معاقبة الشخص المعنوي

من المسلم به أن الجزاء الجنائي يوقع على كل شخص طبيعي يرتكب أفعال تُعد في نظر القانون جريمة، طالما كان مسئول مسئولية جنائية ولم يشتمل فعله على سبب إباحة ولم يتحقق في شأنه مانع عقاب، ولكن الأمر يدق فيما يتعلق بالشخص المعنوي هل يمكن أن يقع تحت طائلة القانون الجنائي ويكون محلاً لتوقيع العقاب عليه أم لا؟

والواقع أن هذا التساؤل لم يكن محل اتفاق بين الفقهاء، فلقد صار جدالاً فقهياً صاخباً بين مؤيد ومعارض لعقاب الشخص المعنوي، والأمر ذاته تكرر بين مشرعي دول العالم فمنهم من قرر إمكانية توقيع العقاب الجنائي على الشخص المعنوي، في حين أن البعض الأخر اكتفى بتوقيع الجزاء على ممثلي الشخص المعنوي.

وفي مقالنا الحالي سنبين حجج المؤيدين والمعارضين لمسئولية الشخص المعنوي، ثم نتطرق للحديث عن موقف كل من المشرع الأردني ونظيره المصري بشأن تلك المسئولية.

جدول المحتويات 

أولاً: التعريف بالشخص المعنوي:

ثانياً: مناهضي المسئولية الجنائية للشخص المعنوي:

ثالثاً: مناصري المسئولية الجنائية للشخص المعنوي:

رابعاً: موقف المشرع الأردني من المسئولية الجزائية للشخص المعنوي:

خامساً: موقف المشرع المصري من المسئولية الجزائية للشخص المعنوي:

سادسًا: المسئولية المدنية للشخص المعنوي

أولاً: التعريف بالشخص المعنوي:

يُعد الشخص المعنوي مجموعة من الأموال والأشخاص تستهدف تحقيق غرض معين، ولذلك يمنحها القانون الشخصية المعنوية – أو الاعتبارية – التي تمكنه من اكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات شريطة التقيد بحدود الهدف المؤسس من أجل تحقيقه.

وتنقسم الأشخاص المعنوية إلى نوعين رئيسيين وهما:

  • الأشخاص المعنوية العامة وتأتي على رأسها الدولة والمحليات والنقابات وغيرها من الأشخاص التي يضفي عليها القانون صفة الشخص العام.
  • الأشخاص المعنوية الخاصة والتي تتمثل في الشركات والجمعيات.

ولقد تكفل القانون المدني بوضع الأنظمة القانونية الخاصة التي تنطبق على الأشخاص المعنوية، وجديراً بالذكر أنه من المسلمات في القانون المدني أن الشخص المعنوي قد يحكم عليه بدفع تعويضات عن الأضرار التي ألحقها بالغير نتيجة ارتكابه لأخطاء سواء كانت أخطاء تقصيرية أم عقدية.

وغني عن البيان أن الشخصية المعنوية تختلف عن الشخصية الطبيعية، فالشخصية المعنوية توصف بأنها شخصية وظيفية، بمعنى أنها محدودة بحدود الغرض الذي من أجله تم تأسيس الشخص المعنوي، ويترتب على ذلك أن تصرفات الشخص المعنوي التي تقع خارج هذا النطاق تكون واقعة تحت مغبة البطلان.

في حين أن الشخص الطبيعي له الحق في إتيان ما شاء من الأفعال وإبرام وعقد التصرفات القانونية طالما كانت جائزة من الناحية القانونية.

ومن ثم يتبين لنا أن الشخصية المعنوية ما هي إلا شخصية مجازية من صنع المشرع الوضعي، لذلك كان من المتحتم أن يكون هناك ممثلين يعبرون عن إرادة الشخص المعنوي، وفي هذه الحالة تدق المشكلة والتي تتمثل في: هل إذا وقعت جريمة من الشخص المعنوي يتم عقاب الشخص ذاته أم عقاب ممثلي الشخص المعنوي؟

ثانياً: مناهضي المسئولية الجنائية للشخص المعنوي:

الواقع أن الإجابة على التساؤل السابق لم تكن محل اتفاق بين الفقهاء، حيث انقسم الفقه بين مؤيدين ومناهضين للمسئولية الجنائية للشخص المعنوي.

