إضاءة تاريخية لنشأة الدولة الأردنية

كانت المنطقة التي عُرفت باسم “شرقي الأردن” جزءاً رئيساً من بلاد الشام وسوريا الطبيعية، وذلك لارتباطها الوثيق بها ، حتى أن سكان شرقي الأردن هم من صميم السكان العرب الذين قطنوا سوريا الطبيعية.

وعندما خضعت سوريا الطبيعية للنفوذ العثماني عام 1516م أصبحت منطقة شرقي الأردن ضمن النفوذ العثماني وعاشت في ظل حكمهم مدة أربعمائة عام.

لقد اكتسبت شرقي الأردن أهميتها من كونها واقعة على طريق الحج الشامي، الذي كانت تمر به قوافل الحجاج بشكل سنوي ذهابا وإيابا.

ونتيجة لذلك فقد سعت الدولة العثمانية إلى تأمين سلامة الحجاج، وقامت ببناء العديد من القلاع والحصون لحمايتهم وتأمين حياتهم ومن أبرز هذه القلاع والمحطات قلاع الرمثا والمفرق والزرقاء وزيزيا والقطرانة والحسا ومعان والمدورة

كما قامت الدولة العثمانية بعقد العديد من المعاهدات مع القبائل البدوية، لمنعهم من مهاجمة قوافل الحجاج. وعلى الرغم من جهود الدولة العثمانية الرامية إلى حماية قوافل الحجاج، إلا أنها لم تسع إلى إقامة جهاز حكومي منظم ومدرب في منطقة شرقي الأردن، يكون من مهامه حفظ الأمن والنظام. بل على العكس من ذلك اكتفت الدولة العثمانية بإرسال حملات عسكرية الفرض هيبتها وهيمنتها على المنطقة والسكان.

ونتيجة لهذه السياسة فقد انعدم الأمن الداخلي وانتشرت الغزوات والحروب بين القبائل البدوية من جهة وسكان القرى من جهة أخرى، كل هذه الأمور أدت إلى إهمال الأرض الناس وانعدام معظم أوجه النشاط الاقتصادي  لذلك نستطيع القول بأن منطقة شرقي الأردن كانت إبان العهد العثماني تعيش في فوضى مطلقة وحالة من انعدام الأمن والطمأنينة بين المواطنين والسكان. إن الأسباب التي دفعت الدولة العثمانية لعدم فرض سلطاتها على المنطقة بشكل كامل تعود إلى عدم رغبتها في الإصلاح وانعدام الوسائل الحديثة للإدارة.

وقد أدى تردد القبائل البدوية على منطقة شرقي الأردن إلى قلة العمران، الذي اقتصر فقط على مجموعة من القرى المتناثرة في المناطق الجبلية. وكانت أكبر هذه القرى الكرك.

إذ بلغ عدد سكانها في مطلع القرن التاسع عشر قرابة 550 أسرة، وكذلك السلط إذ بلغ عدد سكانها في نفس الفترة الزمنية حوالي 480 أسرة. أما بقية القرى فقد كان سكانها يتراوح بين 30 إلى 150 أسرة .

كان النشاط الاقتصادي السائد لدى سكان هذه القرى هو الزراعة وتربية الماشية وكان المزارعون فئتين: ملاك الأرض والفلاحين. حيث كانت الأرض ملكا للدولة وهي التي تمنح الملاكين حق التصرف في الأرض مقابل دفع ضرائب الدولة، وكان الفلاحون يعملون في الأرض مقابل حصولهم على نصيب من المحصول لا يتجاوز الثلث (3).

أما بالنسبة للنشاط التجاري فقد كان معتمداً اعتماداً ملحوظاً على قوافل الحجاج وخاصة في الكرك ومعان والعقبة (4). وكان أهالي شرقي الأردن يعانون من الضرائب الباهظة التي أرهقت كاهلهم، ومن أبرز هذه الضرائب ضريبة الميري التي تُفرض على الأرض المزروعة والمسجلة في سجلات الوالي، وضريبة الطوارئ التي يفرضها الوالي في حالة الطوارئ وعند حاجته للمال، وضريبة المواشي التي تستوفى من ملاك المواشي، وضريبة التمتع التي تستوفى من التجار والحرفيين و (الخاوة) التي كان يفرضها البدو على الفلاحين (أتاوة عينية) مقابل الحماية التي يقدمها شيوخ البدو لأولئك الفلاحين والمزارعين وضمان عدم الاعتداء عليهم. وفي نهاية القرن التاسع عشر قامت الدولة العثمانية بفرض العديد من الضرائب كضريبة “الويركو” ومقدارها (004%) أربعة بالألف من ثمن الأرض و (005%) خمسة بالألف من ثمن المساكن وا واحد (01%) بالماية على المتاجر ). كما تم فرض ضريبة (السخرة)

