القانون الواجب التطبيق على الوكالة التجارية في النظام السعودي

يعتبر عقد الوكالة التجارية من العقود التي ظهرت حديثا في المملكة وذلك نتيجة للتطور الكبير على المستوى الدولي في التجارة الخارجية وما تتطلبة من وسائل حديثه لمواكبة هذا التطور.

فلقد أدى هذا التطور الاقتصادي إلى حاجة الشركات الكبرى إلى وكلاء لترويج منتجاتها ولتصريفها في مناطق جغرافية نائية، وهو ما ظهر في صورة عقود الوكالة التجارية.

ولقد راعى النظام السعودي حرص صاحب رأس المال على تأمين ماله، وذلك بأن طور من نظمه القانونية كي تواكب التطور في تلك العقود بالإضافة إلى ما اشتركت فيه مع القواعد العامة في القانون، وحتى يطمئن صاحب رأس المال لاستثمار أمواله داخل المملكة، فأدخل نظم جديده واجبة التطبيق في حالة نشوء نزاع بشأن تلك العقود.

أولا: مفهوم الوكالة التجارية

عرفت معاهدة جنيف الدولية لسنة1983 المتعلقة بإصدار القانون الموحد للوكالة في البيع الدولي للبضائع الوكالة التجارية بأنها” عدة أنواع من التعامل بين شخص طبيعي أو معنوي في إقليم معين أو في إقليم الدولة كله وبين تاجر أو شركة أجنبية مصدرة أو منحت له في دولة أخرى أو أن يكون كل من الوكيل والأصيل ينتميان لنفس جنسية الدولة”([1]).

وعرف المشرع السعودي عقد الوكالة التجارية في المادة الأولى من اللائحة التنفيذية لنظام الوكالات التجارية بأنه” كل من يتعاقد مع المنتج أو من يقوم مقامه في بلده للقيام بالأعمال التجارية سواء كان وكيلا أو موزعا يأتي صورة من صور الوكالة أو التوزيع وذلك مقابل ربح أو عمولة أو تسهيلات أيا كانت طبيعتها ويشمل وكالات النقل البحري أو الجوي أو البري وأية وكالات يصدر بها قرارات من وزير التجارة”.

وعرف بعض الفقه عقد الوكالة التجارية بأنه” عقد يلتزم بموجبه شخص أن يتولى على وجه الاستمرار في منطقة نشاط معينة الحض على إبرام العقود لمصلحة العاقد الأخر في مقابل أجر ويجوز أن تجاوز وكيل العقود مناقشة الصفقة إلى وجوب إبرامها وتنفيذها باسم الموكل ولحسابه”([2]).

ثانيا: القواعد التي تحكم الوكالة التجارية

نظم المشرع السعودي عقد الوكالة التجارية بشكل يتماشى من التطور الكبير في النواحي الاقتصادية وخاصة التجارية منها، وأخضعه لقواعد قانونية مختلفة سواء كانت القواعد العامة في القانون أو قواعد خاصة تنظم أحكامه وشكله القانوني:

1- القواعد العامة

يخضع عقد الوكالة التجارية في النظام السعودي للقواعد العامة في الإثبات، فلقد اشترط المشرع السعودي شروطا عامة في إثبات العقد، فقد اشترط الكتابة لإثبات العقد.

  • شرط الكتابة

فلقد اشترط المشرع السعودي أن يكون عقد الوكالة التجارية مكتوبا وأن يتم إبرامه مع الجهة الموكلة أو من يقوم مقامها، فلم يجز أن يكون هذا العقد شفهيا وذلك ضمانا لحقوق والتزامات الطرفين.

وهو ما نصت عليه المادة \10 من اللائحة التنفيذية للنظام الوكالات التجارية السعودي على أنه” يشترط في عقد الوكالة التجارية أو التوزيع ما يلي:

أ- أن يكون مكتوبا ومبرما مع الجهة الموكلة ببلدها الأصلي أو من يقوم مقامها في ذلك البلد.

ب- أن يضمن إيضاحا وافيا بحقوق والتزامات الطرفين قبل بعضهما البعض من جانب التزاماتهما قبل المستهلك فيما يتعلق بتأمين الصيانة وقطع الغيار”.

وبذلك اشترط المشرع السعودي وسيلة الإثبات لعقد الوكالة التجارية شأنه شأن باقي العقود ووفقا للقواعد العامة في الإثبات.

