الإقرار أحد أهم وسائل الإثبات في قانون البينات الأردني حيث إن الإقرار يعتبر اعتراف من الشخص بحق عليه لأخر، والأصل أن يكون الإقرار بسيط التكوين محدد لواقعة معينة، ولكن نتيجة لتشعب المعاملات المدنية وجدت كذلك الإقرارات التي تحمل أكثر من واقعة، والاتجاهات التشريعية والفقهية ذهبت إلى عدم جواز تجزئة الإقرار، وسنتناول في هذا المقال هذا المبدأ وكيفية تطبيقه وذلك من خلال النقاط الأتية:
ثالثًا: تطبيق المبدأ في التشريع الأردني
رابعًا: السلطة التقديرية في تطبيق مبدأ تجزئة الإقرار
خامسا : حالات يجوز فيها تجزئة الإقرار
سادسا: عدم جواز الرجوع عن الإقرار:
أولًا: تعريف الإقرار
قبل الحديث عن مبدأ عدم جواز تجزئة الإقرار لابد أن نتعرف أولًا على مفهوم الإقرار ولقد ورد تعريف الإقرار بالقانون البينات الأردني حيث نصت المادة (44) منه على (الإقرار هو إخبار الإنسان عن حق عليه للآخر).
والرأي عندنا أن الإقرار هو عبارة عن تقرير يشغل ذمة المقر بحق للمقر له قد يكون صريحًا وقد يكون ضمنيًا وقد يكون بسيط الشكل يثبت الحق في واقعة واحدة أو موصوفًا أو مركب يحوي العديد من الوقائع ويكون قضائي أو غير قضائي.
وبالوقوف على النصوص التي عرفت الإقرار وتحليلها يتضح لنا بأن الإقرار هو عمل كاشف وليس منشأ للحق، وأنه يصدر من جانب واحد دون الحاجة إلى قبول المقر له، وأن الإدارة فيه تتجه إلى إحداث أثر قانوني بالتالي فهو عمل من أعمال التصرف، وأنه قد يرد صراحة أو ضمنًا.[1]
خصائص الإقرار
ومن خصائص الإقرار ما يلي :
الإقرار عمل إخباري.
فهو إخبار بأمر ما
الإقرار عمل انفرادي.
فلا يحتاج الإقرار لموافقة المقر له ولا يشترط توقيع المقر له على ورقة الإقرار.
الإقرار يصدر عن قصد.
وهذا التصرف يجب أن تكون غايته الإقرار ومقصودة تقرير أمر ما .
الإقرار في مسائل الواقع.
فيجب أن يكون الإقرار في مسألة واقعية وليست خيالية .
الإقرار حجة قاصرة.
أي أنه حجة قارة على المقر نفيه ولا تتعدى الى غيره ، ومثال ذلك لو قال شخص ان ذمتي مشغولة بمبلغ ألف دينار وذمة فلان مشغولة بمبلغ ألفين دينار ، فهذا الإقرار بالنسبة للغير لا يعتبر صحيحا .
الإقرار حجة قاطعة:
يلتزم المقر بإقراره ولا يصح الرجوع عن الإقرار. إذا توفرت شروط صحته عد دليلاَ كاملاَ وملزماَ للمقر وحاسماَ للنزاع. لأنه يقصد به قطع النزاع وإنهائه.
ثانيًا: التعريف بالمبدأ
إن مبدأ عدم جواز تجزئة الإقرار يعني أن الإقرار لا يتجزأ بحيث يأخذ منه جزء دون باقي الأجزاء طالما كانت وقائع الإقرار مترابطة ترابطًا لا يقبل التجزئة.
ويتضح أن المقصود بالتجزئة في هذا السياق أن يضار المدعي عليه بما اقر به مما ادعاه المدعي دون أن يفيد مما أضافه إليه هذا الادعاء، صال يقع على المدعي عبء إثبات الواقعة التي أضيفت.[2]
للإقرار عدة أشكال تختلف من حيث الشكل والموضوع وسنتعرض لكل شكل من تلك الأشكال وتأثير مبدأ عدم جواز تجزئة الإقرار عليها.
1- من حيث الشكل
أ- الإقرار القضائي
عرفت المادة (45) من قانون البينات الأردني الإقرار حيث نصت على (الإقرار القضائي هو اعتراف الخصم أو من ینوب عنه اذا كان مأذوناً له بالإقرار بواقعة ادعى بها عليه وذلك أمام القضاء أثناء السیر في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة).
