التعويض عن الضرر الناشئ عن الجريمة

إن غاية القانون الجنائي العظمي هي حماية السلم والأمان داخل الدولة، وفي سبيل ذلك نجد أن هناك نوعين من الجرائم التي جرمتها التشريعات المختلفة الأولى هي الجرائم التي يكون الجرم فيها عدم الامتثال للأوامر الدولة دون أن يكون في الجريمة المعروضة ظهور لمجني عليه مثل جريمة حمل سلاح بدون ترخيص أما الشكل الأخر من الجرائم فهي التي يدخل فيها أحد الأشخاص كمجني عليه فالمجرم بالإضافة لعدم امتثاله لأوامر الدولة فإنه كذلك يضر بالمجني عليه، ومحور حديثنا في هذا المقال عن التعويض المستحق للمجني عليه كأحد نتائج المترتبة على الجريمة، وسنتناول ذلك من خلال النقاط الآتية:

أولًا: التعريف بالجريمة المرتبة التعويض

ثانيًا: أساس مسؤولية المجرم عن تعويض المجني عليه

ثالثًا: طلب التعويض أمام المحكمة الجزائية

رابعًا: طلب التعويض أمام المحكمة المدنية

خامسًا: انقضاء دعوى الضمان الناشئة عن الجريمة

سادسًا: تطبيقات قضائية

أولًا: التعريف بالجريمة المرتبة التعويض

قبل الشروع في الحديث عن التعويض عن الضرر الناشئ عن الجريمة لابد أولًا أن نبين ماهية الجريمة، يمكن تعريف الجريمة المرتبة للتعويض على أنها إتيان أيًا من الأفعال التي حددها قانون العقوبات الأردني حصرًا من خلال نصوصه ومسببًا ضررًا للغير.

ثانيًا: أساس مسؤولية المجرم عن تعويض المجني عليه

المجرم ملزم بتعويض المجني عليه عن الضرر أو من له الحق عن الأضرار التي ألحقها به، ونفصل في ذلك أن المسؤولية لها أشكال عدة منها الأدبية التي تكون لاعتبارات أدبية لعلاقات ما بين الأفراد وهي غير ملزمه ومنها العقدية والتي يكون مصدرها العقد وما يهمنا في هذا المقال هي المسؤولية التقصيرية، فلماذا تنطبق المسؤولية التقصيرية في العلاقة بين المجرم والمجني عليه؟

المسؤولية التقصيرية هي عبارة عن مبدأ عام مفاده هو أن شخص سبب بخطأ منه ضررًا للغير يلتزم تجاهه بالتعويض فهي حالات إلى ما لا نهاية ولا يمكن حصرها خاصة أن الأضرار نوعان مادي ومعنوي وهي نسبية تختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص، والمسؤولية التقصيرية تنطبق بين المتهم والمجني عليه لأنها قائمة على إلحاق المتهم الضرر بالمجني عليه مترتبًا على خطأ منه (الفعل الإجرامي).

ثالثًا: ثبوت الحق في التعويض الناشئ عن الجريمة

قلنا إن أساس العلاقة بين المتهم والمجني عليه هي المسؤولية التقصيرية. فمتى يحق للمجني عليه المطالبة بالتعويض؟ للمسؤولية التقصيرية مجموعة من الأركان لابد من تحققها لكي يتم انطباقها على واقعة معينة وهذه الأركان شملتها المادة (256) من القانون المدني والتي نصت عل ( كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر)، وسنتعرض لها في الأسطر القادمة من خلال إنزالها على التعويض الناشئ عن الجريمة.

1- الخطأ

الأصل هو أن حجية الأحكام الجزائية تسري في مواجهة القضايا المدنية وفي ذلك نصت المادة (332) من قانون أصول المحاكمات الجزائية وتعديلاته على (يكون للحكم الجزائي الصادر من المحكمة الجزائية في موضوع الدعوى الجزائية بالبراءة، أو عدم المسؤولية ،أو بالإسقاط، أو بالإدانة قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم المدنية في الدعاوى التي لم يكن قد فصل فيها نهائياً وذلك فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها. ويكون للحكم بالبراءة هذه القوة سواء بني على انتفاء التهمة أو على عدم كفاية الأدلة . ولا تكون له هذه القوة إذا كان الفعل لا يعاقب عليه القانون.)

