في ظل عصر التطور الذي نحيا فيه في الوقت الحالي لم تعد الحروب قائمة على الجيوش والأسلحة والمعدات الحربية فقط، ولكن أصبح هناك أدوات أخطر يمكن من خلالها أن يتم هدم مجتمعات ودول وتقويض أركانها دون إعلان الحرب عليها، كما يمكن باستخدامها تهديد أمن واستقرار دول دون أن يظهر مستخدم تلك الأدوات على الساحة ودون أن تنكشف هويته، وتتمثل أخطر هذه الأدوات في الشائعات.
وتعد حرب الشائعات من أحد أخطر الحروب التي يمكن أن تواجه أي دولة، حيث تستهدف أسس الدولة من داخلها فيكون تأثيرها أقوى من الحروب التي تستهدف الدولة من الخارج، فما هو موقف المشرع الأردني من الشائعات؟ وما هي التدابير التي أعدها لمواجهة مخاطر هذا النوع من الأسلحة التي تمثل خطراً داهماً على أمن المملكة؟ وسوف يكون هذا المقال مخصصاً للإجابة على تلك التساؤلات وغيرها من التساؤلات الأخرى التي تتعلق بهذا الموضوع.
أولاً: التعريف بالشائعات
ثانياً: الخصائص التي تتسم بها الشائعات
ثالثاً: الأساس القانوني لتجريم الشائعات
رابعاً: أركان جريمة نشر وترويج الشائعات
خامساً: المواجهة القانونية للشائعات
سادساً: طرق الوقاية من مخاطر الشائعات
سادبعاً: نماذج من أحكام محكمة التمييز الأردنية ذات العلاقة
ثامناً: الخاتمة
أولاً: التعريف بالشائعات
تعتبر الشائعات إحدى أهم الأدوات التي يتم اللجوء إليها لشن الحروب النفسية، وتكمن خطورة الشائعات في قدرتها على الانتشار بشكل سريع، علاوة على أن من يقوم بنشرها لا يكون على بينة من كونها شائعة، بل يظن أنها تمثل الحقيقة والواقع الفعلي، مما يمنحها المصداقية التي تساعد على تسارع انتشارها واتساع الدائرة التي تنتشر فيها.
وقد بذل الفقه القانوني جهوداً لا يمكن إنكارها في سبيل وضع تعريف للشائعة، وأفرزت تلك الجهود العديد من التعاريف المختلفة التي استهدفت تحديد مفهوم الشائعة، ونظراً لتعدد وكثرة تلك التعاريف فسوف نكتفي بذكر أهمها وأبرزها على النحو الآتي بيانه:
- عرف البعض الشائعة بأنها الترويج الذي يتم لخبر مختلف لا يمت للصحة أو الواقع بثمة صلة، أو التضخيم والتهويل بشكل متعمد لمسألة لا تتضمن سوى قدر شديد الضآلة من الحقيقة، أو إدخال معلومات مكذوبة ومضللة على خبر معظمه صحيح، او تفسير خبر صحيح على خلاف حقيقته لإظهاره في شكل مشوه، وذلك جميعه بغرض إحداث تأثير نفسي سلبي على الرأي العام في مجتمع محدد[1].
- كما عرف البعض الآخر الشائعة بأنها بمثابة عبارة أو خبر يقبل الانتقال والتصديق ما بين أفراد مجتمع ما عبر تناقله بشكل لفظي، وذلك دون الالتزام بأي معيار من معايير المصداقية في هذا النقل، فهي في جوهرها قصة غير متحقق من مدى صحتها وصدقها وتنتشر بشكل سريع بين أفراد المجتمع[2].
- وعرفت أيضاً بأنها قضية أو عبارة موضوعية نوعية يتم طرحها للتصديق، ويتم تداولها بين مجموعة من الأفراد بشكل شفهي دون أن يكون لها أدلة على صحتها وصدقها، وتتضمن كل شائعة جانب بسيط من الحقيقة[3].
ومن نماذج التعاريف المذكورة للشائعات يمكننا أن نتبين أنه لم يتم الاتفاق على تعريف موحد لها، ويرجع ذلك إلى اختلاف وجهات النظر في تعريفها، إلا انها في مجملها تتفق حول أن الشائعة قد تكون في مجملها كاذبة وغير حقيقية أو تكون حقيقية في جانب منها ولكن يتم إدخال الكذب عليها، ويتم إساءة استخدامها بنشرها لتحقيق أهداف غير مشروعة وضارة بالمجتمع أو أفراده، مع عدم التحقق من صحتها وصدقها.