كما اشترط المشرع في العقد بيان صفة الطرفين وموضوع الوكالة ومدتها وكيفية إنهائها وذلك لمنع اللبس والغموض عن العقد، وهو ما نصت عليه المادة\ 11من القانون سالف الذكر على أنه” يجب ظان يشتمل عقد الوكالة أو التوزيع على البيانات التالية:

1- صفة الطرفين وجنسية كل منهما.

2- موضوع الوكالة ومنطقتها وما تشتمل عليه من أعمال وخدمات وبضائع.

3- مدة الوكالة وكيفية تجديدها.

4- كيفية إنهاء الوكالة أو انقضائها.

ويجوز تضمين العقد أية شروط أخرى لا تتعارض مع الأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية”.

  • الأهلية

فلقد اشترط المشرع السعودي لانعقاد عقد الوكالة توافر الأهلية اللازمة لانعقاد العقد، ذلك أنه عقد ملزما للجانبين لذلك فيشترط أن يكون الطرفين تتوافر فيها أهلية الأداء وهي الأهلية اللازمة لمباشرة التصرفات أي التصرف والإرادة، فلا يصح انعقاد العقد إذا كان أحد الطرفين ليس بالغا سن الرشد، ذلك أنه يشترط في ممارسة التجارة أن يكون بالغا سن الرشد فلا يكفي الصبي المميز لمباشرة التجارة بنفسه.

ويقصد بالأهلية هي صلاحية الشخص لإصدار عمل قانوني على الوجه المعتد به شرعا ([3]).

فيشترط لانعقاد العقد صحيحا أن يتمتع المتعاقدان بالأهلية وإلا كان العقد باطلا، أما إذا كانت الأهلية ناقصة كان العقد قابلا للإبطال.

فالأهلية التجارية عرفها البعض بأنها” القدرة على ممارسة واحتراف التجارة ومباشرة الأعمال المتعلقة بها”([4]).

فيشترط في الوكيل التجاري الأهلية الكاملة لأنه يكتسب صفة التاجر وهو لا يكتسبها إلا إذا بلغ سن الرشد وهي الأهلية اللازمة وذلك ببلوغه سن الثامنة عشر.

وهو ما نصت عليه المادة \4 من نظام المحكمة التجارية على أنه” كل من كان رشيدا أو بلغ سن الرشد فله الحق في أن يتعاطى مهنة التجارة بأنواعها”.

فإذا فقد الموكل أو الوكيل في عقد الوكالة التجارية أهليته بالجنون أو نقصت كالسفيه والمعتوه فتنتهي الوكالة التجارية لعدم توافر الأهلية.

فيجب على الوكيل والموكل أن يكونا متمتعان بأهلية الأداء الكاملة وهي أهلية مباشرة التصرف موضوع الوكالة، أي يجب أن يكون الموكل أهلا لأن يباشر بنفسه العمل الذي وكل فيه غيره فإذا وكل في بيع تعين أن تتوافر فيه أهلية التصرف الواجب توافرها في البائع ([5])، فلا تكون الوكالة صحيحة إذا لم يكن الموكل أهلا للتصرف، إذ أنه هو الذي يقوم بالتعاقد أي بإجراء عمل قانوني مع الوكيل.

  • الفسخ

لقد منح المشرع السعودي لطرفي عقد الوكالة التجارية ما منحه لطرفي العقود الأخرى الملزمة للجانبين من حقهما فسخ العقد طالما لم يقم الطرف الثاني بتنفيذ التزاماته الثابتة

بموجب العقد ([6]).

ويجوز أن يطلب الوكيل التجاري فسخ العقد إذا أخل الموكل أو الشركة المنتج بالتزاماتها تجاه الوكيل التجاري إذا ما ضيع على الوكيل بعض المصالح، كما يجوز للموكل طلب فسخ العقد قضاء إذا أخل الوكيل بالتزاماته الثابتة بالعقد كما له أن يطالب بالتعويض إذا ما ترتب على ذلك ضررا.

2- القواعد الخاصة في الوكالة التجارية

أ- نظام المحكمة التجارية السعودية

لقد نظم المشرع السعودي الوكالة التجارية في بعض أحكامها بقانون المحكمة التجارية الصادر بالأمر السامي رقم \32بتاريخ 15\1\1350 والذي نظم فيه أحكام عقد الوكالة بالعمولة، الذي لم يتناوله نظام الوكالات التجارية ولائحته التنفيذية.