فارتأى المناهضين أن الشخصية المعنوية لا تعدو أن تكون سوى محض افتراض أو مجاز أضفاها المشرع على مجموعات من الأشخاص والأموال ليسوغ لها التمتع بقدر من الصلاحيات لتتمكن من إتمام الأهداف المنشودة.

وهذا التحليل دفع أصحاب تلك النظرية إلى نفي مسئولية الشخص المعنوي مطلقاً سواء كانت الجنائية أم المدنية.

وبناء على ذلك ظهر اتجاه فقهي ينادي بقصر المسئولية الجنائية على الأشخاص الطبيعية فقط، ذلك أن الشخص الطبيعي – وحده – هو محور القانون الجنائي وهو – فقط – المخاطب بأحكامه.

ولقد ساق أنصار هذا الفقه جملة من الحجج والتي تتمثل فيما يلي:

1- طبيعة الشخص المعنوي تأبى إسناد الجريمة إليه:

وكانت تلك أولى الحجج التي ساقها أنصار الفقه المناهض للمسئولية الجنائية للشخص المعنوي، فوفقاً لوجهة نظرهم أن الشخص المعنوي يُعد مجرد افتراض قانوني وليس له وجود واقعي ومن ثم يُعد من العبث أن يُسند إليه ارتكاب جريمة تستوجب توقيع العقاب عليه.

2- مبدأ تخصيص الشخص المعنوي:

يذهب المعارضون لمسئولية الشخص المعنوي جنائياً إلى القول بأن هذه المسئولية لا يقرها مبدأ التخصيص الذي يحكم الوجود القانوني للشخص المعنوي، فوجود الشخص المعنوي من الناحية القانونية محدد بالغرض الذي أنشئ من أجل تحقيقه بحيث ينعدم هذا الوجود إذا ما خالف الغرض من إنشائه[1].

ولا يمكن القول أن من بين أنشطة الشخص المعنوي ارتكاب الجرائم، ومن ثم فإذا ما ارتكب الأشخاص الطبيعيين الممثلين للشخص المعنوي ثمة جرائم فإنها تنسب إليهم وليس إلى الشخص المعنوي، ذلك أن الشخص المعنوي ليس له وجود قانوني خارج نطاق تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجل تحقيقها.

3- الإخلال بقاعدة شخصية العقوبة:

يرى المنكرون لمبدأ المسئولية الجنائية للشخص المعنوي أن الاعتراف بهذه المسئولية من شأنه أن يؤدي إلى إهدار قاعدة شخصية العقوبات والتي تمثل أحد أهم الضمانات الدستورية، ومؤدى هذه الضمانة أن إيلام العقوبة يتعين أن يقتصر على مرتكب الجريمة وحده دون أن يمتد إلى غيره.

فإذا وقع العقاب على الشخص المعنوي فإن إيلام العقوبة لن يقتصر عليه فقط، بل سيمتد ليشمل كافة الأشخاص التي تعلقت مصالحهم بالشخص المعنوي وعلى وجه الخصوص العاملين فيه، وهؤلاء لم يساهموا في ارتكاب الجرائم المسندة إلى الشخص المعنوي.

4- ازدواج المسئولية الجنائية عن الفعل الواحد:

وفقاً لوجهة النظر هذه، فإن الاعتراف بالمسئولية الجنائية للشخص المعنوي يترتب عليه ازدواج للمسئولية الجنائية، حيث سيوقع العقاب على شخصين عن نفس الجريمة دون أن يكون بينهم أي صورة من صور المساهمة الجنائية.

ذلك أن العقاب سيوقع على الشخص المعنوي، فضلاً عن توقيع العقاب على ممثل الشخص المعنوي والذي ارتكب الجريمة باسم الشخص المعنوي ولحسابه، ومن ثم فإنه سيتم نسبة ذات الفعل إلى شخصين متمايزين وتقرير مسئولية كل منهما، وهذا ما يناقض المنطق القانوني ويستحيل التسليم به[2].

