرة في البيع؛ بل تستمر في ملك البائع، إلا إذا اشترط المشتري ووافق البائع
٣. تحقق التبعية
“حيث إن تعدية الحكم من المتبوع للتابع لا بد له من تحقق التبعية ليتم تعدية الحكم، وذلك في أي صورة من الصور التي يعتد بها: مثل النص الشرعي والإجماع والعرف واللغة، والاشتراط في العقد، وكون التابع جزءًا من المتبوع، أو من ضروراته ولوازمه”([2])
خامسًا: ما هي أنواع اتصال التابع بالمتبوع
فالتابع قد يكون متصلًا بالمتبوع حقيقًة، وقد يكون متصلًا به حكمًا، “والتابع حقيقة قد يكون اتصاله بالمتبوع قابلاً للانفصال، وقد لا يكون قابلاً لذلك، وأما التابع حكمًا فإنه يكون منفصلًا عنه إلا أنه يتبعه لسبب من الأسباب؛ وبالتالي يكون اتصال التابع بالمتبوع على ثلاثة أنواع تتمثل التالي:
١. اتصال حقيقي غير قابل للانفصال
بحيث يكون التابع جزءًا من المتبوع، كيد الحيوان ورأسه وسائر أعضائه، وكفروع الشجرة وأوراقها.
٢. اتصال حقيقي قابل للانفصال
بحيث يكون التابع كالجزء من المتبوع، ولكنه في حكم المنفصل، كجنين الحيوان ولبنه وصوفه.
٣. اتصال حكمي لسبب ما
بحيث يكون التابع منفصلًا عن المتبوع، لكنه تبعه إما لدليل شرعي كتبعية المأموم للإمام في الصلاة، أو للعرف الذي جرى على التبعية، كتبعية، أو للضرورة كتبعية المفتاح للقفل، أو لاشتراط أحد الطرفين كأن يشترط المشتري على البائع أن تدخل آلات الزراعية ضمن بيع الأرض الزراعية”([3]).
سادسًا: ما هي القواعد المتفرعة من قاعدة التابع تابع
تتمثل القواعد المتفرعة من قاعدة التابع تابع في القواعد التالية:
١. قاعدة التابع لا يفرد بالحكم
وتفيد هذه القاعدة أن ما لم يوجد مستقلاً بنفسه بل وجوده تبع لوجود غيره، فهو ينزل منزلة المعدوم من حيث تعلق الأحكام، فلا يجوز إفراده بالحكم.
مثال هذه القاعدة
الجنين في بطن أمه، وكحق الشرب أو المرور تبعاً للأرض، فعلى ذلك لا يجوز بيع الجنين في بطن أمه منفردًا ولا هبته، ولا بيع حق الشرب أو المرور دون الأرض.
٢. قاعدة من مَلك شيئًا مَلك ما هو من ضروراته
وتفيد هذا القاعدة بأنه من مَلك شيئًا أو اختص به، فإنه يتبعه لوازم الشيء مما لا يمكنه الانتفاع منه إلا به، ويُقصد بالضرورة هنا اللزوم، فمن مَلك شيئًا مَلك ما هو من لوازمه عقلًا أو عرفًا، ولو لم يشترط في العقد.
مثال هذه القاعدة: من مَلك الأرض مَلك ما فوقها وما تحتها، ومن اشترى غنمًا دخل في البيع صوفها على ظهرها.
٣. قاعدة التابع يسقط بسقوط المتبوع أو الفرع يسقط إذا سقط الأصل
تفيد هذا القاعدة أن التابع الذي ثبت له حكم متبوعه بسبب اتباعه له يسقط حكمه بسقوط متبوعه؛ لأنه إذا سقط متبوعه انتفى الاتباع الذي هو سبب ثبوت الحكم له، والشيء الذي ثبت له حكم لسبب ما زال حكمه بزوال ذلك السبب، فالتابع يعد فرعًا للمتبوع في الحكم، فإذا سقط الأصل سقط الفرع تبعًا له.
مثال هذه القاعدة
فالإيمان بالله سبحانه وتعالى أصل وجميع الأعمال فروعه، فإذا زال الإيمان حبطت الأعمال باعتبارها مبني عليه، وإذا بريء الأصيل بريء الضامن والكفيل لأنهما فرعه، فلو أبرأ ذمة مدينه تبرأ ذمة كفيلة تبعًا، فلا حق في مطالبة الكفيل، أما لو أبرأ الكفيل فلا يبرأ الأصيل.
٤. قاعدة قد يثبت الفرع مع سقوط الأصل
هذه القاعدة عكس السابقة، وفيها تعبير عن إثبات الحقوق، وهو أكثر استعمالاتها أمام القضاء ولا تبحث عن نشوءها في الواقع؛ لأن وجود الفرع في الواقع يستلزم وجود الأصل الذي تفرع عنه، ولكن إثبات المسؤوليات الحقوقية على الأشخاص قد تفقد وسائل إثباتها في حق الأصل وتتوافر في حق الفرع.