وبالنظر للواقع العملي نجد أن الإقرار القضائي يكون أكثر تعرضًا لمبدأ لعدم التجزئة خاصة إذا كان الإقرار عبارة عن استجواب من طرف القاضي بخصوص دعوى قضائية فنجد القاضي في أغلب الأحوال يتعرض لعدة وقائع في محاولة للوصول للحقيقة فينتج إقرار مركب هذا الإقرار المركب الأصل فيه عدم جواز تجزئته لأنه وكما بينا يكون مترابط الوقائع المرتبطة بالدعوى موضوع الاستجواب.
وقد يكون الإقرار القضائي موصوفا اذا أراد المقر محددة. أمام القضاء عنه ادعاء المدعي بإقراره الحق بصورة معدلة كالإقرار بالدين، ولكن يقر بدفع جزء منه. وقد يكون بسيطا بأن يشمل إقرار المقر أمام واقعة محددة.
ب- الإقرار غير القضائي
وعرفته المادة (46) من قانون البينات الأردني والتي نصت على ( الإقرار غیر القضائي ھو الذي یقع في غیر مجلس الحكم أو یقع في مجلس الحكم في غیر الدعوى التي أقیمت بالواقعة المقر بھا).
الإقرار غير القضائي غالبًا ما يكون أقل عرضه لمبدأ عدم التجزئة ذلك أن مرحلة إعداده تكون أكثر هدوءً من الإقرار القضائي فيكون مرتكزًا على واقعة واحدة وهذا أيضًا لا يمكن من أن يكون الإقرار غير القضائي مركبًا أو موصوفًا.
2- من حيث الموضوع
أ- بسيط
– التعريف: الإقرار البسيط هو الإقرار الذي يشمل إقرار بالواقعة التي يدعيه المدعي فقط دون أن تحوي على أي وقائع إضافية، وحكمها من حيث المبدأ الخاص بعدم جواز تجزئة الإقرار أنه لا يجوز تجزئة الإقرار البسيط ولو بالاتفاق.
– مثال: أن يدعي “س” أنه يداين “ص” فيحضر “ص” ويقر بصحة الدين فنكون أمام إقرار بسيط لأن إقرار المقر قد قصر على ما ادعاه المدعي فقط.
– الحكم: الإقرار البسيط لا يتجزأ، بل يأخذ جملةً كون أنه تابع لادعاء المدعي دون إضافة.
ب- موصوف
– التعريف: الإقرار الموصوف هو الإقرار الذي يشمل إقرار بواقعة معينة لكن يضاف إلى هذا الإقرار وصفًا يجعل الإقرار زائد عن الادعاء المدعى به، هذا الوصف قد يكون متصلًا بالإقرار بأن يكون في شكل واقعة شرطية.
وحقيقته أن يضيف وصفًا زائدا على الدعوى أو يعدل فيها، ثم يقر بها مع الصفة والتعديل، وغالبًا ما تكون هذه الصفة أو التعديل مغايرا لطلب المدعي ومتنافيًا معه إما بنقص مقدار أو صفة بما يخالف دعوى المدعي.[3]
– مثال: أن يدعي “س” أنه يداين “ص” فيحضر “ص” ويقر بصحة الدين، ولكنه يزيد أنه لم يحل وقت الدين بعد.
– الحكم: اختلفت الآراء في قابلية الإقرار الموصوف للتجزئة حيث ذهب البعض إلى جواز تجزئته والبعض الأخر ذهب إلى عدم جواز تجزئته، والرأي عندنا أننا نؤيد الاتجاه القائل بعدم قابلية الإقرار للموصوف حيث إن ما زاد عليه هو منه وليس جديدًا عليه، ففي المثال السابق نجد أن “ص” قد قرر بعدم حلول أجل الدين فعدم الأحقية يعد وصفًا ضمنيًا أضيف بموجب الإقرار بعد عدم حلول الأجل فلابد أن يلاحق الإقرار الأصلي دون تجزئة لأنه بمثابة المفسر له.
واذا لم نقبل الإقرار الموصوف أطرحناه ونحيناه جانبا واعتبرناه كأن لم يوجد أو يكن، وعليه يتحمل الدائن عبء إثبات الدين، ويتحمل المدين إثبات تأجيله أو اقترانه بالشرط، ولا مانع من أن يتمسك الدائن بإقرار الدين بأصل الدين، ثم يثبت خلوه من التأجيل أو التعليق المشروط .[4]
ج- مركب
– التعريف: الإقرار المركب هو الإقرار الذي يحتوي على واقعة أصلية واقترانها بواقعة أخرى.
