العرف
يقصد بالعرف هو ما اعتاد عليه الناس واتفقوا عليه فأصبح متعارف عليه بطريقة معينة، فالأعراف في مجتمعنا كثيرة، أعراف اجتماعية وأعراف ثقافية وأعراف سياسية وأعراف تجارية …، وجمعيها جاءت نتيجةً لتراكمات واعتياد الناس عليها فأصبحت بمثابة قانون لديهم، يرتب على فعل الشيء بشكل مغاير عما هو متعارف عليه استهجان البعض وعدم تقبله وقد يلقى قبولاً من البعض الأخر كنوع من التغيير.
مخالفة العرف القانوني
إلا أن العرف القانوني يترتب على مخالفته العقاب وسنتناول الحديث عنه في هذا المقال ، ولا ننكر أن الأعراف تسيطر كثيرا على المجتمعات فتكونت بعض العادات والتقاليد الملزمة، فما رأي القانون بالعرف؟ خصوصاً أن العرف أسبق بتكوينه من القانون.
مفهوم العرف
قبل أن نبين مفهوم العرف فلا بد من التذكير بوجوب قراءة نص المادة الثانية من القانون المدني الأردني التي أكدت على الأسلوب الذي يجب على القاضي أتباعه عند الفصل بموضوع معروض عليه.
الفقرة الأولى من المادة أكدت على مبدأ وقاعدة قانونية تقول ” لا اجتهاد في مورد النص” أي يجب قراءة ألفاظ هذه القانون والأخذ بمعانيها مباشرة دون الحاجة إلى تفسير أكثر من معنى ، والفقرة الثانية مفادها أن في حال عدم وجود نص في هذا القانون يحكم المسألة المعروضة على القاضي ويفصل فيها، يأخذ بأحكام الفقه الإسلامي الأكثر موافقة لنصوص لقانون المدني، فإن لم يوجد بالرجوع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية، ثم إلى العرف ، قواعد العدالة، السوابق القضائية ، وأخيرا الفقه القانوني.
وسنبين تاليا مفهوم أحد هذه المصادر ، وحسب الترتيب والأولوية التي وضعتها المادة السابقة .
مصار القاعدة القانونية
- القانون(التشريع)
- الفقرة الإسلامي
- مبادئ الشريعة الإسلامي
- العرف
- قواعد العدالة
- القضاء والفقه
ما هو العرف؟
العرف عكس النكر ، وهو كل ما تعرفه النفس من خير وتطمأن إليه، وعرفه فقهاء الشريعة الإسلامية هو: “ما تعارف عليه أهل العقول السالمة وليس في الشرع ما يخالفه”.
العرف اصطلاحا
اعتياد الناس وتوافقهم على اتباع سلوك معين في بيئة معينة في فترة زمنية محددة ومجال معين من حياتهم الاجتماعية، اعتيادا مستمرا ووجوب احترامه وأخذ أحكامه مع الاعتقاد بوجود جزاء على مخالفته .
العرف له معنيين
أولهما المصدر الرسمي للقاعدة القانونية مثله مثل التشريع مصدرا رسميا للقانون ، فهو نتيجة اعتياد الناس على سلوك معين يؤدي إلى نشوء قاعدة ويسود الاعتقاد عندهم بوجوب احترامها ، وهذا هو المصدر الذي تتولد منه القاعدة القانونية العرفية.
وهو بمعناه الثاني يدل على القاعدة القانونية غير المكتوبة ، التي نشأت من اعتياد الناس على إتباعها كسلوك معين وشعورهم بلزوم احترامه ، أي ذات القاعدة الملزمة المتولدة نفسها.
فنجد أن اصطلاح العرف يستعمل أحيانا بمعنى القاعدة القانونية التي تستقر عن طريق العرف، ويستعمل أحيانا بمعنى المصدر الذي يولد القاعدة القانونية.
القاعدة العرفية غير مكتوبة:
واذا كانت القاعدة القانونية تصدر عن السلطة التشريعية مكتوبة، فإن القاعدة العرفية غير مكتوبة ويقصد بذلك انه غير منصوص عليها بقانون من قبل السلطة التي تتولى التشريع ، بل تنشأ اختياريا وتدريجا في أذهان الناس من التصرفات التي يمارسونها جيل بعد جيل قولا وفعلا دون أن تصادم تشريع ، لشعورهم بضرورتها لحل المواضيع التي لا يعالجها التشريع.
