فسخ العقد في القانون الأردني
لا شك أن العقد يُعد مصدرًا من مصادر الالتزام، فهو يمثل المصدر الرئيسِ لنشأة الحقوق والالتزامات، والأصل في العقود أنها تُلزم المتعاقدين بمجموعة من الالتزامات المتبادلة المتفق عليها فيما بينهم، وعندما يخل أحد طرفي العقد بالتزامه؛ فكان لابد من حماية الطرف الأخر عن طريق فسخ العقد، وأحيانا يمتد الأمر ليصل إلى الحكم على الطرف المُخل بتعويض بجانب الفسخ، ويترتب على فسخ العقد حل الرابطة العقدية وزوال الأثر القانوني للعقد بأثر رجعي. ونظرًا لخطورة فسخ العقد ومدى تأثيره على المعاملات في المجتمع؛ فلابد من تسليط الضوء على ماهية الفسخ، وخصائصه، وأنواعه سواء كان قضائي أو اتفاقي، وشروط فسخ العقد، والآثار المترتبة على ذلك سواء بالنسبة للمتعاقدين أو بالنسبة للغير، وسلطة القاضي في تقرير فسخ العقد وغير ذلك من خلال العناصر الرئيسية الآتية:
ثانيًا: أساس نظرية الفسخ وأسبابه
رابعًا: الفرق بين الفسخ والانفساخ والبطلان
ثامنًا: سلطة القاضي في تقرير الفسخ
تاسعًا: سقوط الحق في التمسك بالفسخ
عاشرًا: سوابق قضائية لفسخ العقد
نقدم شرحاً مفصلاً لكل عنصر من العناصر السابقة على النحو التالي:
أولًا: تعريف الفسخ
لقد ورد العديد من التعريفات لفسخ العقد، ومن هذه التعريفات: “انحلال الرابطة العقدية بأثر رجعي في العقود الملزمة للجانبين عندما يمتنع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه”([1]). وذلك وفقًا لما ورد في (المادة 246) من القانون المدني الأردني حيث نصت على: “في العقود الملزمة للجانبين إذا لم يوفَ أحد العاقدين بما وجب عليه بالعقد جاز للعاقد الآخر بعد أعذاره المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو فسخه”.
ثانيًا: أساس نظرية الفسخ وأسبابه
حتى نتعرف أكثر على مفهوم فسخ العقد لابد من معرفة أساس نظرية الفسخ وأسبابه، وذلك فيما يلي:
– أساس نظرية الفسخ
“إن أساس نظرية الفسخ يعود لاعتبارات عادلة، وتتمثل أهميته بأنه يؤدي إلى إنهاء العقد حتى يخفف من تضرر الدائن فيضع حدًا لإهمال وتقصير الطرف المدين”([2])، حيث إن العقد الملزم للجانبين يرتب التزامات متقابلة فلا يطرأ الطرف الدائن بتنفيذ التزامه في مواجهة الطرف المدين الذي يرفض تنفيذ التزامه دون أن يتعرض لأي مسألة أو عقاب.
– أسباب فسخ العقد
يعتبر السبب الرئيسي لفسخ العقد هو إخلال أحد طرفيه بتنفيذ التزاماتهما التعاقدية، وذلك لسبب يعود إلى فعله وليس للطرف الآخر أي يد به، كما يتعين أن يكون الإخلال غير راجع لسبب أجنبي كالقوة القاهرة، وهذا بناءً على ما نصت عليه (المادة 246) من القانون المدني الأردني.
ويمكن تعريف الإخلال بالالتزام بأنه: “الفعل أو الامتناع الصادر عن المدين والذي يجعل التنفيذ العيني غير ممكن “([3]).
وإضافةً إلى الإخلال كسبب لفسخ العقد جعل المشرع الأردني التغرير أو الغبن سبب آخر في فسخ العقد، ويقصد بالتغرير في (المادة143) من القانون المدني الأردني حيث نصت على أنه: “التغرير هو أن يخدع أحد العاقدين الآخر بوسائل احتيالية قولية أو فعلية تحمله على الرضا بما لم يكن ليرضى به”.
حيث جعل المشرع التغرير وتحقيق الغبن سبب لفسخ العقد، ولكن لابد أن يكون الغبن فاحشًا وليس غبنًا يسيرًا وارد أن يحدث في أغلب المعاملات، وذلك في (المادة 145) من القانون المذكور: “إذا غرر أحد العاقدين بالآخر وتحقق أن العقد تم بغبن فاحش كان لمن غرر به فسخ العقد”.
ثالثًا: خصائص فسخ العقد
يتميز فسخ العقد بمجموعة من الخصائص تتمثل فيما يلي:
- عدم تنفيذ جزء من الالتزامات يؤدي إلى فسخ العقد وتحريره من باقي الالتزامات، ولكن يوجد للقاضي سلطة تقديرية في حال عدم التنفيذ الجزئي حيث يمكنه فسخ جزء من العقد باستثناء إن كان غير قابل للتجزئة، أو كان جزءً جوهريًا في العقد.
- يمكن التنازل عن الحق في التمسك بفسخ العقد، كما أن دعوى الفسخ تخضع للتقادم حيث يسقط الحق في رفع الدعوى بمضي مدة قدرها (15) عامًا من تاريخ ثبوت حق الفسخ.