– مثال أن يدعي “س” أنه يداين “ص” فيقر “ص” بالدين وفي نفس الإقرار يقر بسداد هذا الدين.
– الحكم: الإقرار المركب هو إقرار يحتوي على العديد من الوقائع ويوجد عدد من الفقهاء قال بعدم جواز تجزئة الإقرار المركب.
وهذا الكلام في غاية الظهور، فالمدعي هو المكلف بإثبات حقه، فإذا اثبتنا له حقا بإقرار خصمه لا يمكن أن نأخذ بالإقرار إلا كما هو، فإذا قبلنا بعضه، ورددنا البعض الآخر كأننا اثبتنا له حقا دون وسيلة إثبات موجبة للحكم، باعتبار أن الإقرار المجزأ لا يقر به صاحبه، فآل الأمر إلى إثبات حق دون وسيلة إثبات حقيقية.[5]
والرأي عندنا أن الإقرار المركب يجوز تجزئته لأنه يحتوي على وقائع ذات طبيعة مستقلة تصلح كلًا منهم كإداء، ففي المثال السابق عندما قرر “ص” أنه سدد الدين فتعد تلك واقعة أخرى منفصلة عن الجزء الأول بإقراره، ولكن من الممكن أن لا يؤخذ الإقرار مجملًا حيث إن “ص” قد اعترف بوجود الدين وذلك أنهى ادعاء “س” إلا أنه كذلك أقر بالسداد وذلك ادعاء ببراءة الذمة يجوز أن يشكل ادعاء بذاته.
فقد جاء بالحكم رقم 4091 لسنة 2018 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 29/11/2018 (وفي ذلك نجد بأن الإقرار المركب هو الإقرار بالواقعة الأصلية غير معدلة ولا موصوفة وإنما مصحوبة بواقعة أخرى منفصلة عنها تحدث بعد حصولها وهذه الواقعة الأخرى إما أن تكون مرتبطة بالواقعة الأصلية ويصح أن تكون وفقاً لها وإما لا فإن كانت مرتبطة بها بحيث تؤثر على كيانها ووجودها القانوني فالإقرار لا يتجزأ ولكنه إذا كانت الواقعة الأخرى غير مرتبطة بالواقعة الأصلية بحيث إن حصولها لا يتحتم معه وجود هذه الواقعة الأصلية فليس هناك ما يمنع من تجزئة الإقرار.)
د- الفرق بين الإقرار الموصوف والمركب
والفرق بين الإقرار المركب والإقرار الموصوف – وكل منهما يشتمل على واقعة أصلية وواقعة مرتبطة بها- أن في الإقرار الموصوف تقترن الواقعة المرتبطة بالواقعة الأصلية من وقت نشوء الواقعة الأصلية كما قدمنا، فالأجل والشرط قد اقترنا بالدين من وقت نشوئه، أما في الإقرار المركب فالواقعة المرتبطة لا تقترن بالواقعة الأصلية من وقت نشوئها ب توجد بعدها.[6]
ثالثًا: تطبيق المبدأ في التشريع الأردني
ولم ينصَّ المشرع الأردني على مبدأ عدم التجزئة ، ولكن يذهب فقهاء وشراح قانون البينات إلى الأخذ بهذا المبدأ في ظل التشريع الأردني شريطة ان يكون هناك ارتباط وثيق بين الوقائع المقر بها من حيث طبيعتها، ويؤيد هذا المذهب أنَّ المشرِّعَ أخذَ بمبدأ عدم التجزئة فيما ورد من إقرار خطي للتاجر في دفاتره الإجبارية. فلم يرد نص في القانون الأردني على مبدأ عدم جواز تجزئة الإقرار كما فعلت القوانين الأخرى ومن ذلك ما نصت المادة (69) من قانون الإثبات العراقي على أنه ( لا يتجزأ الإقرار على صاحبه، الا إذا أنصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتما وجود الوقائع الأخرى)
ولم يتناول المشرع الأردني مبدأ عدم جواز تجزئة الإقرار صراحةً إلا أنه ومع ذلك فإنه قد عمل على تطبيق القاعد تطبيقًا عمليًا، ولكن ذلك وفق شروط وسنتعرض لبعض تلك الشروط من خلال تطبيقات عملية في القضاء الأردني.
1- اشتمال الإقرار على أكثر من واقعة
كما بينا في صدر المقال فلكي يمكن تجزئة الإقرار لابد أن يكون هناك أكثر من واقعة فلو لم توجد إلا واقعة واحدة فنحن أمام إقرار بسيط لا يمكن تجزئته.
