يمتاز عقد العمل بأنه من العقود الزمنية دورية التنفيذ، والتي يشكل فيها الزمن عنصراً جوهرياً، فخلال سريان هذا العقد وإنتاجه لأثاره فقد تعترضه العديد من الأسباب التي تمنع طرفيه من تنفيذ كامل التزاماتهم مما يترتب عليه وقف عقد العمل.
جدول المحتويات
ما هو مفهوم وقف عقد العمل؟
ما هي خصائصه؟
ما هي شروطه؟
ما هو الأثر المترتب عليه؟
ما هي أسباب وقف عقد العمل؟
وقد تعود هذه الأسباب إلى العامل كمرضه أثناء العمل ، وأسباب قانونية كتمتعه بإجازة أو ممارسته الحريات النقابية والدينية ،أو الى صاحب العمل كتعديل النظام الاقتصادي ، وقد تعود الى أسباب خارجيه عن إرادة الطرفين كنشوب حرب أو تعرض المنشأة للحريق .
وكون القواعد العامة غير كافيه لمعالجة كافة هذه الأسباب التي تطرأ على عقد العمل ، تم اللجوء الى نظام وقف عقد العمل كبديل لإنهاء عقد العمل .
ويعتبر وقف العمل نظاماً قانونيا مستقلا له من الخصائص و الشروط التي تميزه عن غيره من الأنظمة القانونية المشابهة, و قد نشأ هذا النظام بهدف المحافظة على الرابطة العقدية ما أمكن, و ليحقق الاستقرار العقدي عند تعرض عقد العمل لأحد الأسباب التي تمنع تنفيذه مؤقتا, و من خلال الرجوع إلى نصوص قانون العمل الأردني و القانون المدني, نجد أن المشرع الأردني لم يستخدم مصطلح وقف عقد العمل لكنه عالج أحكام العديد من حالات الوقف و قد عبر عنها بلفظ التعليق أو الإجازة والموضوع له أهميه كبيره ، لأنه يحفظ وجود العقد اغلب الأحوال ، وقد يحقق مصلحة الطرفين معاً فيبقى العامل في مشروعه ، ويحتفظ صاحب العمل بعماله . وتظهر أيضا أهمية الموضوع في محاولة تحقيق التوازن بين مصالح الأطراف وتغليب أحدهما على الآخر إذا لزم الأمر وغالباً تغلب مصلحة العامل باعتباره الطرف الضعيف اقتصادياً على مصلحة صاحب العمل .
ما هو مفهوم وقف عقد العمل؟
يعرف وقف عقد العمل على أنه انقضاء أو عدم تنفيذ مؤقت لا رجعة فيه للالتزامات المتولدة عن العلاقة العقدية، دون ان يؤثر ذلك في بقاء الرابطة العقدية. ويتميز بانه يسمح لاحد أطراف العقد بأنّ يوقف تنفيذ التزاماته العقدية كلها أو بعضها دون ان يستوجب ذلك ترتيب مسؤوليته العقدية أو توقيع الجزاء عليه، أو ان يكون للطرف الآخر طلب فسخ العقد أو التنفيذ العيني له. وفي المقابل فان الطرف الآخر يعفي بدوره من تنفيذ التزاماته لعدم وجود سبها.
فهو انقضاء مؤقت للرابطة العقدية قد يجد سببه في حادث مفاجئ، أو قد يحدث بسبب يرجع إلى العامل أو إلى رب العمل. من خلال هذا المفهوم نستطيع ان نستخلص عدة خصائص له التي تتوافر في جميع حالاته بغض النظر عن طبيعة العقد أو نوعه. وهذه الخصائص هي التي تساعدنا في تمييز وقف عقد العمل عن الأنظمة المشابهة له.
ما هي خصائص وقف عقد العمل؟
نستطيع ان نرد خصائص وقف عقد العمل إلى:[1]
أولا: أنه يمتاز بانه عبارة عن عدم تنفيذ مؤقت للالتزامات العقدية.
ثانيا: عدم استدراك الالتزامات الموقوفة بعد انتهاء فترة الوقف.
