قد رغبت الشريعة الإسلامية في الوصية فهي تتم بإرادة المتوفي وليست جبرًا عليه ليتدارك الإنسان ما وقع فيه من تقصير وخطأ وتداركًا لما فرط في حياته، فتكون بذلك سبب من أسباب كسبه الدنيوي ومن صالح أعماله التي يُثاب عليها لما في الوصية من بر بالناس والمواساة لهم، كما أن للوصية أهمية كبيرة وذلك باعتبارها مشروعة وسنة مؤكدة.
جدول المحتويات
وللوصية معاني عدة منها الفرض والعهد بأمر من الأمور والاتصال، وقد عرفها الفقهاء الحنفية بأنها : تمليك مُضاف إلى ما بعد الموت على سبيل التبرع عينًا كان أو منفعة.
أما قانون الأحوال الشخصية الأردني فقد عرفها في المادة (254) بأنها : تصرف بالتركة مضاف إلى ما بعد موت الموصي. وعرفها قانون الوصية المصري في المادة الأولى منه على أنها : تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت.وسوف نتناول في مقالنا مشروعية الوصية وحكمها، وأركانها، وشروطها، وكذلك مبطلاتها.
مشروعية الوصية وحكمها:
الوصية مشروعة في الكتاب والسنة والإجماع، وفي حُكم الوصية فالأصل فيها الاستحباب كما سنبينه في الاتي :
أولًا: مشروعية الوصية
مشروعية الوصية في القران :
قال تعالى : ” كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقًا على المتقين”
فوجه الدلالة من الآية الكريمة أن الوصية من المسائل الهامة المستحبة والمشروعة.
مشروعية الوصية في السنة :
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم “.
فالله سبحانه وتعالى أذن للإنسان أن يتصرف بثلث ماله بعد وفاته، وهذا دليل مشروعيتها فما هذا التصرف إلا وصية.
مشروعية الوصية في الإجماع :
ما ورد عن كثير من المسلمين والمجتهدين بداية من البعثة المحمدية إلى ما تلي ذلك من عصور كانوا يوصون بقليل أو كثير من أموالهم إلى ما يشاؤون دون إنكار من أحد فيُعتبر بذلك إجماعًا.
ثانيًا: حكم الوصية
الأصل في الوصية هو الاستحباب فلو كانت واجبة ما تركها صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لأنه قد توفي كثير من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُرو إلينا عنهم أنهم أوصوا وبالرجوع لأحوال الموصين والظروف المحيطة بهم ومقاصدهم، نجد أن الوصية وفق ما ذكر الفقهاء يعتريها الأحكام التكليفية الخمسة وهي الوجوب والندب، والإباحة، والتحريم، والكراهة.
أركان الوصية
ذهب جمهور الفقه الإسلامي إلى أن أركان الوصية أربعة وهي : الموصي والموصي له والموصي به والصيغة، ولكن القانون الأردني قد أخد أن الركن في الوصية هو الإيجاب فقط، وقد جعل القبول شرط لزوم، كما جاء في المادة (256) من قانون الأحوال الشخصية الأردني : تنعقد الوصية بالعبارة إن كان الموصي قادرًا عليها وإلا فبالكتابة، فإذا كان الموصي عاجزًا عنها انعقد بالإشارة المعلومة” .
ولزوم الوصية لا يكون إلا بعد انعقادها ذلك أنها انعقدت بإيجاب الموصي وقبول الموصي له كان لثبوت انتقال ملكية الموصي به، وليس لانعقاد الوصية، وذلك ما عنته نص المادة (257) من قانون الأحوال الشخصية الأردني التي نصت على : تلزم الوصية بقبولها من الموصي له صراحة أو دلالة بعد وفاة الموصي، وترد بردها صراحة بعد وفاة الموصي”.
شروط الوصية
شروط الوصية تنقسم إلى شروط صيغة وشروط الموصي وشروط الموصي له وشروط الموصي به، وهو ما سنتناوله بالشرح تباعًا:
أولًا : شروط الصيغة
شروط الصيغة نص عليها قانون الأحوال الشخصية الأردني في المواد (256) و (257) و (259) و (260) و (266)، وبعد الاطلاع عليها يُمكن أن نجمل شروط الصيغة في الاتي:
- أن تكون بعبارة صحيحة دالة على الوصية
فالقانون بين لنا انعقاد الوصية بالعبارة ولم يشترط عبارة معينة، بل أجاز انعقادها بالكتابة، وفي حال كان الموصي عاجزًا عن الكتابة أو التعبير، انعقدت الوصية بالعبارة المعلومة.
- لابد أن يصدر القبول من الموصي له
فالقبول الصادر من الموصي له يُمكن أن يكون صراحة كقول : قبلت. ويُمكن أن يكون دلالة بالفعل أو الأخذ الدال على الرضا.
- أن تكون مضافة إلى ما بعد الموت
فلا تصح الوصية إلا إذا كانت مضافة لما بعد الموت.
- ألا يرجع الموصي عن وصيته قبل موته
فيجوز للموصي الرجوع عن وصيته كلها أو بعضها، ولكن يجب أن يكون الرجوع صريحًا ومسجلًا لدي جهة رسمية.
- حتى تكون الوصية لازمة فيُشترط أن يصدر القبول بعد وفاة الموصي
فالوصية لا تكون لازمة إلا بقبولها صراحة أو دلالة بعد وفاة الموصي.
ثانيًا : شروط الموصي
نصت المادة (269) من قانون الأحوال الشخصية الأردني على شروط الموصي حيث جاء فيها :
- يشترط في الموصي أن يكون أهلًا للتبرع، بالغًا عاقلًا رشيدًا.
- إذا كان الموصي محجورًا عليه للسفه، أو الغفلة جازت وصيته بإذن المحكمة.
ج. تبطل الوصية بجنون الموصي جنونًا مطبقًا إذا اتصل بالموت.
د. لا تبطل الوصية بالحجر على الموصي للسفه، أو الغفلة.
ويُلاحظ من تلك المادة أن شروط الموصي هي كالاتي :
- وجب أن يكون الموصي أهلًا للتبرع، أي أن يكون بالغًا عاقلًا رشيدًا، فلا يكفيه مجرد البلوغ، بل ينبغي أن يكون رشيدًا، والشخص الرشيد هو الشخص المُتمتع بكامل قواه العقلية والذي لم يُحجر عليه الذي أتم 18 سنه شمسية كاملة.
- أجاز القانون وصية المحجوز عليه للسفه أو الغفلة، ولكن بشرط أن تأذن له المحكمة بالوصية.
- في حال أن جن الموصي جنونًا مُطبقًا فإن وصيته تكون باطلة، ولكن وقف القانون ذلك على شرط اتصال هذا الجنون بالموت، ولكن إذا لم يتصل الجنون بالموت وفاق الموصي من جنونه قبل موته فلا تُبطل الوصية.
- لا تُبطل الوصية الصحيحة إذا صدرت من الموصي قبل الحجر عليه للسفه أو الغفلة.
ثالثًا : شروط الموصي له
جاء في نص المادة (270) من قانون الأحوال الشخصية الأردني فيما يتعلق بشروط الموصي له ما يلي :
يشترط في الموصي له :
- أن يكون معلومًا.
- إذا كان معينًا بالتعيين، فيشترط وجوده وقت الوصية، أما إذا كان مُعرفًا بالوصف فلا يُشترط وجوده وقت الوصية، وذلك مع مراعاة أحكام المادة (248) من هذا القانون.
وفي حال أن قتل الموصل له الموصي قتلًا يمنع من الإرث فإن القانون يذهب لبطلان الوصية، كما جاء في نص المادة (273) من قانون الأحوال الشخصية الأردني : يمنع من استحقاق الوصية الاختيارية أو الوصية الواجبة قتل الموصي له الموصي أو المورث قتلًا مانعًا من الإرث.