- أن للفسخ أثر رجعي حيث إن فسخ العقد – قضائيا أو رضائيا – يترتب عليه انحلال العقد من وقت التعاقد، أي أن الفسخ لا يقتصر على المستقبل، بل ينطبق على الماضي.، وبالتالي يعتبر كما لو أن العقد لم يكن بين الأطراف المتعاقدة ، وكذلك الأمر بالنسبة للغير .
- مصدر الحكم بالفسخ من الجائز أن يكون القانون، أي ينفسخ من تلقاء نفسه؛ لاستحالة التنفيذ، ومن الجائز أن يكون القضاء أي يحكم به القاضي بناءً على طلب أحد الخصوم، أو الاتفاق فيما بينهم على فسخ العقد أمام الحكمة.
- يكون لأحد المتعاقدين الحق في المطالبة بفسخ العقد، وللقاضي سلطة تقديرية في إقرار الفسخ.
رابعًا: الفرق بين الفسخ والانفساخ والبطلان
لكي يتبين جليًّا ظاهرة الفسخ بشكل واضح لابد من توضيح الفرق بين الفسخ وبين ما يقاربه من النظم، وذلك فيما يلي:
1- الفرق بين بطلان العقد وبين فسخ العقد
فقد ورد البطلان في (المادة 168) من القانون المدني الأردني حيث نصت على: “العقد الباطل ما ليس مشروعًا بأصله ووصفه بان اختل ركنه، أو محله، أو الغرض منه، أو الشكل الذي فرضه القانون لانعقاده ولا يترتب عليه أي أثر، ولا ترد عليه الإجازة”. وبذلك يتفق كل من البطلان والفسخ في الأثر المترتب عليهما، فكل منهما يؤدي إلى إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التعاقد أي بأثر رجعي، وفي حالة استحالة ذلك يجوز الحكم بالتعويض.
أما أوجه الاختلاف يمكن في وقت نشوء السبب، ومصدر الحكم به ونوعية العقود، وذلك فيما يلي:
بالنسبة لوقت نشوء السبب:
فالفسخ مرجعه خلل في تنفيذ العقد أي لاحق لنشأته، فالعقد ينشأ صحيحً ومنتجًا لآثاره بين طرفيه إلا أن أحد أطرافه لا يقوم تنفيذ التزامه؛ فيكون للمتعاقد الآخر طلب فسخ العقد. أما البطلان فيكون قائمًا على وجود عيب في تكوين العقد حيث أصاب أحد أركان العقد أو شروط صحته أي وقت انعقاد العقد.
أما مصدر الحكم به ونوعية العقود:
فالفسخ مصدره القانون أو الاتفاق أو القضاء، كما أن الفسخ فلا يقع إلا على العقود الملزمة للجانبين. أما البطلان مصدره هو القانون فقط، كما أن البطلان يرد ع جميع العقود سواء أكانت ملزمةً لجانب واحد أو ملزمةً للجانبين.
2- الفرق بين فسخ العقد وبين انفساخ العقد
فقد ورد الانفساخ في (المادة 247) من القانون المدني الأردني حيث نصت على: “في العقود الملزمة للجانبين إذا طرأت قوة قاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلًا؛ انقضى معه الالتزام المقابل له، وانفسخ العقد من تلقاء نفسه…..”. وبذلك يتفق كلًا من الفسخ والانفساخ في الآثار المترتبة عليهم، حيث يؤدي كل منهما إلى انحلال العقد وزوال الآثار المترتبة عليه بأثر رجعي.
أما أوجه الاختلاف يمكن في السبب، ومصدر الحكم به، ومدى المطالبة بالتعويض
فبالنسبة للسبب:
المطالبة بفسخ العقد تأتي بسبب عدم تنفيذ أحد المتعاقدين التزامه المتفق عليه في العقد. أما الانفساخ فيكون سببه أن تطرأ قوة قاهرة على العقد فتجعل تنفيذ أحد الالتزامات مستحيلة.
أما مصدر الحكم به:
فالفسخ يُعد اختياريًا يمكن أن يتم بالاتفاق بين طرفي العقد، كما يمكن أن يقضي به القاضي أو يمكن المطالبة بتنفيذ الالتزام. أما الانفساخ فإنه يتم بقوة القانون؛ لاستحالة تنفيذ الالتزام بسبب القوة القاهرة التي طرأت على العقد.
وفيما يخص مدي المطالبة بالتعويض:
ففي الفسخ يمكن لأحد طرفي العقد المطالبة بالتعويض عما لحق به من ضرر بسبب إخلال الطرف الثاني بالتزامه التعاقدية الجوهرية. أما الانفساخ لا يُكون مقررًا به تعويضًا لأي من طرفي العقد؛ لأن عدم تنفيذ الالتزام جاء بسبب قوة قاهرة لا يكون للمدين يد فيه.
خامسًا: أنواع فسخ العقد
يمكن تقسيم الفسخ إلى نوعان اتفاقي يتم بالاتفاق بين طرفي العقد، وقضائي باللجوء إلى القضاء عند الإخلال بتنفيذ الالتزامات التعاقدية الجوهرية، وذلك فيما يلي:
1- الفسخ الاتفاقي (الشرط الفاسخ للعقد)
يُقصد بالفسخ الاتفاقي: “اتفاق المتعاقدين مقدمًا على استبعاد اللجوء إلى القضاء لتقرير فسخ العقد في حالة إخلال أي منهما بالتزاماته التعاقدية، ويتم ذلك بإدراج بند فاسخ بمقتضاه يعتبر العقد مفسوخًا تلقائيًا دون حاجة إلى حكم قضائي”([4]). وذلك طبقًا لما وردَّ في (المادة 245) من القانون المدني الأردني، حيث نصت على: “يجوز الاتفاق على أن يُعتبر العقد مفسوخًا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه وهذا الاتفاق لا يعفي من الأعذار إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحةً على الإعفاء منه”.