ثالثا: ان الوقف يؤدي إلى بقاء الرابطة العقدية.
أولا: وقف عقد العمل هو عدم تنفيذ مؤقت:
يتطلب الفقه ان نكون في البداية بصدد عدم تنفيذ للالتزامات العقدية، فلا يكفي مجرد انقطاع الالتزامات العقدية الناتج عن تنفيذ العقد. فمثلا وفقا لبنود العقد فان العامل لا يقوم بأداء العمل خلال فترات الراحة أو الإجازة الأسبوعية. فهذا يعد انقطاعا للالتزامات العقدية الناتج عن التنفيذ الطبيعي لعقد العمل وليس وفقا للعقد. وإنما الوقف يستوجب ان يكون المتعاقد ملزما بتنفيذ الالتزامات العقدية ويمتنع عن تنفيذها لأي سبب متمسكا بوقف العقد. مثلا عندما يتمسك العامل بوقف عقد العمل نتيجة لمرضه أو لاعتقاله.
ولا يعد أيضا من قبيل وقف العقد عدم التنفيذ الخاطئ. إنما يعد هذا عدم تنفيذ للالتزامات العقدية الذي ينتج عنه ترتيب المسؤولية التعاقدية لمن صدر منه، وتوقيع الجزاءات عليه. فغياب العامل غير المشروع عن العمل لا يكون مبررا له. فلا بد ان يكون عدم التنفيذ مبررا ومشروعا وهذا الأمر متروك تقديره للأطراف تحت رقابة القضاء لقرارهم. ويقع بالضبط على من يتمسك به ان يثبت حقيقة سبب الوقف ومشروعيته.
ومن جانب أخر يجب ان يكون عدم تنفيذ الالتزامات العقدية وقتيا، أيّ ان يتصف بالطبيعة الوقتية، اما إذا كان عدم التنفيذ نهائيا فانه لا يمكن أعمال فكرة وقف العقد وإنما لا بد في هذه الحالة من اللجوء إلى فسخ العقد لأنه لا يمكن ان نوقف تنفيذ العقد إلى ما لا نهاية.
ويقصد بالوقتية إمكان زوال أسباب الوقف قبل ان تنتهي المدة المحدودة لتنفيذ العقد، بحيث يكون من الممكن ان يستأنف العقد بعد انتهاء فترة الوقف ويكون تنفيذه مجديا ومفيدا للأطراف. ويؤخذ في الاعتبار لتحديد الطبيعة الوقتية للوقف نية المتعاقدين وما اتفقا عليه في العقد. فقد يريد الطرفان اعتبار العقد مفسوخا إذا أوقف تنفيذه في فترة معينة إذا لم يريدا البقاء على العقد خلال هذه الفترة. وبالطبع فان ذلك خاضع لتقدير القاضي من خلال ما يستخلصه من إرادة الأطراف، وفي حالة الشك فيما إذا كان عدم التنفيذ مؤقتا أو نهائياً يرجح القاضي الصفة الوقتية، وذلك تمشيا مع فلسفة المشع في الحفاظ على الرابطة العقدية وتفادي انقضائها من خلال وقف العقد وليس فسخه.
وهذه الطبيعة الوقتية للوقف التي تسمح للعقد بأنّ يستأنف تنفيذه بعد زوال أسباب الوقف، تمنع المتعاقد الآخر من اللجوء إلى طلب التنفيذ العيني للعقد خلال فترة الوقف، أو طلب فسخ العقد وأنهاء الرابطة العقدية. والصفة الوقتية لوقف العقد تستلزم ان تكون مدة الوقف محددة سابقا أو قابلة للتحديد على الأقل. فوقف عقد العمل يستمر ما دام سبب الوقف بقي موجودا. وقد يقوم المشرع بنفسه بتحديد مدة الوقف فالوقف التأديبي في قانون العمل الكويتي في القطاع الأهلي مثلا يجب الا تزيد مدته على عشرة أيّام، كما قد يتم تحديد مدة الوقف من خلال القضاء، فاذا أوقف بسبب خارجي أو لحدوث ظرف طارئ أدى إلى إغلاق المشروع مؤقتا، فان القاضي قد يكون الفترة التي تكفي لإعادة تشغيل المشروع من جديد. وقد يكون التحديد من قبل الأطراف في عقد العمل، كان يتفقوا على بعض الإجازات مثلا للمهمات العلمية. وتكون مدة الوقف قابلة للتحديد إذا كان سبب الوقف ناتجا عن بعض الظروف الاستثنائية التي تحمل الصفة الوقتية بطبيعتها. مثال الحرب، أو مرض العامل ،أو اعتقاله، أو غيرها من الأسباب، وأخيرا من الممكن ان يتم تحديد مدة وقف عقد العمل من خلال الاتفاقيات الجماعية.