ثانياً: الخصائص التي تتسم بها الشائعات
تتسم الشائعات بمجموعة من الخصائص التي تميزها، بل وتعد تلك الخصائص هي النقاط الفاصلة بين الشائعة والخبر او غيرها من الأمور التي قد تتشابه معها، ومن أهم وأبرز تلك الخصائص نذكر ما يلي:
- سرعة الانتشار: حيث تتسم الشائعات بسرعة انتشارها بين الأفراد المستهدفين منها، وقد أصبح نشر الشائعات أمراً أكثر سهولة ويسر خاصة بعد ظهور شبكة الإنترنت ووسائل الاتصال والتواصل الحديثة، حيث يمكن نشر الشائعة عبر تلك الوسائل بضغطة زر واحدة، فتغطي مساحات وأعداد من الأفراد تتجاوز بعشرات المرات ما كانت تغطيه الشائعة الشفهية التقليدية.
- يكون مضمونها متغير: تكون الشائعات – وخاصة التي يتم تناقلها شفهياً – ذات مضمون متغير، ويرجع ذلك إلى أنها تنتقل من شخص إلى آخر فيقوم ناقلها في كل مرة بتضخيمها والتهويل منها والإضافة عليها، مما يجعلها تتخذ في كل مرة تنتقل فيها صورة تختلف عن صورتها السابقة والتي تليها، وهي تختلف في ذلك عن الشائعات المكتوبة التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي فغالباً ما تنتقل بذات المضمون دون تغيير.
- يتناسب مضمونها مع طبيعة المجتمع: ولعل تلك الخاصية هي أحد عوامل الانتشار السريع للشائعة، حيث أن مضمونه يتعلق بمشكلة أو ظاهرة أو قضية تهم أفراد المجتمع، وبالتالي يتم تناقلها بشكل سريع وموسع مما يساعد على سرعة انتشارها واتساع دائرة هذا الانتشار، بجانب ارتفاع معدلات تأثيرها على توجيه الأفراد في المجتمع[4].
- صعوبة معرفة مصدرها: حيث يصعب تتبع الشائعة ومعرفة المصدر الذي أصدرها وبدأ انتشارها من عنده، لاسيما إذا كانت شائعة شفهية تتناقل بين الأفراد بشكل شفهي، فلا يمكن معرفة أول شخص خرجت منه تلك الشائعة.
ثالثاً: التكييف القانوني لتجريم الشائعات
قد يرى البعض أن الشائعات في حد ذاتها لا تشكل جريمة تستحق معاقبة من يصدرها أو يروجها، وذلك يرجع إلى عدم وضوح السلوك الإجرامي والنتيجة الإجرامية لهذه الجريمة في نظرهم، إلا أنه متى تعمقنا في شأن تجريم الشائعات سنجد أن الشائعة تتمتع بطبيعة جنائية ذاتية، حيث تجد أساس هذا التجريم في كونها من جهة جريمة الجرائم التعبيرية، ومن جهة أخرى تمثل جريمة من الجرائم التي امس بأمن الدولة.
1- التكييف الأول: الشائعات جرائم تعبيرية
تعتبر الشائعات من جرائم التعبير باعتبارها جريمة تعتمد في تحققها على الاستخدام غير المشروع للتعبير، فالجاني من مروجي الشائعات يستخدم التعبير اللفظي أو الكتابي بصورة عمدية لتحقيق غرض غير مشروع سواء كان هذا الغرض موجه لفرد من أفراد المجتمع أو للمجتمع ككل متمثلاً في الدولة.
فالأداة الأساسية في ارتكاب جرائم الشائعات هو التعبير، وذلك باستخدامه للألفاظ والعبارات التي تؤدي في مجملها إلى قوام الشائعة التي يرغب في ترويجها، فيقوم بهذا التعبير بشكل من أشكال العلنية التي يمكن أن تتخذ شكل صياح، أو كتابة، أو رسم، أو غيرها من طرق التعبير الأخرى[5].
وبغض النظر عن طريقة التعبير التي يستخدمها الجاني في جرائم الشائعات فإن تلك الطريقة يجب أن تكون واضحة في الدلالة على مضمون التعبير الذي يقصده، فلا يشوبها غموض ولا لبس، بحيث تكون الطريقة ذات دلالة واضحة ومعروفة لدى الأشخاص الموجه إليهم التعبير المشكل للشائعة.
