ان القاعدة تنص ان التظهير يطهر الدفوع في الشيك و يقصد بذلك أن الدفوع التي تسري ما بين الذي حرَرَ السند والذي حُرّر له لا تسري بمواجهة حامل ذلك السند عن طريق التظهير الا اذا كان ذلك الحامل حصل عليه بسوء نية وذلك وفقاً لأحكام المادة (147) من قانون التجارة.
المقدمة
تعتبر قاعدة تطهير الدفوع من أهم قواعد قانون الصرف وهي من أهم الآثار التي تترتب على التظهير الناقل للحق الثابت بالورقة التجارية.
وهي ناتجة أيضاً عن المبدأ الأساسي في نطاق الأوراق التجارية وهو مبدأ استقلال التواقيع والذي يعني أن كل توقيع على الورقة التجارية يعتبر مستقلاً عن غيره، أي أن الالتزام الموقع بمقتضى هذا التوقيع لا علاقة له بالتواقيع الأخرى الموجودة على الورقة التجارية.
ويتعذر ربط هذه القاعدة أو ردها إلى نظرية أو أساس قانوني معين، إلا أن التبرير المنطقي الوحيد لوجودها هو الضرورة الملاصقة للحياة التجارية والاعتبارات العملية والاقتصادية المرتبطة بالورقة التجارية وأهميتها، وذلك لما يترتب عن عدم تطبيق هذه القاعدة من امتناع أي شخص عن التعامل بالورقة التجارية قبل أن يتأكد من خلو الورقة من أي عيب قد يؤدي إلى عدم وصول الحق الثابت بمتنها للمستفيد، مما يؤدي إلى عرقلة التداول بالأوراق التجارية وبالتالي منعها من أداء وظيفتها.
وبالتالي فإن إقرار مثل هذه القاعدة يساهم في تيسير تداول الورقة التجارية وتحقيق استقرار المعاملات ودعم الائتمان التجاري، وتمكين الورقة التجارية من القيام بوظائفها كأداة وفاء وائتمان بالإضافة إلى أن هذه القاعدة تحصن حامل الورقة التجارية من المفاجآت وتأكد حقه في الوفاء بقيمة الورقة التجارية.
ويثير البحث في هذا الموضوع عدداً من الإشكاليات وهي:
أولاً: تحديد ما هو المقصود من قاعدة تطهير الدفوع؟ وما هي أهمية هذه القاعدة في الورقة التجارية؟
ثانياً: النطاق القانوني لهذه القاعدة وما هي الحالات التي تنطبق ولا تنطبق فيها هذه القاعدة؟
ولمعالجة هذه الإشكاليات تقسم الورقة البحثية إلى مطلبين الأول نتحدث فيه عن المقصود بقاعدة تطهير الدفوع والمطلب الثاني نتحدث فيه عن نطاق تطبيق هذه القاعدة.[1]
المطلب الأول: ماهية قاعدة تطهير الدفوع:
لا بد من الحديث عن مفهوم هذه القاعدة وأهميتها وذلك قبل الحديث عن نطاق تطبيقها، وسيتم الحديث عن مفهوم القاعدة في الفرع الأول، أما الفرع الثاني فنخصصه للحديث عن أهمية هذه القاعدة.
الفرع الأول: مفهوم قاعدة تطهير الدفوع:
المقصود بقاعدة تطهير الدفوع هو أن المظهر إليه في الورقة التجارية يتلقى الحق الثابت فيها خالياً من العيوب التي تشوبه، وبناءً على ذلك فإنه لا يجوز للمدين بموجب الورقة التجارية أن يمتنع عن الوفاء بها للحامل حسن النية مستنداً بذلك إلى الدفوع التي كان يستطيع التمسك بها في مواجهة دائنه المباشر.
والمقصود بالدفوع هي أوجه الدفاع التي يلجأ إليها المدين عادة للتخلص من التزامه ومثال ذلك ادعائه ببطلان الالتزام لعدم وجود سبب أو لعدم المشروعية.