وقد يكون الاتفاق على فسخ العقد صريحًا أو ضمنيًا، والاتفاق الصريح يؤدي إلى تقيد سلطة القاضي في الحكم بالفسخ وحرمانه من سلطته التقديرية في إقرار الفسخ أو منح أجلًا لتنفيذ الالتزام. وتختلف الآثار المترتبة على الشرط الفاسخ حسب الصيغة المدون بها في العقد وذلك فيما يلي:
– إذا كان الشرط مدونًا بأن يكون العقد مفسوخًا: يجب إعذار الطرف المُخِل في العقد قبل طلب الفسخ، ويجب اللجوء إلى القضاء؛ لطلب الحكم بالفسخ، وللقاضي سلطة تقديرية في الحكم بالفسخ.
– إذا كان الشرط مدونًا بأن يكون العقد مفسوخًا من تلقاء نفسه: فيجب إعذار الطرف المُخِل في العقد قبل طلب الفسخ، ولابد من اللجوء للقضاء لطلب الحكم بالفسخ، ولكن ليس للقاضي سلطة تقديرية في إقرار الفسخ أو منح أجلًا لتنفيذ الالتزام حيث يكون قراره كاشفًا وليس منشئًا.
– إذا كان الشرط مدونًا بأن يكون العقد مفسوخًا من تلقاء نفسه دون الحاجة إلى حكم: في هذه الحالة لا يلزم الطرف الراغب في فسخ العقد اللجوء إلى القضاء لطلب الفسخ، ولكن يجب إعذار الطرف المُخِل في العقد قبل طلب الفسخ.
– إذا كان الشرط مدونًا بأن يكون العقد مفسوخًا من تلقاء نفسه دون الحاجة إلى حكم أو إنذار: في هذه الحالة يتقرر الفسخ من تلقاء نفسه ودون الحاجة كذلك إلى إعذار المدين أو حتى إقامة دعوى أمام القضاء، لكن يجب أن يتم الاتفاق على الإعفاء من الإنذار بشكل صريح؛ حتى يعتد به، حيث يرغب الأطراف في الإعفاء من أي رقابة قضائية.
2- الفسخ القضائي
الأصل أن الفسخ لا يقع إلا بحكم القضاء ما لم يوجد اتفاق على الفسخ، وذلك وفقًا (للمادة 246) من القانون المدني الأردني، وهناك تعريفات عديدة للفسخ القضائي منها: “حل ارتباط العقد الملزم للجانبين بحكم يصدر من القضاء بناء على طلب أحد المتعاقدين بسبب تقصير المتعاقد الآخر في تنفيذ التزاماته”([5]). ولابد من ملاحظة أن رفع دعوى الفسخ لا تعني بأن يحكم القاضي بالفسخ، إنما يجب توافر شروط معينه -سنذكرها لاحقًا- للحكم بفسخ العقد، كما أن سلطة القاضي في الحكم بالفسخ تقديرية، فله فسخ العقد أو منح أجلًا لتنفيذ العقد.
سادسًا: شروط فسخ العقد
يشترط لقيام الحق في الفسخ -سواء كان قضائيًا أو اتفاقيًا- أن تتوافر شروط ثلاثة وهي، وذلك فيما يلي:
1- أن يكون العقد المبرم من العقود الملزمة للجانبين
يشترط لوقوع الفسخ أن يكون العقد بين الطرفين من العقود الملزمة للجانبين التي ترتب التزامات على عاتق كل من طرفي العقد سواء كان من العقود الفورية أو العقود المستمرة أو العقود محددة المدة كعقد البيع أو الإيجار؛ لأن الفسخ يقوم على فكرة الارتباط بين الالتزامات المتقابلة. “والحكمة من اشتراط العقد الملزم للجانبين أن نوعية هذه العقود هي التي يظهر فيها أهمية الفسخ، كوسيلة تمكن المتعاقد المستعد لتنفيذ الالتزامات من حرمان الطرف الآخر من أية مصلحة تعود عليه من العقد”([6]).
أما في العقود الملزمة لجانب واحد كالوديعة أو الهبة لا يتصور وقوع الفسخ فيها؛ “لأن الملتزم يكون متعاقد واحد فقط، وإذا تخلف عن تنفيذ التزامه فلا يكون للمتعاقد الآخر مصلحة في المطالبة بالفسخ إذ إنه ليس في ذمته التزام مقابل يهمه أن يتحلل منه بطلب الفسخ”([7])، وإنما يمكن مطالبته بالتنفيذ عينيًا أو التعويض عن عدم تنفيذ الالتزام.