وهذا التكييف يتوافق مع جوهر جرائم الشائعات باعتبار أن الشائعة ما هي إلا خير كاذب أو خبر صحيح يساء استخدامه، وفي كل الأحوال فإن الخبر في حقيقته هو تعبير لفظي أو كتابي عن واقعة ما سواء كانت صادقة أو كاذبة.
2- التكييف الثاني: الشائعات جرائم تمس بأمن الدولة
لا تقتصر الشائعة على استهداف الأفراد فقط، بل هي في كثير من الأحيان تستخدم لزعزعة استقرار المجتمع وتهديد أمنه، وإدخال الدولة في حالة من الفوضى الداخلية التي تهدد بقائها، وذلك من خلال استخدامها كأداة في الحرب النفسية التي يراد شنها على دولة ما من قبل جهة معادية لها، فتثير الشائعة الرأي العام في تلك الدولة ضد السلطة الحاكمة أو تحدث فتنة بين أفراد المجتمع الواحد، أو غيرها من الأهداف التي تصب في مجملها في هدف واخد وهو تهديد أمن وسلامة الدولة.
ولا تقتصر الشائعة في استهدافها على أمن الدولة الداخلي فقط، بل قد تستهدف الشائعة الأمن الخارجي لها أيضاً، حيث تنصب الشائعة في تلك الحالة على العلاقات الخارجية للدولة، وهو أمر لم يعد عسيراً بعد أن أصبح هناك ما يعرف بالمجتمع الدولي والذي يحتوي على علاقات متعددة ومتشابكة بين الدول وأشخاص القانون الدولي العام بعضها البعض، فأصبح المجتمع الدولي يشابه المجتمع الداخلي للدولة من حيث إمكانية تاثير الشائعة في العلاقات التي تنشأ في كل منهما.
رابعاً: أركان جريمة نشر وترويج الشائعات
باعتبار أن الشائعات تعد فعلاً يجرمه القانون فإنها في جوهرها تمثل جريمة، مما يستلزم ان يكون لها أركان تقوم عليها مثلها في ذلك مثل سائر الجرائم الأخرى، لذا فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا يتمثل في ماهية أركان جرائم الشائعات؟
بالرجوع إلى القوانين الأردنية لم يتبين لنا وجود نص قانوني يوضح أركان جرائم الشائعات، إلا أن محكمة التمييز الأردنية قد أرست مبدأ هام في أحد أحكامها قوامه أن جرائم الشائعات تتشكل من ركنين رئيسيين وهما الركن المادي والركن المعنوي[6].
1- الركن المادي لجرائم الشائعات
الركن المادي للجريمة يقصد به النشاط أو السلوك المادي الملموس – سواء كان سلبي أو إيجابي – والذي يقوم به الشخص ويترتب عليه المظهر الخارجي للجريمة والمتمثل في المساس بحق من الحقوق التي يحميها القانون، والركن المادي للجريمة بوجه عام ولجرائم الشائعات بوجه خاص يتشكل من ثلاث عناصر رئيسية وهي السلوك الإجرامي، والنتيجة الإجرامية، وعلاقة السببية.
أ- عنصر السلوك الإجرامي
يقصد بالسلوك الإجرامي النشاط الذي يقوم به الجاني بصورة إرادية ويكون له مظهر مادي بغض النظر عن كون هذا النشاط هو نشاط إيجابي كالقيام بفعل أو نشاط سلبي كالامتناع عن فعل واجب، ويمثل هذا النشاط الواقعة التي يجرمها القانون، فالسلوك الإجرامي هو اساس الجريمة وجوهرها الحقيقي.
وبإنزال مفهوم السلوك الإجرامي على جرائم الشائعات سنجد أن هذا السلوك دائماً ما يكون إيجابياً في تلك الجرائم، حيث أنه يتمثل في استخدام الجاني لأعضاء جسده لإطلاق وترويج الشائعة، حيث يمكن أن يلجأ في ذلك لاستخدام لسانه في حالة الشائعات اللفظية، كما قد يستخدم يده لكتابة الشائعة في حالة الشائعات المكتوبة أو المرسومة، وغيرها من الصور التي يستخدم فيها الجاني جزءاً من جسده بشكل إرادي لإطلاق الشائعة التي يرغب في ترويجها.