والخطأ عامة هو عبارة عن الخروج عما يلتزم به الشخص العادي في الظروف العادية، أما الخطأ المقصود في مقالنا هنا هو عبارة عن مخالفة الملتزم بالضمان (المتهم) لنصوص قانون العقوبات وفي ذلك تفصيل لوجود بعض النقط المثارة بهذا الشأن.

2- الضرر

المادة (256) من القانون المدني الأردني نصت على ( كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر.)، والضرر نوعان أما أن يكون مادي أو معنوي.

أ- الضرر المادي

المادة (266) من القانون المدني الأردني نصت على ( يقدر الضمان في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار.)، والمستفاد من المادة أن التعويض يكون عن الضرر المادي مثل ما تكبده المجني عليه من مصاريف علاج أو خسائر مادية في أشياء تخصه تأثرت بالجريمة وكذلك يكون التعويض عن الضرر المستقبلي والذي سيفوت كسب على المجني عليه فقطع يد رسام يمتهن مهنة الرسم ويكسب منها قوته يوجب التعويض عن الضرر المستقبلي (فوات الكسب).

ب- الضرر المعنوي

الإنسان ليس فقط تلك الأعضاء المادية التي تؤدي وظائف الجسم، بل له كذلك تكوين نفسي بذات أهمية التكوين الجسدي ولقد فطن المشرع لتلك الأهمية وقرر التعويض للضرر الذي يصيب الإنسان في مشاعره حيث نصت المادة (267) من القانون المدني الأردني على (1- يتناول حق الضمان الضرر الأدبي كذلك. فكل تعد على الغير في حريته أو في عرضه أو في شرفه أو في سمعته أو في مركزه الاجتماعي أو في اعتباره المالي يجعل المتعدي مسؤولا عن الضمان. 2-ويجوز أن يقضي بالضمان للأزواج وللأقربين من الأسرة عما يصيبهم من ضرر أدبي بسبب موت المصاب. 3- ولا ينتقل الضمان عن الضرر الأدبي إلى الغير إلا إذا تحددت قيمته بمقتضى اتفاق أو حكم قضائي نهائي.)

فمن خلال النص نجد أن أي تعرض قد يصيب الإنسان في مشاعره بحيث يصيبه الألم واللوعة أو الاستحقار في مواجهة الغير يجعل تلك الأفعال موجبه للتعويض، فجريمة مثل السب والقذف لا تصيب جسد الإنسان، ولكنها تؤذي مشاعره فهي توجب التعويض، ولم يقصر المشرع الأردني الحق الأدبي على الشخص ذاته، ولكن مده لبعض الأقارب لذات العلة حيث قد تصيب الجريم الأقارب بالأذى النفسي.

3- العلاقة السببية

العلاقة السببية هي التي توجب الضمان مكملة لركني الخطأ والضرر فهي التي تربط الخطأ المرتكب من المجرم بالضرر الواقع بالمجني عليه بحيث يكون الضرر نتيجة للخطأ، ونجد أن في نطاق التعويض المرتبط بالجريمة فإن فصل المحكمة الجزائية يقطع شوطًا كبيرًا في إثبات العلاقة السببية خاصة إذا صدر الحكم بالإدانة.

ثالثًا: طلب التعويض أمام المحكمة الجزائية

1- السند القانوني

لقد نصت المادة (52) من قانون الأصول الجزائية الأردنـي أنـه: لكـل شـخص يعد نفسه متضرراً من جراء جناية أو جنحة. يشارك فـيكوى يتخذ فيها صـفة الادعاء الشخصي إلى المدعي العام أو إلى المحكمة المختصة.) ومن هذا النص يتضح أن المشرع الأردني قد أعطى الحق لكل متضرر من ارتكاب جريمة أن يطالب بالتعويض لجبر هذا الضرر ويكون الادعاء أمام النيابة العامة أو المحكمة الجزائية.

2- الاختصاص

یترتب على وقوع الجريمة حقان، أما الأول فهو حق في طلـب العقـاب لصـالح الفرد، أو المجتمع، والحق الآخر هو دعوى الحق الشخصي للمطالبة بالتعويض أمـام المحـاكم الجزائية تبعـاً لـدعوى الحـق العـام ويمكن اقتضـاؤه مـن خـلال إقامـة الـدعوى المدنية للمطالبـة بالتعويض أمـام المحـاكم الجزائية تبعـاً لـدعوى الحـق العـام وفـي هـذه الحالة تسمى دعوى الحق الشخصي أو الدعوى التبعية بحيث يستطيع المضـرور مـن الفعـل الجرمــي المطالبـة بالتعويض أمـام المحكمــة الجزائية النــاظرة للـدعوى الجزائية حسب قواعد الاختصاص القضائي والمكاني[1].

