يعتبر الحق العام ركيزة أساسية لتحقيق العدالة المجتمعية باعتبار أن المجني عليه ليس فقط المتضرر من الجريمة بل أيضا المجتمع وهو صاحب الحق العام ، فإذا كان المجرم يعتقد أن خصمه الوحيد أمام القضاء هو المجني عليه وليس لأحد غيره المطالبة بمعاقبته فاعتقاده هذا خاطئ، فخصمه أمام القضاء بالإضافة إلى حق المجني عليه وهو ما يسمى بالحق الشخصي هو المجتمع بأكمله تمثله النيابة العامة وهو ما يسمى بالحق العام وهو ترسيخ لمبدأ سيادة الدولة، فالجرائم التي ترتكب لا يقتصر أثرها على المجني عليه، بل أنها تهدد سلامة وأمن واستقرار المجتمع فيجب أن يعلم كل من تسول له نفسه بارتكاب جريمة جزائية أنه سيسأل عن جرمه من المجتمع والمجني عليه، وسيسأل عنه أمام الله عز وجل يوم القيامة، فما هي دعوى الحق العام وما هي شروطها وعلاقتها بالحق الشخصي، وسقوطها، والتنازل عن الحق العام، نبين الأحكام المتعلقة به.
والجرائم الجزائية عديدة منها ما يرتبط تحريك دعوى الحق العام فيها على تحريك دعوى الحق الشخصي، ومنها ما لا يتوقف تحريك دعوى الحق عام لا تحريك دعوى الحق الشخصي، فما هي هذه الجرائم ؟، وما المقصود بالحق العام والحق الشخصي؟، وما مدى الارتباط بينهما؟ وتأثيرهما على الدعوى المرفوعة أمام القضاء؟
سنتعرف على كل ذلك بالاستناد إلى قانون العقوبات لسنة 1960 وتعديلاته، وقانون أصول المحاكمات الجزائية وتعديلاته، وذلك على النحو التالي:
جدول المحتويات
الهدف من وجود الحق العام وما يميزه عن الحق الشخصي
مدى ارتباط الحق العام بالحق الشخصي
أثر إسقاط دعوى الحق الشخصي على دعوى الحق العام
سقوط دعوى الحق العام بسقوط دعوى الحق الشخصي
سقوط دعوى الحق العام بوفاة المحكوم عليه
سقوط دعوى الحق العام بالعفو العام
ما هو المقصود بالحق العام؟
هو حق للمجتمع تمثله النيابة العامة في المطالبة بمجازاة الجاني أمام القضاء حسب أحكام القانون الأردني، والحق الشخصي هو حق المجني عليه أو من يمثله (الشاكي) في المطالبة بمجازاة الجاني (المشتكى عليه) حسب أحكام القانون، كما له أن يتخذ في الشكوى صفة الادعاء بالحق الشخصي يطالب بمقتضاها الحكم له بالتعويض عما لحقه من ضرر تسبب به الجرم المرتكب من الجاني.
الهدف من وجود الحق العام وما يميزه عن الحق الشخصي
إن ما يهدف إليه هو ليس نسبة الجرم إلى الجاني بقدر ما أن الهدف كشف الحقيقة بناءً على ما توصلت إليه النيابة العامة من خلال إجراءات التحقيق، وجمع الأدلة والمعلومات حول الجريمة المرتكبة ونسبتها إلى المشتكى عليه، كما أن الهدف من وجوده هو التأكد من صحة الإجراءات القضائية المتخذة من لحظة تقديم الشكوى لحين صدور حُكم بات من المحكمة، وهذا ما يميزه عن الحق الشخصي الذي يسعى من خلاله الشاكي بنسبة الجرم إلى المشتكى عليه.
