الفصل في طلب التسليم في اتفاقية الرياض
بمجرد تقديم طلب التسليم -محتويًّا على جميع المرفقات المنصوص عليها- إلى الدولة المطلوب إليها التسليم، التي يكون لازمًا عليها الفصل في هذا الطلب، إما برفضه أو قبوله، ولا شك أن قبول الطلب يترتب عليه أثارًا والتزامات كثيرة؛ لذا سنتناول في هذا المقال آلية فصل الدولة المطلوب إليها التسليم في طلب التسليم، بالإضافة إلى الآثار المترتبة على الفصل في هذا الطلب، وذلك عن طريق مناقشة العناصر الرئيسية الآتية:
أولًا: مدى إلزامية الفصل في طلب التسليم
ثانيًا: حال طلب تسليم الشخص قيد التحقيق أو المحاكمة عن جريمة أخرى لدى الدولة المطلوب إليها التسليم
ثالثًا: إمكانية طلب الدولة المطلوب إليها التسليم إيضاحات تكميلية للطلب
رابعًا: امتناع الدولة المتعاقدة عن تسليم مواطنيها
خامسًا: حال طلب أكثر من دولة تسليم الشخص ذاته
سادسًا: حال وقوع تعديل في تكييف الفعل موضوع الجريمة التي سلم الشخص المطلوب من أجلها
سابعًا: مدى جواز محاكمة الشخص عن جريمة أخرى غير التي سُلِم من أجلها
ثامنًا: إمكانية تسليم الشخص المطلوب تسليمه إلى دولة ثالثة
تاسعًا: إمكانية تنفيذ الأحكام القاضية بعقوبة سالبة للحرية لدى الطرف المتعاقد الموجود في إقليمه المحكوم عليه
عاشرًا: حسم مدة التوقيف المؤقت
الحادي العشر: سوابق قضائية على الفصل في طلب التسليم
ونقدم شرح تفصيلي للعناصر الرئيسية السابق ذكرها فيما يلي:
أولًا: مدى إلزامية الفصل في طلب التسليم
لقد أوجب المشرع على الدول الأطراف المتعاقدة المطلوب إليها تسليم أحد المتهمين أو المحكوم عليهم أن تفصل في طلب التسليم أما بالقبول أو الرفض كيفما تشاء، هذا فيما عدا الأشخاص الذي يكون واجبًا على الدولة المتعاقدة تسليمهم، وفقًا لما نصت عليه المادة (40) صراحةً، أما فيما عدا هؤلاء فيكون للدولة المتعاقدة الحرية في قبول أو رفض طلب التسليم. والإلزام يكمن في الرد فقط على الدولة طالبة التسليم، بناءً على ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (48) من الاتفاقية: “ويخبر الطرف المتعاقد المطلوب إليه التسليم الجهة المختصة لدى الطرف المتعاقد الطالب بقراره في هذا الشأن”([1]).
ويكون الفصل في طلب التسليم وفقًا للقانون النافذ وقت تقديم طلب التسليم لدى الدولة المطلوب إليها التسليم، وذلك استنادًا إلى ما ورد في الفقرة الأولى من المادة (48) من الاتفاقية: “تفصل الجهة المختصة لدى كل طرف من الأطراف المتعاقدة في طلبات التسليم المقدمة لها وفقا للقانون النافذ وقت تقديم الطلب”([2]).
وفي حال رفض الدولة المطلوب إليها التسليم طلب التسليم، فيكون واجبًا عليه بيان سبب الرفض إلى الدولة طالبة التسليم، وذلك استنادًا إلى ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة (48) من الاتفاقية: “ويجب تسبيب طلب الرفض الكلى أو الجزئي”([3])
أما في حال قبول الدولة المطلوب إليها التسليم طلب التسليم؛ فتخاطب الدولة الطالبة، وتحيطها بمكان وتاريخ التسليم، وذلك بناءً على ما ورد في الفقرة الثالثة من المادة (48) من الاتفاقية: “وفي حالة القبول يحاط الطرف المتعاقد الطالب علمًا بمكان وتاريخ التسليم”([4]).