5- طبيعة العقوبات الجنائية:

يستند المناهضون للمسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية إلى حجة ذات طبيعة مزدوجة، تستمد من طبيعة العقوبات الجنائية والأغراض المستهدفة من العقاب:

  • فمن ناحية، يقرر هؤلاء بأن العقوبات الواردة بين دفتي قانون العقوبات تأبى أن تنطبق على الأشخاص المعنوية، فلا يمكن القول بحبس الشخص المعنوي أو سجنه أو جلده أو الحكم عليه بالإعدام.
  • ومن ناحية أخرى، فإن العقاب يستهدف تحقيق الردع الخاص والمتمثل في إعادة تهيئة المحكوم عليه ليصبح شخصاً صالحاً للحياة الاجتماعية مرة أخرى، ومن غير الممكن أن يكون هذا هو الهدف من توقيع العقاب على الشخص المعنوي.

ثالثاً: مناصري المسئولية الجنائية للشخص المعنوي:

خلافاً لما شيده الفقه التقليدي من حجج لإنكار مسئولية الشخص المعنوي الجنائية، فقد ذهب اتجاه في الفقه الجنائي الحديث إلى الاعتراف بالمسئولية الجنائية للشخص المعنوي، ذلك أن الشخص المعنوي – في نظرهم – يمثل حقيقة قانونية لا يمكن إنكارها، فضلاً عن أنه من تقتضي حماية مصالح المجتمع إلى أن يتم الاعتراف بتلك المسئولية.

وفي سبيل تأييد وجه نظرهم فقد استندوا إلى عدة حجج تتمثل فيما يلي:

1- طبيعة الشخص المعنوي لا تتناقض مع تقرير مسئوليته الجنائية:

رأى أنصار هذا الاتجاه أن للشخص المعنوي وجود من الناحية القانونية، حيث أن له إرادة مستقلة عن إرادة ممثليه، فضلاً عن ما يتمتع به الشخص المعنوي من ذمة مالية مستقلة، ومن ثم فلا مجال لإنكار الوجود القانوني للشخص المعنوي.

أضف إلى ذلك أن القانون يعترف للشخص المعنوي بأهلية إبرام التصرفات القانونية التي تجعله عُرضه لإثارة مسئوليته المدنية، ومن ثم فقد يقع تحت طائلة القانون الجنائي إن أتي بأفعال يجرمها القانون.

2- مبدأ التخصيص لا يحول دون مسائلة الشخص المعنوي جنائياً:

لا يمكن التسليم بأن مبدأ تخصيص الشخص المعنوي يحول دون مسائلته جنائياً، ذلك أن بالقياس على الشخص الطبيعي فإن الأخير ليس من غاياته ارتكاب الجرائم، وعلى الرغم من ذلك لم ينكر أحداً عليه مسئوليته الجنائية عما يرتكبه من جرائم لكون ارتكابها يجاوز الغاية من حياته.

فضلاً عن أن التسليم بذلك من شأنه أن ينفي المسئولية المدنية للشخص المعنوي لأنه لم ينشأ من أجل ارتكاب الأخطاء سواء التعاقدية أو التقصيرية، وهو أمر لم يقل به أحد من الفق.

ولذلك فلا يوجد ما يحول دون مسائلة الشخص جنائياً إن حاد عن الهدف الذي أسس من أجله وارتكب فعلاً يُعد في نظر القانون جريمة جنائية.

3- ليس في مسائلة الشخص المعنوي جنائياً إخلال بشخصية العقوبة:

ذهب أنصار هذا الاتجاه إلى القول بأن مسائلة الشخص المعنوي جنائياً تؤدي إلى الإخلال بشخصية العقوبة هو قول ينطوي على خلط بين توقيع العقوبة والآثار المترتبة عليها، فالإخلال بمبدأ الشخصية مؤداه توقيع العقاب بصورة مباشرة على شخص آخر غير المرتكب للجريمة، وهذا لا يتحقق في شأن معاقبة الشخص المعنوي.

أما القول بأن العقاب ينال من مصالح أشخاص أخرين فهذا لا يعدو أن يكون أثراً من آثار العقوبة، والتي تتحقق سواء وقع العقاب على شخص معنوي أو شخص طبيعي.

وأجدر مثال على ذلك أنه لو تصورنا أن رب أسرة ارتكب جريمة ووقع عليه عقاب جنائي وتم حبسه فإن ذلك من شأنه أن يحرم أسرته من عائلها الوحيد، وفي هذه الحالة لا يمكن القول بأن العقوبة قد وقعت على أشخاص لم يقترفوا الجريمة، لأن ما نالهم من ضرراً لا يعدو أن يكون من الآثار المترتبة على عقاب عائلهم الوحيد.