هل يجوز التنازل عن الحق العام والحق الشخصي؟
للشاكي المدعي بالحق الشخصي التنازل عن شكواه بعد رفعها إلى المحكمة، فهو حق خاص به له أن يطالب بمعاقبة الجاني وله حرية الامتناع عن ذلك، أما الحق العام هو حق للمجتمع بأكمله وبتالي لا يجوز للنيابة العامة أن تتنازل عن هذا الحق، فهو ليس حق تختص به النيابة العامة لوحدها، بل هي تمثل مجتمع بأكمله، ولا يجوز التنازل عنه أو تركه أو تعطيل السير به إلا في الأحوال التي نص القانون عليها.
مدى ارتباط الحق العام بالحق الشخصي
لا شك أن هناك ارتباط بين دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي أمام القضاء ، إلا أن درجة هذا الارتباط تختلف من جريمة لأخرى ، فهناك جرائم يكون الحق العام ذات صلة وثيقة بالحق الشخصي بمعنى أنه يتبعهُ قانونياً ، فإذا تم تحريك دعوى الحق الشخصي يتم تحريك دعوى الحق العام ، وفي حال سقوط دعوى الحق الشخصي تسقط دعوى الحق العام ، وهناك جرائم تنفصل فيها هذه الرابطة ويستقل فيها الحق العام عن الحق الشخصي ، فتحرك دعوى الحق العام فيها دون الحاجة لوجود شكوى من المجني عليه أو المتضرر ، ولا تسقط حتى لو سقطت دعوى الحق العام ، فحق المجتمع بمجازاة الجاني ومعاقبته يبقى قائماً أمام القضاء .
أثر إسقاط دعوى الحق الشخصي على دعوى الحق العام
يختلف الأثر باختلاف الجريمة فإذا كانت من الجرائم التي يشترط فيها القانون لتحريك دعوى الحق العام وجود شكوى فإن سقوط الشكوى يترتب عليه سقوطها، مثل جرائم الذم والقدح والتحقير، وجرائم الإيذاء البسيط، جريمة الزنا، جريمة الاحتيال، جريمة السرقة، جرم استيفاء الحق بالذات، جرائم التهديد، جريمة خرق حرمة المنازل.
سقوط دعوى الحق العام بسقوط دعوى الحق الشخصي
تسقط دعوى الحق العام بسقوط دعوى الحق الشخصي في الأحوال التي يشترط فيها القانون وجود شكوى كما ذكرنا سابقاً، وإسقاط الحق الشخصي يأخذ شكل الصفح والتنازل ، فإن صفح المجني عليه يُسقط الحق العام والعقوبات المحكوم بها التي لم تكتسب الدرجة القطعية ، إذا كانت إقامة الدعوى تتوقف على اتخاذ صفة الادعاء بالحق الشخصي أو تقديم شكوى ، أو إذا كان موضوع الدعوى هو إحدى الجنح التالية المنصوص عليها في قانون العقوبات الأردني والتي لم يحدث فيها التكرار
هل يؤثر صفح المجني عليه عن الجاني على الالتزامات المدنية؟
نعم يؤثر ويسقط حق المجني عليه بالمطالبة بالتعويض، فأساس صفح المجني عليه عن الجاني يتعلق بحقه الشخصي المتعلق بالتعويض وهذا أساس حقه الشخصي في القضايا الجزائية، وبتالي بتنازله عنه يسقط الحق الشخصي، والساقط لا يعود، فلا يجوز له المطالبة بالتعويض أمام المحاكم المدنية، فالحق تحميه دعوى واحدة وقد تم التنازل عنها، فلا يجوز إعادة الادعاء بها، وهذا يعني أن الصفح لا ينقض ولا يجوز الرجوع عن الإسقاط بعد وقوعه.
سقوط دعوى الحق العام بوفاة المحكوم عليه
تسقط بوفاة المحكوم عليه، ويشمل الإسقاط العقوبة الأصلية والإضافية أو الفرعية، ويبقى للمتضرر إقامة دعوى بالتعويض وذلك برجوعه على ورثة المتوفى لدى المحكمة المدنية وان هذه الوفاة تحول دون سماع الدعوى الشخصية أمام القضاء الجزائي.