ومقدارها 16 قرشاً في السنة أو العمل لمدة 3 أيام على كل شخص يتراوح عمره بين 20 و 60 سنة.

وكذلك ضريبة المعارف بمعدل (5%) من ضريبة المسقفات وضريبة الخدمة العسكرية التي يؤديها غير المسلم بمعدل 21 قرش


أما فيما يتعلق بالتعليم في منطقة شرقي الأردن إبان العهد العثماني فقد كان ينقسم

إلى قسمين:

أولاً : التعليم الابتدائي: ومدة الدراسة فيه 3 سنوات ويتلقى الطالب في هذه المرحلة العلوم الدينية واللغة العربية والحساب

ثانياً : التعليم الرشدي : ومدة الدراسة فيه 3 سنوات ويتلقى الطالب في هذه المرحلة

التاريخ والجغرافيا والهندسة .

كما تجدر الإشارة إلى أن لغة التدريس كانت اللغة التركية إلى جانب اللغة العربية. وكان التعليم في منطقة شرقي الأردن يعاني من عدم اهتمام الدولة العثمانية، إذ إن عدد

المدارس الرشدية لم يزيد عن 4 مدارس في كل من الكرك والسلط وإربد ومعان وعدد

المدارس الابتدائية لا يزيد عن 10 مدارس (2).

قامت الدولة العثمانية منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر بإيجاد نوع من التنظيم الإداري الذي تمثل بإنشاء قضاء إربد الذي شمل المنطقة الواقعة بين نهر الأردن ونهر اليرموك.

وكان قضاء إربد يتبع متصرفية حوران. كما قامت بإنشاء قضاء السلط الذي كان يتبع متصرفية نابلس، وكذلك إقامة متصرفية الكرك التي تتبع ولاية الشام مباشرة (3).

(4) ومنذ العام 1908م ازدادت أهمية شرقي الأردن بالنسبة للدولة العثمانية عقب إنشاء الخط الحديدي الحجازي، الذي كان له أثر واضح في استمرار الوجود العسكر العثماني وتسهيل مهمة الحجاج. وعلى الرغم من ذلك فقد عارضت القبائل البدوية في منطقة شرقي الأردن وقامت بمهاجمة العاملين في بناء الخط الحديدي لأنهم سيتعرضون إلى خسائر فادحة بسبب عدم توقف الحجاج في مناطقهم والانتفاع من خدماتهم مقابل ما يتقاضونه منهم نقداً أو عيناً، كما سيؤدي إنشاء هذا الخط إلى منع الهبات السنوية التي اعتادت الحكومة العثمانية أن تمنحها لهم (5). عقب إعلان الدستور العثماني الثاني عام 1908م جرت أول انتخابات المجلس المبعوثان وقد مثل شرقي الأردن مبعوث واحد هو توفيق المجالي من الكرك). وعقب ذلك جرت انتخابات للمجلس العمومي لولاية سوريا وكان هذا المجلس بمثابة مجلس نواب لإدارة الولاية. وقد جرت انتخابات هذا المجلس على فترتين، فانتخب عن شرقي الأردن في الفترة الأولى السادة عودة القسوس عن الكرك ويوسف السكر عن السلط وعبد النبي النسعة عن معان وعبد المهدي محمود عن الطفيلة وعبد القادر التل وعبد العزيز الكايد عن قضائي عجلون وجرش، أما في الفترة الثانية فقد مثل شرقي الأردن السادة زعل المجالي ومحمد الحسين وعلاء الدين طوقان وخليل التلهوني وحسن العطيوي ونجيب الشريدة وشوكت حميد (1).