فدعوى الحق تتبع الدعوى الجزائية وجودًا وعدمًا وكذلك تتبعها من حيث الاختصاص حيث إن الغاية من ارتباطهما هوا تمكين المتضرر من الجريمة من أثبات الخطأ الواقع عليه من خلال أثبات الاتهام على المجرم، وعليه لا يستطيع القاضي الجزائي الحكم بعدم اختصاصه بالدعوى الجزائية ويفصل في المدنية.

3- الإجراءات

إذا قبلـــت المحكمـــة الجزائية النظـــر فـــي الـــدعوى أصـــبح المـــدعي الشخصـــي خصـماً للمـتهم المـدعي علیـه الـذي لـه أن يشارك فـي إثبـات الواقعـة الإجرامية ضـمن الحدود التي تقيده في دعواه فقط[2].

4- صدور الحكم

يصدر الحكم وهذا ما أخذت به محكمة التمييز حيث قضـت بـأن الـدعوى المدنية الجزائية تبعـاً لــدعوى الحــق العــام لــدى المحــاكم الجزائية. تكــون تابعــة لطــرق الطعــن المقــررة لدعوى الحق العام لدى المحاكم الجزائية[3]، فالحكم لابد أن يتناول الشقي الجنائي والمدني طالما تم الادعاء بالحق أمام المحكمة الجزائية.

رابعًا: طلب التعويض أمام المحكمة المدنية

لمدعي بالحق الشخصي الحق في إبراء مدينه مختـاراً مـن حـق لـه علیـه، وأن القانون المدني نص على سقوط هذا الحق والقضاء الالتزام به فإنه یعنـي أن للمـدعي الشخصـي تـرك الحـق والتنـازل عنـه وهـذا مـا أخـذت بـه محكمـة التمييز الأردنية حيث قضـت بأنـه مـن المبـادئ القانونية أن المـدعي المـدني إذا اختـار رفـع دعـواه أولاً إلـى المحكمة الجزائية فله أن يتركها ورفع الدعوى نفسها أمام المحاكم المدنية[4]. مما يستفاد منه أن المتضرر يستطيع أن يلجأ للقضاء المدني بدايةً أو أن يترك الدعوى الجزائية بعد الادعاء أمامها واللجوء للقضاء المدني وتترك الدعوى الجزائية أثرها على المدنية.

ونصت المادة (271) من القانون المدني على (لا تخل المسؤولية المدنية بالمسؤولية الجنائية متى توفرت شرائطها ولا إثر للعقوبة الجزائية في تحديد نطاق المسؤولية المدنية وتقدير الضمان.)

وقد استقر الاجتهاد على أن التعويض عن الضرر الناشئ عن الجريمة ، لا ينحصر بالضرر المادي بل يشمل الضرر الأدبي لان إصابة المدعي في شرفه واعتباره أعظم من أصابته في ماله.

1- أثر نوع الجريمة على الادعاء بالحق المدني أمام المحكمة المدنية

أ- الجريمة العمدية

الجريمة العمد الكاملة الأركان هي الجريمة التي تمت بركنيها المادي (إلحاق الأذى بالمجني) والمعنوي (العلم والإرادة ) ففي هذا النوع من الجرائم المجرم يكون على علم بتجريم الفعل قاصد إتيانه محقق نتيجته.

في هذا النوع من الجرائم يصدر الحكم الجنائي أحد من ثلاثة فروض الفرض الحكم بالإدانة أو بالبراءة لسبب موضوعي أو بالبراءة لسبب إجرائي شكلي.

1- الحكم بالإدانة

في هذه الحالة لا يثور إشكالية في إثبات خطا المتهم حيث إن الحكم الجنائي يكون قد ناقش أدلة الاتهام وأثبت التهمة على المتهم فلا يمكن مناقشة نسبة الفعل للمتهم أمام المحكمة المدنية مرة أخرى وتقيد المحكمة المدنية بالحكم الجنائي ويقتصر دورها على تعين مقدار التعويض.

2- الحكم بالبراءة لسبب موضوعي

في هذه الحالة تكون المحكمة الجائية قد نفت التهمة عن المتهم وينتفي معها حق المجني عليه في المطالبة بالتعويض لانتفاء ركن الخطأ، كأن يكون الضرر نتج عن فعل مباح كعمل الطبيب.

3- الحكم بالبراءة لسبب إجرائي شكلي

العديد من الجرائم الجنائية تتطلب لتوافرها شكلًا معينًا من حيث الإجراءات وتخلف إحدى تلك الإجراءات يتسبب في براءة المتهم ففي هذا الحالة إذا لم يناقش الحكم الضرر الواقع على المجني عليه وقصر البراءة على سبب أخر دون نفي خطأ المتهم ففي هذا الحالة تعود السلطة كاملة للمحكمة المدنية لتقدير ثبوت الخطأ من عدمه وتعيين مقدار التعويض على أساسه.

ب- الجريمة الخطأ

هذا النوع من الجرائم يحدث عندما يحدث الفعل المجرم على شخص المجني عليه من طرف متهم غير قاصد لإحداث نتيجة الفعل، ففي هذا النوع من الجرائم المجرم يكون على علم بتجريم الفعل غير قاصد إتيانه محقق نتيجته، ومثال على هذه الحالة القتل الخطأ ولا يخرج الفروض في تلك الحالة عن فرضين.

1- الحكم بالإدانة

في هذه الحالة المحكمة الجنائية تثبت أن الفعل الخطأ قد نشأ عن رعونة وعدم احتراز من المتهم فبناء عليه يدينه ولو لم يقصد الفعل ولا يمكن مناقشة نسبة الفعل للمتهم أمام المحكمة المدنية مرة أخرى وتقيد المحكمة المدنية بالحكم الجنائي ويقتصر دورها على تعين مقدار التعويض.

2- الحكم بالبراءة

في هذه الحالة يكون المتهم قد تم تبريئه لحدوث الفعل نتيجة لفعل أجنبي أو لاستغراق خطأ المجني عليه لخطأ المتهم وينتفي معها حق المجني عليه في المطالبة بالتعويض لانتفاء ركن الخطأ، كأن يكون الضرر نتج عن فعل مباح كعمل الطبيب.

ج- الشروع في الجريمة

هذا النوع قد عاقبت عليه التشريعات المتباينة على الرغم من عدم إتمام الفعل الإجرام وذلك رغبة من التشريع في زجر الأشخاص وإبعادهم عن الأفعال الضارة، ففي هذا النوع من الجرائم المجرم يكون على علم بتجريم الفعل قاصد إتيانه متوقع نتيجته وغير محقق لها، ويأخذ أحكام الجريمة العمدية كما بينا.

2- أثر الانقضاء والعفو وإيقاف التنفيذ على الادعاء المدني

أ- انقضاء الدعوى

تحدثنا في صدر المقال عن تبعية الادعاء المدني للدعوى الجزائية وفي ذلك نجد أن المشرع الأردني قد تناول ذلك بخصوص انقضاء الدعوى المدنية تبعًا للدعوى الجزائية وذلك من مجموعة مواد في قانون أصول المحاكمات الجزائية.

1- سقوط دعوى الحق العام والحق الشخصي في الجناية المادة (338)
  • تسقط دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي بانقضاء عشر سنوات من تاريخ وقوع الجناية إذا لم تجر ملاحقة بشأنها خلال تلك المدة.
  • تسقط أيضا الدعويان المذكورتان بانقضاء عشر سنوات على آخر معاملة تمت فيها إذا أقيمت الدعوى وأجريت التحقيقات ولم يصدر حكم بها .
2- سقوط دعوى الحق العام والحق الشخصي في الجنح المادة (339)

تسقط دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي في الجنحة بانقضاء ثلاث سنوات على الوجه المبين في الحالتين المذكورتين في المادة السابقة.

2- سقوط دعوى الحق العام والحق الشخصي في المخالفة المادة (340)
  • تسقط دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي في المخالفة بانقضاء سنة كاملة على وقوعها دون أن يصدر حكم بها من المحكمة وان نظم بشأنها محضر وجرى تحقيق خلال السنة المذكورة.
  • أما إذا صدر حكم بها خلال السنة المذكورة واستؤنف تسقط دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي بانقضاء سنة كاملة من تاريخ تقديم استدعاء الاستئناف.

ب- أثر العفو العام على الادعاء المدني.

 أن إسقاط دعوى الحق العام استناداً لقانون العفو العام لا يغير من الأمر شيئاً إذا ما توافرت عناصر المسؤولية المدنية المتمثلة بالفعل الضار والضرر وعلاقة السببية المنصوص عليها في المادة (256) من القانون المدني متى توافرت بحق المدعى عليه (الطاعن) , إذ أن دائرة المسؤولية المدنية تختلف عن دائرة المسؤولية الجزائية , أي أن سقوط الدعوى العمومية بالعفو العام لا يمنع الشخص المتضرر من رفع دعوى بطلب التعويض أمام المحكمة المدنية دون الاستناد إلى حكم جزائي في الموضوع ولا يؤثر على الدعوى السابقة على سقوط الدعوى العمومية بالعفو العام.[5]

ج- أثر سقوط العقوبة على الادعاء المدني.

سقوط العقوبة لا يؤثر على الادعاء المدني حيث إن سقوط العقوبة يعد من المسائل الإجرائية التنظيمية والتي لا تتعرض للموضوع وفي ذلك نصت المادة (48) من قانون العقوبات على ( أن الأسباب التي تسقط الأحكام الجزائية أو تمنع تنفيذها أو تعلقها لا تأثير لها على الالتزامات المدنية التي یجب أن تظل خاضعة للأحكام الحقوقية.)

خامسًا: انقضاء دعوى الضمان الناشئة عن الجريمة

نظمت المادة (272) من القانون المدني الأردني انقضاء دعوى الضمان الناشئة عن الجريم حيث نصت على:

(1- لا تسمع دعوى الضمان الناشئة عن الفعل الضار بعد انقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالمسؤول عنه. 2- على انه إذا كانت هذه الدعوى ناشئة عن جريمة وكانت الدعوى الجزائية ما تزال مسموعة بعد انقضاء المواعيد المذكورة في الفقرة السابقة فان دعوى الضمان لا يمتنع سماعها إلا بامتناع سماع الدعوى الجزائية. 3- ولا تسمع دعوى الضمان في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع الفعل).

الدعوى المدنية تبقى مسموعة خلال فترة رؤية الدعوى الجزائية لأن سماع الدعوى الجزائية يقطع تقادم الدعوى المدنية ويمنع سقوطها ما دامت الدعوى الجزائية قائمة، وأن فصل الدعوى الجزائية يعتبر مبدئا لمدة التقادم المنصوص عليها في المادة (272/1) من القانون المدني وحيث أن المدعيين علما يقينياً بوقوع الضرر وبالمسؤول عنه من تاريخ اكتساب الحكم الجزائي الدرجة القطعية

تقادم دعوى الحق الشخصي في الجناية التي لم تجر ملاحقة بها: 

  1.  يستفاد من الفقرة الأولى من المادة (338) من قانون الأصول الجزائية الباحثة بسقوط الدعوى بالتقادم ، أنه إذا وقعت جناية ولم تجر ملاحقة بشأنها فإن الدعوى الجزائية ودعوى الحق الشخصي تسقطان بانقضاء عشر سنوات من تاريخ وقوع تلك الجناية . كما أنه يستفاد من نص الفقرة الثانية من المادة (338) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بأنه إذا ارتكبت جناية وأجريت التحقيقات، ولكن لم يصدر حكم بهذه الدعوى ، فإن دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي لا تسقط إلاّ بعد انقضاء عشر سنوات على آخر معاملة تمت فيها . لذلك تكون المادة 338 من الأصول الجزائية قد بحثت في حالتين .
    الأولى: وقوعجريمةولم تجر الملاحقة بشأنها .

تقادم دعوى الحق الشخصي في الجناية التي لم يصدر بها حكم: 

 تبقى الدعوى المدنية مسموعة خلال فترة رؤية الدعوى الجنائية لأن سماع الدعوى الجزائية يقطع تقادم الدعوى المدنية ويمنع من سقوطها ما دامت الدعوى الجزائية قائمه لذلك فإن فصل الدعوى الجزائية يزيل هذا القطع إذا لم يعد هناك قضية جزائية كما لم يعد بالإمكان تحريك دعوى الحق العام لأنه صدر حكم بها واكتسب الدرجة القطعية لذلك تبدأ مدة تقادم حسب نص الفقرة الأولى من المادة (272) من القانون المدني ومدتها ثلاث سنوات اعتباراً من تاريخ اكتساب الحكم الجزائي الدرجة القطعية . وحيث من الثابت في أوراق الدعوى أن المدعيين قد علما يقينياً بوقوع الضرر وبالمسؤول عنه أثناء رؤية الدعوى الجنائية وفي فترة المحاكمة .