2- إخلال أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزاماته العقدية الجوهرية
يشترط لوقوع الفسخ أن يكون أحد المتعاقدين أخل بتنفيذ التزاماته العقدية الجوهرية، حيث يحق للمتعاقد الآخر طلب فسخ العقد إذا لم ينفذ الطرف الثاني التزامه بشكل كلي، أو حتى لو نفذ بعض التزاماته دون أن يُنفذ باقي الالتزامات، أو تم تنفيذ كامل التزاماته، ولكن بشكل معيب أي ليس وفقًا للشروط المتفق عليها في العقد.
ويجب أن يكون عدم تنفيذ الطرف المُخِل لالتزامه التعاقدية راجعًا إلى تقصير المتعاقد، “أما إذا كان عدم التنفيذ راجعًا إلى استعمال حق مشروع له كحقه في الدفع بعدم التنفيذ أو الحبس فلا يتحقق موجب قيام حق الطرف الآخر في إيقاع الفسخ”([8]).
أما إذا كان عدم التنفيذ راجعًا إلى سبب أجنبي عن المتعاقد كقوة قاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلًا استحالةً مطلقةً، فهنا لا يصح الفسخ إنما ينفسخ العقد بقوة القانون وفقًا (للمادة 247) من القانون المدني الأردني.
ولكن إذا كان تنفيذ الالتزام مستحيلًا استحالةً جزئيةً، أي تنفيذ أحد الالتزامات دون الباقي أو استحالةً وقتيةً أي يستحيل التنفيذ لمدة معينة؛ فهنا يمكن للمتعاقد الآخر طلب فسخ العقد، ويخضع الفسخ هنا لتقدير القاضي فله أن يقر به أو يمنح أجل لتنفيذ العقد، وذلك وفقًا (للمادة 247) من القانون المدني الأردني حيث نصت على: “……. فإذا كانت الاستحالة جزئيةً انقضى ما يقابل الجزء المستحيل، ومثل الاستحالة الجزئية الاستحالة الوقتية في العقود المستمرة، وفي كليهما يجوز للدائن فسخ العقد بشرط علم المدين”.
3- ألا يكون المتعاقد طالب الفسخ مقصرًا في تنفيذ التزاماته التعاقدية
يشترط لوقوع الفسخ أن يكون طالبه قد نفذ التزامه أو على استعداد لتنفيذه؛ لأنه ليس من العدل أن يكون مقصرًا في تنفيذ التزامه، ويطالب بتوقيع جزاءً على الطرف الآخر، حيث إنه لا يتصور أن يستفيد الطرف المُخل من إخلاله.
ويمكن لطرفي العقد المطالبة بفسخ العقد ولا يقتصر الأمر على الطرف غير المُخل فقط، “فقد يظن البعض أن خيار الفسخ فقط متاح للطرف غير المُخِل، ولكن فعليًا قد نجد بأن الطرف المُخِل ما منعه عن تنفيذ التزامه هو بفعل الطرف الآخر، وفي هذه الحالة يستطيع الطرف المُخِل في هذه الحالة الامتناع عن التنفيذ ريثما يقوم الطرف الآخر بتنفيذ التزامه؛ وهو ما يسمى بالدفع بعدم التنفيذ، بل يمكنه أيضا فسخ العقد والمطالبة بالتعويص”([9]).
4- القدرة على إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التعاقد
يشترط لوقوع الفسخ أن يكون طالب الفسخ قادر على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل التعاقد، وذلك تحقيقًا للأثر الرجعي للفسخ، مثال ذلك في عقد البيع إذا تم فسخه يلتزم المشتري برد الشيء المبيع إلى البائع الذي لم يدفع الثمن.
أما إذا كان غير قادر على رد ما أخذه وإعادة الحال إلى ما كان عليه فلا يحق له طلب الفسخ، “مثال ذلك فلو كان الموكل قد تسلم الشيء بمقتضى عقد الوكالة التجارية وقام ببيعه إلى الآخرين أو أنه قد استهلكه فلا يجوز له حينئذ طلب الفسخ”([10]). ولكن إن كان الطرف المُخِل من استحال عليه إعادة الوضع إلى أصله، فذلك لا يمنع من الفسخ، ولكن يقضى عليه بالتعويض؛ لما تعذر إرجاعه إلى ما كان عليه الحال قبل التعاقد.
أما في العقود الزمنية فإن الأثر الرجعي للفسخ لا يمتد إليها حيث يستحيل إعادة الحال إلى ما كان عليه، فيجوز المطالبة بالفسخ دون أن يمس ما سبق تنفيذه، مثال ذلك فسخ عقد الإيجار لا يتأثر المستأجر بالمنفعة التي حققها قبل فسخ العقد، ويمكن للمؤجر طلب التعويض عن هذه المدة.
5- لابد أن يَعذر طالب الفسخ الطرف المُخل قبل رفع دعوى الفسخ
يشترط لوقوع الفسخ أن يتم إعذار المدين للحكم بالفسخ، وحتى لو كان هناك اتفاقًا على الفسخ بين المتعاقدين (الفسخ الاتفاقي) لا يعفي الدائن من إعذار المدين، وذلك وفقًا (للمادة 246) من القانون المدني الأردني.
ويتم إعذار المدين بإحدى الطريقتين الآتيين:
- إنذاره رسميًا بتنفيذ الالتزام بموجب إنذار علي يد محضر.
- توجيه إنذار له عن طريق دعوى الفسخ على أن يتضمن البيان تكليف المدعى عليه بالوفاء بالتزامه.