ب- عنصر النتيجة الإجرامية
يطلق مسمى النتيجة الإجرامية على الأثر الذي يتحقق بسبب ارتكاب السلوك الإجرامي، وبمعنى آخر فالنتيجة الإجرامية هي التغيير الذي يترتب على السلوك الإجرامي ويصيب المحيط الخارجي لمرتكبه، ومثال على ذلك النتيجة الإجرامية لجريمة القتل والمتمثلة في وفاة المجني عليه، فالسلوك الإجرامي هنا هو فعل القتل والنتيجة الإجرامية هي الوفاة.
وبالنسبة لجرائم الشائعات فإن النتيجة الإجرامية لها تتمثل في تحقيق الشائعة لهدفها الذي تم إطلاقها من أجله، والذي يختلف من شائعة إلى أخرى، فهناك شائعات فردية تستهدف إحداث الأثر الغير مشروع على شخص كإطلاق شائعات على شخص بغية الإساءة لسمعته، وهناك شائعات تطلق لاستهداف أمن المجتمع بأسره، كما هو الحال في الشائعات التي تطلق كذباً عن وجود أزمة في سلع أساسية للمواطن خلافاً للحقيقة، وبمجرد انتشار الشائعة وإحداث الأثر المستهدف منها تكون النتيجة الإجرامية لها قد تحققت.
ج- عنصر علاقة السببية
يمثل عنصر علاقة السببية الرابط الذي يربط بين عنصري السلوك الإجرامي والنتيجة الإجرامية التي تترتب عليه، بحيث تكون النتيجة الإجرامية ما كانت لتتحقق بدون ارتكاب هذا السلوك الإجرامي[7]، فإذا كان تحقق النتيجة الإجرامية لسبب آخر خلاف السلوك الإجرامي الذي ارتكبه الجاني فلا يتحقق الركن المادي للجريمة لانقطاع الصلة بين السلوك الغجرامي والنتيجة الإجرامية المتحققة.
وفي جرائم الشائعات لا يكفي ارتكاب الجاني للسلوك الإجرامي بإطلاق الشائعة وتحقق النتيجة الإجرامية المستهدفة منها، بل يجب أيضاً أن تتحقق رابطة السببية بينهما بأن تكون الشائعة التي أطلقها الجاني هي السبب في تحقق تلك النتيجة.
2- الركن المعنوي لجرائم الشائعات
الركن المعنوي لأي جريمة يشار به إلى الرابط النفسي الذي يربط الركن المادي للجريمة بالجاني الذي ارتكبها، فهو يمثل الإرادة الإجرامية التي تتحكم في العناصر المادية للجريمة وتوجدها على أرض الواقع[8]، ويسمى الركن المعنوي للجريمة بالقصد الجنائي لها، والقصد الجنائي هو اتجاه نية الجاني إلى توجيه إرادته لارتكاب الفعل الذي يشكل الركن المادي للجريمة مع علمه بأن القانون يجرم هذا الفعل ويعاقب عليه، ولا يتحقق هذا الركن إلا بتوافر عنصرين رئيسيين وهما عنصر العلم وعنصر الإرادة.
- عنصر العلم: يقصد بعنصر العلم أن يكون الجاني على علم وإدراك بكافة العناصر الرئيسية المكونة للجريمة، وهو ما يترتب عليه أنه في حالة انتفاء عنصر العلم لدى الجاني فإن الركن المعنوي للجريمة ينتفي في حقه.
- عنصر الإرادة: ويقصد به أن تتجه الإرادة الحرة للجاني إل ارتكاب الجريمة بكافة مكوناتها لتحقيق النتيجة الإجرامية لها، وبالتالي لا يتحقق عنصر الإرادة في حالة ارتكاب الجاني للجريمة تحت إكراه أو إجبار يقع عليه من شخص آخر، وذلك لأن إرادته معيبة فينتفي معه الركن المعنوي للجريمة.
وبالتالي فإن الركن المعنوي أو القصد الجنائي في جرائم الشائعات يتحقق بتوافر العلم لدى مطلق الشائعات بأركان الجريمة التي يرتكبها، وأن القانون يجرمها ويعاقب على ارتكابها، واتجاه إرادته الحرة إلى إحداث الفعل الجرمي وتحقيق النتيجة الإجرامية المترتبة عليه والمتمثلة في الأثر السلبي على الشخص أو المجتمع.