وحيث صدر الحكم على المدعى عليه واكتسب الدرجة القطعية بتاريخ 30/5/1988 فإن التقادم على الدعوى المدنية يبدأ من 31/5/1988 وينتهي بتاريخ 30/5/1991 وحيث أن الدعوى المدنية قد أقيمت بعد هذا التاريخ فإننا نرى أن ما توصلت إليه محكمة الاستئناف بهذا الخصوص يخالف حكم القانون وواقع في غير محله . لهذا واستناداً لكل ما تقدم ورجوعاً عن أي اجتهاد سابق نقرر بالأكثرية نقض القرار المميز وإعادة الأوراق لمصدرها لاتباع حكم النقض عملاً بأحكام المادة 202/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية .

سادسًا: تطبيقات قضائية

وفــــي الموضــــوع: وبالنسبة لأسباب الاستئناف نجد انه تم إحالة المستأنف ضده إلى محكمة صلح جزاء الزرقاء لملاحقته عن جرم الذم والقدح والتحقير وبعد السير بإجراءات التقاضي قررت محكمة الدرجة الأولى إعلان براءة المستأنف ضده عن هذا الجرم وصدر القرار بتاريخ 25/3/2018 وتم استئناف القرار من قبل النيابة العامة بتاريخ 4/4/2018 وتم رد الاستئناف بموجب قرار محكمتنا رقم (1253/2018) تاريخ 5/4/2018 وأصبح الحكم قطعياً بإعلان براءة المستأنف ضده. وحيث أن التعويض المدني (الادعاء بالحق الشخصي) أمام المحكمة الجزائية ينظر تبعاً وتوحيداً مع الدعوى الجزائية وان الادعاء بالحق الشخصي هو بمثابة التعويض عن الجرم المرتكب وحيث تقرر إعلان براءة المستأنف ضده عن الجرم المسند اليه واكتسب الحكم بذلك الدرجة القطعية مما نجد معه أن قرار محكمة الدرجة الأولى في محله وان أسباب الاستئناف لا ترد عليه ونقرر ردها وتأييد القرار المستأنف[6].

وفي ذلك نجد أن محكمة الاستئناف وإن كانت قد قررت اتباع النقض إلا أنها لم تستوفِ المطلوب وفقاً لسبب النقض وهو بيان فيما إذا كانت الدعوى ناشئة عن جريمة وما هي الجريمة التي نشأت عنها الدعوى في حال تطبيق المادة (272/2) من القانون المدني فتكون بذلك قد اتبعت النقض شكلاً فقط وسارت بالدعوى وفقاً لقرارها السابق من هذه الجهة إذ لا يكفي ن تقول أن الدعوى ناشئة عن قضية جزائية وإنما يتعين أن تبين أن المطالبة بالتعويض عن ضرر نتج عن جريمة معينة لغايات تطبيق المادة (272/2) من القانون المدني وعليه فإن هذا السبب يرد على الحكم المطعون فيه ويتعين نقض[7].

أما بخصوص دعوى الحق الشخصي المقامة ضد الأظناء جميعهم وجدت المحكمة أن هذه الدعوى تهدف إلى التعويض عن الضرر الذي سببته الجريمة وأن سبب الضرر يتحدد في خطأ جزائي يترتب عليه مسؤولية جزائية وبالتالي يستحق المتضرر التعويض عن هذا الضرر وحيث إن الجريمة الجزائية قد أسقطت عن الأظناء بموجب قانون العفو العام فإنه يتوجب هنا وبمعزل عن إثبات الجرم الجزائي إثبات عنصر الخطأ من قبل الأظناء والذي نتج عنه الضرر الموجب للتعويض فإن المحكمة وجدت أن الأظناء لم يقوموا بارتكاب أي خطأ مخالف للقانون يتوجب معه التعويض إذ إن الأفعال التي ارتكبها الأظناء كانت بحكم عملهم في المنطقة الحرة وهي مجال اختصاصهم في بيع السيارات وقطع السيارات (الجنك) غير المجمركة وإن شراء المركبة من المتهم تحت اسم غير صحيح تم بموجب عقد مبايعة موقع بين أطرافه الظنين لؤي والمتهم وأن الظنينين ……..و……… يعملان لديه بهذه الأمور وأن الظنين محمد يملك معرضاً في المنطقة الحرة ويقوم بتأجير الساحة العائدة له من أجل فك وفرط قطع السيارات مقابل أجرة متعارف عليها وبالتالي فإن كافة الأفعال الظاهرة عنهم لم تنصرف إلى إلحاق الضرر بالآخرين ولم يصدر عنهم أي خطأ يتوجب معه الحكم بالتعويض مما يتعين معه رد دعوى الحق الشخصي عنهم[8].