ثانيا: عدم استدراك الالتزامات العقدية الموقوفة:
لقد ذكرنا سابقا ان وقف عقد العمل يؤدي إلى انقضاء بعض الالتزامات العقدية على أطراف العقد مع بقاء الرابطة العقدية. ويكون العقد في فترة سكون أو جمود خلال فترة الوقف. وبما ان الوقف هو ظاهرة غالبا ما وقتية يستأنف العقد سريانه بعدها، فان الالتزامات الموقوفة لا تستدرك بعد استئناف العقد وإنما يعفى منها الأطراف خلال فترة الوقف وبعدها. فالوقف لا يؤدي إلى التأخير في تنفيذ الالتزامات وإنما إلى الإعفاء منها تماما وبشكل نهائي. فلا يكون مطلوبا من المتعاقدين ان يستدركا ما فاتهما من التزامات غير منفذة خلال فترة الوقف. وإنما يجب على كل منهما ان يقوم بتنفيذ ما ترتب في ذمته وفقا للعقد. فما فاتهما من الالتزامات لا يعود، ويؤدي الوقف نتيجة لذلك إلى حرمان المتعاقدين من التمتع بتنفيذ العقد بالكامل، فالعقد الذي يصاب بالوقف يحرم المتعاقدين من التمتع به خلال هذه الفترة.
ثالثا: الوقف يؤدي إلى المحافظة على الرابطة العقدية:
من اهم خصائص وقف العقد ان غايته المحافظة على بقاء الرابطة العقدية، وانه يعد الوسيلة القانونية لتفادي ترتيب المسؤولية أو لفسخ العقد في بعض الحالات. فوقف العقد يضع التزاما على أطرافه بالامتناع عن أيّ عمل من شأنه ان يؤدي إلى إنهاء الرابطة العقدية، فهو يمنع المتعاقد الآخر من طلب فسخ العقد أو التنفيذ العيني خلال فترة الوقف. فكما علمنا فان غاية الوقف هي الوصول إلى الاستقرار الوظيفي وتجنب الإنهاء الفجائي لعلاقة العمل. فلا يكون لرب العمل، من حيث المبدأ، ان يفسخ العقد خلال فترة مرض العامل أو اعتقاله أو خلال فترة إجازة المرأة العاملة بسبب الحمل والولادة. وبما ان الوقف هو وسيلة لتفادي انقضاء الرابطة العقدية فانه يؤدي عادة إلى استئناف تنفيذ العقد بعد فترة الوقف، كما لو كان العقد لم يوقف. فلا يجوز ان يقدم رب العمل بتغيير طبيعة عمل العامل أو بتغيير بعض بنود العقد بعد استئناف تنفيذه، الا ان كان ذلك في صالح العامل. ويقوم الأطراف بعد زوال سبب الوقف، بتنفيذه كاملا دون الأخذ في الاعتبار فترة الوقف، أيّ دون أيّ تأثير لفترة الوقف على تنفيذ العقد في المستقبل. فالعقد باق لا ينقضي ويستأنف تنفيذه بعد زوال أسباب الوقف. وينفذ العقد بعد ذلك بكل بنوده دون أيّ تعديل لها.
ما هي شروط وقف عقد العمل؟
لتطبيق نظام وقف عقد العمل يجب توافر خمسة شروط وسنبينها كالآتي:
الشرط الأول: تحقق سبب يمنع تنفيذ عقد العمل .