خامساً: المواجهة القانونية للشائعات
بالرجوع إلى القوانين والتشريعات الأردنية تبين لنا أن المشرع الأردني لم يضع نص تجريم عام للشائعات بمفهومها العام، ولكنه قام بتجريم الشائعة في صورة الأخبار الكاذبة ولم يتعرض لتجريم الشائعات الصحيحة التي يراد بنشرها تحقيق أهداف غير مشروعة، كما أن التجريم جاء بنصوص قانونية خاصة ومنفصلة ورد كل منها بقانون مختلف، بحيث وضع لكل صورة منها الوصف والعقوبة الخاصة بها، ومن أهم تلك النصوص نذكر ما يلي:
1- نصوص تجريم الشائعات في قانون العقوبات
جاء في قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته أكثر من نص يجرم صور محددة من الشائعات، وتتمثل أهم تلك النصوص في:
أ- المادة رقم (130)
نصت المادة رقم (130) من قانون العقوبات الأردني على أن (من قام في المملكة زمن الحرب او عند توقع نشوبها بدعاية ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية عوقب بالأشغال المؤقتة).
وفي هذا النص جرم المشرع الأردني الشائعات في صورتها كـ (دعاية)، إلا أنه لم يوضح مفهوم تلك الدعاية ومضمونها، وما إذا كانت كاذبة أم صادقة، مما يجعل هذا النص غامضاً بعض الشيء في شأن تحديد ماهية الدعاية المعاقب عليها بموجب هذا النص، كما قصر التجريم على حدوث تلك الدعاية في زمن محدد وهو وقت نشوب أو توقع نشوب الحرب.
ب- المادة رقم (131)
نصت المادة رقم (131) من قانون العقوبات الأردني على أن (1- يستحق العقوبة المبينة في المادة السابقة من أذاع في المملكة في الأحوال عينها أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شانها أن توهن نفسية الامة. 2- إذا كان الفاعل قد أذاع هذه الأنباء وهو يعتقد صحتها، عوقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر).
وقد جرم المشرع في هذا النص الإشاعات الكاذبة في صورتها كـ (أنباء كاذبة) والتي يقوم مطلقها بإطلاقها مع علمه بكذبها أو ظنه أنها صحيحة، ففي الحالتين تكون الشائعات التي يطلقها هي شائعات كاذبة، وقد قصر تلك الجريمة على ذات الظروف الزمنية الواردة بنص المادة رقم (130) وهي وقت نشوب أو توقع نشوب الحرب.
ج- المادة رقم (132)
نصت المادة (132) من ذات القانون على أن (1- كل أردني يذيع في الخارج وهو على بينة من الأمر أنباء كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو مكانتها، يعاقب بالحبس مدة لا تنقص عن ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين دينارا. 2- يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة واحدة إذا كان ما ذكر موجها ضد جلالة الملك أو ولي العهد أو أحد أوصياء العرش).
وقد جرم المشرع في هذه المادة الشائعات في صورتها كـ (أنباء كاذبة)، وقصر ارتكابها على الأردني الذي يذيع تلك الأنباء في الخارج، وجرمها في حالتين الأولى هي أن تكون موجهة للمملكة بغرض النيل منها والإضرار بمكانتها، والثانية هي أن تكون موجهة ضد جلالة الملك أو ولي العهد أو أحد أوصياء العرش.
د- المادة رقم (152)
جاء بالمادة رقم (152) من ذات القانون أن (من أذاع بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة (73) وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة لإحداث التدني في أوراق النقد الوطنية أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الأسناد ذات العلاقة بالثقة المالية العامة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على مائة دينار).
وفي تلك المادة جرم المشرع الإشاعات كـ (مزاعم كاذبة) يتم نشرها بشأن العملة والسندات الوطنية بغرض زعزعة الثقة فيها، والمزاعم الكاذبة هنا يقصد بها الأخبار الكاذبة التي لا أصل أو صحة لها.
هـ – المادة رقم (435/1)
جاء بنص تلك المادة أنه (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار كل من توصل بالغش لرفع أو تخفيض البضائع أو الأسهم التجارية العامة أو الخاصة المتداولة في البورصة ولا سيما: 1- بإذاعة وقائع مختلقة أو ادعاءات كاذبة).