سابعًا: آثار فسخ العقد
بما أن الفسخ يرد على عقد صحيح محقق آثاره القانونية ويرتب حقوق والتزامات لطرفي العقد وكذلك تمتد الحقوق إلى الغير، فلابد من معرفة الأثر الرجعي للفسخ سواء بالنسبة للمتعاقدين أو بالنسبة للغير وذلك فيما يلي:
1- آثار الفسخ بين المتعاقدين
يترتب على وقوع الفسخ زوال أثر العقد فيما بين المتعاقدين بأثر رجعي وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التعاقد، وهذا طبقًا لما نصت عليه (المادة 248) من القانون الدني الأردني: “إذا انفسخ العقد أو فُسِخ؛ أُعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فإذا استحال ذلك؛ يحكم بالتعويض”. ويتبين من المادة المذكورة أنه إذا استحال إرجاع المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها يُحكم بالتعويض، ويمكن تفصيل آثار فسخ العقد في النقاط الآتية:
- انقضاء التزامات المتعاقدين:
بحيث إذا لم يُنفذ الالتزامات لم يطالب أحد بتنفيذه، وإذا نُفذ جزء من الالتزام لا يطالب بتنفيذ باقي الالتزامات أي يحل كل من طرفي العقد من الالتزامات التي رتبها العقد، مثال ذلك عند فسخ عقد البيع يلتزم المشتري برد الشيء المبيع ويرد الآخر الثمن.
- حق الاسترداد:
طبقًا للأثر الرجعي للفسخ وإعادة الحال إلى ما كان عليه فيرد كل منهما ما تسلمه إلى الآخر، ففي عقد البيع رد الشيء المبيع وفي عقد الإيجار يتم التخلية في العقار الشيء.
وليس للمشتري أن يطالب بفوائد ما دفعه وبالمقابل ليس للبائع المطالبة برد غلة مبيعه، أي أنه إذا زاد قيمة الشيء المبيع أثناء العقد وتم فسخه؛ فإنه يلتزم برد الشيء المبيع فقط دون أن يسأل على الزيادة.
- حق الحبس:
يكون لأي من طرفي العقد الاحتفاظ بما أخذه إذا لم يسلمه المتعاقد الآخر الشيء الذي أستلمه منه، وذلك وفقًا (للمادة 249) من القانون الدني الأردني حيث نصت على: “إذا انحل العقد بسبب البطلان أو الفسخ أو بأي سبب آخر وتعين على كل من المتعاقدين أن يرد ما استولى عليه جاز لكل منهما أن يحبس ما أخذه ما دام المتعاقد الآخر لم يرد إليه ما تسلمه منه أو يقدم ضمانا لهذا الرد”.
- الحكم بالتعويض:
إذا تعذر إعادة الحال إلى ما كان عليه كاستحالة رد المبيع لهلاكه أو تم بيعه إلى طرف ثالث فهنا يمكن الحكم بالتعويض بمبلغ مناسب للضرر الذي لحق بالدائن أي أن الحكم بالتعويض يكون أساسه المسئولية التقصيرية وجبر عن الضرر الناتج وليس من آثار الفسخ.
ويتعين بيان مدي تطبيق قاعدة الأثر الرجعي للفسخ على العقود الفورية والمستمرة، يختلف الأثر باختلاف نوع العقد وذلك فيما يلي:
- في العقود الفورية:
يقصد بالعقود الفورية العقود التي يترتب على إبرامها التزامات معينة تُنفذ في اللحظة ذاتها ولا يدخل الزمن فيها. وتخضع هذه العقود للأثر الرجعي للفسخ أي انقضاء الالتزامات وحق الاسترداد وحق الحبس والمطالبة بالتعويض والذي سبق وأن ذكرنها.
- في العقود المستمرة:
يُقصد بالعقود المستمرة العقود التي يكون فيها الزمن عنصر جوهري كعقد الإيجار. وهنا نجد أن الفقه اختلف في مدي تطبيق الأثر الرجعي للفسخ عليها، حيث اتجه البعض إلى أن أثر الفسخ يسري على هذه العقود ككافة العقود ولا يجب استثناءها. أما الرأي الأغلب يرى أن أثر الفسخ في هذه العقود يقتصر على المستقبل فقط دون أن يكون له أثر رجعي على الماضي.
ومن جانبنا نؤيد الرأي الغالب حيث يصعب تحقق الأثر الرجعي للفسخ في العقود المستمرة، وذلك لصعوبة إعادة الحال إلى ما كان عليه فمثلًا في عقد الإيجار لا يمكن استرجاع المنفعة التي استفاد بها المستأجر خلال مدة الإيجار قبل الفسخ، وكذلك في عقد العمل كيف يتم رد العمل الذي قام به العامل. وبذلك ينصب حكم الفسخ على المستقبل أما الآثار التي رتبها العقد قبل الحكم بالفسخ يظل محتفظًا بها ولا يمكن إزالتها، إنما يمكن التعويض عنها وذلك يعد استثناء على الأثر الرجعي للفسخ.