وفي الحكم التالي فإن إقرار المدعى عليها شمل إقرارها بالواقعة الأصلية وهي واقعة قبض المبلغ المدعى به من المدعي وواقعة أخرى هي أن ذمة المدعي كانت مشغولة لها قبل ذلك بمبلغ لتعامل تجاري بينهما وهما بذلك واقعتان منفصلتان ولا يوجد تلازم بينهما لاختلاف كلًا منهما عن الأخرى.
2- إمكانية الفصل بين الوقائع
كما بينا فإن القضاء أخذ بمبدأ تجزئة الإقرار، ولكنه وضح في ذلك الحكم ضرورة أن يكون هناك إمكانية للفصل بين الواقعتين بحيث يشكل كل منهما ادعاء منفصلًا له خصوصيته.
وفي الحكم التالي نجد ذلك ظاهرًا حيث إن الواقعة المضافة من المقرة وهي أن لها في ذمة المدعي مبلغ من المال لمعاملات تجارية بينمها يمكن فصلها عن الواقعة محل الدعوى الأصلية لتشكل واقعة مستقلة يمكن إفرادها في ادعاء منفصل منها على المدعي وبذلك فإقرارها بهذا الشكل يمكن تجزئته.
فقد جاء بالحكم رقم 3575 لسنة 2011 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 15/10/2012 (وحيث إن هذا الإقرار يتضمن إقرار بالواقعة الأصلية التي قامت عليها الدعوى وإضافة واقعة أخرى إلى الواقعة الأصلية بمعنى أنه إقرار مركب فإن مناط الفصل في جواز تجزئة الإقرار من عدمه يتوقف على ارتباط الواقعة التي أضافتها المدعى عليها إلى الواقعة الأصلية ارتباطاً وثيقاً بحيث لا يتصور وجود أحدهما دون الأخرى فلا يجوز والحالة تجزئة الإقرار بل يؤخذ به كله كوحدة واحدة أما في حال كون الواقعة التي أضيفت إلى الواقعة الأصلية بحيث إن وجود أحدهما لا يستلزم حكماً وجود الواقعة الأخرى في هذه الحالة يجوز تجزئة الإقرار ويؤخذ بما أقر به المقر بالنسبة للواقعة الأصلية التي قامت عليها الدعوى.
وحيث إن إقرار المدعى عليها في هذه الدعوى تضمن إقرارها بالواقعة الأصلية وهي قبضها للمبلغ المدعى به من المدعي وأن ذمة المدعي كانت مشغولة لها قبل ذلك بمبلغ نتيجة تعامل تجاري بينهما فإن وجود كل واقعة من هاتين الواقعتين منفصلاً عن وجود الواقعة الأخرى ولا يوجد تلازم بينهما كون كل من المديونيتين التي قامت عليها الدعوى والتي تدعيها المدعى عليها مستقلة عن الأخرى فإن ما ينبني على ذلك جواز تجزئة الإقرار في هذه الحالة ولمحكمة الموضوع أن تأخذ بالإقرار بشقه بثبوت الدين موضوع المطالبة بهذه الدعوى وثم يكون على المدعى عليها بعد ذلك أن تثبت أنها دائنة للمدعي لا طلب المقاصة بين المديونيتين طالما أنه لم يرد في ملف الدعوى بأنها قبضت أي جزء من المبلغ المدعى به كوفاء للدين الذي تدعيه، وحيث إن محكمة الاستئناف توصلت إلى النتيجة ذاتها فإنه يتعين رد هذا السبب.)
3- لابد أن لا يكون الإقرار المطلوب فصله عن الإقرار الأصلي ضمنيًا
الإقرار قد يكون صريح وقد يكون ضمني والحكم التالي قد رسخ مبدأ في هذا النطاق إذ منع استنباط إقرار ضمني من أخر صريح وفصل الضمني عن الأصل.
حيث جاء بالحكم تعقيب محكمة بداية عمان بصفتها الاستئنافية على محكمة أول درجة والتي استنبطت إقرار ضمني (بوجود وكالة) من الإنذار الموجه من المستأنف لزوج المستأنف ضدها حيث إن الإنذار لم يرد به صراحة ما يفيد تلك الوكالة وإنما جاء فيه كلمة “متابعة”، وبذلك فيمكن استخلاص شرط من هذا الحكم بأن لا يكون الإقرار المطالب بتجزئته وفصله عن الأصل ضمنيا.