وقد جاء تجريم المشرع هنا للإشاعات التي تصدر في شكل وقائع مختلقة وادعاءات كاذبة، والتي يكون الغرض منها هو المضاربات غير المشروعة والتلاعب بأسعار الأسهم في البورصة، وذلك من خلال الشائعات الخاصة بتلك الأسهم والتي تتسبب في ارتفاع أو انخفاض في قيمتها.
2- نصوص تجريم الشائعات في قانون الجرائم الإلكترونية
نصت المادة رقم (15/أ) من قانون الجرائم الإلكترونية الأردني رقم 17 لسنة 2023 على أن (أ- يعاقب كل من قام قصدا بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو تقنية المعلومات أو نظام المعلومات أو الموقع الإلكتروني أو منصات التواصل الاجتماعي تنطوي على أخبار كاذبة تستهدف الأمن الوطني والسلم المجتمعي أو ذم او قدح او تحقير أي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تقل عن (5000) خمسة آلاف دينار ولا تزيد على (20000) عشرين ألف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين).
وقد جرم المشرع في تلك المادة الشائعات تحت مسمى الأخبار الكاذبة، والتي يتم إطلاقها عن طريق النشر على الشبكة المعلوماتية (الإنترنت) أو أي نظام معلوماتي آخر، والتي يكون الهدف منها تهديد الأمن الوطني للمملكة أو سلامة مجتمعها، أو حتى التي تستهدف ذم أو قدح لأي فرد من أفراد المجتمع.
3- نصوص تجريم الشائعات في قانون المطبوعات والنشر
نصت المادة رقم (38/د) من قانون المطبوعات والنشر الأردني رقم 8 لسنة 1998 على أنه (يحظر نشر أي مما يلي: ….. د- ما يشتمل على ذم أو قدح أو تحقير للأفراد
او يمس حرياتهم الشخصية أو ما يتضمن معلومات أو إشاعات كاذبة بحقهم).
حيث جرم النص المذكور الإشاعات الكاذبة التي يتم نشرها في إحدى المطبوعات أو وسائل النشر، والتي تستهدف الإساءة إلى فرد من أفراد المجتمع.
4- نصوص تجريم الشائعات في قانون الأوراق المالية
جاء بنص المادة رقم (106/أ) من قانون الأوراق المالية الأردني رقم 18 لسنة 2017 أنه (يحظر على أي شخص القيام بأي مما يلي: أ- بث الشائعات أو ترويجها أو إعطاء معلومات
أو بيانات أو تصريحات مضللة أو غير صحيحة قد تؤثر على سعر أي ورقة مالية أو على سمعة أي جهة مصدرة).
وقد جرم هذا النص الشائعات الكاذبة التي تعطي صورة غير حقيقية للأوراق المالية أو الجهات القائمة على إصدارها، وتستهدف التأثير على قيمة وسعر تلك الأوراق المالية أو سمعة الجهات التي أصدرتها.
سادساً: طرق الوقاية من مخاطر الشائعات
على الرغم من الخطورة الشديدة التي تمثلها الشائعات على الفرد والمجتمع، لاسيما المجتمع الأردني الذي يعاني من الشائعات مثله في ذلك مثل باقي مجتمعات العالم الأخرى، إلا أن هناك العديد من الإجراءات والتدابير التي يمكن من خلالها الحد من وقوع جرائم الشائعات، ويمكننا أن نوجز أهم تلك الإجراءات والتدابير في النقاط التالية:
- نشر الوعي بين مواطني الدولة عبر البرامج والندوات والمطبوعات التوعوية التي توضح أهمية التأكد من مصدر أي شائعة، والتحقق من مدى صحتها ومدى المصداقية التي يتمتع بها هذا المصدر، والامتناع عن نقل أو تداول أي شائعة من الشائعات التي تظهر في صورة خبر غير معلوم المصدر.
- قيام الجهات المختصة في الدولة بإصدار بيانات عاجلة للرد على أي إشاعة تظهر ويتم تداولها، وذلك حتى يمكن القضاء عليها لدى كافة أفراد المجتمع قبل أن تتسبب في حدوث بلبلة أو زعزعة للأمن والسلم.
- المسارعة من قبل سلطات الدولة المختصة بنشر الأخبار الصحيحة والحقيقية التي تتعلق بأي قضية تكون محلاً للشائعات، وذلك لإيضاح الحقيقة ووأد أي شائعات بشأنها في مهدها.
