الجريمة بشكل عام هي فعل أو امتناع عن فعل مسند إلى صاحبه ينص عليه القانون ويعاقب من أجله بعقوبة جزائية، وكل من يقوم بالاعتداء على آخر بالضرب، أو بالجرح، أو بالعنف، أو بإعطاء مادة ضارة ،أو ارتكاب فعل ما مخالف للقانون، ولم يكن يقصد بفعل الاعتداء قتله، ولكنه أفضى إلى موته، فهذا الاعتداء يُعتبر من جريمة الضرب المفضي إلى الموت.
وفي جريمة الضرب المفضي إلى موت يتعين أن يُثبت أن الضرب الذي وقع من المتهم هو السبب الرئيسي المحرك لعوامل أخرى متنوعة تعاونت بطريق مباشر أو غير مباشر على إحداث وفاة المجني عليه كإهمال العلاج أو الضعف العام، فالمتهم مسؤول عن كافة النتائج التي تترتب على فعله، لأنه كان يجب عليه قانونًا أن يتوقعها.
جدول المحتويات
التمييز بين جريمة الضرب المفضي إلى موت وغيرها
التمييز بين جريمة الضرب المفضي إلى موت عن جريمة القتل العمد
تمييز جريمة الضرب المفضي إلى موت عن جريمة القتل الخطأ
أركان جريمة الضرب المفضي إلى موت
عقوبة جريمة الضرب المفضي إلى موت في القانون الأردني
وسوف نتناول في مقالنا التمييز بين جريمة الضرب المفضي إلى موت وغيرها من الجرائم المشابهة، وأركان جريمة الضرب المفضي إلى موت، وعقوبتها في القانون الأردني.
التمييز بين جريمة الضرب المفضي إلى موت وغيرها :
سنتناول الفرق بين جريمة الضرب المفضي إلى موت وجريمة القتل العمد، ثم الفرق بيم جريمة الضرب المفضي إلى موت وجريمة القتل الخطأ، وذلك كما سيلي :
التمييز بين جريمة الضرب المفضي إلى موت عن جريمة القتل العمد :
الكثير يخلط بين جريمة الضرب المفضي إلى موت وجريمة القتل العمد بسبب أن كليهما يؤدي إلى إزهاق روح الإنسان، لكن الذي يفرق بين الجريمتين هو قصد ونية المتهم من الاعتداء وهو ما يُطلق عليه القصد الجنائي، فجريمة القتل العمد والشروع فيها تتميز بنية خاصة وهي القتل وإزهاق روح، بمعنى أن تتجه إرادة الجاني إلى قتل المجني عليه.
وجريمة القتل العمد تختلف عن جريمة الضرب المفضي إلى موت في أن جريمة الضرب المفضي إلى موت لا يقصد فيها الجاني باعتدائه على المجني عليه ضربًا أو جرحًا أن يزهق روحه، ولكن أدى اعتدائه إلى موت المجني عليه.
تمييز جريمة الضرب المفضي إلى موت عن جريمة القتل الخطأ :
الجاني في جريمة الضرب المفضي إلى موت يأتي بالفعل الإجرامي ويقصد إلى الاعتداء على سلامة جسم المجني عليه، ولكنه يؤدي إلى نتيجة أبعد من ذلك وهي إزهاق روحه، أما الجاني في جريمة القتل الخطأ فإرادته لا تنصرف إلى المساس بحياة المجني عليه ولا بسلامة جسده ورغم ذلك ونتيجة ارتكابه فعلًا مشوبًا بالخطأ أدى إلى وفاة المجني عليه.
أركان جريمة الضرب المفضي إلى موت :
تستلزم جريمة الضرب المفضي إلى موت توافر أربعة أركان سنتناولها بالشرح فيما يلي :
فعل الاعتداء هو كل سلوك من شأنه المساس بسلامة الجسم، ويتمثل فعل الاعتداء المحقق لجريمة الاعتداء المفضي إلى الموت إما بالضرب، أو الجرح، أو العنف، أو إعطاء مواد ضارة ،أو ارتكاب أي فعل آخر مخالف للقانون.