فقد جاء بالحكم رقم 4769 لسنة 2018 – بداية عمان بصفتها الاستئنافية الصادر بتاريخ 25/11/2018 ( وبتطبيق القانون تجد محكمتنا أن المستأنف ضدها ادعت في لائحة دعواها أن العلاقة التي تربطها بالمستأنف هي عقد وكالة حيث ادعت أنها قامت بتوكيله في القضية التحقيقية رقم 00000/2007 بتاريخ 12/05/2007 لم تقدم الوكالة المذكورة أو صورة عنها كما أنها لم تطلب الزام الخصم بتقديمها وفقا لقانون البينات لادعائها أنها تحت يده وحيث أن المحامي لا يمثل موكله أمام القضاء إلا بموجب وكالة وفقا لأحكام المادة 63 من قانون أصول المحاكمات المدنية وحيث أن الوكالة لم تقدم ليصار للبحث في قانونيتها وحدودها وبيان ما تم توكيل المستاف به وفقا لأحكام المواد 833و834و836 من القانون المدني فان ادعاء المستأنف ضدها بوجود الوكالة يعوزه الدليل ولا يرد ما ذهبت اليه محكمة الدرجة الأولى من أن ما جاء في الرد على الإنذار العدلي الموجه من المستأنف يعد إقرار منه بوجود الوكالة ذلك أن الإنذار العدلي رقم ………./2013 موجه لزوج المستأنف ضدها وليس لها شخصيا وقد تضمن وفي سياق تعداد بعض القضايا والدعاوى المحفوظة في مكتب المستأنف (القضية الجزائية رقم ……../2007 المتفرعة من القضية التحقيقية رقم ……../2007 لدى محكمة بداية جزاء شمال عمان الموقرة المفصولة بتاريخ 7/6/2007 بإعلان براءة وعدم المسؤولية –متابعة- والبالغ قيمتها 32500 دينار أردنيا وان هذا لا يشكل إقرار بالوكالة حيث أن اعتباره إقرار يخالف مبدأ عدم تجزئة الإقرار كون ما ورد في الإنذار تضمن جملة اعتراضية (متابعة) وحيث لم يرد سند التوكيل ولم يقر المستأنف بوجود سند توكيل فان كلمة متابعة لا تدل على التوكيل بحضور الجلسات كما أن العبارة لم تتضمن الإشارة إلى وجود توكيل أو بيانا لتاريخه وحدوده وبالتالي فان ما ورد في الإنذار لا يمكن اعتباره إقرارا بعلاقة عقدية موضوعها عقد الوكالة بين فريقي الدعوى كي يصار للبحث في أثار هذه العلاقة.)
4- الإقرارات الموصوفة لا تصلح للتجزئة
تحدثنا عن الإقرار الموصوف في بداية المقال وقلنا أننا نرجح الرأي القائل بعدم قابلية الإقرار الموصوف للتجزئة ذلك أن الإقرار الموصوف يكون مكمل لبعضه البعض لا يمكن فصله.
ونجد أنه في الحكم التالي قد رسخت محكمة التمييز بصفتها الحقوقية هذا المبدأ حيث ورد في طياته أن إقرار الزوجة باستلامها مبالغ من زوجها أثناء قيام رابطة الزوجية قد جعل من هذا الإقرار إقرارًا موصوفًا أي أن المبالغ المستلمة من طرف زوجها كانت بغرض النفقة الزوجية، وهي في ذات الوقت لم تنكر استلامها للمبلغ المدعى عليها باستلامه المبلغ (4400) دينار، إلا أن المحكمة رفضت أن تعتبر إقرارها باستلام مبالغ لغرض النفقة (الإقرار الموصوف) إقرارًا باستلام المبلغ 4400 معللة في ذلك أن إقرار الزوجة باستلام مبالغ لغرض النفقة يعد إقرار موصوف لا يمكن تجزئته.
وقد جاء بالحكم رقم 6120 لسنة 2018 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 19/12/2018 (وحيث إن محكمة الاستئناف عندما قامت بوزن البينة وأصدرت قرارها المميز استندت إلى ما جاء في البند السادس من اللائحة الجوابية المقدمة من المدعى عليهما بقولها أن المدعى عليها رشا كانت قد سلمت بأن المدعي كان يقوم بتحويل مبالغ مالية لها بحكم علاقة الزوجية بينهما كمصروف شخصي (قبل وقوع الطلاق بينهما) وأنها لم تنكر صراحة استلام مبلغ (4400) دينار الأمر الذي ينبني عليه أن عبء إثبات هذا الدفع يقع على عاتقها, إلا أن المحكمة لم تأخذ بعين الاعتبار أن إقرار المدعى عليها رشا بأن المدعي كان يحول إليها مبالغ نقدية كمصروف شخصي وعيديات بحكم علاقة الزوجية بينهما يجعل من هذا الإقرار إقراراً موصوفاً لا يثبت به الحق المدعى به ولا يجوز للمحكمة تجزئته فيبقى على المدعي عبء إثبات الواقعة التي يدعيها وهي أنه سلم للمدعى عليها مبلغ (4400) دينار على سبيل القرض لأنه لا يجوز تجزئة الإقرار في هذه الحالة بل يؤخذ كله كما أقر به المقر. انظر (تمييز حقوق رقم 469/1996 تاريخ 21/4/1996).