ويستشف من النصين السابقين أن شروط الموصي له يُمكن أجمالها فيما يلي :
- وجوب أن يكون الموصي له حيًا موجودًا حتى وإن كان مولودًا أو جنينًا في بطن أمه، وذلك لأن الوصية للمعدوم لا تصح.
- وجوب ألا يكون الموصي له مجهولًا جهالة لا يُمكن إزالتها أو استدراكها، فإن كان كذلك لم تجز الوصية، فلابد أن يكون الموصي له معلومًا.
- وجوب أن يكون الموصي له معينًا غير مبهمًا.
- ألا يقتل الموصي له الموصي.
- ألا يكون وارثًا وأن يكون أجنبيًا، فإن أوصي لوارث فلا تصح وصيته إلا بإجازة الورثة.
رابعًا : شروط الموصي به
فيما يتعلق بشروط الموصي به، فقد تطرقت له المادة (277) من قانون الأحوال الشخصية الأردني وكذلك المواد (278) و (274) من نفس القانون.
فقد جاء في المادة (277) ما يلي : تجوز الوصية إذا كان الموصي به مالًا معلومًا متقومًا مملوكًا للموصي، شائعًا أو معينًا أو منفعة .
وجاء في المادة (278) الاتي : يشترط في صحة الوصية ألا تكون في معصية أو في منهي عنه شرعًا .
وورد في الفقرة (ب) من المادة (274) من القانون ذاته : تنفذ الوصية في حدود ثلث التركة لغير الوارث، أما ما زاد عن ذلك فلا تنفذ فيه الوصية إلا إذا أجاز الورثة بعد وفاة الموصي.
وباستقراء النصوص سالفة البيان يتضح لنا أن شروط الموصي به لا تخرج عن الاتي :
- يجب أن يكون الموصي به مالًا أو متعلقًا بالمال، وذلك بسبب أن الوصية هي إيجاب الملك أو إيجاب ما يتعلق بالملك، ومحل الملك هو المال.
- أن يكون المال متقومًا فالمال المتقوم هو المال الذي له قيمة، والجدير بالذكر أن المال المتقوم يختلف من المسلم عن الذمي، فعلى سبيل المثال فالخمر لا يصح أن يكون مالًا متقومًا عند المسلم، ولكنه يصح عند الذمي.
- أن يكون قابلًا للنقل من شخص لأخر، أي يكون قابلًا للتمليك.
- أن يكون مما هو مباح ومشروع الانتفاع به، فما يحرم الانتفاع به من عين لا تصح الوصية به.
- ألا يكون زائدًا عن ثلث التركة.
- أن يكون الموصي به في ملك الموصي.
مُبطلات الوصية
هناك عدة أسباب تؤدي لبطلان الوصية، فالوصية تُبطل بالأسباب التالية :
السبب الأول : تُبطل الوصية في حال أصاب الموصي جنونًا مُطبقًا كالعته، إذا اتصل بالموت، كما جاء في الفقرة (د) من المادة (269) من قانون الأحوال الشخصية الأردني.
السبب الثاني : تُبطل الوصية إذا رجع الموصي عن وصيته مثل أن يقول : أبطلت وصيتي التي أوصيتها لفلان، وقد أشارت المادة (258) من قانون الأحوال الشخصية لهذا الأمر.
السبب الثالث : تُبطل الوصية في حال مات الموصي له قبل موت الموصي، وقد تطرق قانون الأحوال الشخصية الأردني لتلك المسألة في الفقرة (أ) من المادة (272).
السبب الرابع: تُبطل الوصية إذا لم يقبلها الموصي له وردها بعد وفاة الموصي، كما جاء في نص المادة (257) من قانون الأحوال الشخصية.
السبب الخامس : تُبطل الوصية إن كانت معلقة على شرط ولم يتحقق، وقد أشار قانون الأحوال الشخصية إلى ذلك في الفقرة (أ) من المادة (267).
السبب السادس : تُبطل الوصية إذا قتل الموصي له الموصي، كما أشارت لذلك المادة (273) من قانون الأحوال الشخصية الأردني.
——————————————————————————————