ما هو الضرب؟
هو كل ما يقع على جسم الإنسان ويُحدث تأثيرًا فيه ولا يؤدي إلى التمزيق ويقد يقع الضرب على جسم الإنسان ( المجني عليه ) بقبضة اليد أو بالركل أو باللطم، وقد يكون بمجموع ضربات متتالية متعددة ومتلاحقة.
ما هو الجرح؟
هو كل قطع أو تمزيق في الجسم أو في أنسجته، وبمعنى آخر هو مساس بأنسجة الجسم يؤدي إلى تمزيقها، أي تحطيم الوحدة الطبيعية التي تجمع بين جزيئات الأنسجة.
والقانون لا يشترط شروطًا خاصة في الآلة المستخدمة في الجرح، فيمكن أن تكون سلاحًا ناريًا أو آلة واخزة أو حارقة، فالمهم أن تؤدي إلى تمزيق بأنسجة المجني عليه، ومن ثم يُمكن أن يحدث الجرح من حيوان كمن يحرش كلبه على الاعتداء على المجني عليه فيهجم عليه ويترتب على ذلك إحداث جروح من جسد المجني عليه.
ما هي المواد الضارة؟
هي التي يقوم المجني عليه بتناولها وينشأ عن تناولها مرض أو عله أو عجز، والمفترض أن المجني عليه قد تناولها وهو جاهل بضررها، والمواد الضارة لا يوجد حصر لها، وكلها متساوية في نظر القانون، والعبرة أن يكون الجاني بتقديمه المواد الضارة للمجني عليه غير قاصدًا قتله.
ما هو العنف ؟
فهو يُعرف كسلوك بأنه فعل يتضمن إيذاء الآخرين ويكون مصحوبًا بانفعالات التوتر والانفجار وكأي فعل آخر لابد وأن يكون له هدف يتمثل في تحقيق مصلحة مادية أو معنوية. فالعنف هو وسيلة من وسائل الاعتداء على حق الإنسان في سلامة جسده وهو كل اعتداء موجه إلى شخص دون أن يترك أثرًا من جروح.
أما عبارة ارتكاب فعل مخالف للقانون فهي تشمل عدة أمور منها الإيذاء النفسي المتمثل بأفعال لا تقع على جسم المجني عليه بيد أنها تسبب له انزعاجًا أو رعبًا شديدًا وقد تؤدي مع الوقت إلى اضطراب في صحته النفسية، أو الجسدية، أو العقلية، أو قيام شخص بإهانة وتخويف شخص آخر مما يؤدي لإصابته بنوبة عصبية، أو وضع المجني عليه في غرفة باردة للغاية فتؤثر على صحته وغيرها من الأمثلة ذات الصلة.
تتمثل النتيجة الجرمية في جريمة الاعتداء المفضي إلى الموت بوفاة المجني عليه، بغض النظر إن تحققت الوفاة بماشرة وبعد فعل الضرب، أو الجرح، أو إعطاء المادة الضارة ،أو العنف، أو مخالفة القانون، أو أن تكون تحققت بعد فترة من الزمن، وتكمن أهمية حصول الوفاة في أن هذه الجريمة لم تحقق الوفاة، وبالتالي لا يُمكن مسائلة الجاني عنها، بيد أنه يسأل عن جريمة أخرى ألا وهي الإيذاء.
بالإضافة إلى أن عدم تحقيق الوفاة لا يرتب علة الفاعل مسؤولية عن الشروع لأن جريمة الاعتداء المفضي إلى موت لا يتصور فيه الشروع لأن قصد الجاني كان منصرفًا إلى إحداث الأذى بالمجني عليه وليس إحداث الوفاة.
يتعين أن تكون الوفاة قد ترتبت على سلوك الجاني أي أن تكون النتيجة الجريمة وهي الوفاة سببها فعل الاعتداء الذي قام به الجاني، أي أن تنسب الوفاة إلى ذلك الفعل، وإذا انتفت هذه العلاقة فلا قيام للمسؤولية، فجريمة الاعتداء المفضي إلى موت يتطلب تحققها أن تكون الوفاة قد ترتبت على نشاط الجاني، أي أن فعل الجاني هو السبب في إحداث الوفاة ولولاه لما حصلت الوفاة.
جريمة الاعتداء المفضي إلى موت من الجرائم العمدية، والمسؤولية فيها تقوم على أساس قصد الإيذاء، أي توافر عنصري العلم والإرادة وهو ما ستناولهم فيما يلي :
يتعين أن يكون المجني عليه على إحاطة بان فعله ينصب على جسم إنسان حي، وأن فعله ذا خطورة على سلامة المجني عليه، بمعنى أنه يُشكل اعتداء على سلامة الجسم، والقصد الجرمي ينتفي بانتفاء هذا العلم.
الإرادة هي أساس القصد الجرمي، فلابد من توافر إرادة الفعل أي إثبات أن إرادة الجاني قد اتجهت الى ارتكاب الفعل المتمثل بالضرب، أو الجرح، أو العنف، أو إعطاء مادة ضارة ،أو الفعل المخالف للقانون.
كما يتطلب القصد الجرمي في الإيذاء توافر إرادة تحقيق النتيجة، أي إرادة الجاني في إحداث الأذى بجسم المجني عليه، أي توافر الاتجاه الإرادي نحو الأذى.
عقوبة جريمة الضرب المفضي إلى موت في القانون الأردني :
نص المادة 330 من قانون العقوبات
ورد في المادة (330) من قانون العقوبات الأردني تحت عنوان ” جناية الضرب المفضي للموت ” ما يلي :
- من ضرب أو جرح أحدًا بأداة ليس من شأنها أن تفضي إلى الموت أو أعطاه مواد ضارة ولم يقصد من ذلك قتلا قط ، ولكن المعتدى عليه توفي متأثرًا مما وقع عليه ، عوقب الفاعل بالأشغال مدة لا تنقص عن سبع سنوات .
- يكون الحد الأدنى للعقوبة اثنتي عشرة سنة إذا وقع الفعل المنصوص عليه في هذه المادة على موظف عام أثناء ممارسته وظيفته أو من اجل ما أجراه من اجل الوظيفة أو على من لم يكمل الخامسة عشرة من عمره أو على شخص من الأشخاص ذوي الإعاقة مهما بلغ عمره.
المادة 330 مكررة من قانون العقوبات :
على الرغم مما ورد في أي قانون آخر:
- يعاقب بالحبس مدة ثلاثة أشهر أو بغرامة مقدارها ألف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من أطلق عيارا ناريا دون داع أو سهما ناريا أو استعمل مادة مفرقعة دون موافقة مسبقة ، ويصادر ما تم استخدامه من سلاح، ولو كان مرخصًا، وأي سهم ناري ومادة مفرقعة.
- وتكون العقوبة:
أ. الحبس مدة لا تقل عن سنة إذا نجم عن الفعل إيذاء إنسان.
ب. الأشغال المؤقتة إذا نجم عن الفعل أي عاهة دائمة أو إجهاض امرأة حامل.
ج. الأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن عشر سنوات إذا نجم عن الفعل وفاة إنسان.
- تضاعف العقوبة الواردة في الفقرتين (1) و(2) من هذه المادة في حال التكرار أو تعدد المجني عليهم.
وباستقراء المادة سالفة الذكر نجد أن عقوبة الضرب المفضي إلى موت بشكل عام هي الأشغال مدة لا تقل عن سبع سنوات، بيد أنه هناك استثناءًا للموظف العام الذي تم الاعتداء عليه أثناء تأديته وظيفته أو بسبب يرجع لعمله الوظيفي، أو الذي لم يبلغ الخامسة عشر من عمرة، أو ذوي الإعاقة.
وباستقراء نفس المادة مكرر نجد أنه هناك عقابا آخر لمن يستخدم الأدوات التي يُمكن أن تؤدي إلى الموت وهي الحبس مدة ثلاثة أشهر أو بغرامة مقدارها ألف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين، وتختلف العقوبة من مدة لا تقل عام وتصل إلى الأشغال المؤقتة مدة 10 سنوات بحسب ما ينجم أو ينتج عنه الفعل المخالف.
عناصر جريمة الضرب المفضي الى الموت
- يستفاد من أحكام المادة (330) من قانون العقوبات أنها تشترط لأدانه الفاعل بجريمة الضرب المفضي إلى الموت أن تثبت النيابة توافرها العناصر التالية: أ- أن يرتكب الفاعل الضرب والجرح على المجني عليه. ب- أن يكون قصد الفاعل في حدود إيقاع الأذى دون ان يقصد القتل. ج- أن تحدث الوفاة للمجني عليه. د- أن تكون الوفاة ناتجة عن فعل الضرب أو الجرح الذي ارتكبه الجاني ومرتبطة بالفعل ارتباط السبب بالمسبب.
- استقر الاجتهاد على ان استظهار نية الجاني في إزهاق الروح يثبت بالاستنتاج والأدلة وكيفية ارتكاب الفعل والوسائل المستعملة ومواقع الإصابة وجسامتها باعتبار أن النية هي أمر باطني لا بد من كشفه والوقوف على تحققه خلال هذه الشواهد، كما ذهب الفقه الى أن النية أمر داخلي يبطنه الجاني ويضمره في نفسه ولا يستطاع تعرفه إلا بمظاهر خارجية من شأنها ان تكشف عن قصد الجاني وتظهره ومن هذه المظاهر التي يتعين الرجوع اليها للاستدلال على وجود هذه النية الظروف التي وقع فيها الاعتداء والغرض الذي كان يرمي اليه الجاني ووسائل التنفيذ التي استخدمها.
- استقر الاجتهاد على أنه إذا تعذر على المتهم الاحتجاج بصك الصلح أمام محكمة الجنايات الكبرى وارفقه بلائحة التمييز فإن مقتضيات العدالة تبرر نقض الحكم المميز لإتاحة الفرصة أمام محكمة الجنايات الكبرى لإعادة قناعتها في صحة الصلح ومن ثم إعمال تقديرها لهذا السبب كسبب من أسباب التخفيف.
حكم محكمة التمييز في جريمة الضرب المفضي للموت
بتاريخ 27/5/1998 قدم وكيل المميز هذا التمييز وذلك للطعن بقرار محكمة الجنايات الكبرى رقم 275/98 تاريخ 16/5/1998 القاضي بتجريم المميز بجرم القتل القصد بحدود المادة 326 من قانون العقوبات والحكم عليه بالوضع بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة خمس عشرة سنة وللأسباب المخففة التقديرية وعملا بنص المادة 99 من نفس القانون تخفيض العقوبة الى الوضع بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة سبع سنوات ونصف السنة وتضمينه الرسوم.
وتتلخص أسباب التمييز بما يلي:
1 – الإخلال بحق الدفاع وذلك ان وكيل المميز كان قد قدم مرافعة موكله لدى المحكمة الا أنها لم تقم بقراءتها وإنما قامت بحفظها بالملف واتبعت ذلك بتلاوة قرارها حيث خلا من الإجابة على أوجه الدفاع ومنها عدم توافر القصد لدى المميز بقتل المدعوة ف. وبما يؤدي الى نفي القصد الاحتمالي لديه بقتل المغدور.
2 – أخطأت المحكمة بمخالفتها أحكام المادة 237 من قانون أصول المحاكمات الجزائية وذلك من حيث خلو حكمها بما توجبه هذه المادة.
3 – كما أخطأت المحكمة بمخالفتها أحكام المادة 234 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
4 – انتفاء توافر عناصر القصد الاحتمالي في الدعوى.
5 – انتفاء رابطة السببية بين فعل المميز والنتيجة.
6 – أخطأت المحكمة بعدم اتباعها قرار النقض.
7 – كما أخطأت المحكمة كذلك باستنادها الى أدلة وهمية. وطلب وكيل المميز نقض القرار المميز وإعادة الدعوى لمحكمة الجنايات الكبرى للتثبت من توافر القصد الاحتمالي لدى موكله. وبتاريخ 27/5/1998 قدم النائب العام لدى محكمة الجنايات الكبرى مطالعة خطية أشار فيها الى ان الحكم مميز بحكم القانون عملا بنص المادة 13/ج من قانون محكمة الجنايات الكبرى وان الحكم قد جاء مستوفيا شروطه القانونية واقعة وتسبيبا وعقوبة وانه لا يشوبه اي عيب من العيوب التي تستدعي نقضه من تلك الواردة في المادة 274 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
طالبا بالنتيجة تأييده. وبتاريخ 2/6/1998 قدم مساعد رئيس النيابة العامة مطالعة خطية كذلك معتبرا بها ان الحكم قد جاء موافقا للأصول والقانون طالبا رد التمييز موضوعا وتأييد القرار المميز.
بعد التدقيق والمداولة في قضية الضرب المفضي الى الموت
تبين ان ملخص وقائع هذه الدعوى تتمثل انه وبتاريخ 9/6/1996 وبعد صلاة المغرب وأثناء كان المميز يقوم بدهان شقة شقيقه حاملا بيده شاكوشا لغايات إصلاح ما فيها من خراب حصلت بينه وبين زوجة شقيقه المدعوة د.ع. مشادة كلامية وتضاربا بالأيدي فما كان منه الا ان قام برمي الشاكوش عليها فلم يصبها وإنما أصاب ابنها المغدور طق. الذي كان يبلغ من العمر سنة ونصف السنة والذي كانت تحمله على صدرها فقام بعد ذلك بنقله للمستشفى الا انه انتقل لرحمة الله متأثرا بالإصابة.
جرت ملاحقة المميز لدى محكمة الجنايات الكبرى بجرم القتل القصد بحدود المادة 326 من قانون العقوبات حيث صدر بتاريخ 5/12/1996 حكم المحكمة رقم 707/96 قاضيا بتعديل وصف التهمة المسندة له الى جنحة التسبب بالوفاة بحدود المادة 343 من نفس القانون وأدانته بالوصف المعدل والحكم عليه بالحبس لمدة ستة أشهر والرسوم وللأسباب المخففة التقديرية وعملا بأحكام المادة 100 منه تخفيض العقوبة لتصبح الحبس لمدة ثلاثة أشهر والرسوم محسوبة له مدة التوقيف.
قام النائب العام لدى محكمة الجنايات الكبرى بالطعن بهذا الحكم لدى محكمة التمييز حيث صدر حكمها رقم 327/97 تاريخ 17/7/1997 قاضيا بنقض الحكم المميز وإعادة الدعوى لمحكمة الجنايات الكبرى على أساس ان فعل المتهم لم يكن نتيجة خطأ، أو إهمال، أو قلة احتراز ،أو عدم مراعاة الأنظمة بحيث ينطبق فعله على أحكام المادة 343 من قانون العقوبات كما ذهبت اليه المحكمة وإنما ينطبق هذا الفعل على أحكام المادتين 64 و66 من نفس القانون.