4- تطويع العقوبات الجنائية لتتلاءم مع طبيعة الشخص المعنوي:

لا يصح التحدي بأن العقوبات الجنائية تتعارض مع طبيعة الشخص المعنوي، فالتشريع يستطيع دائماً أن يتطور ليواكب ما طرأ على المجتمع الذي يحكمه من تطورات وإلا أصبح التشريع جامداً عاجزاً عن حكم المجتمع.

لذلك فليس من العسير ابتداع عقوبات جديدة لتصبح متلائمة مع طبيعة الشخص المعنوي، ومن أجدر الأمثلة على ذلك إمكانية توقيع تدابير احترازية على الأشخاص المعنوية التي ترتكب جرائم جنائية، وهذه التدابير قد تتمثل في تجميد النشاط أو وقفه أو سحب الترخيص أو الغلق المطلق للشخص المعنوي، ناهيك عن إمكانية توقيع غرامات رادعة عما يرتكبه الشخص المعنوي من جرائم جنائية.

رابعاً: موقف المشرع الأردني من المسئولية الجزائية للشخص المعنوي:

1- تقرير المسئولية الجزائية للشخص المعنوي:

لقد أجاز القانون الأردني إيقاع العقاب على الشخص المعنوي غير الحكومي ، والعقاب يتمثل بالغرامة أو المصادرة أو وقف عمل الشخص المعنوي وفق ما سيتم تفصيله :

فقد تأثر المشرع الأردني بالنظام الأنجلوسكسوني وأقر بالمسئولية الجنائية للشخص المعنوي، وهذا ما يتضح من مطالعة المادة (74) من قانون العقوبات والتي نصت على أن (يعتبر الشخص المعنوي باستثناء الدائرة الحكومية أو المؤسسة الرسمية أو العامة مسؤولاً جزائياً عن أعمال رئيسه أو أي من أعضاء إدارته أو مديريه أو أي من ممثليه أو عماله عندما يأتون هذه الأعمال باسمه أو بإحدى وسائله بصفته شخصاً معنوياً، ولا يحكم على الأشخاص المعنويين إلا بالغرامة والمصادرة وإذا كان القانون ينص على عقوبة أصلية غير الغرامة استعيض بالغرامة عن العقوبة المذكورة وأنزلت بالأشخاص المعنويين في الحدود المعينة في المواد من (22) إلى (24) من هذا القانون).

وهذا ما تؤكده محكمة التمييز الأردنية

في حكمها رقم 178 لسنة 1985 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية الصادر بتاريخ 1985-08-09 والتي قضت فيه بأن: (المادة (74 /1) من قانون العقوبات قد أرست قاعدة بينت فيها أساس المسؤولية وهو أن من يقدم على الفعل عن وعي وإرادة يعاقب على فعله بالعقوبة المقررة في القانون، وأن البند الثاني منها قد اعتبر الهيئات المعنوية مسؤولة جزائيا عن أعمال مديرها وأعضاء إدارتها وممثليها عندما يأتون هذه الأعمال المعاقبة جزائيا باسمها أو بإحدى وسائلها بصفتها شخصا معنويا.

وقد قصد الشارع من ذلك وضع حد للجدل الفقهي الذي كان يدور حول ما إذا كانت للشخصية المعنوية إرادة كالإنسان أم لا وهل يسأل جزائيا غير الإنسان فأورد نصاً خاصاً على معاقبتها عند توافر عنصر المسؤولية على أساس أنها تتمتع بوجود قانوني وتمارس نشاطها بهذه الصفة وعليها أن تتحمل كافة الآثار القانونية التي تترتب على فعلها بما في ذلك إنزال العقوبة عليها وفق القواعد المقررة بالقانون.

بالإضافة إلى مسؤولية الشخص الذي اقترف الجرم وذلك لحماية مصلحة المجتمع، لأن مسؤولية الشخص الاعتباري الجزائية لا تعني نفي المسؤولية عن الناس الذين يقترفون الأفعال الجرمية باسمها ذلك لانهم يقترفون الجرم عن وعي وإرادة على الوجه المبين في البند الأول من هذه المادة، فإذا أقدم احدهم على الفعل المعاقب فيستحق العقاب بالإضافة لعقوبة الشخص المعنوي وقد، استقر اجتهاد محكمة التمييز بموجب القرار الصادر عن هيئتها العامة بان معاقبة الشركة بمقتضى المادة (74) لا يفيد عدم معاقبة الفاعل ولو ارتكبه باسم الشخص المعنوي).

فضلاً عن أن القانون الأردني قد قرر أنه يمكن أن يوقع على الشخص المعنوي تدابير احترازية إلى جانب العقوبات المقررة بموجب نص المادة السابقة، وهذا ما يتضح من مطالعة المادة (36) من قانون العقوبات الأردني والتي نصت على أن (يمكن وقف كل نقابة وكل شركة أو جمعية وكل هيئة اعتبارية ما خلا الإدارات العامة اذا اقترف مديروها أو أعضاء إدارتها أو ممثلوها أو عمالها باسمها أو بإحدى وسائلها جناية أو جنحة مقصودة يعاقب عليها بسنتي حبس على الأقل).

2- تقرير مسؤولية ممثلي الشخص المعنوي:

رسخت محكمة التمييز الأردنية مبدأ جوهري مؤداه أن تقرير عقاب الشخص المعنوي لا يحول دون معاقبة ممثلي الشخص المعنوي والذين أقدموا على ارتكاب الفعل المجرم باسم ولحساب الشخص المعنوي ، فضلاً عن أنهم قد قاموا بارتكاب هذا الفعل عن وعي وإرادة من جانبهم، مما يترتب عليه إثارة مسئوليتهم الجنائية.

وهذا ما تؤكد عليه محكمة التمييز الأردنية في حكم آخر لها قضت فيه بأن: (مديري الهيئات المعنوية وأعضاء إدارتها لا يعفون من المسؤولية الجزائية عندما يأتون أعمالا معاقبا عليها باسم الهيئات المذكورة أو بإحدى وسائلها وإنما يعتبرون مسؤولين كفاعلين مستقلين ما داموا قد اقدموا على الفعل عن وعي وإرادة، بالإضافة إلى مسؤولية الشركة التي يمثلونها أيضا لان المشرع لم يقصد عندما نص على معاقبة الهيئة المعنوية وإخراج الفاعلين الأصليين من المسؤولية). ” الحكم رقم 31 لسنة 1961 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية الصادر بتاريخ 1961-07-10″.

3- عدم اعتراف المشرع الأردني بالمسئولية الجزائية لأشخاص القانون العام:

أسوة بغالبية التشريعات العربية، فلقد ذهب المشرع الأردني إلى استثناء أشخاص القانون العام من إمكانية توقيع العقوبات الجزائية عليهم، فلقد بينت المادة (74/2) سالفة البيان أن المشرع قد استثنى الدوائر الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة الرسمة من إمكانية إثارة مسئوليتهم الجزائية.

وهذا الاستثناء يُعد أمر منطقي، فسيادة الدولة التي تعتبر تجسيداً لإرادة الأمة تستعصي على توقيع الجزاءات الجنائية عليها، ناهيك عن أن الدولة تحتكر سلطة العقاب فمن غير المتصور أن تُعاقب الدولة نفسها، فضلاً عن عدم جدوى العقاب الذي سيؤثر بالسلب على المجتمع إذا ما تم تجميد نشاط الشخص المعنوي العام الذي يهدف بحسب الأصل إلى تحقيق المصالح العامة، وكذلك فإن توقيع عقوبات بالغرامة عليه سيكون أمراً عبثي، لأن الغرامة ستخرج من خزانة الدولة لتعود إليها مجدداً.

وهذا على عكس ما انتهجه المشرع الفرنسي الذي قرر المسئولية الجنائية على جميع أشخاص القانون العام ولم يستثني سوى الدولة فقط[3].

خامساً: موقف المشرع المصري من المسئولية الجزائية للشخص المعنوي:

1- القاعدة العامة:

لم يرد في القانون المصري نصاً يفيد معاقبة الشخص المعنوي جنائياً، لذلك كانت القاعدة العامة هي أن الذي يسأل عن الجريمة هو الشخص الطبيعي وليس الشخص المعنوي، حتى ولو كان يعمل باسم الشخص المعنوي ولحسابه.