وبالتالي فإن التظهير التمليكي للورقة التجارية يؤدي إلى انتقال الحق الثابت فيها دون أن يشوبه أي عيب وفي المثال السابق فإن البطلان الذي يمكن أن يحتج به من قبل المدين لا أثر له على الالتزامات الناشئة عن التوقيع على الورقة، وإنما ينحصر هذا الأثر على العلاقة بين الساحب والمستفيد فقط باعتباره الدائن المباشر له، مما يعني أن التزام المستفيد الأول يكون صحيحاً في مواجهة المظهر إليه وبالتالي فإن الأول يكون مجبراً على الوفاء للمستفيد الثاني (المظهر له) بشرط أن يكون الأخير حسن النية ، أي أنه لا يعلم بطبيعة العلاقة التي نشأت عنها الورقة التجارية فيما إذا كانت ناشئة عن سبب مشروع أم لا.[2]
تطبيق قاعدة تطهير الدفوع لا يكون إلا على الأوراق التجارية، إذ أن الأوراق المدنية تخضع في تحويلها إلى أحكام حوالة الحق المدنية وآثارها، إذ أن انتقال الحق في هذه الأوراق يكون من المحيل إلى المحال له بحالته وقت الحوالة وذلك لأن القاعدة العامة هي ألا يمكن لشخص إعطاء ما لا يملك أو أكثر مما يملكه (فاقد الشيء لا يعطيه)[3].
وبناءً على ذلك فإنه لا يجوز للمحال عليه أن يتمسك في مواجهة المحال له بكافة الدفوع التي كان يستطيع التمسك بها في مواجهة المحيل ذلك لأن الحوالة المدنية بالنسبة للمحال عليه مجرد إحلال دائن محل دائن آخر دون أن يؤثر ذلك على الحق نفسه، فالحق ينتقل بحالته وعيوبه ومزاياه فإذا شاب الحق سبب من أسباب البطلان أو كان قابلاً للفسخ كان للمحال عليه أن يدفع بالبطلان ببطلان الالتزام في مواجهة المحال له.
خلاصة القول إن قاعدة تطهير الدفوع تمثل خروجاً على قواعد حوالة الحق[4] المقررة في القانون المدني، وهذا الخروج يبرره ضرورات الحياة التجارية والاعتبارات العملية من أجل تيسير تداول الورقة التجارية وتمكنها من أداء وظائفها الاقتصادية، ولحماية الحامل حسن النية من المفاجآت وتأكيد حقه في الوفاء.[5]
وقد نص المشرع الأردني على هذه القاعدة في المادة 147 من قانون التجارة التي جاء بها: ليس لمن أقيمت عليهم الدعوى بسند سحب ان يحتجوا على حامله بالدفوع البنية على علاقاتهم الشخصية بساحب السند او بحملته السابقين ما لم يكن حامل السند قد حصل علية بقصد الإضرار بالمدين ويسري هذا النص على الشيك أيضا بدلالة المادة 241 من قانون التجارة
في التشريعات المقارنة نص المشرع العراقي على هذه القاعدة في المادة 2\59 من قانون التجارة وجاء فيها :”ليس للملتزمين الحوالة الاحتجاج على حامل بالدفوع المبنية على علاقاتهم الشخصية بالمظهر ما لم يكن الحامل وقت حصوله على الحوالة قد تصرف بقصد الإضرار بالمدين وقد خصص الشرع العراقي لهدة القاعدة نصا خاصا ضمن الفصل الخاص بالأحكام المشتركة في الأوراق التجارية هو نص المادة 185\4 من قانون التجارة التي جاء فيها : لا يجوز للمدينين في جميع الأحوال ان يحتجوا على حامل الورقة بالدفوع المبنية على علاقاتهم الشخصية بمن انشأها او بحامليها السابقين ما لم يكن الحامل وقت حصوله عليها قد تصرف بقصد الإضرار بالمدين [6].