فبمجرد إخطار الدولة طالبة التسليم بميعاد ومكان التسليم؛ يكون واجبًا عليها أن تُجهز رجالها وتكون حاضرة في المكان والميعاد المُبلغة به؛ لتسلم الشخص المطلوب تسليمه، وأي تقصير يحدث في هذا الالتزام من جانب الدولة طالبة التسليم؛ تتحمل الأخيرة عقبات تقصيرها، وهذا وفقًا لما نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة (48) من الاتفاقية، بما نصها: “وعلى الطرف المتعاقد الطالب أن يتسلم الشخص المطلوب بواسطة رجاله في التاريخ والمكان المحددين لذلك. فإذا لم يتم تسلم الشخص في المكان والتاريخ المحددين يجوز الإفراج عنه بعد مرور (15) يوما على هذا التاريخ، وعلى أية حال فانه يتم الإفراج عنه بانقضاء (30) يوما على التاريخ المحدد للتسليم دون تمامه، ولا تجوز المطالبة بتسليمه مرة أخرى عن الفعل أو الأفعال التي طلب من أجلها التسليم”([5])، ومن هذا النص يتضح أن المشرع قد قرر عقوبة على الدولة طالبة التسليم التي لم تحضر في الميعاد والمكان المحددين سالفًا لإتمام تسليم الشخص المطلوب تسليمه، وتتمثل هذه العقوبة في منعها من المطالبة بتسليمه مرة أخرى عن الفعل أو الأفعال المتعلقة بطلب التسليم الذي لم يُنفذ بسبب تقصيرها، وهذه العقوبة تمثل ضمانة من المشرع للدول المطلوب إليها التسليم في عدم التلاعب بها، فضلًا عن ضمان تنفيذ طلبات التسليم. ولم يقف المشرع عند هذا الحد، بل نص على ضمانة جديدة للشخص المطلوب تسليمه، إذ قرر إمكانية جواز الإفراج عنه بعد مرور (15) يومًا على فشل التسليم، بل إنه ألزم على الدولة المطلوب إليها التسليم الإفراج عنه حال مرور (30) يومًا على فشل تمام طلب التسليم.
ولم يغفل المشرع فيما نص عليه من إمكانية توافر ما يعرف بالقوة القاهرة أو الظروف الاستثنائية في عدم تسليم الشخص المطلوب تسليمه؛ لذا فإنه قد نصَّ في الفقرة الخامسة من المادة ذاتها على أنه: “إذا حالت ظروف استثنائية دون تسليمه أو تسلمه وجب على الطرف المتعاقد صاحب الشأن أن يخبر الطرف المتعاقد الآخر بذلك قبل انقضاء الأجل ويتفق الطرفان المتعاقدان على أجل نهائي للتسليم يخلى سبيل الشخص عند انقضائه، ولا يجوز المطالبة بتسليمه بعد ذلك عن نفس الفعل أو الأفعال التي طلب من أجلها التسليم”([6])، وألزم المشرع هنا على الدولة المتعاقدة إذا حالت ظروف استثنائية دون إجراءها التسليم أو التسلم؛ فإنها تخاطب الدولة المتعاقدة الأخرى قبل انتهاء مدة (15) يومًا، مع الاتفاق على موعد نهائي إذا لم يتم فيه التسليم؛ يُخلىَ سبيل الشخص المطلوب تسلمه، إضافةً إلى منع الدولة الطالبة من طلب تسليم الشخص ذاته مرة أخرى عن الفعل محل طلب التسليم الذي لم يُنفذ.
ثانيًا: حال طلب تسليم الشخص قيد التحقيق أو المحاكمة عن جريمة أخرى لدى الدولة المطلوب إليها التسليم
لقد تنبه المشرع إلى هذه الحالة بما نص عليه في الفقرة الأولى من المادة (49) من الاتفاقية بما نصها: “إذا كان ثمة اتهام موجه إلى الشخص المطلوب تسليمه، أو كان محكومًا عليه لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه التسليم عن جريمة خلاف تلك التي طلب من أجلها التسليم، وجب على هذا الطرف المتعاقد رغم ذلك أن يفصل في طلب التسليم، وأن يُخبر الطرف المتعاقد الطالب بقراره فيه وفقًا للشروط المنصوص عليها في المادة (48) من هذه الاتفاقية”([7])، ورغم وجود جريمة متهم بها الشخص المطلوب تسليمه أو محكوم عليه لدى الدولة المطلوب إليها التسليم، إلا أنه قد أوجب المشرع عليها الفصل في طلب التسليم إما بالرفض أو القبول.