ويجب أن يكون هذا السبب قانوني ، أو قوة قاهرة، أو حادث مفاجئ وغير متوقع لا يمكن معالجته، أما الأسباب التي توقف عقد العمل وتكون من طرفي العقد سواء العامل أو صاحب العمل لا يطبق فيها نظام وقف عقد العمل، وتقع تبعية عدم تنفيذ عقد العمل على عاتق المسبب به ، أي الأضرار التي تحدث بسبب وقف عقد العمل يجب على المتسبب تعويض الطرف الآخر ما أصابه من ضرر.
أما في حالة كان عقد العمل موقوف وأثناء سريان فترة إيقافه ارتكب العامل خطأ فهذا يؤدي إلى استحالة بقاء عقد العمل نفسه وبالرغم من توافر سبب من أسباب الوقف ، كما في حالة إذا أدين العامل بحكم قضائي اكتسب الدرجة القطعية بجناية أو بجنحه ماسه بالشرف والأخلاق العامة أثناء مدة وقف العمل يحق لصاحب العمل إنهاء عقد العمل دون إشعار وفي هذه الحالة لا يستفيد العامل من نظام وقف عقد العمل.
وعليه لتطبيق نظام وقف عقد العمل يجب أن يكون الإيقاف بسبب القوة القاهرة لا يمكن تداركها ، وأن يكون السبب خارج عن إرادة الطرفين ولا بسببهم، وأن يكون السبب المانع من تنفيذ الالتزام مؤقت، وان يكون سبب قانوني والسبب القانوني لوقف عقد العمل حسب ما ورد في قانون العمل، مثل إجازة الأمومة والإجازة السنوية ، وغيرها.
الشرط الثاني: ألا يكون تنفيذ العقد مستحيلا في المستقبل.
الهدف من نظام وقف عقد العمل هو تفادي تطبيق المسؤولية العقدية على الطرف المسبب بالإيقاف وإبقاء العقد قائم بين الطرفين ولتفادي فسخه بعد انتهاء فترة وقف عقد العمل . لذلك فإنه لا يمكن تطبيق نظام وقف عقد العمل إذا كان تنفيذه مستحيلا بعد انتهاء فترة الوقف ، فيجب أن يكون العقد قابلا للتنفيذ بعد زوال سبب وقفه .
وبالإمكان تنفيذ العقد في المستقبل من الصفة الوقتية الوقف، ووفقا القواعد العامة ، يعد السبب الذي يحول دون تنفيذ العقد مؤقتا طالما أنه ينتهي قبل أن يصبح التنفيذ غير مجدِ وغير مفيد، فإذا تجاوز هذا السبب ذلك أي أن التنفيذ أصبح غير مجدِ وغير مفيد ، وأن عدم التنفيذ أصبح نهائيا ، فتكون استحالة التنفيذ مطلقة ونهائية، والصفة الوقتية لعدم التنفيذ لا تتقيد بمدة معينة ويصبح بعدها التنفيذ ممكنا، وخلاصة ذلك أن يصبح التنفيذ عند تجاوز هذا الحد غير مجدِ وغير مفيد ، إذ يجب أن يختفي السبب قبل الوصول إلى هذا النتيجة وإلا فلا حاجة لوقف العقد أصلا[2].
ومثال على ذلك الإجازة السنوية، فقد تعد سببا وقتيا لوقف عقد العمل غير محدد المدة مثلا ، فلا يعد كذلك في عقود العمل الموسمية التي تم إبرامها لموسم واحد ولمدة محددة لشهر واحد مثلا.
ويجب ألا يؤدي سبب وقف عقد العمل إلى الإخلال بالغاية المرجوة من العقد ، وأن سلطة تقدير ذلك تكون لقاضي الموضوع عند تقريره سبب الوقف ، ومدى تأثيره بالعقد، بغض النظر عما إذا كان سبب إيقاف العمل يرجع للعامل أو لصاحب العمل أو بسبب خارج عن أرادتهما . ومن جهة أخرى فإن الصفة الوقتية تقتضي أن تنتهي أسباب الوقف قبل انتهاء مدة العقد ، لأنه عند انقضاء العقد فإن الوقف لن يستمر وإنما ينقضي العقد ولا يمتد بسبب الوقف[3].