ب- المرسوم الملكي رقم م\ 11بتاريخ 20\2\1382 بإصدار قانون نظام الوكالات التجارية ولائحته التنفيذية

فلقد تناول فيه الوكالة التجارية بشكل عام وعرفها في المادة الأولى منه، ونص فيها على الأجر الذي يتقاضاه الوكيل التجاري من عمولة أو ربح أو تسهيلات أيا كانت طبيعتها مقابل الوكالة التجارية.

ونص في المادة \3، 4 منه على التزامات الوكيل التجاري والموكل، والشروط اللازم توافرها فيما يباشر نظام الوكالة التجارية، وطريقة تسجيلها وغيرها من الشروط.

ثالثا: التحكيم كوسيلة لحل المنازعات الناشئة عن الوكالة التجارية

لقد أصبح التحكيم وسيلة من أحدث الوسائل التي كثيرا ما يلجأ إليها الأطراف المتنازعة في عقد الوكالة التجارية، ولقد اهتمت الدول بهذه الوسيلة وذلك لتوحيد المسائل التجارية وزيادة التبادل التجاري واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية.

حيث قررت الجمعية العامة التابعة للعانة العامة للأمم المتحدة في قراراها الصادر بتاريخ 17من ديسمبر 1966 إنشاء لجنة دائمة تسمى لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية، وتهدف هذه اللجنة إلى توحيد قواعد التجارة الدولية وقد أولت تلك اللجنة بوضع قواعد التحكيم التجاري الدول، وتستمد قواعده من مختلف النظم القانونية في العالم، وقد انتهت جهودها إلى وضع قواعد للتحكيم في 28سبتمبر 1976وصدر بها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم\ 31لسنة 1998 تحت اسم قواعد التحكيم للجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية أو قواعد اليونسترال للتحكيم([7]).

ونص المشرع السعودي في نظام التحكيم رقم\ 164 لسنة1403 في المادة الأولى منه على أنه” يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين قائم كما يجوز الاتفاق مسبقا على التحكيم في أي نزاع يقوم نتيجة لتنفيذ عقد معين”.

ولم يعرف النظام السعودي التحكيم وإنما عرف اتفاق التحكيم في المادة \الأولى من نظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم \م\ 34في 24\5\1433 ه على أنه” هو اتفاق بين طرفين أو أكثر على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة التي نشأت أو قد تنشأ بينهما في علاقة نظامية محددة، تعاقدية كانت أم غير تعاقدية سواء أكان اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في عقد، أم في صورة مشارط”.

ولقد لجأت المملكة إلى اتباع نظام التحكيم وذلك بغرض جذب الشركات الكبيرة لاستثماراتها داخل المملكة ولبث روح الطمأنينة في نفوسها، إذ أن تلك الشركات تخشى القوانين الداخلية للدول، كما أنه نظام يعمل على توفير الوقت والجهد والنفقات في فض النزاعات بين الأطراف المتنازعة ويمتاز بالسرعة في حل المنازعات على عكس القضاء الذي يعيبه البطء الشديد في الفصل في النزاعات، كما أنه يمتاز بالسرية في حل النزاعات، حيث لا يعلم بأسرار تلك النزاعات سوى الأطراف المتنازعة فقط على عكس القضاء الذي يعيبه سرعة انتشار الأخبار للجمهور بحكم علانية الأحكام.

([1]) د. خالد بن محمد إبراهيم الحميزي، التوكيل التجاري، ط1، مكتبة القانون والاقتصاد، الرياض، (المملكة العربية السعودي) ، 2013، ص34.

([2]) د. سميحة القليوبي، عقود الوكالات التجارية والسمسرة والرهن التجاري، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 1980، ص440.

([3]) صالح بن سعود آل علي، عوارض الأهلية المؤثرة في المسئولية الجنائية، رسالة دكتوراه، المعهد العالي للقضاء ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، 1406\1980، ص30.

([4]) د. محمد مصطفى عبدالصادق، النظام القانوني للتاجر في ضوء التشريعات العربية، دار الفكر والقانون، مصر، ط1، 2015، ص34.

([5]) د. بوعبدالله رمضان، أحكام عقد الوكالة في التشريع الجزائري، ط2، دار الخلد ونية للنشر والتوزيع، الجزائر، 2008، ص23.

([6]) د. فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله، فسخ العقد التجاري، دراسة مقارنة، سلسلة ملخصات الأبحاث القضائية، ع17، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الجمعية العلمية السعودية، 1437، ص23.

([7]) د. نايف بن سلطان الشريف، بحث منشور، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، ص207.

الرئيسية
إختصاصات
مقالات
واتساب
إتصال
error: المحتوى محمي !!