مبدأ قانوني: سقوط الحق العام بوفاة المشتكى عليه
وحيث ان المادة 336 من قانون أصول المحاكمات الجزائية قد نصت على
1-تسقط دعوى الحق العام والعقوبة بوفاة المشتكى عليه سواء أكان من جهة تطبيق العقوبة الأصلية أو العقوبة الإضافية أو الفرعية.
3_ ويبقى للمتضرر حق إقامة دعوى بالحق الشخصي وبالتعويض على ورثة المتوفى لدى المحكمة المدنية.
سقوط دعوى الحق العام بالعفو العام
تسقط دعوى الحق العام بالعفو العام، ولا يشمل الإسقاط الحقوق المدنية، فللمشتكي المطالبة بالتعويض أمام القضاء المدني، كما يجب الإشارة إلى أنه إذا كانت الجريمة التي شملها العفو العام لا يوجد فيها إسقاط حق شخصي ومن الجرائم التي يشترط فيها سقوط الحق الشخصي لسقوط الحق العام، فلا تسقط دعوى الحق العام.
الحكم رقم 2308 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية
أصدرت محكمة الاستئناف قرارها رقم (22427/2019) والمتضمن: إسقاط دعوى الحق العام عن المستأنف بالنسبة للجرمين المسندين إليه بسبب إسقاط الحق الشخصي من المشتكين وشمول الجرمين بقانون العفو العام رقم (5) لسنة (2019)، طعن بالقرار بالتمييز، تقرر رد التمييز وتأكيد القرار المميز.
سقوط دعوى الحق العام بالتقادم
تسقط دعوى الحق العام بالتقادم، وتختلف مدة سقوطها باختلاف نوع الجريمة، فالتقادم يحول دون تنفيذ العقوبات وتدابير الاحتراز، على أن التقادم لا يسري على العقوبات والتدابير الاحترازية المانعة من الحقوق أو على منع الإقامة والمصادرة العينية.
1_ فإذا كانت الجريمة من نوع جناية تسقط دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي بانقضاء عشر سنوات من تاريخ وقوع الجناية إذا لم تجر ملاحقة بشأنها خلال تلك المدة، وتسقط أيضا الدعويان بانقضاء عشر سنوات على المعاملة الأخيرة إذا أقيمت الدعوى وأجريت التحقيقات ولم يصدر حكم بها.
2_ تسقط دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي في الجنحة بانقضاء ثلاث سنوات إذا لم تجري ملاحقة بشأنها خلال تلك المدة، وتسقط أيضاً الدعويان بانقضاء ثلاث سنوات على المعاملة الأخيرة إذا أقيمت الدعوى وأجريت التحقيقات، ولم يصدر حكم بها.
3_ تسقط دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي في المخالفة بانقضاء سنة كاملة على وقوعها إذا لم تجري ملاحقة بشأنها خلال تلك المدة، وتسقط أيضاً الدعويان بانقضاء سنة على المعاملة الأخيرة إذا أقيمت الدعوى وأجريت التحقيقات، ولم يصدر حُكم بها.
وقوع الجرم هو قبل أكثر من ثلاث سنوات
الحكم رقم 812 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية
وحيث وجدت المحكمة أن المشتكي قد أدلى بشهادته بالقضية رقم (856/2015) بتاريخ 3/4/2016 وأن تاريخ تقديم الشكوى هو 4/4/2019 وبالتالي فإن تاريخ وقوع الجرم هو قبل أكثر من (3) سنوات من تاريخ تقديم الشكوى وحيث إن التقادم في القضايا الجزائية من النظام العام ويجوز للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها وأن المادة (339) من قانون أصول المحاكمات الجزائية قد نصت على أن دعوى الحق العام تسقط بالجنح بمرور ثلاث سنوات على ارتكاب الجنحة مما يستوجب معه إسقاط دعوى الحق العام بالتقادم
وعليه وتأسيسا على ما تقدم قررت المحكمة عملا بأحكام المادة (336) من قانون أصول المحاكمات الجزائية إسقاط دعوى الحق العام للتقادم، رد الادعاء بالحق الشخصي لعدم الاختصاص وتضمين المدعي الرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة.
——————————————————————————————