وبالرد على أسباب التمييز مجتمعة: ومفادها النعي على القرار المميز مخالفة المادتين 256 من القانون المدني و42 من قانون البينات لثبوت تضرر المميزين بموجب القرار الجزائي المكتسب الدرجة القطعية بإدانة المميز ضده بجرم شهادة الزور.

ورداً على ذلك نبدي أن للحكم الجزائي قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم المدنية في دعوى التعويض عن الأضرار التي أساسها الجريمة وذلك عملاً بالمادة 332 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

كما أن المستفاد من المادة 42 من قانون البينات أنه يتعين على القاضي المدني الارتباط في الوقائع التي فصل فيها الحكم الجزائي ما لم يكن الفصل في الوقائع كان بدون ضرورة.

ولما كان ذلك وحيث إن المميزين أسسا مطالبتهما بالتعويض عن الضررين المادي والمعنوي بمواجهة المميز ضده على الحكم الجزائي الصادر ضده بالدعوى رقم (718/2018) صلح جزاء الرصيفة بإدانته بجرم شهادة الزور والمكتسب الدرجة القطعية فتكون أركان المسؤولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية متوافرة بمواجهة المميز ضده من الحكم الجزائي المكتسب الدرجة القطعية.

وحيث إن القرار المميز توصل لخلاف ذلك فيكون قد أخطأ في تفسير وتأويل القانون مما يوجب نقضه لورود الأسباب المتقدمة عليه ويتوجب على محكمة البداية بصفتها الاستئنافية إجراء خبرة لتقدير التعويض الذي يستحقه كل من المدعيين من واقع البينات المقدمة والمستمعة بالدعوى. (انظر قرار تمييز حقوق رقم 384/1972 (هيئة خماسية) تاريخ 30/11/1972 منشورات مركز عدالة)[9].

خاتمة:

لقد ذهب المشرع الأردني إلى ما ذهبت إليه معظم التشريعات من إجازة الادعاء المدني أمام المحكمة الجزائية وذلك في حالة وجود ضرر قد ترتب على جريمة معينة، ومن الملاحظ أن الحق في هذا الادعاء لا يقتصر على المجني عليه فقط، بل هو يمتد إلى كل من أصابه ضررًا معتبرًا سواء كان ماديًا أم أدبيًا، ورأينا كيف أن الدعوى المدنية المطروحة أمام المحكمة الجزائية تتبع الدعوى الجزائية وجودًا وعدمًا وأنها لا تتأثر بالعفو العام أو سقوط العقوبة إلا أنها تتأثر بانقضاء الدعوى الجزائية.

[1] محمد زهیر النقيب، الدعوى المدنية الناشئة عن الجرم الجزائي في القانونين الأردني والعراقي، رسالة، كلية الحقوق الشرق الأوسط، تشرین الثاني 2014 صـ1

[2] محمد زهیر النقيب، الدعوى المدنية الناشئة عن الجرم الجزائي في القانونين الأردني والعراقي، رسالة، كلية الحقوق الشرق الأوسط، تشرین الثاني 2014 صـ45

[3] تمییز جزاء رقم 70/79 لسنة 1979 ،ص 921 .

[4] تمییز جزاء رقم 350/79 لسنة 1980 ،ص 504 .

[5] الحكم رقم 3396 لسنة 2021 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 2021-10-17

[6] الحكم رقم 2918 لسنة 2018 – بداية الزرقاء بصفتها الاستئنافية الصادر بتاريخ 2018-08-13

[7] الحكم رقم 3635 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 2020-12-03

[8] الحكم رقم 2093 لسنة 2021 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية الصادر بتاريخ 2021-10-10.

[9] الحكم رقم 5486 لسنة 2021 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 2021-11-04

الرئيسية
إختصاصات
مقالات
واتساب
إتصال
error: المحتوى محمي !!