إذا قبلت الدولة المطلوب إليه التسليم في هذه الحالة طلب التسليم، فقد قرر المشرع في الفقرة الثانية من المادة (49) بأنه: “وفي حالة القبول يؤجل تسليم الشخص المطلوب حتى تنتهي محاكمته لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه التسليم وإذا كان محكومًا عليه، حتى يتم تنفيذ العقوبة المحكوم بها، ويتبع في هذه الحالة ما نصت عليه المادة 48 المشار إليها”([8]).
كما قرر المشرع إمكانية إرسال الشخص المطلوب تسليمه مؤقتًا، مع تعهد الدولة طالبة بإعادته، وهذا استنادًا إلى ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة (49) من الاتفاقية: “ولا تحول أحكام هذه المادة دون إمكان إرسال الشخص المطلوب مؤقتًا للمثول أمام الهيئات القضائية لدى الطرف المتعاقد الطالب على أن يتعهد صراحةً بإعادته بمجرد أن تصدر الهيئات القضائية لديه قرارها في شأنه”([9]).
ثالثًا: إمكانية طلب الدولة المطلوب إليها التسليم إيضاحات تكميلية للطلب
لقد فضل المشرع في حال احتاجت الدولة المطلوب إليها التسليم بعض الإيضاحات فيما يخص الطلب، وبدلًا من رفض الطلب بما قد يسبب اضطرابات سياسية بين الدول المتعاقدة؛ فقد نص المشرع على إمكانية طلب الدولة المطلوب إليها التسليم من الدولة الطالبة أي إيضاحات بشأن طلب التسليم؛ لتتحقق من نظامية الطلب، وذلك استنادًا إلى ما نصت عليه المادة (45) من الاتفاقية: “إذا تبين للطرف المتعاقد المطلوب إليه التسليم انه بحاجة إلى إيضاحات تكميلية ليتحقق من توافر الشروط المنصوص عليها في هذا الباب ورأي من الممكن تدارك هذا النقص، يخطر بذلك الطرف المتعاقد الطالب قبل رفض الطلب، وللطرف المتعاقد المطلوب إليه التسليم تحديد ميعاد جديد للحصول على هذه الإيضاحات”([10]).
رابعًا: امتناع الدولة المتعاقدة عن تسليم مواطنيها
لقد قرر المشرع للدول الأطراف المتعاقدة الحق في الامتناع عن تسليم مواطنيها إلى الدول الأخرى، وذلك وفقًا لما ورد في المادة (39) من الاتفاقية: “يجوز لكل طرف من الأطراف المتعاقدة أن يمتنع عن تسليم مواطنيه ويتعهد في الحدود التي يمتد إليها اختصاصه، بتوجيه الاتهام ضد من يرتكب منهم لدى أي من الأطراف المتعاقدة الأخرى جرائم معاقبًا عليها في قانون كل من الدولتين بعقوبة سالبة للحرية مدتها سنة أو بعقوبة أشد لدى أي من الطرفين المتعاقدين، وذلك إذا ما وجه إليه الطرف المتعاقد الآخر طلبًا بالملاحقة مصحوبًا بالملفات والوثائق والأشياء والمعلومات التي تكون في حيازته ويحاط الطرف المتعاقد الطالب علمًا بما تم في شأن طلبه”([11])، وربط المشرع امتناع الدولة المتعاقدة عن التسليم مع تعهدها بملاحقة مواطنيها ومحاسبتهم عن الأفعال التي ارتكبوها لدى أي من الأطراف المتعاقدة الأخرى، ذلك إذا ما طلبت الأخيرة ملاحقته عن طريق إرسال طلبًا بالملاحقة مصحوبًا بالمستندات اللازمة، ولم يُحدد المشرع ماهية هذه المستندات، ولكن على الأغلب لن تخرج هذه المستندات عما نص عليه المشرع فيما يخص مستندات طلب التسليم.
وقرر المشرع تحديد جنسية المطلوب تسليمه أو ملاحقته بناءً على الجنسية التي يتمتع بها وقت ارتكاب الجريمة، وهذا بناءً على ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (39)، بما نصها: “وتحدد الجنسية في تاريخ وقوع الجريمة المطلوب من أجلها التسليم”([12]).