لقد عانى أهالي شرقي الأردن من سوء تصرفات بعض رجال الدولة العثمانية، الذين كانوا يلحقون الأذى والظلم بالأهالي، وما صاحبه من انتشار الفساد الإداري والمالي والرشوة بين موظفي الدولة العثمانية (2). ولعل أبرز الأمثلة على سوء تصرف موظفي الدولة العثمانية أن رجال الحامية العسكرية التركية في الشوبك حاولوا سنة 1905م تسخير نساء الشوبك لنقل الماء إليهم، وأدت هذه المحاولة إلى إثارة رجال الشوبك الذين قاموا بطرد الجنود من القلعة حينها قامت الحكومة العثمانية بالفتك بعدد كبير من أهالي الشوبك وأخضعتها لسيطرتها بعد استعمال أشد صنوف العنف والتنكيل (3). ولم تكن ثورة الشوبك الحدث الوحيد الذي عبر بواسطته أهالي شرقي الأردن عن سخطهم على الإدارة العثمانية.

ففي عام 1910م اندلعت ثورة الكرك، تلك الثورة التي بذلت الدولة العثمانية جهوداً كبيرة لإخمادها ، كما يمكن القول إن ثورة الكرك كانت تعبيراً شعبياً واضحاً عن السخط وسوء الإدارة العثمانية.

كان لثورة الكرك العديد من الأسباب التي أدت إلى حدوثها ، ولعل أبرز هذه الأسباب الإجراءات التي اتخذتها الدولة العثمانية في تطبيق قانون الخدمة العسكرية الإجبارية وجمع السلاح من الأهالي، وليس من شك أن انعدام الثقة بين الحكومة العثمانية والأهالي كانت من أقوى الأسباب التي أدت إلى ثورة الكرك (4).

ولما كانت منطقة الكرك تتمتع باستقلال ذاتي، لم تكن فكرة الطاعة المطلقة للحكومة راسخة في نفوس الناس، الذين كانوا دوماً تواقين إلى التخلص من قيود الحكومة.

فانتشرت الثورة في مختلف أنحاء لواء الكرك من زيزيا شمالاً إلى المدورة جنوباً منطقة واسعة جداً) ، حيث هاجم الثوار محطات سكة الحديد والمفارز العسكرية، حينها قامت السلطات العثمانية بمواجهة الثورة بالعنف والشدة من خلال تنفيذ أحكام الإعدام بعدد من رجالات الثورة ومنهم ساهر المعايطة ودرويش الجعافرة وسليمان البطوش ومنصور بن طريف.

وفي عام 1912م أصدرت الدولة العثمانية عفوا عن السجناء والفارين من زعماء الثورة. ومهما يكن من أمر فقد كانت ثورة الكرك تعبيراً صادقاً عن عدم الرضا عن الإدارة العثمانية ، كما كان لها أثر واضح في نفوس الناس الذين لم يترددوا في الانضمام تحت لواء الثورة العربية الكبرى (5).

الحرب العالمية الأولى:

نشبت الحرب العالمية الأولى في شهر تموز 1914م ودخلتها الدولة العثمانية إلى جانب دول الوسط (ألمانيا والنمسا ضد كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا، حينها قامت الدولة العثمانية بفرض الخدمة العسكرية الإجبارية على أهالي شرقي الأردن باستثناء متصرفية الكرك، كما كان من نتائج دخول الدولة العثمانية الحرب ضد بريطانيا وفرنسا أن قامت كل من بريطانيا وفرنسا بفرض حصار على السواحل العربية، الأمر الذي أدى إلى نقص حاد بالمواد الغذائية في شرقي الأردن).

وفي إبان الحرب العالمية الأولى خسرت منطقة شرقي الأردن ثروة حرجية هائلة، وكان ذلك بسبب قيام الدولة العثمانية بقطع الأشجار لاستعمالها كوقود للقطارات، كما قامت الحكومة العثمانية بمصادرات حاصلات شرقي الأردن الزراعية، وهذا بدوره أدى إلى انتشار الفقر والعوز والأمراض بين أهالي شرقي الأردن (2).