الشرط الثالث: استحالة تنفيذ العقد .
المادة (247) من القانون المدني الاردني على : نصت
“في العقود الملزمة للجانبين اذا طرأت قوة قاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا انقضى معه الالتزام المقابل له وانفسخ العقد من تلقاء نفسه فاذا كانت الاستحالة جزئية انقضى ما يقابل الجزء المستحيل ومثل الاستحالة الجزئية الاستحالة الوقتية في العقود المستمرة وفي كليهما يجوز للدائن فسخ العقد بشرط علم المدين” . وعليه فإن إعمال القوة القاهرة لا تكون إلا في العقود الملزمة للجانبين ، ولا تكون غير متوقعة ويصبح معها تنفيذ أحد طرفي العقد التزامه مستحيلا ولسبب أجنبي لا يد لهم فيه .
وعلى ذلك فإن استحالة تنفيذ عقد العمل يعتبر شرطا من شروط وقف عقد العمل ، ولكن يجب أن تكون استحالة التنفيذ هذه مؤقتة أو جزئية ،لأنها تؤدي إلى وقف العقد فقط وأن العقد يعود للتنفيذ بعد زوال السبب ، وأن استحالة التنفيذ النهائية والتي تكون مطلقة يؤدي ذلك إلى فسخ العقد من تلقاء نفسه.
ومن حالات وقف عقد العمل وقف مؤقت ونسبي من جهة العامل هو مرض العامل العادي الذي لا يؤدي إلى عجز العامل، بحيث يوقف عقد العمل ثم يعود إلى العمل عند شفائه من المرض ، وهناك أسباب أخرى مثل اعتقال العامل، أو الإضراب المشروع وتعتبر في هذه الحالة استحالة نسبية يوقف عقد العمل وعند زوال سبب الإحالة يستأنف العمل ويعود عقد العمل ليرتب آثاره .
وقد تتحقق استحالة تنفيذ عقد العمل المؤقتة من جهة صاحب العمل مثال على ذلك تعطل المنشأة ، بسبب ظروف رب العمل الفنية أو الاقتصادية ، بحيث يعطى للعامل الحق في العودة للعمل إذا عاد العمل في المنشأة وزال سبب الوقف.
الشرط الرابع: يجب ألا تكون مدة التنفيذ في العقد جوهرية.
فيجب أن تكون المدة ثانوية وغير أساسية بالنسبة الشروط الأخرى التي أتفق عليها الطرفان فهنا يمكن وقف العقد واستئناف العمل عند زوال سبب الإيقاف ، وعقود العمل اما أن تكون محددة المدة إذا اتفق الطرفان على القيام بالعمل خلال فترة زمنية محددة أو غير محددة المدة في حال عدم الاتفاق على مدة معينة، فإذا إذا تم تحديد مدة معينة لتنفيذ العقد فإنه لا يمكن تطبيق نظام وقف عقد العمل لأن مدة التنفيذ هنا جوهرية ، ويتم اللجوء إلى أحكام فسخ العقد.
ومن الممكن أن يكون العقد غير محدد المدة الا أن هذه المدة غير جوهرية في العقد وإنما مجرد عنصر ثانوي وغير أساسية في تنفيذ الالتزام ، مثل أن تكون هذه المدة تم تحديدها فقط لمعرفة مدة انتهاء العقد وليس لتحديد مدة التنفيذ.
وبالنسبة للعمالة الموسمية التي يتم توظيفها لمواجهة الأعباء الإضافية للمشروع خلال موسم معين، كموسم التنزيلات بالنسبة للمشروعات التجارية، فمثلا لو اتفق صاحب العمل مع العامل على أن يعمل لديه فترة وجيزة لمدة شهرين لمواجهة موسم التنزيلات فقط، ففي هذه الحالة ليس من المعقول إذا تحقق سبب من أسباب الوقف خلال هذه المدة ان يوقف عقد العمل، كأن يمرض العامل أو يعتقل، لأن مقتضى الوقف هو عدم تحقق الهدف من العقد ، وهو سد النقص في العمالة لمواجهة هذه الفترة ، ومن ثم يحرم رب العمل من التنفيذ خلالها[4]. ففي مثل هذه الحالة لا يمكن تطبيق نظام وقف عقد العمل وإنما يتم اللجوء إلى فسخ العقد ، لأنه يجب ان لا يؤثر الوقف على الغاية المرجوة من التعاقد أو الهدف الذي ابتغاه الأطراف من إبرام العقد بينهما.