الفرع الثاني: أهمية قاعدة تطهير الدفوع في الأوراق التجارية
ان تعدد التواقيع على الورقة التجارية لأكثر من ساحب ينشئ التزامات متعددة ومجردة ومستقلة [7]بتعدد الموقعين على الورقة كساحبين لها كما ان توقيع المظهر على الورقة ينشئ التزاما مجردا ومستقلا اذ يعد توقيعه بمثابة انشاء جديد للورقة التجارية كما ان كل تظهير على الورقة التجارية يمنح الحامل ضمانا إضافيا مستقلا عما تمنحه التظاهرات السابقة وحيث ان الهدف من التظهير هو نقل الحق الثابت بالورقة التجارية الى المظهر الية وبشكل مباشر فان عملية انتقال الحق تجرده عن العلاقة السابقة علية وكون الالتزام الناشئ عن تظهير الورقة التجارية التزاما صرفيا بحتا فان الورقة الموقع عليها بالتوقيع الصرفي تقوم بنقل الحق بعد تطهيره مما علق بالالتزام السابق علية من دفوع سواء كانت هدة الالتزامات داخلة في نطاق الورقة وناشئة عن توقيعات صرفية ام كانت نتيجة علاقات خارجة عن الورقة ومتمثلة في العلاقة الاصلية التي نشأت الورقة التجارية لتسويتها.
وتظهر أهمية هذه القاعدة في تأثيرها على استقرار المعاملات التجارية ودعم الائتمان إضافة الى منح الورقة التجارية الثقة بحماية حاملها من المفاجآت التي قد تظهر عند مطالبته بقيمة الورقة فلو اجيز للمدين في الورقة الاحتجاج في مواجهة الحامل بالدفوع التي تكون له في مواجهة أي حامل سابق لتطلب ذلك من كل حامل للورقة ان يستقصي مقدما عن كل العلاقات القانونية التي تربط المدين بالموقعين السابقين للتأكد من عدم وجود سبب يبطل التزام أحد الموقعين مما يترتب علية إعاقة تداول الورقة التجارية[8].
المطب الثاني: نطاق تطبيق قاعدة تطهير الدفوع:
يسري نطاق تطبيق قاعدة تطهير الدفوع على التصرفات المجردة بصفة عامة ففي مجال القانون المدني يترتب على تجريد الانابة ان المناب لا يملك ان يوجه للمستفيد ما يملك توجيهه من دفوع في مواجهة المنيب حيث جاء بالمادة 361 مدني مصري انه يكون التزام المناب قبل المناب لدسة صحيحا ولو كان التزامه قبل المنيب باطلا او كان هذا الالتزام خاضعا لدفع من الدفوع ولا يبقى للمناب الا حق الرجوع على المنيب، كل هذا ما لم يوجد اتفاق يقضي بغيره”. كما استقرت أحكام القضاء المصري على سريان مبدأ تطهير الدفوع على الإنابة باعتبارها من التصرفات المجردة إذ قضت بأن ” التزام المناب الجديد لا يتأثر بمصير الالتزام الآخر بمعنى أن المستفيد يحتفظ بحقوقه رغم ما قد يصيب حقوق المنيب”. وفي قرار آخر جاء فيه ” المدين الجديد (المناب) لا يستطيع أن يوجه للدائن ما يدعيه من دفوع متصلة بالعلاقة بينه وبين المدين الأول (المنيب) والحال لا يتغير إذا كانت العلاقة الأصلية بين المنيب والمناب قد أبطلت لعدم المشروعية”[9]. وعن موقف المشرع الأردني فإنه يمكننا أن نستنتجه من خلال نص المادة/111 من القانون المدني والتي جاء فيها: “1. إذا تم العقد بطريق النيابة كان شخص النائب لا شخص الأصيل هو محل الاعتبار عند النظر إلى عيوب الإرادة أو في أثر العلم ببعض الظروف الخاصة أو وجوب العلم بها.
- ومع دلك إذا كان النائب وكيلا يتصرف وفقا لتعليمات معينة صدرت له من موكله، فليس للموكل أن يتمسك بجهل النائب الظروف كان يعلمها هو أو كان من المفروض أن يعلمها.” أما عن موقف القضاء الأردني بشأن تحديد نطاق تطبيق هذه القاعدة جاء في قرار المحكمة التمييز الأردنية ما يلي ” أن قاعدة تطهير الدفوع ليست مطلقة بمقتضى المادة /147 من قانون التجارة، إنما هي تمنع الذين أقيمت عليهم الدعوى من الاحتجاج بالدفوع المبنية على علاقاتهم الشخصية بساحب السند أو بحملته السابقين، وإنما قصد بها حماية الورقة التجارية من الدفوع التي تتعلق بصحة إصدارها استثناء بعض الحالات الأهلية ولذلك يستطيع المدين بالكمبيالة أن يدفع بمواجهة الحامل بالمقاصة
إذا وجدت علاقة دائنيه ومديونية إذ أن الدفوع الشخصية التي تكون للساحب قبل حامل الورقة التجارية الذي يطالبه بالوفاء تظل قائمة ويجوز التمسك بها”[10].
الفرع الأول: الحالات التي تنطبق فيها قاعدة تطهير الدفوع:
أولا: إذا كان سبب إنشاء الورقة التجارية غير مشروع كما لو تم كتابتها للوفاء بدين قمار مثلا في هذه الحالة يلتزم ساحب الورقة التجارية بالوفاء بقيمتها للحامل، كما يستطيع حامل الورقة أن يرجع على أحد الموقعين السابقين ولو كان التزام الأخير باطلا لعدم المشروعية ومن تتضح لنا أهمية مبدأ استقلال التوقيعات[11].
ثانيا: إذا شاب إرادة المدين عيب من عيوب الرضا فلا يستطيع الأخير أن يتمسك بهذا العيب في مواجهة الحامل حسن النية. فإذا سحب شخص ورقة تجارية نتيجة إكراه لا يستطيع أن يتمسك ببطلان التزامه في مواجهة الحامل الذي يجهل هذه العيوب[12].
ثالثا: لا يستطيع المدين بالورقة التجارية الدفع بفسخ العلاقة الأصلية وبطلانها في مواجهة الحامل حسن النية. أما إذا كان الأخير سيء النية فيحق للمدين الأصلي بالورقة التجارية عند رجوع الحامل عليه أن يتمسك في مواجهته بحقيقة العلاقة ومدى بطلانها لعدم وجود السبب أو خلافه[13].
رابعا: إن الساحب أو المسحوب عليه القابل يلزم بالدفع المرة الثانية إذا تقدم له الحامل حسن النية وبالتالي لا يجوز التمسك في مواجهته بسبق السداد[14].
خامسا: الدفوع المتعلقة بصورية أحد أو بعض بيانات الشيك: المقصود بالصورية ستر عقد حقيقي بين الطرفين المتعاقدين بأخر ليس له في الظاهر إلا صورة عقد حيث يكون قصد الطرفين التمسك بالعقد المستتر والحقيقي مع التظاهر بالقصد إلى العقد الصوري، ويمكن تصور هذه الحالة في الشيك إذا تضمن جميع البيانات المطلوبة قانونا مع ذكر بعضها على خلاف الحقيقة، وغالبا ما تقع الصورية في صفة الموقع أو تاريخ الإنشاء أو في سبب الالتزام. لا يترتب على صورية الصفة بطلان الالتزام الصرفي، بل يضل الموقع بصفة على خلاف الحقيقة والواقع ملتزمة تجاه الحامل حسن النية. وبالتالي لا يجوز للمدين الصرفي أن يتمسك بالصورية في مواجهة الحامل حسن النية وذلك طبقا لقاعدة الظروف الظاهرة أو الوضع الظاهر.
الفرع الثاني: حالات عدم تطبيق قاعدة تطهير الدفوع:
أولا: إذا كان حامل الورقة التجارية سيء النية أي أنه يعلم بطبيعة العلاقة التي أشأت الورقة التجارية بسببها، وبالتالي يمكن للمدين بالورقة التجارية أن يحتج في مواجهته بكافة الدفوع التي كان يملكها المدين في مواجهة المظهر (الدائن الأصلي).
ثانيا: إذا كانت الدفوع ناشئة عن عيب شكلي بالورقة التجارية: إذا اعترى الورقة التجارية عيب شكلي كنقص أحد البيانات الإلزامية لا يعتبر حامل الورقة حسن النية في هذه الحالة وبالتالي فإنه لا يمكن تطبيق قاعدة التطهير. وذلك لأن العيب الشكلي عيب واضح لأي شخص مما يمكن المدين أن يحتج ببطلان الورقة التجارية في مواجهة الحامل[15].
ثالثا: إذا تعلق الدفع بتزوير التوقيع على الورقة التجارية: يمكن للمدين الذي زور توقيعه أن يحتج في مواجهة الحامل حسن النية بتزوير التوقيع وذلك لانعدام إرادته إذ أنه لا يمكن أن نلزم شخص بما لم ينشأ عنه وذلك على الرغم مما يترتب عليه من تعطيل تداول الأوراق التجارية. [16]
رابعا: إذا تم التوقيع على الورقة التجارية من قبل شخص غير مفوض: إذا تم إنشاء ورقة تجارية من قبل شخص وقام بالتوقيع عليها نيابة عن شخص آخر بدون تفويض من الأخير، فإنه يحق لمن ادعيت النيابة بحقه أن يمتنع عن الوفاء بالورقة التجارية والدفع بعدم تفويض غيره بتوقيع الورقة حتى ولو كان حامل الورقة التجارية حسن النية لا يعلم بذلك.
خامسا: إذا كان المدين عند إنشائه للورقة التجارية ناقص أهلية ومنعدم الأهلية: يستطيع المدين بالورقة التجارية أن يحتج بمواجهة حامل الورقة حسن النية بنقص الأهلية بنقص أهليته أو انعدامها
الإبطال التزامه، كما إن أساس عدم تطبيق قاعدة تطهير النفوع في حالة انعدام الأهلية هو أن الإرادة معلومة بشكل كامل مما ينتقي معه وجود الالتزام،
سادسا: إذا كان هناك علاقة شخصية بين المدين وحامل الورقة التجارية: لا تطبق قاعدة تطهير الدفوع على العلاقة المباشرة بين المدين بالورقة والحامل لها، حيث إن الدفوع الناشئة عن العلاقة التي تربط الحامل شخصية بالمدين لا يطهرها تظهير الورقة التجارية، أي أنه يحق للمظهر أن يدفع بها في مواجهة المظهر إليه، وبالتالي فإنه إذا كان المدين بالورقة دائنة لحاملها بناء على علاقة خارجة عن نطاق الورقة فإنه يستطيع مطالبة الحامل بالمقاصة بدينه. (21) من خلال ما سبق يمكننا أن نستنتج الشروط الواجب توافرها لكي نتمكن من تطبيق قاعدة تطهير الدفوع وهي ما يلي:
- أن تكون الورقة تجارية: يشترط لسريان هذه القاعدة أن تكون الورقة تجارية بالمعنى المستقر، وذلك بأن تكون في صورة سند سحب، أو كمبيالة موقعة من تاجر أو صادرة بمناسبة عمل تجاري، أو شيك. وبالتالي فإنه إذا ثبت أن الورقة المثار بشأنها الدفوع غير تجارية فإن قاعدة تطهير الدفوع لا تسري بشأن هذه الورقة، وذلك لعدم اتفاق هذه القاعدة مع الورقة غير التجارية مع مراعاة انطباق هذه القاعدة على التصرفات المجردة الأخرى مثل الإنابة[17].
- حصول الحامل على الورقة بتظهيرها له تظهيره تمليكيه أو تظهيره تأمينية: حتى يتمكن الحامل من التمسك بقاعدة تطهير الدفوع يجب أن تكون الورقة التجارية قد انتقلت إليه بتظهيرها تظهيرا ناقلا للحق الثابت فيها أو تظهيرا تأمينية، أما إذا انتقلت إليه بأي طريقة أخرى فلا تسري قاعدة تطهير الدفوع.
- توافر حسن النية لدى حامل الورقة التجارية: حتى يتمكن الحامل من التمسك بقاعدة تطهير الدفوع يجب أن يتوافر لديه حسن النية بحيث أن لا يكون عالما بطبيعة العلاقة التي نشأت الورقة التجارية بصددها، وحسن النية صفة مفترضة في حامل الورقة ما لم يثبت المدين الصرفي عكسها، كما أن معيار حسن النية يختلف من تشريع إلى آخر حيث أن التشريعات الحديثة تميل إلى التشديد في الأخذ بهذا المعيار وذلك لأن فكرة التجريد لا تتحسر صفة حسن النية إلا إذا أثبت المدين أن هناك تواطؤ بين المظهر والحامل، أو على الأقل توافر نية الإضرار لدى الحامل. بينما يكتفي البعض الآخر بمجرد إثبات علم الحامل بالدفع حتى تنحسر عنه صفة حسن النية، وإذا كان التقنين التجاري المصري لم يتضمن معايير محددة لحسن النية فإن الفقه والقضاء المصري استقرا على الأخذ بنظرية العلم والعبر بتوافر حسن النية وقت التظهير ولا عبرة بسوء النية اللاحق.
- ألا يكون الحامل طرفا في العلاقة الناشئ عنها الدفع: حيث إن المدين يستطيع أن يتمسك بمواجهة الحامل حسن النية بالدفوع الشخصية المبنية على العلاقات الشخصية بين الحامل والمدين[18].
اجتهادات لمحكمة التمييز حول مبدأ التظهير يطهر الدفوع
الحكم رقم 4226 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية
وعلى إثر ذلك وبتاريخ 3/5/2018 أقام المدعي فايق هذه الدعوى بمواجهة المدعى عليهما للمطالبة بقيمة الشيكات المحررة من قبل المدعى عليه الثاني عدنان لصالح المدعى عليه الأول حسام والمظهرة لصالح المدعي وبما أنه من المقرر بالمادة (147) من قانون التجارة التي نصت على أن (ليس لمن أقيمت عليهم الدعوى بسند سحب أن يحتجوا على حامله بالدفوع المبنية على علاقاتهم الشخصية بساحب السند أو بحملته السابقين ما لم يكن حامل السند قد حصل عليه بقصد الإضرار بالمدين) وهو ما يعرف فقهاً بقاعدة (التظهير يطهر من الدفوع) باعتبار أن تظهير الشيك ينقل جميع الحقوق الناشئة عنه للحامل وفقاً لأحكام المادة (144/1) من قانون التجارة وليس للساحب أن يحتج على الحامل بالدفوع المبنية على علاقته الشخصية بالمستفيد (المظهر) ما لم يكن الحامل للسند حصل عليه بقصد الإضرار بالمدين .
وبالرجوع للحكم الجزائي نجد أنه استند في إعلان عدم مسؤولية المدعى عليه عدنان إلى أن البيانات الواردة في الشيكات لا تعود له ولم يتعرض الحكم الجزائي المذكور ولم يحدد فيما إذا كانت هذه الشيكات تحمل تواقيع
وبما أن الأمر كذلك ولم يرد أي إنكار على التواقيع المثبتة على الشيكات من قبل المدعى عليه عدنان كساحب الأمر الذي يجعل من هذه الشيكات حجة بمواجهته ويكون ملزماً بما ورد فيها ولا يغير من ذلك شيء أن تعبئة البيانات تمت من قبله أو من قبل غيره وإنه لا يعيب ورقة الشيك كورقة تجارية أن يتم تعبئة بياناتها من شخص آخر غير الساحب طالما أن هذا الأخير قام بالتوقيع عليها إذ بتوقيعه ينسحب ما ورد بالشيك من بيانات إليه ويلزم بها (تمييز حقوق رقم 1632/2010 تاريخ 21/12/2010).
وحيث إن الشيك أداة وفاء ويتمتع بالكفاية الذاتية في الإثبات كورقة تجارية وتتوافر فيه البيانات الإلزامية المنصوص عليها في المادة (228) من قانون التجارة ومبدأ الكفاية الذاتية يقوم على مفهوم أن الورقة التجارية كافية للدلالة على مضمونها وهي مستقلة بذاتها عن أية واقعة أو علاقة قانونية أخرى فتوافر البيانات الإلزامية في الشيك يصبح الشيك كياناً قائماً بذاته ويكفي نفسه بنفسه في الإثبات وانشغال ذمة المدعى عليه بالمبلغ المدعى به.
الحكم رقم 2995 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية
كما أن وصول الشيك للمشتكية كان عن طريق التظهير ومثل هذا التصرف يطهره من الدفوع ولا يصح قانوناً للساحب أن يدفع في مواجهة المظهر له أن الشيك لم يقم بتوقيعه أو تعبئة بياناته لا سيما وأن المشتكية حسنة النية ولم يقم الدليل على سوء نيتها.
وحيث إن محكمة الدرجة الأولى قضت بإدانة (المستدعي) بجرم إعطاء شيك لا يقابله رصيد بحدود المادة (421) من قانون العقوبات وأيدتها في ذلك محكمة البداية بصفتها الاستئنافية بتأييد القرار ورد الاستئناف فإن قضاءها على هذا الوجه جاء واقعاً في محله وموافقاً لأحكام القانون ويتعين رد الطلب.
الحكم رقم 2999 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية
وبالعودة إلى ما تقدم:
فإن الشيك موضوع القضيةأصدره المشتكى عليه لأمر المستفيد إسحق بكافة بيناته الإلزامية وبما يتفق وأحكام المادة (228) من قانون التجارة وإن إسحق المذكور وكما هو ثابت على ظهر ورقة الشيك قام بتظهيره كما أن المشتكي وعند مراجعة البنك وختم البنك للشيك فقد كان السبب بعدم صرفه هو أن حساب المشتكى عليه مغلق كما أن المشتكى عليه وفي دفاعه يذكر أن الشيك مسروق ثم يناقض ذاته ويدفع بأن الشيك أعطي على سبيل التأمين.
وحيث إن الشيك وصل إلى المشتكيمن أن قام المستفيد إسحق بتظهيره للغير فإنه وبمقتضى أحكام المادة (147) من قانون التجارة فإنه ليس لمن أقيمت عليهم الدعوى بسند سحب أن يحتجوا على حامله بالدفوع المبنية على علاقاتهم الشخصية بساحب السند أو بحملته السابقين ما لم يكن مالك السند قد حصل عليه بقصد الإضرار بالمدين وبمعنى أن التظهير يطهر الدفوع وإن المشتكي وبصفته حائزاً للشيك مما يعني أنه مالكه ولم يرد الدليل في أوراق الدعوى على خلاف ذلك.
ولما كانت محكمة الاستئناف قد انتهت إلى نتيجة مخالفةوقضت بوقف ملاحقة المشتكى عليه (المدعى عليه بالحق الشخصي) من الجرم المسند إليه وبناء عليه قضت برد الادعاء الشخصي وتضمين المشتكي الرسوم والمصاريف وبدل أتعاب محاماة فلأنها لم تقم بتطبيق أحكام القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً سليماً وجاء حكمها مخالفاً للقانون ومستوجباً للنقض
قرار محكمة تمييز حقوق رقم 3513 لسنة 2015
1- تعتبر ورقة الشيك ورقة تجارية ذات كفاية ذاتية ، وذات صحة ونفاذ في حال توافرت بها الشروط المنصوص عليها في المادة (228) من قانون التجارة.
2- إن السند العادي حجة بما فيه على من حرره ما لم يُنكر توقيعه عليه وذلك وفقاً لأحكام المادة (11) من قانون البينات.
3- إن التظهير يُطهر الدفوع حيث أن الدفوع التي تسري ما بين الذي حرَرَ السند والذي حُرّر له لا تسري بمواجهة حامل ذلك السند عن طريق التظهير الا اذا كان ذلك الحامل حصل عليه بسوء نية وذلك وفقاً لأحكام المادة (147) من قانون التجارة.
4- لا يجوز توجيه يمين عدم كذب الإقرار إلا إذا قام صاحب الإقرار بالادعاء بإنه كاذب بإقراره وذلك وفقاً لأحكام المادة (1589) من مجلة الأحكام العدلية.
5- يكون قرار محكمة الموضوع صحيحاً في حال عالجت جميع أسباب الطعن بكل وضوح وتفصيل وبينت في الحكم الصادر عنها مجمل أركان ووقائع الدعوى وكان قرارها مسبباً ومعللاً تعليلاً سليماً وكافياً وذلك وفقاً لأحكام المادة (188/4) من قانون أصول المحاكمات المدنية.
خاتمة
من خلال ما تقدم نستنتج بأن قاعدة تطهير الدفوع تعد من أهم الآثار التي تترتب على التظهير الناقل للحق الثابت في الورقة التجارية، وبالتالي ينتقل الحق الثابت في الورقة التجارية خالية من العيوب ولا يستطيع صاحب المصلحة في التمسك بالدفوع التي كان بإمكانه أن يتمسك فيها تجاه المدين الأصلي فإن هذه القاعدة تحرمه من التمسك بهذه الدفوع تجاه الحامل حسن النية.
إن الظهير الناقل للحق أو التظهير التمليكي والتأميني أيضا يطهران الدفوع التي قد ترد على الأوراق التجارية وفيما يتعلق بالتظهير التأميني فهو يكون في سند السحب والكمبيالة أما بالنسبة للشيك فهو نادر الوقوع عملية ومع ذلك فلا يوجد ما يمنع من وقوعه ويترتب على هذا النوع من التظهير تطهير، وهناك نوع ثالث من التظهيرات لا يطهر الورقة التجارية من الدفوع وهو التظهير التوكيلي. بالنسبة للدفوع التي يطهرها التظهير هي الدفوع التي لا تكون ظاهرة في الشيك أي أنها ليست دفوعه شكلية وهي إذا كان سبب إنشاء الورقة التجارية غير مشروع، إذا شاب إرادة المدين عيب من عيوب الرضا، بفسخ العلاقة الأصلية وبطلانها، إن الساحب أو المسحوب عليه القابل يلزم بالدفع المرة الثانية إذا تقدم له الحامل حسن النية وبالتالي لا يجوز التمسك في مواجهته بسبق السداد (انقضاء الالتزام الأصلي)، الدفوع المتعلقة بصورية أحد أو بعض بيانات الشيك، أما الأمور الظاهرة في الشيك أي المتعلقة بالشكلية فهي دفوع لا يطهرها التظهير وذلك لأنها واضحة ومن الممكن على أي شخص عادي ملاحظتها واكتشافها وبالتالي يحتج بها في موجهته حتى لو كان حسن النية وهي إذا كانت الدفوع ناشئة عن عيب شكلي بالورقة التجارية، إذا تم التوقيع على الورقة التجارية من قبل شخص غير مفوض، إذا كان المدين عند إنشائه للورقة التجارية ناقص أهلية أو منعدم الأهلية، إذا كان هناك علاقة شخصية بين المدين وحامل الورقة التجارية.
قائمة المصادر:
- بسام الطراونة، الأوراق التجارية، ط1، دار وائل للنشر، عمان، 2004.
- جورجيت صبحي، مبدأ استقلال التوقيعات في الأوراق التجارية، أصل الكتاب رسالة دكتوراه في جامعة القاهرة.
- زهير عباس كريم، النظام القانوني للشيك، ط1، دار الثقافة للنشر، عمان 1997.
- سميحة القليوبي، الأوراق التجارية، ط2، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992.
- مصطفى كمال طه، أصول القانون التجاري، ط1، منشورات الحلبي، بیروت،2006.
الهوامش :
[1] سميحة قليوبي، الأوراق التجارية، ط2، دار النهضة العربية، القاهرة 1992، ص 84
[2] زهيرا عباس كريم، النظام القانوني للشيك، ط1، ص 140
[3] مصطفى كمال طه، أصول القانون التجاري، ص 73
[4] جورجيت صبحي، مبدأ استقلال التوقيعات في الأوراق التجارية، رسالة دكتوراة، ص 208
[5] زهير عباس، مرجع سابق، ص 142
[6] زهير عباس، ص 140
[7] جورجيت صبحي، ص 209
[8] بسام الطراونة، الأوراق التجارية، ط1 عمان، 2004، ص 288
[9] جورجيت صبحي، ص 208
[10] تمييز حقوق 245/1988، مجلة نقابة المحامين
[11] سميحة القليوبي، ص 75
[12] المرجع السابق
[13] المرجع السابق
[14] زهير عباس، ص 150
[15] المحامي سامي العوض، سلسلة منشورات ، 2021، منشور على الويب.
[16] سميحة قليوبية، ص 92
[17] جورجيت صبحي، 232
[18] مصطفي كمال طه، ص 78