رابعًا: السلطة التقديرية في تطبيق مبدأ تجزئة الإقرار
مسألة تقدير تجزئة الإقرار من عدمه من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع حيث إنها تصل إلى ذلك من خلال المعطيات المطروحة أمامها في النزاع.
بشرط أن تكون تلك السلطة التقديرية مبنية على أسباب سائغة واستنباط صحيح، وتخضع في أعمالها سلطتها التقديرية لمراقبة محكمة الاستئناف.
خامسا : حالات يجوز فيها تجزئة الإقرار
قد ذكر الفقهاء والشراح أنّ هناك عدة حالات يتجزأ فيها الإقرار القضائي ، وعدّها بعضهم استثناءات من مبدأ عدم التجزئة، وهذه الحالات هي :
ان الإقرار القضائي هو واقعة يحكمها مبدا عدم تجزئة الإقرار، لكن ذكر الفقهاء والشرّاح أنّ هنالك عدة حالات يتجزأ فيها الإقرار القضائي ، وعدّها بعضهم استثناءات من مبدأ عدم التجزئة (1) من هذه الحالات :
الحالة الأولى : إذا لم يكن بين الوقائع الواردة في الإقرار تلازم .
فاذا لم يكن هناك تلازم بين الواقعتين بحيث يمكن تصور الواقعة المضافة دون الواقعة الأصلية ، والمثل المألوف لهذه الحالة هو ان المدعى عليه يقر بالدين المدعى به ويطلب المقاصة لان المدعي أيضا مدين له بدين آخر ، فيلاحظ هنا ان واقعة الدين الأخرى مستقلة عن واقعة الدين الأصلية فيمكن ان تقوم ولو بدونها ، فوجود احد الدينين لا يستلزم وجود الدين الآخر ، ومن ثم فالفصل بينهما ممكن ، ففي هذه الحالة يجزئ الإقرار على المدعى عليه ، فيعدّ الإقرار قائماً فقط في الواقعة الأصلية التي هي ضد مصلحة المقر ، اما دعواه الأخرى فلا يؤخذ بها ولا ينتقل عبء إثباتها على المدعي ، فعلى المقر ان يُّثبت ان له ديناً في ذمة المدعي كان سبباً في وقوع المقاصة ، فان عجز عن ذلك يبقى الإقرار قائماً في إثبات الدين المدعى به(2). ويقول الأستاذ حسين المؤمن في هذه الصورة ((ان الأخذ بجميع أجزاء الإقرار إخلال بالقواعد القانونية إذ بعد ان ثبتت مشغولية ذمة المدعى عليه بالدين فيجب عليه ان يقيم هو الدليل على مشغولية ذمة خصمه بالدين الآخر الذي يدعيه ، إذ لو قبلنا بخلاف ذلك فنكون قد حكمنا على المدعي بدون دليل بل قد يجرنا ذلك إلى الحكم للمدعى عليه لا للمدعي ، كما لو ادعى المدعى عليه بدين يزيد على دين المدعي ، وعلى ذلك فلو أخذنا هنا أيضاً بعدم تجزئة الإقرار لترتب على مجرد أقوال المدعى عليه الحكم له بالتفاوت الحاصل بين الدينين ، وهذا ما لا يأتلف مع أصول القانون ولا يستقيم مع العدالة))
الحالة الثانية : ان يتضمن المدعى به عدة وقائع على نحو الاستقلال
ويذكر الفقهاء حالة ثانية يتجزأ الإقرار فيها أيضا ، ذلك انه قد يحصل في أثناء استجواب معين للمدعى عليه حول موضوع الدعوى الذي يتضمن لأكثر من واقعة ، فيقر المدعى عليه ببعضها وينكر بعضها الآخر أو يقر بجميعها . ففي هذه الحالة فيمكن للمقر لهُ ان يتمسك بجميع ما أقر به المقر أو يتمسك ببعض ما أقر به من وقائع دون بعضها الآخر ومثال ذلك كما لو ادعى شخصٌ على آخر بمبلغ
ديْن وبمبلغ عن بدل إيجار وبمبلغ عن بدل بيع سيارة فيقر المدعى عليه بالواقعتين الأولى والثانية دون الثالثة أو يقر بجميع هذه الوقائع الثلاث التي تضمنها ادعاء المدعي . وعليه فالإقرار يقبل التجزئة عندئذ على اعتبار كل واقعة مستقلة عن الأخرى ولا يلزم المقر له بالأخذ بجميع الوقائع الثلاثة(3). ومن نظير هذه الحالة كما لو قدم الوكيلُ كشفاً عن وكالتهِ فان كل بند من بنود هذا الحساب يعدُّ إقراراً قائماً بذاته فيجوز لذي الشأن ان يُسلِّمَ ببعض البنود ويُناقش بعضَها الآخر دون ان يكون للوكيل التمسك بعدم تجزئة الحساب(4).