الشرط الخامس: ألا يتضمن عقد العمل شرطا فاسخا
قد تكون الالتزامات الناشئة عن العقد معلقة على شرط فاسخ ، إذا كان زوالها مترتب على أمر في المستقبل غير محقق الوقوع ، فإذا تحقق الشرط يترتب عليه زوال الالتزامات التعاقدية التي كانت مرتبطة بهذا الشرط وبالتالي زوال العقد الذي أنشأ الالتزامات وهذا هو الشرط الفاسخ[5].
ويعرف الشرط الفاسخ على أنه اتفاق الطرفين على انفساخ العقد بقوة القانون ومن تلقاء نفسه دون الحاجة إلى حكم قضائي وذلك لمجرد حصول إخلال بالالتزام شريطة أن تنصرف إرادتهما إلى تحقيق هذا الأثر على نحو قاطع وبغير شك أو لبس أو غموض ويمكن أن يرد بأي عبارة طالما أنها تدل على طبيعة حكمه وحقيقة مضمونة [6].
وقد أجاز المشرع الأردني في القانون المدني وتحديدا في المادة (٢٤٥) والتي تنص:
“يجوز الاتفاق على ان يعتبر العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة الى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه وهذا الاتفاق لا يعفي من الإعذار الا اذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه.”
ونص أيضا على الشرط الفاسخ الضمني للعقود الملزمة للجانبين الذي يمنح القاضي سلطة تقديرية في الفسخ ومنح المدين الذي تخلف عن تنفيذ التزامه مهلة إضافية للتنفيذ في المادة (٢٤٦) من القانون المدني والتي جاء فيها :
” 1. في العقود الملزمة للجانبين إذا لم يوف أحد العاقدين بما وجب عليه بالعقد جاز للعاقد الآخر بعد إعذاره المدين ان يطالب بتنفيذ العقد أو فسخه.
- ويجوز للمحكمة ان تلزم المدين بالتنفيذ للحال أو تنظره الى اجل مسمى ولها ان تقضي بالفسخ وبالتعويض في كل حال ان كان له مقتضى.”
لذلك فإن الشرط الفاسخ يمنع تطبيق نظام وقف عقد العمل ، لأن مجرد الإخلال بالالتزامات التعاقدية الصادرة من طرفيه يؤدي إلى انقضاء العقد بقوة القانون وتطبيق أحكام الفسخ.
ومن خلال الرجوع لأحكام قانون العمل نجد أنه لا يجوز الاتفاق على مخالفتها الا إذا كان ذلك لمصلحة العامل بشرط ألا يخالف النظام العام حيث تنص المادة (٤) منه:
“أ- لا تؤثر أحكام هذا القانون على أي حق من الحقوق التي يمنحها للعامل أي قانون آخر أو عقد عمل أو اتفاق أو قرار إذا كان أي منها يرتب للعامل حقوقا أفضل من الحقوق المقررة له بموجب أحكام هذا القانون .
ب- يعتبر باطلا كل شرط في عقد أو اتفاق سواء أبرم قبل هذا القانون أو بعده يتنازل بموجبه أي عامل عن أي حق من الحقوق التي يمنحها اياه هذا القانون.”
ومن هذا فإذا قرر المشرع بعض حالات الوقف في قانون العمل فإنه لا يجوز الاتفاق على خلافها أو على عدم تطبيقها ، عن طريق الاتفاق على الشرط الفاسخ.