خامسًا: حال طلب أكثر من دولة تسليم الشخص ذاته
قد تنبه المشرع لحالة إذا طلبت أكثر من دولة متعاقدة من الدولة ذاتها تسليم المتهم أو المحكوم عليه ذاته، وهنا ووفقًا للمعتاد كان يمكن للمشرع التسهيل على نفسه وأن يجعل الأولوية للطلب المقدم مسبقًا عن غيره، ولكن المشرع لم يَختر معيار الأسبقية، وفضل النظر إلى معيار المصلحة أولًا، بحيث تكون الأولوية في التسليم للدولة المتعاقدة التي أضرت الجريمة بمصالحها أكثر، ثم بعدها اتخذ المشرع معيار السيادة ثانيًّا، إذ جعل الأولوية للطرف المتعاقد الذي ارتكبت الجريمة على إقليمه، ولم يغفل المشرع عن أهمية معيار الجنسية، إذ اتخذه ثالثًا، بحيث إذا لم يتوافر أي من المعياريين السابقين تكون الأولوية للدولة المتعاقدة التي كان يتمتع بجنسيتها المطلوب تسليمه وقت ارتكابه الجريمة محل طلب التسليم، وذلك استنادًا إلى ما نصت عليه الفقرة الأولى في المادة (46) من الاتفاقية: “إذا تعددت طلبات التسليم من أطراف متعاقدة مختلفة عن جريمة واحدة فتكون الأولوية في التسليم للطرف المتعاقد الذي أضرت الجريمة بمصالحه ثم للطرف المتعاقد الذي ارتكبت الجريمة في إقليمه، ثم للطرف المتعاقد الذي ينتمي إليه الشخص المطلوب تسليمه بجنسيته عند ارتكاب الجريمة”([13]).
وفي حال توافرت جميع المعايير السابقة في دولتين متعاقدتين وطالبتين التسليم؛ فقد قرر المشرع أن يجعل معيار الأسبقية هو الفيصل، إذ تكون الأولوية في التسليم للدولة التي تقدم طلب التسليم في تاريخ سابق عن الدولة الأخرى، وهذا وفقًا لما جاء في الفقرة الثانية من المادة (46) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي: “فإذا اتحدت الظروف يفضل الطرف المتعاقد الأسبق في طلب التسليم. أما إذا كانت طلبات التسليم عن جرائم متعددة فيكون الترجيح بينها حسب ظروف الجريمة وخطورتها والمكان الذي ارتكبت فيه”([14]).
ورغم ما نصَّ عليه المشرع سابقًا من حيث المعايير المتخذة عند تعدد طلبات التسليم، فإنه في نهاية الأمر أكد المشرع ذاته على حرية الدولة المطلوب إليها التسليم في الفصل في طلبات التسليم المتعددة المقدمة إليها، وذلك وفقًا لما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة المذكورة سابقًا: “ولا تحول هذه المادة دون حق الطرف المتعاقد المطلوب إليه التسليم في الفصل في الطلبات المقدمة إليه من مختلف الأطراف المتعاقدة بمطلق حريته مراعيا في ذلك جميع الظروف”([15])، وهذا النص يؤكد على الاحترام البالغ الذي يكنه المشرع لإرادة الدول الأطراف المتعاقدة، وأنه على الرغم من القيود التي نص عليها بشأن معايير الاختيار، فعاد ليؤكد على حرية هذه الدول في اختيار المعيار المناسب بالنسبة لها.
سادسًا: حال وقوع تعديل في تكييف الفعل موضوع الجريمة التي سلم الشخص المطلوب من أجلها
في هذه الحالة قرر المشرع عدم جواز محاكمة الشخص المسلم أو توجيه اتهام إليه إلا إذا التكييف الجديد للفعل موضوع الجريمة -التي سُلِمَ من أجلها- يُبيح التسليم وفقًا لما نصت عليه الاتفاقية، وذلك استنادًا لما نصت عليه المادة (50) من الاتفاقية، بما نصها: “إذا وقع أثناء سير إجراءات الدعوى وبعد تسليم الشخص المطلوب تسليمه تعديل في تكييف الفعل موضوع الجريمة التي سلم الشخص المطلوب من أجلها فلا يجوز توجيه اتهام إليه أو محاكمته إلا إذا كانت العناصر المكونة للجريمة بتكييفها الجديد تبيح التسليم”([16]).
