السوابق القضائية بشكل عام هي القرارات التي تصدرها المحاكم عند الفصل فيما يعرض عليها من قضايا . ويقصد بها المبادئ القانونية المستخلصة من استقرار المحاكم على اتباع قواعد معينة والحكم بمقتضاها في قراراتها ، وخاصة في الأمور التي لا توجد فيها نصوص قانونية قاطعة وإنما تكون محل خلاف لحكم القانون لها ، فتفصل المحكمة بها وتضع مبدأ قانوني لها تسير عليه . أي أنه عند عرض نزاع على القاضي ولا يكون له حل في النصوص القانونية، أو يكون هناك نصوص قانونية لكنه يوجد خلاف على تفسيرها وتطبيقها على النزاع المعروض، فتتبع المحكمة قواعد معينة لتصدر فيها قراراتها ومن هذه القرارات ينشئ مبدأ تسير عليه المحاكم وهو مبدأ السوابق القضائية.
ما هي المصادر التفسيرية للقانون؟
المصادر التفسيرية للقانون هي التي تساعد على توضيح غموض القاعدة القانونية ، والتي يسترشد بها القاضي للتعرف على حقيقة القواعد القانونية المستمدة من المصادر الرسمية ، فتقوم المحاكم بتطبيق القاعدة القانونية ويتولى الفقه شرحها والتعليق عليها ، فتعليقات الفقهاء وقرارات المحاكم التي تستند على القاعدة القانونية تنشئ المصادر التفسيرية للقانون وهي (القضاء والفقه ) فيمثل القضاء الجانب العملي للقانون والفقه الجانب النظري منه.
ما مدى إلزامية المصادر التفسيرية للقانون؟
ذكرنا أن المصادر التفسيرية يسترشد بها القاضي عند تطبيقه للقانون على النزاع المعروض عليه إذا كانت القاعدة القانونية المراد تطبيقها بحاجة إلى تفسير لتوضيح مضمونها واستخلاص الحكم منها لحل النزاع ، ولهذا فإن المصادر التفسيرية لا تكسب القاعدة القانونية صفة الإلزام عكس المصادر الرسمية مثل التشريع ، أي ليس للفقه والقضاء أي صفة رسمية لفرض قاعدة قانونية في النظام القانوني الأردني .
ما هي منزلة السوابق القضائية كمصدر للقانون؟
في الأردن ينشأ القانون من التشريع المكتوب لا من السابقة القضائية ، ومهمة القضاء تنحصر في تطبيق القانون طبقا لمبدأ الفصل بين السلطات ، فلا تعد السوابق القضائية مصدرا رسميا للقانون.
وما هي حجية السوابق القضائية؟
السابقة القضائية غير ملزمة للمحكمة التي أصدرتها أو للمحاكم الأخرى ، فلا يجوز للمحكمة أن تصدر حكما تلتزم بتطبيقه في المستقبل في المنازعات المماثلة وتقيد به غيرها من المحاكم ، بل يعتبر القضاء مصدر تفسيري يسترشد ويستأنس به القاضي عند تطبيقه للقواعد القانونية المستخلصة من المصادر الرسمية دون أن تكون له قوة إلزام، وخاصة في حالة عدم وجود نص تشريعي.
ما موقف المشرع الأردني من السوابق القضائية؟
إذا كان بعض المتقاضين يستشهدون أحيانا ببعض الأحكام القضائية السابقة في موضوعات مماثلة ، فإنهم يفعلون ذلك لإقناع القاضي وليس لإلزامه ، وهذا ما أكدت عليه المادة الثانية من القانون المدني التي حددت المصادر الرسمية والاحتياطية للقانون في الفقرة الأولى والثانية والثالثة منها وجاء في الفقرة الرابعة” ويسترشد في ذلك كله بما أقره القضاء والفقه على ألا يتعارض مع ما ذكر.
وتوضيحا للمادة السابقة فأنه يتوجب على القاضي الرجوع للمصادر الرسمية للقانون وهو التشريع وإذا لم يوجد فيها ما ينطبق على موضوع النزاع المعروض عليه يلجأ إلى المصادر الاحتياطية للقانون والتي هي أحكام الفقه الإسلامي ومبادئ الشريعة الإسلامية والعرف وقواعد العدالة ومن ثم إلى المصادر التفسيرية التي هي القضاء والفقه ويسترشد بها للاستئناس بها فقط دون أنه تكون ملزمه له. ودون أن يكون الحكم الذي توصل إليه القاضي لحسم النزاع المعروض عليه ملزمه له ولا لغيره من المحاكم التي في نفس الدرجة أو في درجة أدنى في قضايا مماثلة ، فالسوابق القضائية وضعها المشرع لتسهل على القاضي استخلاص الأحكام والاسترشاد بها.
ما هو شرط تقديم السوابق القضائية للقاضي للاسترشاد بها؟
يجب أن تكون السوابق القضائية موافقه لنصوص القانون وألا تتعارض مع المصادر الرسمية والاحتياطية للقانون.
ما حجية السابقة القضائية إذا استقرت محكمة التمييز عليها وثبتت؟
كما ذكرنا أن السابقة القضائية غير ملزمه فحتى أنه من الناحية العلمية قد يحصل أن تأخذ المحاكم بما استقرت عليه أحكام محكمة التمييز فلا يكون لها صفة إلزامية من الناحية القانونية ، لأن محكمة التمييز كثيرا ما تعدل عن قضائها بعدما تستقر عليه زمنا طويلا، وأن محاكم الاستئناف والبداية غير ملزمة بقرارات محكمة التمييز فيما يعرض عليها من قضايا مشابهة ، ولا يلزم قضاء محكمة التمييز غيرها من المحاكم.
فإذا نقضت محكمة التمييز الحكم المميز وأعيد إلى المحكمة التي أصدرته وأعادت المحكمة نظر الدعوى وأصرت على حكمها السابق لنفس الأسباب التي استندت إليها في الحكم المنقوض، وقام أحد الطرفين بتمييز حكم الإصرار، يجوز لمحكمة التمييز أن تدقق فيه مرة ثانية وتصدر قرارها إما بتأييد الحكم أو نقضه، فإذا قررت نقضه للأسباب التي أوجبت النقض الأول تعيد الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم فيها وعندها يجب عليها أن تلتزم وتمتثل لهذا القرار. إلا أن هذا الامتثال لقرار محكمة التمييز لا يعني الأخذ بالسابقة القضائية في القانون الأردني ، خاصة أن لمحكمة التمييز حق العدول عن المبادئ التي بنت عليها قراراتها السابقة . فإذا رأت أن إحدى هيئاتها تخالف مبادئ مقررة في أحكامها السابقة ، تحيل الدعوى في هذه الحالة إلى الهيئة العامة ، هذا أكدت عليه المواد من (٢٠٠) إلى (٢٠٥) من قانون أصول المحاكمات المدنية .
ما هو موقف الإسلام من السوابق القضائية؟
في الإسلام كان نصيب الفقيه أوفر من نصيب القضاء في تكوين الأحكام الشرعية رغم أن القاضي كان له حق الاجتهاد ، إلا أن التسليم بحق القاضي في الاجتهاد لم يقر به مبدأ الإلزام بالسابقة القضائية، ويؤكد الأمر الذي كتبه الخليفة عمر بن الخطاب إلى قاضي الكوفة أبي موسى الأشعري وجاء فيه” ولا يمنعك قضاء قضيت فيه يوم فراجعت فيه رأيك وهديت فيه لرشدك ، أن تراجع فيه الحق ، فإن الحق قديم لا يبطله شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل..”.
——————————————————————————————