- التشديد والتغليظ للعقوبات المقررة لجرائم الشائعات، بحيث تمثل ردعاً عاماً قوياً لمن تسول له نفسه أن يطلق أي شائعات.
سادبعاً: نماذج من أحكام محكمة التمييز الأردنية ذات العلاقة
1- حكم محكمة التمييز الأردنية بصفتها الجزائية الصادر في الطعن رقم 2078 لسنة 2021 بجلسة 25/10/2021، والمتضمن أنه (الفعل الضار هو العمل الضار غير المشروع المخالف للقانون ومن صوره الاعتداء على الشرف والسمعة وليس من الضروري أن يكون المعتدي سيئ النية وإن إحدى صور الاعتداء على الشرف والسمعة يقع عن طريق النشر في الصحف بشقيها الورقي والإلكتروني بالسب والقذف مع مراعاة عدم التشدد في اعتبار ما ينشر في الصحف سباً أو قدحاً في بعض الظروف التي تقتضي الإطلاق من حرية الصحافة من أجل المصلحة العامة ويقع أيضاً الاعتداء عن طريق إذاعة أخبار غير صحيحة أو إشاعات كاذبة تمس سمعة شخص دون أن يتخذ مذيع هذه الأخبار الحيطة الواجبة والتحري للتثبت من صحة هذه الأخبار والإشاعات قبل إذاعتها).
2- حكم محكمة التمييز الأردنية بصفتها الجزائية الصادر في الطعن رقم 2782 لسنة 2021 بجلسة 10/10/2021، والمتضمن أنه (بالنسبة لجرم نشر إشاعات كاذبة وفقا لأحكام المادة (38/د) من قانون المطبوعات والنشر فإن هذا الجرم يتطلب توفر ركنين وهما: 1- الركن المادي وهو سلوك إيجابي يتمثل بنشر ما يتضمن إساءة لكرامة الأفراد وحرياتهم الشخصية أو يتضمن معلومات أو إشاعات كاذبة بحقهم. 2- الركن المعنوي ويقصد به إرادة ارتكاب الجريمة على ما عرفها القانون، بحيث تتجه إرادة الجاني لارتكاب الفعل مع علمه ادراكه لكافة عناصر هذا الفعل وبالنتيجة المترتبة عليه).
ثامناً: الخاتمة
غلى الرغم من خطورة الآثار التي تترتب على جرائم الشائعات إلا أننا نجد أن المشرع الأردني لم يتعرض لوضع تعريف واضح للشائعة، كما أنه عندما تعرض لتجريمها لم يجرمها بنوعيها الكاذبة والصادقة التي يساء استخدامها، ولكنه جرم الشائعات الكاذبة دون تجريم الشائعات الصحيحة التي يستهدف بها تحقيق غرض غير مشروع، وهو ما نرى من وجهة نظرنا الشخصية أنه قصوراً تشريعياً غير مبرر يلزم تداركه عن طريق تخصيص نصوص قانونية بقانون العقوبات الأردني تستقل بتجريم الشائعات بوجه عام سواء كانت كاذبة أو صادقة أسيء استعمالها، وأن تقرر العقوبات المناسبة لها بمختلف درجاتها وصورها، مع تشديد وتغليظ تلك العقوبات.
[1] – محمود القاضي – الدعاية السياسية والحرب النفسية – المركز الإعلامي للشرق الأوسط – مصر – 1997 – ص165.
[2] – محمد حجاب – الشائعات وطرق مواجهتها – مكتبة دار الفجر الإسلامية – مصر – 2007 – ص20.
[3] – نايف المرواني – الشائعات وآثارها السلبية في بنية المجتمع وتماسكه – مركز الدراسات والبحوث – جيبوتي – 2010 – ص4.
[4] – مصطفى عبد القادر – تسويق السياسة والخدمات – المؤسسة الجامعية – بيروت – 2002 – ص73.
[5] – طه متولي – جرائم الشائعات وإجراءاتها – بدون دار نشر – مصر – 1997 – ص 90.
[6] – يراجع البند (سابعاً) من هذا المقال – الحكم رقم (2).
[7] – محمود نجيب حسني – شرح قانون العقوبات: القسم العام – – منشورات الحلبي الحقوقية – لبنان – 1998 – ص308.
[8] – أشرف شمس الدين – شرح قانون العقوبات: القسم العام: النظرية العامة للجريمة والعقوبة – ط1 – دار النهضة العربية – مصر – 2008 – ص224.