فالقاعدة القانونية تصدر عن الدولة وتحديدا السلطة التشريعية، في حين أن القاعدة العرفية مصدرها الناس واعتيادهم على اتباع سلوك معين في حياتهم ، واعتقادهم بلزوم هذا السلوك.
العرف كمعيار اجتماعي
إن الأعراف هي مجموعة من المعايير والمقاييس الاجتماعية التي تميز مجتمع عن الأخر والتي أصبحت بمثابة القانون وإن لم يكن مكتوباً إلا أن اعتياد الناس على تطبيقها في حياتهم يجعلهم يعتقدون أنها ملزمة لهم وعليها اتباعها، وهذا ما نلاحظه على عاداتنا الاجتماعية المختلفة كالسلام والزيارات والعادات المتبعة في المناسبات المختلفة وهذا كله على المستوى الاجتماعي.
الفرق بين العرف والعادة
المقصود بالعادات التي تصبح عرف هي العادات الملزمة منها أما العادة التي لا تعطي للناس شعور بالإلزام لا تسمى بالعرف، فالفرق بين العرف والعادة هو وجود الاعتقاد والشعور بالإلزام من عدمه.
وجه الشبه بين العرف والعادة
كلاهما قواعد غير مكتوبة.
شروط اعتبار الشيء من قبيل الأعراف
كما سبق أن تحدثنا أن ليس كل عادة عرف فللأعراف شروط وهي
1_ اعتقاد الناس بأنها ملزمة وواجب إتباعها.
2_ أن يكون الاعتياد عام أي أن يمارس من قبل غالبية أفراد المجتمع (كالتجار مثلاً فالأعراف التجارية هي التي تنتشر بين التجار ولا يشترط أن يكون متعارف عليها بين الفئات الأخرى من المجتمع لكي تعتبر عرف.
3_ أن يمضي على العمل بها مدة طويلة وبطريقة منتظمة بحيث ترسخ في النفوس فتولد شعور الإلزام والاستقرار على إتباعها.
العرف والقانون
جاء في نص المادة (2) من القانون المدني ما يلي
1_ تسري نصوص هذا القانون على المسائل التي تتناولها هذه النصوص بألفاظها ومعانيها ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص.
2_ فاذا لم تجد المحكمة نصا في هذا القانون حكمت بأحكام الفقه الإسلامي الأكثر موافقة لنصوص هذا القانون، فان لم توجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية
3_ فان لم توجد حكمت بمقتضى العرف، فان لم توجد حكمت بمقتضى قواعد العدالة، ويشترط في العرف أن يكون عاما وقديما ثابتا ومطردا ولا يتعارض مع أحكام القانون أو النظام العام أو الآداب. أما إذا كان العرف خاصا ببلد معين فيسري حكمه على ذلك البلد.
4_ ويسترشد في ذلك كله بما أقره القضاء والفقه على أن لا يتعارض مع ما ذكر.
نستنتج من هذا النص القانوني أن القانون لم يتجاهل الأعراف التي اعتاد عليها المجتمع، وجعلها موضوع للأخذ بها في القانون الأردني في حال عدم وجود نص قانوني للواقعة المعروضة على القضاء ولا في أحكام الفقه الإسلامي ومبادئ الشريعة الإسلامية، فيتم الرجوع إلى العرف السائد والحُكم بناءً عليه.
ما هي شروط العرف؟
- عاما للجميع.
- منذ زمن ولم يتغير.
- دائما ومستمر.
- لا يتعارض مع أحكام القانون أو النظام العام والآداب.
- “عاما وقديما ثابتا ومطردا ولا يتعارض مع أحكام القانون أو النظام العام أو الآداب” .
أحكام لمحكمة التمييز عن العرف
محكمة التمييز الأردنية بصفتها: الحقوقية رقم القضية: 2402/2020
وحيث يتبين من تقرير الخبرة وكما جاء بوصف الخبير لطبيعة قطعة الأرض في البند الخامس من التقرير أنها تقع على شارع الأمير حسين بن عبد الله والذي جرى فتحه وتعبيده وإن عرض هذا الشارع (60م) وإن طبيعة قطعة الأرض منحدرة باتجاه الشارع المذكور بحدود (10%) مما لا يتفق مع المنطق والعقل ن تكون مساهمة طبيعة الأرض الطبوغرافية بالنسبة التي توصل إليها الخبير .
ولا يعقل أيضاً أن تكون استفادة قطعة الأرض من فتح الشارع بنسبة (15%) وفق المواصفات التي ذكرها الخبير لهذا الشارع لا سيما أن ما جرى عليه العرف بين الناس من بائعين ومشترين للعقارات وما تم تداوله في الصحف والإعلانات عن بيع العقارات وشرائها من بيان لأوصاف قطع الأراضي المراد بيعها .
ومنها وصف للشوارع والطرق المحاذية لها وإن ذلك يعتبر ميزة مؤثرة من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع أثمان قطع الأراضي أضعافاً مضاعفة.
بالإضافة إلى ذلك فإن ما جرى عليه اجتهاد محكمتنا في القضايا المماثلة وعلى فرض ثبوت الضرر أن احتساب المساحة المتضررة يقوم على معادلة قوامها طول واجهة قطعة الأرض على الشارع الذي نتج عنه الضرر مضروبة بعمق (30م) كما أن الاجتهادات القضائية لمحكمتنا قد جرت على تقدير قيمة الجزء المتضرر نتيجة الأعمال المادية والتي تقوم بها البلديات من فتح وتعبيد الشوارع يتمثل بتقدير قيمتها قبل وبعد وقوع الضرر لشخص راغب بالشراء .
وحيث إن تقرير الخبرة والذي اعتمدته محكمتا الموضوع لم يراع ما سبق بيانه فيكون غير مستوف لشروطه القانونية ولا يصلح لبناء حكم عليه الأمر الذي كان يستوجب على محكمة الاستئناف إجراء خبرة جديدة من خبراء أكثر عدداً تراعى فيها ما سبقت الإشارة إليه ومستوفية لشروطها القانونية ولما لم تفعل فإن قرارها يكون في غير محله وهذه الأسباب ترد عليه ويتعين نقضه.
قرار محكمة التمييز الصادر عن الهيئة العادية رقم(227/2017فصل19/3/2017)
وحيث أن الاجتهاد القضائي قد استقر على أن تصرف المالك في ملكه بشكل يضر بالغير يشكل تعدياً موجباً للضمان وان تشغيل المدعى عليها لمصانعها وما يتطاير منها من غبار إسمنتي وسقوطه على ارض الغير وممتلكاتهم يشكل فعلاً ضاراً ويلحق الضرر بهذه الأرض وما عليها قد تضررت نتيجة تطاير الغبار الإسمنتي من مصانع المدعى عليها بالإضافة الى التشققات في البناء المقام عليها.
وحيث أن هذه الأفعال توجب الضمان وفق ما هو مقرر في المادة 256 من القانون المدني لأن المبدأ العام في تصرف المالك أن يتصرف المالك في ملكه كيف يشاء ما لم يكن تصرفه ضاراً بالغير ضرراً فاحشاً لتجاوزه ما جرى عليه العرف والعادة كما تقضي المادة 66/د من القانون المدني وقد أكدت هذا الحكم المادة 1021 من القانون المدني التي نصت صراحة على انه للمالك أن يتصرف في ملكه كيف يشاء مالم يكن تصرفه مضراً بالغير ضرراً فاحشاً أو مخالفاً للقوانين المتعلقة بالمصلحة العامة أو المصلحة الخاصة) وأشارت المادة 1024 من القانون المدني الى أن الضرر الفاحش هو ما يكون سبباً لوهن البناء أو هدمه أو يمنع الحوائج الأصلية أو المنافع المقصودة من البناء .
وعليه فإن مسؤولية الطاعنة قائمة وثابتة عن الضرر المستمر الذي لحق بأرض المدعي وما عليها ويتعين تعويضه عن نقصان قيمتها وفق ما استقر عليه اجتهاد وقضاء محكمة التمييز في مثل هذه الدعاوى لأن تراكم الغبار الإسمنتي المتطاير من مصانع المدعى عليها والتشققات في البناء نتيجة التفجيرات التي تجريها في مناجمها يجاوز ما جرى عليه العرف والعادة ويخالف القوانين المتعلقة بحماية المصالح الخاصة بالأفراد ويمنع الحوائج الأصلية والمنافع المقصودة من انتفاع المدعي بأرضه وما عليها من بناء وأشجار وحيث أن محكمة الاستئناف قد خلصت بقرارها الى النتيجة ذاتها فيكون قرارها في محله .
——————————————————————————————