ذلك انه وان كان عندما رمى الشاكوش كان قصده المباشر متجها لوالدة المغدور وليس له، ولكن وبهذه الظروف يكون قد توافر بفعله القصد الاحتمالي الذي يفترض بالجاني عند ارتكابه للفعل انه ليس متأكدا من ان هذا الفعل سوف يؤدي الى الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون وانه لم يكن كذلك مستبعدا الا يمس فعله هذا الحق ومع ذلك يقدم على الفعل الذي يصيب بالنتيجة شخصا آخر غير الشخص المقصود أصلا وبكلتا الحالتين يكون قد توافر لديه القصد الجنائي.
لم تتبع محكمة الجنايات قرار النقض وأصرت بقرارها رقم 397/97 تاريخ 15/10/1997 على قرارها السابق. قامت محكمة التمييز بهيئتها العامة وبالقرار رقم 763/97 تاريخ 16/3/1998 وبناء على التمييز المقدم من مساعد النائب العام لدى محكمة الجنايات الكبرى بنقض القرار المميز لذات العلل والأسباب التي وردت بقرار الهيئة العادية المشار اليه وأعادت الدعوى لمحكمة الجنايات لتمتثل لقرار النقض وإصدار القرار المقتضى. وبناء عليه صدر قرارها المشار اليه في مقدمة هذا القرار فلم يرتض المميز به فطعن به بهذا التمييز.
وعن أسباب التمييز:
عن الأسباب الأول والثاني والثالث والرابع: فانه وحيث ان محكمة الجنايات الكبرى كانت قد اتبعت قرار النقض الصادر عن محكمتنا بقرار الهيئة العامة رقم 763/97 تاريخ 16/3/1998 وأصدرت قرارها المميز على ضوئه الا انه وبعد إعادة التدقيق والمداولة من قبل الهيئة العامة الموسعة لمحكمتنا نرى ان البينة المقدمة في الدعوى لم تثبت وبما يتوجب في الأحكام الجزائية من يقين وجزم بأن المميز كان برميه الأداة الجرمية وهو الشاكوش، قد قصد قتل ام المجني عليه.
بحيث وبإصابة هذه الأداة للمجني عليه تكون قد توافرت لديه عناصر القصد الاحتمالي وبنفس الوقت نرى انه وحيث ان الأداة المشار اليها والتي استعملت في ضرب المجني عليه ليس من شأنها ان تفضي الى الموت وانه لم يكن قصد المميز بهذا الضرب قتله فان فعله وبالنتيجة التي انتهى اليها وهي وفاته يكون مستجمعا عناصر جريمة الضرب المفضي للموت بحدود المادة 330 من قانون العقوبات مما نرى معه الرجوع عن التكييف الذي ورد في قرارنا المشار اليه لفعل المميز.
وان التكييف المنطبق عليه هو التكييف هذا مما يجعل هذه الأسباب واردة على الحكم المميز وبهذه الحدود. عن السبب الخامس: فانه ولما ورد في التقرير الطبي المعطى بحق المجني عليه برقم 103597 تاريخ الكشف 10/6/1996 وشهادة الطبيب الشرعي أمام المحكمة بجلسة 12/11/1996 والذي يتبين على ضوء ما ورد فيهما ان المجني عليه كان قبل ضربه مصابا بالتهاب رئوي تسبب بحدوث وفاته وان ما نتج عن الضربة في الجبهة هو ارتجاج دماغي أدى الى احتقان مادة الدماغ، وحدوث وذمة دماغية.
وأنها تعتبر خطرة على المصاب وبالنتيجة ان الضربة من حيث طبيعتها ومكانها وما انتقته من آثار قد ساعدت على الإسراع في الوفاة لتزامنها مع الالتهاب الرئوي. وعليه ولوجود سبب لوفاة المجني عليه سابق لفعل المميز وكان هو يجهلها فان من المتوجب تطبيق أحكام المادة 345 من قانون العقوبات على فعله مما يجعل هذا السبب واردا على الحكم المميز من حيث النتيجة. قرارا صدر بتاريخ 12 ذو القعدة سنة 1419هـ الموافق 28/2/1999م.