الثورة العربية الكبرى:

الأحوال البائسة التي كان يعانيها أهالي شرقي الأردن في ظل الحكم العثماني، ولدت رغبة قوية في التخلص من السيطرة العثمانية ودفعتهم إلى السير في ركب الثورة العربية لديهم الكبرى التي كانت تمثل تعبيراً عن رغبة العرب في الاستقلال والوحدة العربية.

وهنا يمكن القول أن للثورة العربية الكبرى التي تزعمها الشريف الحسين بن علي وأعلن قيامها في مكة المكرمة يوم السبت 9 شعبان 1334هـ الموافق 10 حزيران 1916م علاقة عضوية في تأسيس إمارة شرق الأردن، فلقد كانت أراضي شرقي الأردن ميدانا لحروب الثورة ومعاركها ، كما كان لأبناء الأردن دور واضح في تحمل أعباء الثورة وقدموا تضحيات جسيمة في سبيلها (3).

وهنا تجدر الإشارة إلى أن قبيلة الحويطات المقيمة في جنوب الأردن كانت أول من لبي نداء الثورة العربية الكبرى من الأردنيين، حين اتصل شيخها عودة أبو تايه بالأمير فيصل بن الحسين بن علي قائد الجيش العربي الشمالي وأعلن انضمام قبيلته للثورة. عقب ذلك توجه عودة أبو تايه والشريف ناصر بن علي (ممثل الأمير فيصل إلى العقبة بهدف السيطرة على العقبة (4).

تم الاتصال بين جيش الثورة العربية الكبرى وجيوش الحلفاء التي كان يقودها الجنرال اللنبي Allenby ، وبالتالي أصبحت عملية التزود بالمؤن والسلاح أسهل، في الوقت الذي كانت قوات الحلفاء تستولي على جنوب فلسطين فاحتلت بئر السبع وغزة ويافا والخليل وبيت لحم، حتى سيطرت على القدس في أواخر تشرين الأول عام 1917م، في هذه الأثناء كانت قوات الثورة العربية تستولي على الطفيلة والشوبك وتناوش الأتراك في معان.

كما تمكنت قوات الثورة من دخول عمان في الأول من تشرين الأول عام 1918م.

وهنا يمكننا القول أن أهالي الأردن ساهموا مساهمة فعّالة في حروب الثورة التي جرت في الأردن أو سوريا الشمالية (1).

وهنا تجدر الإشارة إلى عدة حقائق أحاطت بالبلاد العربية أبان الحرب العالمية الأولى، لعل أبرز هذه الحقائق أن الشريف الحسين بن علي قام بالثورة العربية الكبرى من أجل تحرير البلاد العربية وتوحيدها وتأسيس حكومة عربية موحدة، وأن الشريف الحسين بن علي قام بثورته بالتعاون والاتفاق مع أحرار العرب من جهة والاتفاق مع بريطانيا من جهة أخرى (2).

الحقيقة الأخرى (اتفاقية سايكس بيكو):

الحقيقة الأخرى هي أن بريطانيا وفرنسا قرّرتا فيما بينهما اقتسام البلاد العربية ونهب ثرواتها والتحكم في سكانها.

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف قامت كل من بريطانيا وفرنسا عام 1917 بعقد اتفاقية سايكس بيكو السير سايكس ممثل بريطانيا والسير جورج بيكو ممثل فرنسا التي ضربت بعرض الحائط وعود بريطانيا التي قطعتها للشريف الحسين بن

علي، والتي كانت ترتكز على وحدة واستقلال البلاد العربية في آسيا. وبموجب هذه الاتفاقية تمت تجزئة المنطقة العربية التي كانت خاضعة للدولة العثمانية إلى مناطق نفوذ بين فرنسا وبريطانيا كما يلي:

1 منطقة نفوذ فرنسية، وتشمل ولايات دمشق وحلب والموصل وجنوب الأناضول والساحل السوري واللبناني.

2 منطقة نفوذ بريطانية، وتشمل جنوب العراق والساحل الفلسطيني الممتد من حيفا إلى عكا.

3 منطقة تحت إدارة دولية وتشمل فلسطين. وتم إدخال شرقي الأردن في منطقة النفوذ البريطاني (3).

الرئيسية
إختصاصات
مقالات
واتساب
إتصال
error: المحتوى محمي !!