مثال هذه القاعدة: لو أقر أحد لشخص مجهول النسب أنه أخوه، فهذا الإقرار يمس حقوق الأب لأن فيه تحميلاً للنسب عليه؛ لأن كونه أخًا للمقر هو فرع عن بنوته لأبيه فيحتاج إلى تصديق الأب، فإذا أنكر الأب بنوته ولم يمكن إثباتها بالبينة لا تثبت بنوته للأب، ولكن يؤاخذ بإقراره أنه أخوه فيقاسمه حصته من ميراث أبيه.
٥. قاعدة التابع لا يتقدم على المتبوع
تفيد هذه القاعدة أن التابع تال لمتوبعه ومتأخر عنه في الوجود، فلا يجوز أن يتقدم عليه في العمل؛ لأنه إذا تقدم عليه في العمل تقدم عليه في الحكم، وهذا تناقص؛ لأنه تابع لمتبوعه في أحكامه
مثال هذه القاعدة: فلا يصح تقدم المأموم على إمامه في الوقف ولا في تكبيرة الإحرام والسلام ولا في سائر الأفعال.
٦. قاعدة يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها
“تفيد هذه القاعدة أن التابع يتسامح فيه ما لا يتسامح فيما هو مستقل لا تابع، أي أنه لا ينظر إلى التابع وهو تابع، كما ينظر اليه لو كان مستقلّا، ففي عدد من الأحوال يعتبر التابع كأنه معدوم غير وجود.
مثال هذه القاعدة: لا يصح بيع حمل دابة، أو بيع لبن في ضرع ولا نوى في تمر، ولكن إن باع الدابة والشاة والتمر دخل الحمل واللبن والنوى تبعًا”([4]).
سابعًا: الأحكام القضائية المتعلقة بقاعدة التابع تابع في القانون الأردني
لقد ورد في الحكم رقم 7605 لسنة 2022م الصادر من محكمة التمييز بصفتها الحقوقية بتاريخ ٢٩/١٢/٢٠٢٢م، بما نصه: “وحيث إن مطالبة المميز بالفائدة القانونية لا تستند إلى أي من هذه الشروط وأن المطالبة بالفائدة القانونية يجب أن تكون مقترنة بثبوت عدم دفع أصل الدين حتى تاريخ إقامة الدعوى، وحيث من الثابت أن المميز ضدها قامت بسداد أصل الدين قبل إقامة هذه الدعوى الأمر الذي يترتب عليه أن دعوى المميز تكون فاقدة لأساسها القانوني بالنظر إلى أن الفوائد هي من توابع الدين ويقضي بها مع قضاء الدين فإن سقط الدين بالوفاء سقطت لوازمه وتوابعه ومنها الفوائد وإلا كان الحكم بها بعد انقضاء الدين وبراءة الذمة حكمًا بالتابع مع انتفاء المتبوع، ذلك أنه إذا سقط الأصل سقط الفرع وأن التابع تابع ولا يفرد بحكم تطبيقًا لأحكام المادتين (228 و229) من القانون المدني، وحيث إن محكمة الاستئناف قد توصلت إلى هذه النتيجة فإن قرارها واقع في محله وهذه الأسباب لا ترد عليه مما يتعين ردها”
كما جاء في الحكم رقم 6533 لسنة 2021م الصادر من محكمة التمييز بصفتها الحقوقية بتاريخ ١٨/٥/٢٠٢٢م، بما نصه: “وعليه فإن لكل من القضاء النظامي والقضاء الشرعي اختصاصه الوظيفي والولائي والذي رسم القانون حدود اختصاص كل منهما من خلال تعيين الدعاوى التي يختص كل قضاء بنظرها إذ أولت المادة (2/11) من قانون أصول المحاكمات الشرعية بالمحاكم الشرعية النظر في طلبات الدية وبما يعني أن أي نزاع يثار في هذه الدعاوى ومنها الادعاء باستحقاق جزء من الدية المقبوضة كحال دعوانا هذه يكون القضاء الشرعي هو صاحب القول الفصل في هذه المنازعة تطبيقًا لقاعدة أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع وأن التابع تابع ولا يفرد بحكم وفقًا للمادة (228) من القانون المدني والتي رسختها المادة (47) من مجلة الأحكام العدلية والتي تعني أن التابع للشيء في الوجود تابع لذلك الشيء في الحكم، وحيث إن الأمر كذلك فيغدو القضاء النظامي غير مختص بنظر قضايا الدية وما يتفرع عنها والقول بغير ذلك فيه مصادرة للنصوص القانونية الواضحة وفيه تسلط القضاء النظامي على القضاء الشرعي، وحيث إن موضوع النزاع هو ادعاء المدعين باستحقاقهم جزءًا من الدية المقبوضة يكون الاختصاص في هذه الحالة من اختصاص المحاكم الشرعية، وحيث إن محكمة الاستئناف انتهت لغير هذه النتيجة يكون ما توصلت له مخالفًا للقانون”.
إعداد/ محمد محمود
[1] د. الندوي، قواعد التبعية، (ص٦).
[2] د. خالد بن سليم شراري، الشرح الجامع لقاعدة التابع تابع، ص ١٠١٥.
[3] د. خالد بن سليم شراري، الشرح الجامع لقاعدة التابع تابع، ص ١٠١٣.