ما هو الأثر المترتب على وقف عقد العمل؟
بشكل عام عقد العمل هو عقد ملزم للجانبين تنشأ منه التزامات متبادلة، وبالتالي فإن وقفه يؤدي نظرياً إلى وقف تنفيذ التزامات الطرفين، ولكن عملياً هذا الأمر لا يتم؛ إذ تبقى بعض الالتزامات المالية مستحقة الأداء على الرغم من وقف العقد، وذلك استناداً إلى الوظيفة الاجتماعية للعقد التي تهدف إلى حماية العامل.
ما هي أسباب وقف عقد العمل؟
أولا: وقف عقد العمل بسبب العامل :
- وقف عقد العمل بسبب إجازة الأمومة ، ونصت عليها المادة (٧٠) من قانون العمل: ” للمرأة العاملة الحق في الحصول على إجازة أمومة بأجر كامل قبل الوضع وبعده مجموع مدتها عشرة أسابيع ، على ألا تقل المدة التي تقع من هذه الإجازة بعد الوضع عن ستة أسابيع ، ويحظر تشغيلها قبل انقضاء تلك المدة “.
- وقف عقد العمل بسبب التفرغ لتربية الأطفال، نص المادة (٦٧) :” للمرأة التي تعمل في مؤسسة تستخدم عشرة عمال أو أكثر الحق في الحصول على أجازه دون أجر لمدة لا تزيد على سنة للتفرغ لتربية أطفالها ، ويحق لها الرجوع الى عملها بعد انتهاء هذه الإجازة ، على أن تفقد هذا الحق إذا عملت بأجر في أي مؤسسة أخرى خلال تلك المدة”.
- وقف عقد العمل بسبب الالتحاق بالزوج ، المادة )٦٨) :” لكل من الزوجين العاملين الحصول على أجازه لمرة واحدة دون أجر لمدة لا تزيد على سنتين لمرافقة زوجه إذا انتقل الى عمل آخر يقع خارج المحافظة التي يعمل فيها داخل المملكة أو الى عمل يقع خارجها “.
- وقف عقد العمل بسبب الالتحاق بالدراسة ، المادة (٦٦) فقرة ب “- يحق للعامل الحصول على أجازه مدتها أربعة أشهر دون أجر إذا التحق للدراسة في جامعة أو معهد أو كلية معترف بها بصورة رسمية .”
- وقف عقد العمل بسبب الإضراب المشروع، ونصت على أحكام الإضراب المواد )١٣٤-١٣٥-١٣٦) من قانون العمل الأردني.
ثانيا: وقف عقد العمل بسبب صاحب العمل:
- وقف عقد العمل كإجراء تأديبي ، يوقعه صاحب العمل على العامل لارتكابه مخالفة في العمل ، أو إذا أخل بالالتزامات وواجباته في العمل ، وذلك استنادا لنص مادة (٤٨) من قانون العمل والتي جاء فيها على الإجراءات التي يجب اتباعها عند إيقاع عقوبة تأديبية بحق العامل، ونصت على : لا يجوز لصاحب العمل اتخاذ أي أجراء تأديبي أو فرض غرامة على العامل عن مخالفة غير منصوص عليها في لائحة الجزاءات المعتمدة من قبل الوزير أو من يفوضه على أن يراعى ما يلي:-
أ- ألا تفرض على العامل غرامة تزيد على أجر ثلاثة أيام في الشهر الواحد أو إيقافه عن العمل بدون أجر لمدة تزيد على ثلاثة أيام في الشهر الواحد وأن تتاح له فرصة سماع أقواله للدفاع عن نفسه قبل فرض العقوبة عليه ، وأن يكون للعامل حق الاعتراض على العقوبة التي فرضت عليه لدى مفتش العمل خلال أسبوع واحد من تاريخ تبليغها له .
ب- ألا يتخذ بحق العامل أي إجراء تأديبي أو فرض غرامة عليه عن أي مخالفة من المخالفات المنصوص عليها في لائحة الجزاءات المعتمدة بعد انقضاء خمسة عشر يوما على ارتكابها .