2- آثار الفسخ بالنسبة للغير
قبل التعرف على الآثار لابد من تعريف المقصود بالغير وهو: ” كل شخص ليس طرفًا في العقد ولا يرتب العقد التزامًا في ذمته، ولكن يجوز أن يكسبه حقًا”([11]). والقاعدة العامة في الفسخ هي زوال حقوق الغير، ولكن لحماية الغير حسن النية ورغبة في استقرار المعاملات يوجد بعض الاستثناءات على هذه القاعدة وذلك فيما يلي:
- القاعدة العامة:
يترتب على الفسخ انحلال الرابطة التعاقدية، وزوال الالتزامات بالنسبة للمتعاقدين والغير ومحو آثاره بأثر رجعي. مثال ذلك إذا تصرف المشتري بالمبيع إلى شخص ثالث بموجب عقد بيع، فإن فسخ عقد البيع الأول يؤدي إلى فسخ عقد البيع الثاني أيضًا؛ ومن ثم يسترد البائع الأصلي المبيع ويسترد المشتري الأول الثمن، ويعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، ولا يجوز للطرف الثالث أن ينكر انحلال العقد، وبذلك يكون الفسخ حجة على الكافة.
- الاستثناء على القاعدة:
وإذا كانت القاعدة العامة كما ذكرناها بأن الغير يتأثر من الفسخ بأثر رجعي للغير إلا أنه يستثنى من هذه القاعدة الحالات الأتية:
إذا اكتسب الغير بحسن نية حقًا عينيًا على العقار الذي يرد عليه العقد الذي فسخ وذلك قبل تسجيل دعوى الفسخ؛ عندها يبقى حقه ولا يتأثر بالأثر الرجعي للفسخ مثال ذلك لو قام المشتري برهن المبيع بدين عليه للغير حسن النية والذي قام بتسجيل الرهن في دائرة التسجيل وبعد ذلك فسخ العقد فيعود المبيع للبائع محملا بالرهن. وهذا وفقًا لما ورد في (المادة 1345) من القانون المدني الأردني.
إذا اكتسب الغير حقًا يتعلق بالشيء الذي ورد عليه العقد الذي فسخ وذلك بمقتضى عقد من عقود الإدارة؛ كعقد الإيجار مثلًا فإن حق المستأجر يبقى قائم بالرغم من وقوع الفسخ، ولكن بشرط توافر حسن النية وأن تكون مدة الإيجار معقولةً وأن يكون الأجر مناسب.
إذا اكتسب الغير حقا عينيا بالتقادم القصير، حيث لا يلحق الأثر الرجعي للفسخ إذا وقعت على الحيازة عقار أو حق عيني عقاري وكان غير مسجل في دائرة التسجيل، واقترنت الحيازة بحسن النية، واستندت في الوقت ذاته إلى سبب صحيح؛ فإن المدة التي تمنع من سماع الدعوى تكون سبع سنوات، وذلك بناءً على ما نصت عليه (المادة 1182) من القانون المدني الأردني.
الحيازة في المنقول سند الملكية، فمن يحوز منقولًا بمقتضى سبب صحيح، وأن يكون بحسن نية أي غير عالم بالخطر الذي يهدد ذلك المنقول من أثر الفسخ؛ فإنه يكسب الحق الذي يتلقاه بالرغم من وقوع الفسخ دون أن يتأثر حقه بأي أثر رجعي للفسخ (المادة 1189) من القانون المدني الأردني.
ثامنًا: سلطة القاضي في تقرير الفسخ
توافر شروط الفسخ والمطالبة به لا يعني إلزام القاضي بالحكم بفسخ العقد، وإنما يكون للقاضي وفقًا لما منحه القانون سلطة الاختيار بين فسخ العقد أو رفض طلب الفسخ أو تنفيذ الالتزام في الحال أو منحه أجل معين لتنفيذ التزامه، وذلك طبقا للمادة (246/2) من القانون الدني الأردني حيث نصت على: “ويجوز للمحكمة أن تلزم المدين بالتنفيذ للحال أو تنظره إلى اجل مسمى ولها أن تقضي بالفسخ وبالتعويض في كل حال إن كان له مقتضى”.
وبذلك يتضح أن القاضي له سلطة تقديرية في اختيار أي من الأثار القانونية التي حددها القانون حسب تقدير جسامة عدم التنفيذ وأسباب عدم التنفيذ، وسنوضح نطاق السلطة التقديرية للقاضي في فسخ العقد فيما يلي:
1- رفض طلب الفسخ
يكون للقاضي رفض طلب الفسخ رغم توافر شروطه إذا رأي أن المدين نفذ أغلب التزاماته ولم يبقَ إلا جزء يسير لم يؤثر على الدائن، أو أن عدم تنفيذ الالتزام ليس راجعًا إلى تعمد من الطرف المُخِل وأنه كان يسعى لتنفيذ الالتزام، أو أن تنفيذ الالتزام يتطلب تعاون بين طرفي العقد وتقاعس الطرف المُخِل عن هذا التعاون؛ مما يجعل عدم التنفيذ بسبب إهمال الدائن وليس بسبب المدين، كل هذه الأسباب تجعل للقاضي الحق في رفض طلب الفسخ؛ لأن عدم التنفيذ ليس به إهمال أو تقصير من قبل المدين أو قليل الأهمية بالنسبة لتنفيذ الالتزام.
2- قبول طلب الطرف غير المُخِل فسخ العقد
إذا كان عدم تنفيذ الالتزام راجعًا إلى تعمد أو تقصير من الطرف المُخِل، وأدى عدم التنفيذ إلى إحداث أضرار جسيمة للدائن؛ فيكون للقاضي عند التحقق من توافر شروط الفسخ الحكم به، وإنهاء الأثر القانوني للعقد بأثر رجعي.
