يسعى المشرع في مختلف القوانين إلى تحقيق الاستقرار والتوازن في العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر بالنسبة للحقوق والالتزامات المنظمة لعلاقة هذين الطرفين في مثل هذا النوع من العقود. ويدخل ضمن هذا التنظيم والتوازن، موضوع انتقال ملكية المأجور، وما ينتج عنه من آثار بالنسبة لطرفي عقد الإيجار، سواء أكان هذا الانتقال إلى نفس المستأجر، وهو الأمر الذي لم يثر جدلًا واسعًا بالنسبة لمعيار العلاقة بين المؤجر والمستأجر، أو كان هذا الانتقال إلى الغير، وهو ما يثير الجدل والاختلاف في تنظيم القوانين له. وسوف نتناول جميع ما يتعلق بانتقال ملكية المأجور في القانون الأردني من خلال هذا المقال، وذلك من خلال العناصر الرئيسية التالية:
ثالثًا: أسباب انتقال ملكية المأجور
رابعًا: وسائل إثبات حق المستأجر عند انتقال ملكية المأجور
خامسًا: آثار انتقال ملكية المأجور
ونقدم شرح تفصيلي لكل عنصر من العناصر الرئيسية السابقة فيما يلي:
- عقد الإيجار:
يعرف عقد الإيجار على أنه: “عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكّن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم”([1]).
- العقار:
تم تعريفه في (المادة 2) من قانون المالكين والمستأجرين الأردني على أنه: “المال غير المنقول المؤجر لغير أغراض الاستغلال الزراعي”.
- المالك:
تم تعريفه في المادة السابقة على أنه: “من يملك حق التصرف فيما يؤجره أو الشريك الذي يملك ما يزيد عل نصف العقار أو الشخص الذي يُخوله القانون حق إدارة العقار أو أي شخص تنتقل إليه الملكية من المالك الأصلي”.
- المستأجر:
تم تعريفه في نفس المادة السابقة على أنه: “الشخص المنتفع بالعقار عن طريق الإجارة”.
يتصف عقد الإيجار بمجموعة من الخصائص، نتناولها كما يلي([2]):
1. عقد رضائي
تستخلص هذا الرضائية من عدم تطلب القانون شكلًا خاصًا لعقد الإيجار، مما يستوجب الأخذ بالقاعدة العامة في تمام العقود وهي الرضائية، وعلى ذلك فإن الإيجار ينعقد بمجرد تراضي الطرفين عليه، أيًا كانت الطريقة التي اختارها المتعاقدان للتعبير عن إراداتهما، فينعقد الإيجار بالكتابة رسمية كانت أو عرفية، وينعقد مشافهةً وينعقد بالإشارة الدالة عليه.
2. عقد ملزم للجانبين
يرتب عقد الإيجار منذ إبرامه التزامات في جانب كل من المتعاقدين، أهمها بالنسبة للمؤجر الالتزام بتسليم الشيء المؤجر، وبالنسبة للمستأجر الوفاء بالأجرة، وتظهر أهمية هذه الصفة التبادلية بعقد الإيجار في عدة نواحي وبخاصة فيما يتعلق بتحديد من يتحمل تبعة الهلاك والفسخ والدفع بعدم التنفيذ.
3. عقد معاوضة
ذلك أن كلًا من طرفيه يأخذ مقابلًا لما أعطاه الطرف الآخر، يخول المستأجر منفعة شيء من الأشياء، وفي مقابل ذلك يدفع المستأجر له مبلغًا من النقود أو يعطيه شيئًا آخر.
4. عقد يرد على المنفعة
فالغرض من عقد الإيجار هو تمكين المستأجر من الانتفاع بشيء لمدة معينة يعود بعدها إلى المؤجر، فهو لا يخول المستأجر أي حق على الشيء نفسه يمكّنه من التصرف فيه، وفي ذلك يتميز الإيجار عن البيع الذي يُقصد منه نقل ملكية المبيع نهائيًا إلى المشتري بحيث يكون له فضلًا عن استعماله واستغلاله أن يتصرف فيه بجميع أنواع التصرفات القانونية والمادية.
5. عقد من عقود المدة
لما كان الانتفاع بالشيء يستلزم بقاءه في يد المستأجر مدة من الزمن طالت هذه المدة أو قصرت، فإن الإيجار يعتبر لذلك من عقود المدة أو العقود المستمرة.
6. الإيجار عقد من العقود المدنية (وهو الغالب) وقد يكون تجاريًا
إن المعتاد أن يكون عقد الإيجار من العقود المدنية، إذ يُبرم العقد عادةً بين الأفراد أو حتى بين تاجر ومالك العقار، واستخدام العقار المؤجر ذاته في ممارسة التجارة لا يضفي على عقد الإجارة الصفة التجارية، إلا أنه إذا كان عقد الإجارة يدخل من ضمن الأعمال التجارية الأصلية أو التبعية للمتعاقدين؛ فهنا يكتسب العقد الصفة التجارية.
ويُمكن القول بأن عقد الإجارة من ضمن الأعمال التجارية الأصلية أو التبعية للمتعاقدين حال كان نشاط المؤجر التجاري يتمثل في تأجير العقارات على الغير، أو أنه جرى الاتفاق بين الشركتين على إبرام عقدٍ ما ودخل من ضمن هذا العقد تأجير عقار أو محل إلى المتعاقد الآخر.
وترجع أهمية التفرقة فيما إذا كان عقد الإجارة من العقود المدنية أو العقود التجارية إلى تحديد المحكمة المختصة في حال حدوث نزاع -لا قدر الله- بين المتعاقدين فيما يتعلق ببنود هذا العقد أو شروط تنفيذه.
ثالثًا: أسباب انتقال ملكية المأجور
من أجل الإحاطة بأسباب انتقال ملكية المأجور سنتناول هذا العنصر من خلال ما يلي:
1. انتقال ملكية المأجور الاختياري
“قد تنتقل ملكية المأجور إلى المستأجر بسبب قيام هذا الأخير بشراء المأجور. وعندئذ ينتهي عقد الإيجار بين المؤجر والمستأجر سواء أكان ثابت التاريخ أم غير ثابت، وذلك لأن المستأجر بشرائه المأجور أو انتقال ملكيته إليه لأي سبب آخر سوف تجتمع فيه صفتا المؤجر والمستأجر ويصبح مؤجرًا لنفسه فينقضي الالتزام نتيجة لاتحاد الذمة. فإذا كان المستأجر في أي حالة من هذه الحالات قد دفع الأجرة مقدمًا فله حق الرجوع على المؤجر فيما يتعلق بالمدة التالية لتحقق اتحاد الذمة”([3]).
وإذا كان انتقال ملكية المأجور من المؤجر إلى المستأجر لا يثير الجدل لمحدودية نطاقه وجلاء آثاره، فنجد أن انتقال ملكية المأجور إلى الغير قد أثار الكثير من الاختلاف، ويبدو أن المشرع الأردني اختار طريقًا موجزًا في تعرضه لحالة انتقال ملكية المأجور إلى الغير، فاختصر الأمر بمادة واحدة فقط ألا وهي (المادة 691) من القانون المدني الأردني والتي نصت على أنه: “إذا بيع المأجور بدون إذن المستأجر يكون البيع نافذًا بين البائع والمشتري ولا يؤثر ذلك على حق المستأجر”.
ويظهر جليًا من نص المادة السابقة أنها اختزلت الملكية بالبيع فقط، وهو ما يجعل النص موضعًا للنقد المباشر بسبب القصور الواضح به. ذلك أن نقل ملكية المأجور إلى شخص آخر اختياريًا قد يكون بأي تصرف مثل البيع والمقايضة والهبة والوصية وبأي سبب آخر كالشفعة.
وقد دافع بعض الشراح عن غموض وقصور النص الأردني فعلًا بقولهم إن النص الأردني لا يقتصر على حالة البيع فقط، وذلك لأن القصد منه أوسع من ذلك، بحيث يُطبق على كل حالة يتم يقوم فيها المالك بالتنازل عن عقاره لشخص آخر، سواء تم ذلك بالبيع أم بغيره مثل الهبة على سبيل المثال.
ومن المعلوم أن غموض المعالجة القانونية واختصارها لهذا الشأن أو ذاك، يدفع الشراح إلى القياس والاستنتاج والاستنباط على القوانين المقارنة الأخرى، الأمر الذي قد يوصلنا إلى نتائج قد لا تكون ضمن حسابات المشرع، ويُفضل على ذلك وضع القوانين الوافية والقادرة على دفع التفسير والتأويل بعيدًا عن النص القانوني.
وبهذه المناسبة تجدر الإشارة إلى أن انتقال ملكية المأجور إلى شخص آخر اختياريًا لا يقتصر بكل أشكال التصرف على غير المنقول فحسب، بل إنه يشمل المنقول أيضًا، فلا يوجد نصًا واحدًا يُقصر ذلك على أحدهما دون الآخر.
2. انتقال ملكية المأجور الإجباري
لم يميز القانون المدني الأردني في (المادة 691) بين حالتي انتقال ملكية المأجور الاختياري وانتقال الملكية الإجباري، نظرًا للإيجاز الذي اتصف به النص الأردني كما تبين لنا.
في المقابل هناك مجموعة من القوانين التي ميّزت بين انتقال ملكية المأجور الاختياري أو كما سمته بعض القوانين بـ “الانتقال الإرادي” الذي يحدث من خلال انصراف إرادة المالك إلى نقل ملكية المأجور -عقارًا أو منقولًا- إلى شخص آخر، أو انتقال هذه الملكية جبرًا دون اختيار من المالك، كما في حالات نزع ملكية العقار للمنفعة العامة (الاستملاك) أو التنفيذ بالحجز على المال، أو كما أشارت بعض القوانين إلى نزع ملكية المأجور بدعوى الاستحقاق.
وعلى الرغم من أن الملكية الخاصة مصونة، ويحق للمالك الانتفاع بها واستغلالها والتصرف بها، في حدود القانون، فإنه يجوز نزع الملكية للمنفعة العامة مقابل تعويض عادل وفقًا للقانون.
وقد عرفت (المادة 2) من قانون الاستملاك “الاستملاك” على أنه: “نزع ملكية عقار من مالكه أو حق التصرف فيه أو الانتفاع به أو الارتفاق عليه بمقتضى أحكام هذا القانون”، وتأكد (المادة 3) من القانون ذاته على عدم جواز استملاك أي عقار إلا لمشروع يحقق نفعًا عامًا ولقاء تعويض عادل؛ تأكيدًا على المبدأ الدستوري المُشار إليه (المادة 11) من الدستور الأردني.
“أما بالنسبة للحجز على أموال المدين، فمن الممكن قيام المأمور بالحجز على أموال المدين أينما وجدت بعد التحقق من ملكيته لها بما يعادل قيمة الدين وفائدته والنفقات، ولو ظهر أن المحل المطلوب حجز الأشياء فيه ليس بمحل إقامة المدين أو تبين له أن آخرين من غير عياله يقيمون فيه.
وطبقًا (للمادة 70) من قانون التنفيذ الأردني “يُنفذ الحجز على العقار بتسجيل الحجز في سجل الأموال غير المنقولة في دائرة تسجيل الأراضي”، وقد بينت (المادة 75) من قانون التنفيذ الأردني واجبات المستأجرين في العقار المحجوز بنصها على أنه: “إذا كان العقار مؤجرًا فعلى المستأجر بعد تبليغه الإخطار بحجز ما تحت يده من أجور وامتناعه عن دفع الأجرة إلى المدين، أن يقوم بإيداعها في صندوق الدائرة “دائرة التنفيذ”.
رابعًا: وسائل إثبات حق المستأجر عند انتقال ملكية المأجور
تقتضي طبيعة هذا العنصر إلى تناوله من خلال العنصرين التاليين، وذلك على النحو التالي:
1. وسائل إثبات حق المستأجر المكتوبة ثابتة التاريخ
حتى يستطيع المستأجر الاحتجاج بعقد الإيجار أمام المالك الجديد، فلا بد من توافر الوسائل الكافية لديه لإثبات هذا العقد. ومثل هذه الوسائل تعد ضرورية ولازمة لحماية المؤجر والمستأجر عل حد سواء. فمن جهة المستأجر الذي قد يحتاج إلى البقاء في المأجور، تظهر الحاجة إلى وجود إثبات يبرر له هذا البقاء في ملك شخص جديد انتقلت إليه الملكية، ومن جهة المؤجر فإن الأمر يستوجب حماية المالك الجديد من أي غش وتواطؤ قد يقع من جانب شخص قد يدعي امتلاك عقد إيجار سابق مع المالك السابق.
وتأسيسًا على ذلك فقد أدرك المشرع في الكثير من القوانين الحاجة إلى تنظيم العلاقة بين المستأجر والمالك الجديد، بالاستناد إلى وسائل الإثبات ثابتة التاريخ لتحسم أمر هذه العلاقة. وفي الوقت الذي تنبهت فيه غالبية التشريعات إلى وسائل الإثبات هذه، نجد المشرع الأردني قد أغفل حتى مجرد الإشارة إلى ذلك في (المادة 691) من القانون المدني الأردني.
“وعلى الرغم من ذلك نجد بعض شراح القانون المدني الأردني قد ذهبوا إلى أن بقاء الإيجار نافذًا بين المشتري الجديد والمستأجر مشروط بأن يكون الإيجار سابقًا بتاريخه على نقل مليكة المأجور. وعلى هذا الرأي ينبغي مراعاة (المادة 12/1) من قانون البينات الأردني التي جاء فيها: “لا يكون السند العادي حجة على الغير في تاريخه إلا منذ أن يكون له تاريخ ثابت”. وبالتالي يجب التمييز في حالة انتقال ملكية المأجور إلى غير المستأجر بين إيجار ثابت التاريخ قبل هذا الانتقال أو غير ثابت التاريخ، فإذا كان عقد الإيجار غير ثابت التاريخ فإن للمالك الجديد إنهاء عقد الإيجار وإخراج المستأجر من المأجور، باعتبار الإيجار غير نافذ في حقه. أما إذا كان عقد الإيجار ثابت التاريخ وسابقًا على التصرف الذي ترتب عليه انتقال الملكية فإن عقد الإيجار يسري في حق المالك الجديد، ما لم يكن المستأجر قد ارتضى فسخ الإيجار عند التصرف في المأجور. ويكون عقد الإيجار ثابت التاريخ إذا حُرر في سند رسمي، أما حُرر في سند عادي فإنه لا يكون ثابت التاريخ إلا بإحدى الطريقتين اللتين حددتهما (المادة 12) من قانون البينات الأردني” ([4]).
2. وسائل إثبات حق المستأجر التي لا تشترط التاريخ الثابت
“لا يحتاج إثبات عقد الإيجار في العقارات الخاضعة لقانون المالكين والمستأجرين الأردني عند انتقال الملكية، إلى سند إيجار ثابت التاريخ سابق لانتقال الملكية. وهذا هو ما مثله جواب محكمة التمييز الأردنية على مدى نفاذ عقد الإيجار في مواجهة المالك الجديد إذا لم يكن له تاريخ ثابت في العقارات الخاضعة لأحكام قانون المالكين والمستأجرين الذي جاء فيه: “يُستفاد من أحكام قانون المالكين والمستأجرين، أن المشرع لم يتقيد بالقواعد العامة لعقود الإيجار، وإنما وضع قواعد خاصة استثناء من القواعد العامة، أوجب التقيد بها التي بموجبها يمنع المالك الأصلي للعقار المأجور أو من تنتقل إليه ملكية العقار، إخلاء المستأجر منه، ويعتبر عقد إيجار العقار المبرم مع المالك الأصلي ساريًا بحق خلفه المشتري دون أن يشترط لهذا أن يكون سند الإيجار ثابت التاريخ”([5]).
وتنص (المادة 4) من قانون المالكين والمستأجرين الأردني على ما يلي: “يجوز للمستأجر إثبات الإجارة بجميع طرق الإثبات في العقود اللاحقة التي تجري بعد نفاذ هذا القانون”.
وهذا يعني جواز إثبات عقد الإيجار السابق على نقل الملكية بكافة وسائل الإثبات الواردة في المادة الثانية من قانون البينات الأردني والتي تنص على أنه: “تُقسم البينات إلى 1. الأدلة الكتابية. 2. الشهادة. 3. القرائن. 4. الإقرار. 5. اليمين. 6. المعاينة والخبرة”، وهذا التوسع الذي جاء به المشرع في قانون المالكين والمستأجرين إنما كان الهدف منه حماية المستأجر في مواجهة المالك الجديد، ويمثل وبلا شك ميلًا واضحًا لجانب المستأجر على حساب المؤجر.