ومن ثم فلا يجوز أن ترفع الدعوى الجنائية على الشخص المعنوي لانتفاء مسئوليته الجنائية عن أفعال ممثليه، إلا أن الشخص المعنوي قد يناله جانب من الجزاء الغير مباشر والمتمثل في توقيع تدابير احترازية لا يتصور تنفيذها إلا على الشخص المعنوي ذاته في حالة ثبوت ارتكاب ممثليه جرائم، وتتمثل هذه التدابير في الحكم بإغلاق المحل أو الشركة التي ارتكب ممثلها الفعل المجرم.

وتلك القاعدة العامة تكرسها محكمة النقض المصرية في حكمها رقم ٧٧٠٥ لسنة ٦٧ قضائية الصادر بجلسة ٢٠٠٦/١٠/٠٨ والتي قضت فيه بأن: (الأصل أن الأشخاص الاعتبارية لا تسأل جنائياً عما يقع من ممثليها من جرائم أثناء قيامهم بأعمالها على أن يسأل مرتكب الجريمة منهم شخصياً).

2- الاستثناءات:

أ- المسئولية الغير المباشرة:

وعلى صعيد آخر فقد قرر المشرع المصري أن الشخص المعنوي يكون ضامناً للوفاء بالغرامات المالية التي يحكم بها على ممثليه إذا ارتكبوا جرائم تتعلق بممارسة نشاط خاص بالشخص المعنوي، إلا أن ذلك لا يُعد تقرير لمسئولية الشخص المعنوي وإنما يكون الغرض من هذا الضمان مواجهة الحالات التي يحكم فيها بغرامات باهظة تعجز الدولة عن تحصيلها من مديري الشخص المعنوي لعدم ملائتهم المالية.

وفي هذا الصدد تنص المادة (68) من القانون رقم 95 لسنة 92 بإصدار قانون رأس المال المعدل بالقانون 123 لسنة 2008، على أن: (يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، وتكون أموال الشركة ضامنة في جميع الأحوال للوفاء بما يحكم به من غرامات مالية).

ب- المسئولية المباشرة:

كان المشرع المصري ينص في المادة (104) من القانون رقم 26 لسنة 1954 في شأن بعض الأحكام الخاصة بشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة على أن: (مع عدم الإخلال بالعقوبات الأشد المنصوص عليها في القوانين الأخرى يعاقب بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه، كل شركة تخالف الأحكام المقررة في شأن نسبة المصريين في مجالس إدارتها أو نسبتهم من المستخدمين أو العمال وكل عضو منتدب للإدارة أو مدير فيها).

ومن ثم يتضح أن المشرع المصري كان يقرر مسئولية الشركة بصورة مستقلة عن مسئولية العضو المنتدب أو المدير الخاص بها.

إلا أن القانون رقم 159 الصادر سنة 1981 والذي ألغى القانون سالف البيان لم يأت بنص يشير إلى إمكانية مسائلة الشخص المعنوي جنائياً، مما يعني أن المشرع قد ألغى نص المادة (104) السابق بيانها وهذا لا يعني سوى أن المشرع المصري قد عدل عن موقفه وعاد إلى القاعدة العامة في عدم مسائلة الشخص المعنوي جنائياً.

وعلى الرغم من ذلك إلا أن المشرع قد قرر – ولأول مرة – مسئولية الشخص المعنوي عن جرائم الغش التجاري التي تقع باسمه ولحسابه بواسطة أحد أجهزته أو ممثليه أو العاملين فيه، حيث نصت المادة (6) مكرر من القانون رقم 48 لسنة 1954 بشأن قمع التدليس والغش والمضافة بالقانون رقم 386 لسنة 1994 على أن: ( دون إخلال بمسئولية الشخص الطبيعي المنصوص عليها في هذا القانون:

يسأل الشخص المعنوي جنائياً عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون إذا وقعت لحسابه أو باسمه بواسطة أحد أجهزته أو ممثليه أو أحد العاملين به، ويحكم على الشخص المعنوي بغرامة تعادل مثل الغرامة المعاقب بها عن الجريمة التي وقعت، ويجوز للمحكمة أن تقضى بوقف نشاط الشخص المعنوي المتعلق بالجريمة لمدة لا تزيد على سنة، وفى حالة العود يجوز الحكم بوقف النشاط لمدة لا تزيد على خمس سنوات أو بإلغاء الترخيص في مزاولة النشاط نهائيا).