أيضا ،،جاء في قرارات لمحكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية حول واقعة تجزئة الإقرار منها:
1) القرار رقم 3575 لسنة 2011 والذي افأد بالمبدأ الاتي : “” لا يجوز تجزئة الإقرار المركب بل يؤخذ كله وحدة واحدة ، اما اذا كانت الواقعة أضيفت الى الواقعة الأصلية وبهذه الحالة يجوز تجزئة الإقرار ويؤخذ بما اقر به المقر بالنسبة للواقعة الأصلية التي قامت الدعوى عليها “”
2 ) القرار رقم 144 لسنة 2012 والذي جاء فيه : “” وعن الأسباب الثاني والثالث والرابع ومفادها النعي على القرار المطعون فيه الخطأ من حيث عدم الأخذ بالإقرار المركب والذي لا يمكن تجزئته ومن حيث القول ان المدعى عليها لا ترغب بتوجيه اليمين الحاسمة للمدعي ومن حيث عدم الأخذ بقول المدعى عليها (المميزة) أنها قامت بتسديد المبلغ فانه وبالرجوع للملف والى البينات المقدمة نجد ان المدعية افرت بتحرير شيك لأمر المدعي مبين فيه أنها تقرر باستلام قيمة الشيك بمبلغ خمسة وعشرين الف ولكنها ادعت الإيصال وان المدعى عليها ملزمة بإقرارها اما ادعاء الإيصال فان عبء الإثبات في هذه الحالة يقع على عاتقها. وأنها لم تقدم البينة على الإيصال . “”
وقد ورد في الحكم رقم 5494 لسنة 2018 – محكمة تمييز حقوق
لقد جاء في قرار لمحكمة التمييز انه ((1- يعتبر إقراراً قضائياً كل اعتراف يؤديه الخصم أو الوكيل عن موكله إذا كان مأذوناً له بالإقرار بواقعة ادعى بها على موكله وذلك أمام القضاء أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة وذلك سنداً لنص المادة (45) من قانون البينات.
2- إن المرء مُلزمٌ بإقراره الا اذا كُذِّب بحُكم وذلك وفقاً لأحكام المادة (50) من قانون البينات.))
الحالة الثالثة : إذا ثبت كذب أو استحالة الواقعة المضافة
يَعدُّ الفقهاء هذه الحالة من الحالات التي يتجزأ فيها الإقرار ، فاذا ثبت كذب الواقعة المضافة فالمقر له ان يتمسك بالإقرار فيما يخص الواقعة الأصلية فقط ، وكذا الحال إذا كانت مستحيلة.
هذه الحالات الثلاثة المتقدمة بما تضمنت هي التي ذكرها غالبية الفقهاء وتصدوا لها عند بحثهم عن إمكانية تجزئة الإقرار القضائي .
والواقع إننا إذا أمعنا النظر فيها لم نجدها استثناءات من مبدأ عدم التجزئة وإنما يبدو ان الإقرار القضائي يتجزأ فيها ، بسبب تخلف شرط من شروط تطبيق المبدأ المتقدمة .