خامسًا: آثار انتقال ملكية المأجور
يترتب على انتقال ملكية المأجور عدة آثار، يمكن تقسيمها على النحو التالي:
1. آثار انتقال ملكية المأجور بالنسبة للمؤجر والمالك الجديد
إن أول أثر يمكن أن يترتب في علاقة المؤجر بالمالك الجديد هو أن بيع المأجور -على سبيل المثال- سيكون نافذًا بين البائع والمشتري، حتى ولو حصل دون إذن المستأجر سندًا لنص (المادة 691) من القانون المدني. وهذا يعني أن المشرع الأردني لا يحول دون المالك والتصرف في ملكه حتى لو تعلق بهذا الملك حق الغير، شريطة ألا يؤثر هذا التصرف على حق الغير.
“يمكن القول إن المشرع الأردني بهذا الاتجاه قد تأثر بنص (المادة 590) من مجلة الأحكام العدلية التي جعلت البيع نافذًا بين البائع والمشتري حتى ولو حصل بدون إذن المستأجر. في حين أن (المادة 171) مدني اعتبرت التصرف موقوف النفاذ على الإجازة إذا صدر من مالك في مال له تلعق به حق الغير. وهي المادة المتأثرة بالمادتين (111، 113) من مجلة الأحكام العدلية و(المادة 663) من كتاب مرشد الحيران. ولا تعتبر (المادة 691) مدني أردني استثناء على القاعدة العامة الواردة في (المادة 171) مدني أردني كما يذهب بعض الأساتذة، لأن (المادة 691) تستخدم كلمة (الإذن)، بينما تستخدم (المادة171) مدني أردني كلمة (الإجازة)، وهناك فرق كبير بين الاثنين لأن الإذن عادةً ما يكون قبل صدور التصرف أم الإجازة فتكون بعد صدور التصرف”([6]).
إن من أهم الآثار المترتبة على انتقال الملكية، حلول من انتقلت إليه ملكية العين المؤجرة محل المؤجر في كل حقوقه قبل المستأجر، وجميع التزاماته نحوه. ولا يقتصر الأمر هنا على سريان الإيجار بحق من انتقلت إليه الملكية، بل انصراف آثار الإيجار إليه. وهناك فرق كبير بين الحالتين، ففي حالة انصراف آثار الإيجار إلى الخلف الخاص، فإن هذا الخلف (المالك الجديد) يحل محل السلف (المؤجر) في حقوقه والتزاماته، أما في حالة سريان الإيجار في حق الخلف الخاص فلا يحل هذا الخلف محل السلف في الحقوق والالتزامات، بل يبقى الإيجار قائمًا بين المؤجر والمستأجر، فيكون لكل منهما الرجوع على الآخر بحقوقه، أما الخلف فلا يكون ملتزمًا إلا باحترام الإيجار وعدم إخراج المستأجر.
وإذا انصرف أثر الإيجار إلى من انتقلت إليه الملكية، فللأخير أن يرجع بالضمان على المؤجر. فلو انصرف أثر الإيجار إلى المشتري، فله أن يرجع على البائع بضمان الاستحقاق، وله المطالبة بفسخ العقد إذا كان هناك غلط من جانبه نشأ عن اعتقاده بأن العين محل العقد غير مؤجرة، وذلك متى توافرت شروط الغلط.
2. آثار انتقال ملكية المأجور بالنسبة للمستأجر
لم يوضح المشرع الأردني طبيعة ومصير العلاقة بعد انتقال ملكية المأجور إلى الغير بين المستأجر من جهة، والمؤجر أو من انتقلت إليه الملكية (الخلف الخاص) من جهة أخرى، لا في القانون المدني، ولا في قانون المالكين والمستأجرين. وهو ما يعكس مرة أخرى أوجه القصور في موقف المشرع الأردني بالنسبة لهذا الموضوع.
ومثل هذا العجز القانوني في الأردن يضطرنا إلى الاستعانة بالقوانين المقارنة الأخرى المعرفة مصير هذه العلاقة وآثارها.
ونجد أن أهم ما يترتب على انتقال الملكية، هو حلول من انتقلت إليه الملكية، محل المؤجر في كافة حقوقه تجاه المستأجر، وجميع التزاماته نحوه. وبموجب هذا يكون للخلف الخاص الذي انتقلت إليه الملكية الحق في مطالبة المستأجر بجميع حقوق المؤجر، ومتى انتقلت هذه الحقوق إلى الخلف الخاص لم يعد للمؤجر الحق في مطالبة المستأجر بها. فيجوز للخلف الخاص مطالبة المستأجر بالأجرة، وتكون مضمونة بامتياز المؤجر على منقولات المستأجر الموجودة في العين المؤجرة وبالحق في الحبس وحق إيقاع الحجز التحفظي. ويجوز أيضًا مطالبة المستأجر باستعمال العين في الغرض المخصص لها، والمحافظة عليها، والقيام بالترميمات التأجيرية، ورد العين عند انتهاء مدة الإيجار، وغير ذلك من الالتزامات الملقاة على عاتق المستأجر.
وفي المقابل يكون للمستأجر أن يُطالب من انتقلت إليه الملكية بجميع التزامات المؤجر، فله مطالبته بتسليم العين ما لم يكن قد تسلمها قبل ذلك من المؤجر، وله أن يطالبه أيضًا بالقيام الترميمات الضرورية في العين المؤجرة، لو كان التلف قد حدث قبل التصرف، وبضمان التعرض والاستحقاق حتى ولو كان سبب الضمان موجود قبل التصرف، وبضمان العيوب الخفية ولو كانت موجودة قبل التصرف. وكما أن من انتقلت إليه الملكية يُجبر على احترام عقد الإيجار، كما يُجبر المستأجر أيضًا على البقاء حتى نهاية الإيجار، فلا يجوز له أن ينتهز فرصة بيع العين فيخرج منها. ولا يجوز لأي من الطرفين أن يستقل وحده بإنهاء الإيجار، وإنما يجوز ذلك بناء على اتفاق بينهما.
ولا يجوز لمن انتقلت إليه الملكية بالرغم من عدم نفاذ الإيجار في حقه إجبار المستأجر على رد المأجور دون إخطاره في المواعيد التي يحددها القانون، أما المؤجر فإنه يلتزم بتعويض المستأجر عن حرمانه من الانتفاع بالمأجور في المدة المتبقية من مدة الإيجار. وللمستأجر الحق في حبس المأجور فيما بقي له من مدة الإيجار، وله الحق في حبس المأجور وعدم رده لحين استيفاء هذا التعويض أو الحصول على تأمين كاف للوفاء به، سواء من المؤجر أو ممن انتقلت إليه الملكية، ويكون لهذا الأخير الرجوع على المؤجر بما دفعه للمستأجر وفقًا لقواعد الإثراء بلا سبب.
ويلتزم المستأجر بسداد الأجرة إلى الخلف الخاص من وقت علمه بانتقال الملكية إليه. ويقع عبء إثبات العلم على من انتقلت إليه الملكية، فإذا أثبت أن المستأجر كان يعلم وقت الدفع بانتقال الملكية، أو كان من المفروض أن يعلم بذلك، فإن هذا الدفع لا يسري في حقه، وله استيفاء الأجرة مرة ثانية من المستأجر، ولهذا الرجوع على المؤجر بما دفعه طبقًا لقواعد الإثراء بلا سبب. أما إذا عجز متلقي الملكية عن الإثبات المتقدم، فإن دفع الأجرة من قِبل المستأجر للمؤجر يعد صحيحًا وساريًا بحق متلقي الملكية، ولهذا الرجوع على المؤجر بما استوفاه من المستأجر من وقت التصرف الناقل للملكية.
وغني عن البيان بأن الأحكام المتقدمة تسري على ما عجله المستأجر دون غش أو تواطؤ مع المؤجر، من الأجرة عن مدة لاحقة، حتى لو كانت هذه المدة تالية للوقت الذي علم فيه بانتقال الملكية، ما دام تعجيل الأجرة كان سابقًا على هذا العلم.
([1]) إبراهيم سيد أحمد وأشرف أحمد عبد الوهاب، عقد الإيجار في ضوء آراء الفقهاء والتشريع وأحكام القضاء، (ص7).
([2]) إبراهيم سيد أحمد وأشرف أحمد عبد الوهاب، عقد الإيجار في ضوء آراء الفقهاء والتشريع وأحكام القضاء، (ص14).
([3]) صاحب عبيد، انتقال ملكية المأجور في القانون الأردني، (ص36).
([4]) صاحب عبيد، انتقال ملكية المأجور في القانون الأردني، (ص41).
([5]) صلاح الدين شوشاري، الوافي في شرح قانون المالكين والمستأجرين، (ص74).