سادسًا: المسئولية المدنية للشخص المعنوي

من المسلم به فقهاً أن الشخص المعنوي قد تثار مسئوليته المدنية عما يكون قد ارتكبه من أخطاء سواء كانت عقدية أم تقصيرية، حيث أن إخلال الشخص المعنوي ببنود التعاقد المبرم بينه وبين الغير يؤدي إلى إثارة مسئوليته التعاقدية والحكم عليه بالتعويض.

أما إذا أرتكب الشخص المعنوي خطأ تقصيري وترتب عليه إلحاق ضرر بالغير فإن ذلك يعد سبباً كافياً لأن يحكم عليه بالتعويض، وذلك كأن يستخدم الشخص المعنوي اسم تجاري مطابق لأسم آخر دون الحصول على إذن من صاحب الاسم التجاري.

وجديراً بالذكر أن الشخص المعنوي هو الذي يكون ملزماً بدفع التعويض دون أن يمتد الالتزام إلى ممثلي الشخص المعنوي، وذلك نظراً لتمتع الشخص المعنوي بذمة مالية مستقلة عن ذمة الأشخاص المكونين للشخص المعنوي، فضلاً عما يتمتع به الشخص المعنوي من إرادة ذاتيه من شأنها أن تنسب الخطأ المرتكب إلى الشخص المعنوي ذاته وليس إلى ممثلي الشخص المعنوي.

إلا أن إثارة مسئولية الشخص المعنوي بالصورة السابقة منوطة بأن يكون الخطأ قد تم باسم الشخص المعنوي ولحسابه، أما إذا كان مرتكب الخطأ هو أحد العاملين لدى الشخص المعنوي، وكان ارتكاب الخطأ أثناء أو بمناسبة العمل لدى الشخص المعنوي فإن مسئولية الأخير المدنية تثور استنادا إلى مسئولية المتبوع عن فعل التابع.

وفي نطاق المسئولية المدنية للأشخاص المعنوية لا يوجد ثمة اختلاف بينها وبين المسئولية المدنية للأشخاص الطبيعية، حيث أن إمكانية مسائلة الشخص المعنوي مدنيا هى من الأمور المسلم بها فقهاً والتي لم ينشأ بصددها ثمة خلاف، وذلك على عكس ما هو عليه الحال بالنسبة للمسئولية الجنائية للشخص المعنوي.

ومن الاجتهادات القديمة لمحكمة التمييز الأردنية

89/1982 قرار محكمة التمييز بصفتها الحقوقية

1- اذا كانت الشكوى مقدمة ضد الشركة المشتكى عليها بتهمة اصدارها شيكين بدون رصيد ولم تكن مقدمة ضد موقعي الشيكين كما أنه لم يصدر قرار بدعوتهما في القضية ولم تصدر المحكمة حكما بحقهما بأي وجه من الوجوه ، فلا يقبل تمييز النيابة للحكم الصادر في هذه الشكوى نفعا للقانون بطلب الحكم على موقعي الشيكين شخصيا ، والقول بخلاف ذلك من شأنه أن يؤدي الى نتيجة غير مقبولة لانه في حاله قبول التمييز ونقض الحكم بحقهما فان هذا النقض لا يكون له أي أثر ما دام انه صدر في غير صالحهما ف ي حين أنه في حالة رد التمييز يكون من حق النيابة ملاحقتهما بالتهمتين لمعاقبتهما عليهما.
2- ان الغرامة الواجب فرضها على الشركة المشتكى عليها بتهمة اصدار شيك بدون رصيد ، تطبيقا لنص المادة (74) من قانون العقوبات هي الغرامة بموجب المادة (421) من قانون العقوبات وقدرها خمسون دينارا والغرامة التي يستعاض بها عن مدة الحبس  البالغة سنة وذلك ضمن الحد المعين في المادة (22) الباحثة عن الغرامة الجنحوية.
3- لا يجوز استعمال الاسباب المخففة التقديرية قبل تحديد مقدار العقوبة الاصلية.