سادسا: عدم جواز الرجوع عن الإقرار:
الأصل عدم جواز الرجوع عن الإقرار، لأن الإقرار أخبار بحقيقة واقعة تمت قبل صدوره، لذلك لا يجوز للمقر أن يحجب هذه الحقيقة بعد أن ظهرت واضحة سواء أكان ذلك قبل صدور الحكم المبني على الإقرار أم بعد صدوره. وقد نصت المادة (68 ثانياَ) من قانون الإثبات العراقي على انه ( لا يصح الرجوع عن الإقرار فاذا اقر المدعي أمام الجهات الإدارية المختصة والرسمية بأن المدعى به يعود لشخص آخر سواه وأيد أمام المحكمة صدور هذا الإقرار منه فلا يسمع منه الادعاء بما يخالف هذا الإقرار. )
ما هو حكم القانون في حالة قيام المقر بالطعن بالإقرار صورياَ؟
لا مانع من طعن المقر في إقراره باعتباره إقرارا صورياَ أو انه وقع نتيجة غلط أو تدليس أو إكراه أو انه صدر منه وهو ناقص الأهلية، فإذا ثبت ذلك بالطرق المقرة قانوناَ فأن المحكمة تبطل الإقرار لا على اعتبار أن الإقرار يصح العدول عنه، بل لأن إقرار ثبت كذبه. فيعد الإقرار باطلاَ إذا كان المقر بتأريخ الإقرار بحكم الصغير غير المميز وكان الإقرار مضراَ به ضرراَ محضاَ.
ما هو الحكم القانوني في حالة الغلط في الإقرار؟
أما فيما يتعلق بصدور الإقرار عن غلط، فاذا كان المقر قد وقع في غلط في الواقع فيجوز له الرجوع عن إقراره، ذلك أن الإقرار أخبار يسوقه المقر فيكشف به عن حقيقة الوقائع المدعاة، فإذا كانت هذه الوقائع قد تمثلت في ذهن المقر على غير حقيقتها جاز له أن يرجع عن إقراره.
خامسًا: خاتمة
في هذا المقال تحدثنا عن مبدأ عدم جواز تجزئة الإقرار والذي يعد أحد اهم الضمانات المستخدمة في مجال الإثبات لعدم استغلال الخصم لإقرار قد صدر من خصمه في ظروف وأحوال قد تكون مغايره للدعوى المنظورة أو في ذات الدعوى، ولكنه جاء شامل لوقائع أخرى غير التي تمسك بها الخصم، وتحدثنا عن موقف التشريع الأردني من هذا المبدأ حيث إنه لم يرد به نص صريح لكنه عمل به كقاعدة فقهية متأصلة في أحكامه.
مراجع :
- د. سليمان مرقس ، الوافي في شرح القانون المدني ، ج5 ، أصول الإثبات وإجراءاته في المواد المدنية ، المجلد الأول .
- د. عابد فايد عبد الفتاح ، نظام الإثبات في المواد المدنية والتجارية ، ط1 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2006م .
- د. أحمد أبو الوفا ، التعليق على نصوص قانون الإثبات ، منشأة المعارف ، الإسكندرية، 2000م ، ص325 .
- د. آدم وهيب النجداوي ، شرح قانون الإثبات ، ط1 ، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1984م
- عصمت عبد المجيد ، شرح قانون الإثبات ، ط2 ، المكتبة القانونية ، بغداد ، 2006م ،
- ضياء شيت خطاب ، الوجيز في شرح قانون المرافعات المدنية ، مطبعة العاني ، بغداد ، 1973م
- د. أحمد شوقي محمد ، الدراسات البحثية في قانون الإثبات ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2007م ،
- ضياء شيت خطاب ، الوجيز في شرح قانون المرافعات المدنية
- محمد علي الصوري ، التعليق المقارن على مواد قانون الإثبات ، مطبعة شفيق ، بغداد، 1983م ،
- أحمد نشأت ، رسالة الإثبات ، ج2 ، مصر ، بلا سنة طبع ،
- ألياس أبو عيد ، نظرية الإثبات في أصول المحاكمات المدنية والجزائية ، ج2 ، منشورات زين الحقوقية ، بيروت ، 2005م ،
- د. سليمان مرقس ، الوافي ، مصدر سابق ، ص684
[1] راكان عدنان محمد طيجون، الإقرار في قانون البينات الأردني “دراسة مقارنة”، رسالة، جامعة جرش، 2014، الملخص ح
[2] التعليق على قانون الإثبات الكويتي ص451 للدكتور طارق منصور.
[3] د. محمد فارس المطيران، تجزئة الإقرار دراسة فقهية مقارنة بالقانون المدني والجنائي، كلية الدراسات والشريعة الإسلامية، جامعة الكويت، صـ473
[4] الوسيط للسنهوري، ص 153 ، أصول الالتزام لمرقس، ص 145
[5] د. محمد فارس المطيران، تجزئة الإقرار دراسة فقهية مقارنة بالقانون المدني والجنائي، كلية الدراسات والشريعة الإسلامية، جامعة الكويت، صــ477
[6] الوسيط 2/ 520، للسنهوري باشا.
——————————————————————————————