كما يمكن للقاضي الحكم بفسخ العقد إذا كان يستحيل تنفيذ الالتزام، وترجع سبب الاستحالة إلى فعل المدين وليس إلى سبب أجنبي كسرقة الشيء المبيع بسبب إهمال المدين؛ مما يجعل تسليم المبيع مستحيلًا.
“وأيضًا يكون للقاضي الحكم بفسخ العقد عندما لا تكون استحالة التنفيذ راجعة للمدين وحده، بل يُساهم فعل الغير مع فعل المدين في تحقيق استحالة التنفيذ بصرف النظر عن مدى مساهمة الغير أي سواء استغرق خطأ غير الخطأ المدين أم أن خطأ المدين استغرق خطأ الغير ففي كلا الفرضين يكون للقاضي الحكم بفسخ العقد”([12]).
3- منح المدين أجلا للوفاء بالالتزام (نظرة ميسرة)
يُمكن للقاضي أن يرفض طلب الفسخ، ويمنح المدين أجلًا؛ لتنفيذ الالتزام إذا رأي أنه يمكن للطرف المُخِل أن يُنفذ التزامه خلال هذه المدة دون أن يؤثر ذلك على الطرف الآخر بأي أضرار، وأن معاملاته السابقة تثبت مدى التزامه وعدم تقاعسه إلا إذا كان هناك ظروف أدت إلى عدم التنفيذ كمرض الطرف المُخِل.
“والرأي المتفق عليه هو أنه لا يجوز أن تمنح الطرف المُخِل بهدف تجنبه دعوى الفسخ مهلة ثانية، فنظرة الميسرة لا تمنح للمذكور إلا مرة واحدة، ولذا فإن انتهاء المدة التي منحت له للوفاء بالتزاماته الناشئة عن العقد يترتب عليها انفساخ العقد مباشرةً ومن تلقاء نفسه، حتى ولو لم يتضمن الحكم الذي بموجبه منح الطرف المُخِل المهلة للتنفيذ إشارة إلى هذا الأثر أي انفساخ العقد من تلقاء نفسه”([13]).
4- الحكم للطرف غير المُخِل بالتعويض
إذا كان عدم تنفيذ الطرف المُخِل لالتزامه أدى إلى إحداث أضرار جسيمة للطرف الآخر؛ فعندئذٍ يكون للقاضي الحكم بفسخ العقد وإلزام الطرف المُخِل بدفع تعويض مناسب للضرر الذي أصاب الطرف الآخر. وسلطة القاضي في الحكم بالتعويض تكون تقديريةً، ويتم تقديرها حسب ما إذا كان عدم التنفيذ راجعًا إلى خطأ الطرف المُخِل وحده أو كان للغير يد في الخطأ، ويؤسس الحكم بالتعويض على أساس المسئولية التقصيرية.
ويشترط لاستحقاق التعويض توافر عدة شروط وذلك فيما يلي:
– عدم تنفيذ الطرف المُخل لالتزامه أو التأخير في التنفيذ.
– أن يلحق بالطرف الآخر ضرارًا جسيم، ولابد أن يكون الضرر مباشر ومتوقع.
– أن يكون هناك علاقةً سببيةً بين الضرر الذي أصاب الطرف المتعاقد وبين خطأ الطرف المُخِل.
– لابد من إعذار الطرف المُخِل برفع الدعوى.
وعبء إثبات توافر هذه الشروط يقع على عاتق الطرف الذي يُطالب بالتعويض وفقًا للقواعد العامة.
تاسعًا: سقوط الحق في التمسك بالفسخ
لم يتناول المشرع الأردني سقوط الحق في رفع دعوى الفسخ بنص خاص بما يبرر الرجوع إلى القواعد العامة، والتي تقضي بأنه تتقادم دعوى الفسخ بمضي خمسة عشر سنة من تاريخ ثبوت الحق في الفسخ، والذي يكون من تاريخ الإعذار.
وذلك وفقًا لما جاء في الطعن رقم (261) لسنة 2014م الصادر من محكمة تمييز حقوق: “إن المقرر أن دعوى الفسخ تسقط بالتقادم الطويل أي بمضي خمس عشر عامًا من وقت عدم التنفيذ بتقدير أنه الوقت الذي قام فيه حق الدائن بطلب الفسخ فإذا كان الإعذار واجباً تحدد وقت عدم التنفيذ بتاريخ إعلانه أو بفوات المهلة المحددة فيه. ومن المقرر أنه لا ضرورة للإعذار إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن وغير مجد بفعل المدين وأن المانع الذي يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ويكون ناشئًا عن تقصيره لا يوقف سريان التقادم”. (“الميزان | البوابة القانونية القطرية | أحكام | محكمة …”)
عاشرًا: سوابق قضائية لفسخ العقد
لقد ورد في الحكم رقم (570) لسنة2007م الصادر من محكمة تمييز حقوق الآتي: “على ذلك نجد أن محكمة الاستئناف بصفتها محكمة موضوع وجدتا لخبرة الفنية التي جرت على السيارة موضوع الدعوى بان هناك خطا في الطريقة التي صممت فيها مسارات مواسير زيت البريك بشكل لا يوفر شرط التوازن مما يؤدي الى عدم توازن المركبة أثناء القيادة وانحرافها أثناء استخدام البريك وان هذا العيب مصنعي من المنشأ ولا يتم تصويبه إلا عن طريق إعادة المركبة الى الشركة الصانعة ووضع التصميم الصحيح وحيث إن محكمة الموضوع قد اقتنعت بهذا التقرير للصلاحية الممنوحة لها بالمادة 83 من قانون أصول المحاكمات المدنية فلا رقابة لمحكمتنا عليها في هذه المسالة الموضوعية التقديرية ما دام أن تقرير الخبرة جاء مستوفيا لشرائطه القانونية ولم يرد أي مطعن قانوني يجرح هذا التقرير. لذلك ، فإن رفض المدعى عليه إنهاء عقد البيع بسبب عيب خفي من الشركة المصنعة ، والذي يمثله المدعى عليه ، بائع هذه السيارة ، لا يتوافق مع سيادة القانون. ولما كانت المحكمة الابتدائية قد قضت بإلغاء عقد البيع لعيب خفي ، وإعادة الأطراف المتعاقدة إلى الحالة التي كانوا فيها وقت التعاقد ، وإلزامهم بإعادة المبلغ الذي حصلوا عليه وفق القاعدة. وبالتالي فإن هذه الأسباب موجبة للرد. لما تقدم نقرر رد أسباب التمييز وتأييد القرار المميز وإعادة الأوراق لمصدرها”.