38/1973  قرار محكمة التمييز بصفتها الحقوقية

1- ان الفقرة الثانية من المادة (74) من قانون العقوبات لسنة 1960 قد نصت على أن الهيئات المعنوية هي المسؤولة عن أعمالمديريها وممثليها عندما يأتون هذه الاعمال باسمها أو باحدى وسائلها بصفتها شخصا معنويا وهذه هي القاعدة العامة المقررةبشأن الجرائم التي ترتكب باسم الهيئات المعنوية ، ولم يستثن القانون من هذه القاعدة الا جريمة الغش اضرارابالدائنين المنصوص عليها في المادة (441) من نفس القانون حيث أوجبت المادة (442) منه معاقبه الشخص المعنوي ومعاقبة الاشخاص المسؤولين فيه الذين يساهمون في الفعل أو يتيحون ارتكابه عن قصد منهم. فاذا أصدر المشتكى عليه شيكا باسم الشركة التي
يمثلها – وليس بصفته الشخصية – فانه لا يجوز معاقبته على هذا الفعل بل تكون الشركة ذاتها هي المسؤولة بمقتضى المادة (74) المشار اليها ، ولوكان القانون يريد اعتبار الشخص الذي يصدر الشيك في مثل هذه الحالة مسؤولاعن فعله مسؤولية شخصية لكان أورد نصا استئنائيا على ذلك كما فعل في جريمة الغش اضرارا بالدائنين.
2- حيث أن مراد الشارع من العقاب على اعطاء شيك بسوء نية لا يقابله رصيد قائم ، هو حماية هذه الورقة التجارية في التداول بين الجمهور وحماية قبولها في المعاملات على أساس أنها تجري فيها مجرى النقود ، فلا يعفي مصدر الشيك من المسؤولية قوله أنه أراد من تحريره أن يكون تأمينا لدائنه وأنه أعلمه أن لا رصيد له

69/1973 قرار محكمة التمييز بصفتها الحقوقية

1- ان النقض بأمر خطي الذي يقدم بمقتضى الماده (291) من قانون أصول المحاكمات الجزائية تحكمه القواعد التالية:
أ – أنه طريق استثنائي لا يجوز الالتجاء اليه الا اذا سدت أبواب الطعن العادية ، كما لا يجوز التوسع في تفسيره.

ب – أنه يقصد به المحافظة على حكم القانون وسلامة تأويله وتفسيره فلا يجوز أن يمس الحقوق المكتسبة للمتهم.
وينبني على هاتين القاعدتين أنه في حالة كون النقض في مصلحة المحكوم عليه يتوجب على المحكمة التي أصدرت الحكم المنقوض أن تتبع النقض ويمتنع عليها الاصرار على حكمها ، والقول بخلاف ذلك معناه أن المحكوم عليه لا يستفيد من النقض الذي يأتي في صالحه وهذا يتنافى مع القاعدة المقررة في المادة (291) المشاراليها. اما نص المادة (289) من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تجيز لمحكمة الاستئناف عدم اتباع النقض والاصرار على حكمها المنقوض فان ذلك انما ينطبق على النقض الذي يقع بناء على تمييز عادي مقدم ضمن الميعاد وليس على النقض بناء على أمر خطي بموجب المادة (291).
2- يتضح من نص المادة (74) من قانون العقوبات أن واضع القانون قد قضى بمعاقبة كل من أقدم على ارتكاب أي جرم كما أوجب معاقبة الشخص المعنوي اذا كان الفعل قد ارتكب باسمه أو باحدى وسائله بصفته شخصا معنويا. وعليه فان ما ورد في الفقرة الثانية من المادة (74) المشار اليها التي تنص على”الهيئات المعنوية مسؤولة جزائيا عن أعمال مديرها وأعضاء ادارتها وممثليها وعمالها عندما يأتون هذه الاعمال باسم الهيئات المذكورة أو باحدى وسائلها بصفتها شخصا معنويا” لا يفيد عدم معاقبة الفاعل الذي أوقع الجرم ولو أنه أوقعه باسم الشخص المعنوي أو باحدى وسائله ، وانما أضاف حكما جديدا بمقتضى هذه الفقرة عندما نص على معاقبة الشخص المعنوي.

[1] الدكتور/ فتوح عبد الله الشاذلي – شرح قانون العقوبات القسم العام – دار المطبوعات الجامعية – 2018 – ص 32.

[2] الأستاذ الدكتور/ محمود نجيب حسني – قانون العقوبات القسم العام – ص518.

[3] أنظر الدكتورة/ رنا إبراهيم سليمان العطور – المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي – مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية – 2006 -354.

الرئيسية
إختصاصات
مقالات
واتساب
إتصال
error: المحتوى محمي !!