ج- أن تسجل الغرامات التي تفرض بمقتضى هذه المادة في سجل خاص يبين فيه اسم العامل ومقدار أجره وأسباب فرض الغرامة عليه وأن تخصص الغرامات لتحقيق خدمات اجتماعية للعمال في المؤسسة وفق ما يقرره الوزير أو من يفوضه.
- وقف العمل لظروف اقتصادية أو فنية ، وذلك فقط في عقود العمل غير محددة المدة ونصت عليه المادة (٣٠) فقرة أ على :
إذا اقتضت ظروف صاحب العمل الاقتصادية أو الفنية تقليص حجم العمل أو استبدال نظام انتتاج باخر أو التوقف نهائيا عن العمل مما قد يترتب عليه إنهاء عقود عمل غير محدودة المدة أو تعليقها كلها أو بعضها ، فعليه تبليغ الوزير خطيا معززا بالأسباب المبررة بذلك قبل اتخاذ أي إجراء بهذا الخصوص .
- وقف عقد العمل بسبب الإغلاق ، وقد يكون بقرار من صاحب العمل بسبب ظروف معينة أو حالات معينة لفترة مؤقتة ونصت على أحكام الإغلاق أيضا المواد )١٣٤-١٣٥-١٣٦) من قانون العمل الأردني. وقد يكون قرار الإغلاق صادر عن السلطة الإدارية المختصة بسبب ارتكاب صاحب العمل لمخالفة قانونية ، أو مخالفة أحكام قانون العمل استنادا لنص مادة (٨٤) من قانون العمل.
ثالثا: وقف عقد العمل لأسباب خارجة عن إرادة الطرفين:
- وقف العمل بسبب مرض العامل ، سواء مرض عادي المادة(٦٥) أو بسبب إصابة العمل وأمراض المهنة .
- وقف العمل بسبب اعتقال العامل ، سواء اعتقال إداري، أو الحبس بقرار قضائي ، وإذا اعتقل بسبب قيامة بجناية أو جنحة مخلة بالشرف والأخلاق العامة يحق لصاحب العمل فصله دون إشعار، المادة(٢٨) فقرة ز ” إذا أدين العامل بحكم قضائي اكتسب الدرجة القطعية بجناية أو بجنحه ماسه بالشرف والأخلاق العامة “. يحق لرب العمل فصله دون إشعار.
- وقف عقد العمل بسبب التحاق العامل بالخدمة العسكرية ، المادة(٢٧/أ/٢) لا يجوز أنهاء خدمات : العامل المكلف بخدمة العلم أو الخدمة الاحتياطية في أثناء قيامه بتلك الخدمة .
- وقف العمل بسبب حدوث حادث مفاجئ أو قوة قاهرة مؤقتة . المادة (٥٠) : ” إذا اضطر صاحب العمل إلى وقف العمل بصورة مؤقتة بسبب لا يعزى إليه وليس في وسعه دفعة فيستحق العامل الأجر عن مدة لا تزيد على العشرة أيام الأولى من توقف العمل خلال السنة وأن يدفع للعامل نصف أجرة عن المدة التي تزيد على ذلك بحيث لا يزيد مجموع التعطيل الكلي المدفوع الأجر على ستين يوما في السنة .”
[1] فتحي عبد الرحيم عبدالله ، شرح قانون العمل و التأمينات الاجتماعية، منشأة النشر المعارف، ، (٢٠٠٠) صفحة ٢٠٠
[2] منصور، محمد نصر الدين ، (بدون تاريخ)نحو نظام قانوني لوقف عقود العاملين حال توقف العمل في المنشآت، دار النهضة العربية، مصر، ص٢٠
[3] الهندباين ، خالد جاسم ، (٢٠٠٠) ، وقف عقد العمل، مجلة الحقوق ، العدد الرابع ، الكويت ، ص٢٠٨
[4] خالد الهندباين، مرجع سابق، صفحة ٢٠٢
[5] العدوي، جلال عدوي،١٩٩٤، مصادر الالتزام، دراسة مقارنة في القانون المصري واللبناني ، الدار الجامعية
[6] الشرابي، عبدالحميد، المشكلات العملية لتنفيذ العقد، دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية، ١٩٩٨ ، ص٢٤٤
——————————————————————————————