كما قضت محكمة تمييز حقوق في حكمها رقم (2862) لسنة 2020م بأن: “حيث إن العلاقة ما بين المميز والمميز ضده علاقة عقدية وان المميز ضده من الغير حسن النية فيتوجب تسليمه المبيع مجردا من كل حق آخر عملا (بالمادة 488) من القانون المدني وعلى البائع إن يضمن سلامة المبيع من أي حق للغير يعترض المشتري حسب أحكام المادة 503 مدني. وحيث ظهر للمدعي بعد البيع أن على قطعة الأرض موضوع الدعوى حقا للغير فان الحكم بفسخ عقد البيع واسترداد الثمن يتفق وصحيح القانون. وحيث توصلت محكمة الاستئناف للنتيجة التي توصلنا إليها فان هذه الأسباب لا ترد على القرار المميز مما يستوجب ردها وإصرارها على قرارها السابق واقع في محله”.
كما ورد في الحكم رقم (739) لسنة 1994م محكمة تمييز حقوق ما يلي: “عن السبب الأول: فإنه بالنسبة للشق الأول من هذا السبب، فإن الشرط الوارد في المادة الرابعة من العقد، تنصب على شرط الحصول على رخصة مهن جديدة وترخيص صناعي جديد حتى يمكن تجنب فسخ العقد، وكلاهما لم تتمكن المميز ضدها من الحصول عليها لعدم توافر الشروط التي تشترطها وزارة الصحة في المصنع والآلات، فإن هذا الشرط الذي يسمح بالفسخ يكون متوافرا، ولا يرد الادعاء بالتفرقة بين ترخيص لصناعة قائمة وترخيص لصناعة منوي إنشاؤها، لان المقصود في العقد هو ترخيص جديد وليس مجرد نقل الترخيص القديم، وأن العقود تنفذ طبقا لما تشمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية،……وعن السبب الثالث: فقد تم الرد عليه في الجزء الأول من الرد على السبب الأول من حيث توافر أسباب فسخ العقد، لعدم تمكن المميز ضدها من الحصول على الرخصة الوارد بيانها في المادة الرابعة من العقد، مما يوجب رد هذا السبب….وعن السبب الخامس : فان المميز ضدها قامت بتوجيه إنذار للمميزة ينصب في جزء منه على طلب فسخ العقد، وبالتالي يكون الإنذار المطلوب توجيهه قبل فسخ العقد إعمالا لنص (المادة 246) من القانون المدني متوافرا….. لذا وحيث إن جميع أسباب التمييز خلت مما يشكل طعنا في صحة الحكم، فإننا نقرر رد التمييز وتأييد القرار المميز وإعادة الأوراق لمصدرها”.
[1]– توفيق حسن فرج، النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام، ص (321).
[2]– الشواربي عبد الحميد، فسخ العقد في ضوء القضاء والفقه، ص (9). ( انظر مقال عن كيفية كتابة العقد )
[3]– فاطمة حسن، فسخ العقد في القانون المدني اليمني والقانون المدني الأردني، ص (85).
[4]– إبراهيم الدسوقي أبو الليل، نظرية الالتزام، العقد والإرادة المنفردة، ص (420).
[5]– أمجد محمد منصور، نظرية مصادر الالتزام، ص (112).
[6]– عبد الرشيد مأمون، الوجيز في مصادر الالتزام، ص (256).
[7]– أحمد شرف الدين، نظرية الالتزام في مصادر الالتزام، ص (416).
[8]– عبد الرشيد مأمون، مرجع سابق، ص (257).
[9]– السنهوري، نظرية العقد الجزء الأول، ص (687).
[10]– نزية محمد الصادق المهدي، النظرية العامة للالتزام، ص (297،296).
[11] حسين بسام حسين محمد، مفهوم الغير في إطار الروابط القانونية، ص (5).
[12]– أحمد محمود سعد، النظرية العامة للالتزامات، ص (312).
[13]– عبد الفتاح عبد الباقي، مصادر الالتزام، ص (726).