سابعًا: مدى جواز محاكمة الشخص عن جريمة أخرى غير التي سُلِم من أجلها
لقد نص المشرع على عدم جواز محاكمة الشخص المُسلَم أو توجيه اتهام إليه عن جريمة غير التي كانت محل طلب التسليم، غير أن المشرع ذاته قد أورد استثناءات على هذه القاعدة، تمثلت فيما نصت عليه المادة (52) من الاتفاقية، بما نصها: “لا يجوز توجيه اتهام إلى الشخص الذي سلم أو محاكمته حضوريًا أو حبسه تنفيذًا لعقوبة محكوم بها عن جريمة سابقة على تاريخ التسليم غير تلك التي سُلِم من أجلها والجرائم المرتبطة بها أو الجرائم التي ارتكبها بعد التسليم إلا في الحالات الآتية:
أ-إذا كان الشخص المسلم قد أتيحت له حرية ووسيلة الخروج من إقليم الطرف المتعاقد المسلم إليه ولم يغادره خلال (30) يومًا بعد الإفراج عنه نهائيًا أو خرج منه وعاد إليه باختياره.
ب-إذا وافق على ذلك الطرف المتعاقد الذي سلمه وذلك بشرط تقديم طلب جديد مرفق بالمستندات المنصوص عليها في المادة (42) من هذه الاتفاقية وبمحضر قضائي يتضمن أقوال الشخص المسلم بشأن امتداد التسليم ويشار فيه إلى انه أتيحت له فرصة تقديم مذكرة بدفاعه إلى الجهات المختصة لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه التسليم”([17]). وما قرره المشرع في هذه المادة، تعبيرًا منه على احترام إرادة الدول الأطراف المتعاقدة، مع وجوب الالتزام بما اتفق عليه الطرفان بشأن طلب التسليم، وأنه إذا حدث أي تغيير يتعين موافقة الطرفين معًا.
ثامنًا: إمكانية تسليم الشخص المطلوب تسليمه إلى دولة ثالثة
تأكيدًا من المشرع على وجوب احترام ما اتفق عليه الطرفان المتعاقدان بشأن طلب التسليم؛ فإنه منع على الدولة المسلَم إليها الشخص المطلوب تسليمة إلى دولة ثالثة، إلا إذا حصلت على مواقة الطرف الذي سلمه هذا الشخص، وذلك بناءً على ما ورد في المادة (53) من الاتفاقية: “لا يجوز لطرف متعاقد تسليم الشخص المُسلَم إليه إلى دولة ثالثة، في غير الحالة المنصوص عليها في البند (أ) من المادة 52 من هذه الاتفاقية إلا بناء على موافقة الطرف المتعاقد الذي سلمه إليه، وفي هذه الحالة يقدم الطرف المتعاقد المطلوب إليه التسليم طلبًا إلى الطرف المتعاقد الذي تسلم منه الشخص مرفقًا به نسخة من الوثائق المقدمة من الدولة الثالثة”([18])، وقرر المشرع استثناء آخر في هذه الحالة ألا وهو إذا كان الشخص المسلم قد أتيحت له حرية ووسيلة الخروج من إقليم الطرف المتعاقد المسلم إليه، ولم يغادره خلال (30) يومًا بعد الإفراج عنه نهائيًا أو خرج منه وعاد إليه باختياره.
تاسعًا: إمكانية تنفيذ الأحكام القاضية بعقوبة سالبة للحرية لدى الطرف المتعاقد الموجود في إقليمه المحكوم عليه
لما تتكبده الدول الأطراف المتعاقدة في تنفيذ طلب التسليم، وتسليم الشخص المطلوب تسليمه، وفي بعض الأحيان تكون العقوبة صغيرة مثل الحبس لعدة أشهر، وهذه العقوبة قد يستغرقها الشخص المطلوب تسليمه لدى الدولة المطلوب إليها التسليم إلى حين إتمام إجراءات تسليمه، وهذا ما قد تنبه إليه المشرع بالنص على تنفيذ الأحكام التي تكون العقوبة بها الحبس لمدة تقل عن عام في الدولة التي يكون موجودًا بها المحكوم عليه، وذلك بناءً على ما نصت عليه المادة (55) من الاتفاقية: “يجوز تنفيذ الأحكام القاضية بعقوبة سالبة للحرية لمدة تقل عن سنة في إقليم أحد الأطراف المتعاقدة الموجود فيه المحكوم عليه بناء على طلب الطرف المتعاقد الذي أصدر الحكم إذا وافق على ذلك المحكوم عليه والطرف المتعاقد المطلوب لديه التنفيذ”([19]) واشترط المشرع هنا موافقة المحكوم عليه ذاته والطرف المتعاقد المطلوب إليه التنفيذ.
عاشرًا: حسم مدة التوقيف المؤقت
لم يغفل المشرع عما نصت عليه جميع الأنظمة الجزائية من وجوب حسم مدة التوقيف المؤقت من العقوبة التي يُحكم بها على المطلوب تسليمه، وهذا بناءً على ما ورد في المادة (51) من الاتفاقية، بما نصها: “تحسم مدة التوقيف المؤقت (التوقيف الاحتياطي) الحاصل استنادا إلى المادة 43 من هذه الاتفاقية من أية عقوبة يحكم بها على الشخص المسلم لدى الطرف المتعاقد طالب التسليم”[20].
الحادي العشر: سوابق قضائية على الفصل في طلب التسليم
لقد ورد في الحكم رقم (3050) وتاريخ 26/11/2019م الصادر من محكمة التمييز الأردنية بصفتها الجزائية، بما نصه: “وحيث إن المادة (39) من اتفاقية الرياض أجازت لكل طرف من الأطراف المتعاقدة أن يمتنع عن تسليم مواطنيه ويتعهد في الحدود التي يمتد إليها اختصاصه بتوجيه الاتهام ضد من يرتكب منهم لدى أي من الأطراف المتعاقدة الأخرى جرائماً معاقب عليها في قانون كل من الدولتين بعقوبة سالبة للحرية مدتها سنة أو بعقوبة أشد لدى أي من الطرفين المتعاقدين وذلك إذا ما وجه إليه الطرف المتعاقد الآخر طلباً بالملاحقة مصحوباً بالملفات والوثائق والأشياء والمعلومات التي تكون في حيازته ويحاط الطرف المتعاقد الطالب علماً بما تم في شأن طلبه وتحدد الجنسية في تاريخ وقوع الجريمة المطلوب من أجلها التسليم.
وحيث إن المستفاد من هذه المادة أنها أجازت للدولة المطلوب إليها التسليم أن تمتنع عن التسليم إذا كان الشخص المطلوب تسليمه من رعاياها ولو توافرت شروط التسليم الأخرى في ملف الاسترداد وحيث إن المطلوب تسليمه يتمتع بالجنسية الأردنية فإن شروط التسليم تكون غير متوافرة بحقه.
وحيث توصلت محكمة الاستئناف إلى ما توصلنا إليه من حيث النتيجة وقضت بعدم توافر شروط التسليم وجاء قرارها من هذه الناحية معللاً تعليلاً وافياً ومحمولاً على أسبابه ومتفقاً وأحكام القانون مما يتعين معه رد هذا السبب.
لذلك نقرر رد التمييز وتأييد القرار المميز وإعادة الأوراق إلى مصدرها”([21]).
[1] الفقرة الثانية من المادة (48) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
[2] الفقرة الأولى من المادة (48) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
[3] الفقرة الثالثة من المادة (48) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
[4] الفقرة الثالثة من المادة (48) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
[5] الفقرة الرابعة من المادة (48) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
[6] الفقرة الخامسة من المادة (48) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
[7] الفقرة الأولى من المادة (49) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
[8] الفقرة الثانية من المادة (49) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
[9] الفقرة الثالثة من المادة (49) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
[10] المادة (45) من اتفاقية الرياض
[11] الفقرة الأولى من المادة (39) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
[12] الفقرة الثانية من المادة (39) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
[13] الفقرة الأولى من المادة (46) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي.
[14] الفقرة الثانية من المادة (46) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي.
[15] الفقرة الثالثة من المادة (46) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي.
[16] المادة (50) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
[17] المادة (52) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
[18] المادة (53) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
[19] المادة (55) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
[20] المادة (51) من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي
[21] الحكم رقم (3050) لسنة 2019 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية