الأحكام وفي النهاية تظل عملًا بشريًا يفتقر للكمال لذا شرعت التشريعات المقارنة في إتاحة طرق الطعن المختلفة لسد ما بالأحكام من قصور، ومن تلك الطرق التي شرعت ما نحن بصدد الحديث عنه في هذا المقال ألا وهو إغفال المحكمة الحكم ببعض الطلبات، وسيكون ذلك العرض من خلال النقاط الآتية:
ثانيًا: دور المحكمة في الرد على الطلبات
ثالثًا: إجراءات رفع طلب أغفال الطلبات
رابعًا: طلب الحكم بما أغفلته المحكمة ليس طريق من طرق الطعن
خامسًا: عدم اندراج الطلبات المغفلة تحت قاعدة سابقة الفصل
سادسًا: الفرق بين طلب استدراك الإغفال وما قد يتشابه معه
أولًا: تعريف الطلب وأنواعه
قبل الحديث عن إغفال المحكمة للطلبات لابد أولًا أن نتعرف على معنى الطلب، الدعوى المدنية بنيانها الأساسي الطلبات يقابلها الدفوع، الطلب من صاحب الحق والدفع من المطالب منه أداء الحق، يمكنا تعريف الطلب بأنه الحق المطلوب إثباته من خلال دعوى قضائية صالح قانونا للفصل فيه.
والطلبات تكون إما أصلية والتي يفتتح بها الدعوى وقد تكون عارضة وهي التي تبدى بعد افتتاح الدعوى إلى ما قبل إغلاق باب المرافعة سواء كانت من المدعي أو من المدعي عليه.
* وفي ذلك النطاق نلقي الضوء على بعض التعريفات[1]:
الطلب الأصلي: هو الطلب الذي ينشأ عنه دعوى لم تكن موجودة قبل إبدائه.
الطلب العارض: الطلب الذي يبدى أثناء خصومة قائمة.
إقفال باب المرافعة: إبداء الخصوم أقوالهم النهائية في الدعوى، وحجز الدعوى من قبل المحكمة للمداولة والتدقيق.
الدفوع: ما يجيب به الخصم على دعوى خصمه بقصد تفادي الحكم لخصمه بما يدعيه.
وبتفصيل أكثر فقد عددت المادة (115/أ) من قانون أصول المحاكمات المدنية إذ نصت على: (للمدعى أن يقدم من الطلبات:
- ما يتضمن تصحيح الطلب الأصلي أو تعديل موضوعه لمواجهة ظروف طرأت أو تبينت بعد رفع الدعوى.
- ما يكون مكملا للطلب الأصلي أو مترتبا عليه أو متصلا به بصلة لا تقبل التجزئة.
- ما يتضمن إضافة أو تغييرا في أسباب الدعوى مع بقاء موضوع الطلب الأصلي على حاله.
- طلب إجراء تحفظي أو مؤقت.
- ما تأذن المحكمة بتقديمه مما يكون مرتبطا بالطلب الأصلي.)
ثانيًا: دور المحكمة في الرد على الطلبات
فالمادة (160) من قانو أصول المحاكمات المدنية نصت على (يجب أن يبين في الحكم المحكمة التي أصدرته وتاريخ إصداره ومكانه وأسماء القضاة الذين اشتركوا في إصداره وحضروا النطق به وأسماء الخصوم بالكامل وحضورهم أو غيابهم وأسماء وكلائهم كما يجب أن يشتمل الحكم على عرض مجمل لوقائع الدعوى وطلبات الخصوم وخلاصة موجزة لدفوعهم ودفاعهم الجوهري وأسباب الحكم ومنطوقه ).
ومن هذه المادة يتضح لنا أن دور المحكمة وقبل البت في القضية المعروضة أمامها أن تسرد وقائع الدعوى وطلبات الخصوم ونجد علة ذلك واضحة جلية أن يكون الحكم في حد ذاته منفصلًا عن أوراق الدعوى عنوان للحقيقة، فكل من يمسك حكم بيده يجده مشتملًا على كل ما يحتاجه لفهم موضوع القضية دون الحاجة إلى الرجوع باقي أوراق القضية.
ورد المحكمة على كل طلبات الخصوم هو من واجبات المحكمة علة ذلك أن أغفال المحكمة لبعض الطلبات يفوت على صاحب الحق درجة من درجات التقاضي إذا ما أثار من أغفل طلب له أمام محكمة الطعن لأول مرة، فمن الضروري أن يتناول الحكم جميع جوانب القضية المعروضة والرد على كل ما للخصوم من طلبات، وأكد ذلك الحكم رقم 191 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 16/3/2020 والذي جاء فيه (أما بالنسبة لكونه غير معلل أو مسبب حيث نجد أنه قد اشتمل على عرض موجز لوقائع الدعوى وطلبات الخصوم والرد على أسباب الاستئناف ومعالجة كافة النقاط المثارة فيكون معللاً تعليلاً قانونياً يتفق وأحكام المادتين 188/4 و 160 من قانون أصول المحاكمات المدنية وبالتالي فإن هذا السبب لا يرد مما يستوجب رده.)
ثالثًا: إجراءات رفع طلب إغفال الطلبات
المادة (168/3) من أصول المحاكمات المدنية إذ نصت على (اذا أغفلت المحكمة الحكم في بعض الطلبات الموضوعية فعليها بناء على طلب احد الخصوم أن تفصل في الطلبات التي أغفلتها بعد تبليغ الخصم الأخر بذلك ويخضع هذا الحكم لقواعد الطعن التي تسري على الحكم الأصلي ).
ومن هذا النص هذا النص يتضح لنا أن المحكمة لا تتعرض ابتداءً للطلبات المغفلة ولو علمت بها بعد تمام صدور الحكم، بل لابد أن يقدم أحد الخصوم طلبًا للمحكمة مصدرة الحكم لنظر الطلب، كذلك فإنه وإقرارً لقواعد العدالة فإن المشرع الأردني قد أشترط تبليغ الخصم الأخر بهذا الطلب لكي يطرح ما لديه من دفوع في هذا الطرح الجديد.
وموعد تقديم طلب الحكم فيما أغفلته المحكمة يضع في تقديمه للمواعيد التي تطبق على الحكم الأصلي وفي ذلك جاء بالحكم الحكم رقم 2984 لسنة 2021 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 12/7/2021. (حيث يبدأ سريان ميعاد تقديم طلب الإغفال خلال شهر من تاريخ آخر إجراء صحيح في الدعوى وهو اليوم التالي لصدور الحكم الفاصل في الدعوى إذا كان وجاهياً أو من تاريخ تبليغه إذا كان وجاهياً اعتبارياً أو بمثابة الوجاهي وصادراً عن المحكمة الابتدائية وعشرة أيام إذا كان صادراً عن محكمة صلحيه.
وباعتبار أن طلب الإغفال هو طلب مرتبط بالدعوى الأصلية وتابع لها والقاعدة أن التابع تابع ولا يفرد بالحكم ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى نجد أن المشرع أتاح للخصوم بعد صدور الحكم الأصلي – وهو الذي يشتمل غالباً الحكم لأحد الخصوم بجميع طلباته – الطعن به خلال شهر من تاريخ صدوره أو من تاريخ تبليغه إذا كان صادراً عن المحكمة الابتدائية حسب مقتضى الأحوال ، فمن باب أولى أن لا ينفرد طلب الإغفال بمدة تزيد عن مدة الطعن باعتباره تابعاً للدعوى الأصلية أو الحكم الأصلي الذي نظر إليه على أنه الأهم باعتباره الأصل مع ملاحظة أن ذلك لا يصادر حق الخصوم في اللجوء إلى القضاء وفقاً للإجراءات المعتادة لرفع الدعاوى للفصل في طلب الإغفال . وتأسيساً على ما تقدم اعتبار أن ما يسري من أحكام من حيث المدة على تقديم طلب الحكم بما أغفل الحكم به هي ذاتها المطبقة على الطعن في الحكم.)
والمحكمة المختصة بنظر طلب استدراك الإغفال يكون لذات المحكمة التي أصدرت الحكم. والحكمة التي من أجلها جعل المشرع الاختصاص ينعقد لهذه المحكمة، هو حتى لا تضيع على الخصم الذي أغفل الفصل في أحد طلباته درجة من درجات التقاضي إذا ما أجيز له الطعن في الحكم، ومن ناحية ثانية أن محكمة الاستئناف لا تستطيع أن تفصل في الطلب المغفل لعدم وجود حكم قضائي بخصوصه[2].
رابعًا: طلب الحكم بما أغفلته المحكمة ليس طريق من طرق الطعن
الطعن في الأحكام شرع من أجل رقابة محكمة أعلى على محكمة أقل ورسم له القانون شكلًا خاص وتدرجًا لا يجوز تجاوزه، فهل يعد طلب الحكم بما أغفلته المحكمة طريقًا من طرق الأحكام؟، للإجابة على هذا التساؤل لابد أن نعرف أن تدرج التقاضي شرع من أجل الوصول إلى الحقيقة فالشرعية القضائية تحتم أن يمكن المتقاضين من ممارسة حقهم في التقاضي من خلال تلك القنوات القضائية وأسباب الطعن في الأحكام هي وصول المحكمة مصدرة الحكم إلى نتيجة لا تتناسب مع معطيات الدعوى من وجهة نظر الطاعن وأسباب الطعن على الأحكام كثيرة قد تتشابه ظاهريًا مع طلب الحكم بما أغفلته المحكمة.
ومن ذلك القصور في التسبب: إغفال المحكمة وقائع هامة في الدعوى أو إغفال الرد على دفاع جوهري أو مستند هام لم يختلف عليه الخصوم أو رفض إثبات واقعة جوهرية في الدعوى أو عدم الرد الواقعي الكافي على دفوع الخصوم.[3]
أما من حيث طلب الحكم بما أغفلته المحكمة فيعد طرحًا جديداً لما أغفلته المحكمة لابد وأن يمر بالمراحل التي يمر بها الطلب الجديد ذلك لأن المحكمة لم تصل إلى نتيجة فيه وأكد ذلك ما أكدته المادة (168/3) من أصول المحاكمات المدنية إذ نصت على (اذا أغفلت المحكمة الحكم في بعض الطلبات الموضوعية فعليها بناء على طلب احد الخصوم أن تفصل في الطلبات التي أغفلتها بعد تبليغ الخصم الأخر بذلك ويخضع هذا الحكم لقواعد الطعن التي تسري على الحكم الأصلي )، مما يؤكد أن المشرع الأردني قد قرر الحق لمن أغفلت المحكمة الرد على طلباته في أن يعاد طرحها أمام ذات المحكمة ليأخذ الطلب مراحله كاملة أمام القضاء.
وأكد ذلك الحكم رقم 5022 لسنة 2021 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ 2/12/2021 والذي جاء فيه ( وحيث إن المميزين لم يتقدما بطلب الحكم بما أغفلته المحكمة من الحكم بالفائدة القانونية وفقاً لحكم المادة 168/3 من قانون أصول المحاكمات المدنية، ولم يطعنا في القرار سواء باستئناف أصلي أو تبعي طالباً منها الفصل بالفائدة القانونية والواردة في لائحة الدعوى والتي أغفلت المحكمة الفصل فيها فيكون هذا الطلب يندرج تحت نطاق الطلبات الواردة في المادة ( 168/3 ) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتي أعطى المشرع الحق للخصم اللجوء بها إلى المحكمة التي أغفلت الفصل في أحد طلباته ، وحيث إن ذلك يعني أن الحكم الأصلي والذي قضت فيه محكمة البداية قد أصبح يمثل حقوق المدعي في المطالبات الواردة بلائحة الدعوى لأن المدعي يكون قد ارتضى بالمبلغ الوارد بالحكم الأصلي عن كافة مطالباته الواردة بلائحة الدعوى ومنها المطالبة بالفائدة القانونية مما لا يجوز معه المطالبة بالفائدة القانونية أو أية مطالبات أخرى بعد ذلك أو الاحتجاج بإغفال المحكمة الفصل في طلبه بالفائدة القانونية أو أية طلبات أخرى.)
خامسًا: عدم اندراج الطلبات المغفلة تحت قاعدة سابقة الفصل
هناك قاعدة أصولية في النظام القضائي تفيد عدم صلاحية تناول الادعاء بحق أكثر من مرة أمام القضاء وإلا يكون معرض للدفع بسابقة الفصل ويكون تبعًا لهذا الدفع الحكم برفض الادعاء، وفي نطاق حديثنا عن طلب استدراك الأغفال للحكم في طلبات الخصوم فيثور التساؤل هل تفويت التقدم بهذا الطلب يمنع التعرض لهذا الطلب في دعوى جديدة؟ الإجابة لا.
تحديد المشرع لوسيلة الاستدراك هذه لا يحول دون حق الخصم في رفع دعوى جديدة للفصل في الطلب الذي تم إغفاله[4]، والعلة من ذلك عدم حرمان من أغفلت المحكمة الرد على طلبات له من إعادة النظر في طلباته من إعادة طرح طلباته في دعوى جديدة، كذلك لا تخضع تلك الطلبات المغفلة لقاعدة سابقة الفصل لأنها لم يصدر حكم فيها.
فالعبرة بعدم نظر الطلبات في دعوى جديدة هو الفصل وليس مجرد العرض ويؤكد ذلك ما جاء بالحكم رقم 2384 لسنة 2021 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية الصادر بتاريخ14/9/2021 والذي جاء فيه (وعن السبب الأول ومفاده تخطئة محكمة الجمارك الاستئنافية عندما قررت رد الاستئناف شكلاً دون تعليل قرارها وتسبيبه.
وفي ذلك نجد أن محكمة الجمارك الاستئنافية قد بينت سبب رد الاستئناف شكلاً وهو سبق الفصل فيه حيث سبق للمميز أن تقدم باستئناف على القرار ذاته قيد بالدعوى رقم (—–/2021) وسبق رد استئنافه شكلاً لعدم تقديم المعذرة المشروعة وعليه فإن ما ورد بهذا السبب لا يرد على القرار المميز ويتعين رده.)
سادسًا: الفرق بين طلب استدراك الإغفال وما قد يتشابه معه
1- طلب الاستدراك وطلب التصحيح
نصت المادة (168/1) من قانون أصول المحاكمات المدنية نصت على (أن تصحيح ما يقع في الحكم من أخطاء مادية بحته أو حسابية تتولاه المحكمة التي أصدرت الحكم من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم ويضاف التصحيح على نسخة الحكم الأصلي ويصبح جزءاً من الحكم.). ومن خلال هذا النص والنص السابق الخاص بأغفال الطلبات يتضح لنا أوجه التشابه والاختلاف بين الإغفال والتصحيح ونبين ذلك من خلال النقاط الأتية
أ – المحكمة المختصة بالنظر
يتشابه طلب الأغفال وطلب التصحيح في أن كلًا منهما ينظر أمام ذات المحكمة مصدرة الحكم، فكلاهما لا يعدا طعنًا في شق موضوعي من الحكم.
ب – النطاق والطرح
فتصحيح الخطأ المادي الكتابي والحسابي من المتصور أن يكون محله كافة مشتملات الحكم القضائي، سواء تعلق الأمر بأسماء الخصوم أو باسم المحكمة مصدرة الحكم، أو بأسماء القضاة ،أو بالوقائع، أو بالأسباب، أو بمنطوق الحكم، أما بالنسبة لمحل الغموض في الحكم القضائي، فلا يتصور إلا بالنسبة لمنطوق الحكم وما اتصل به من أسباب.[5]
ومن حيث إعادة طرح الطلبات في دعوى جديدة فالطلبات المغفلة يجوز إعادة طرحها في دعوى من جديد إذا لم يقدم طلب الاستدراك لذات المحكمة، أما في التصحيح فلقد بينا أن المشرع الأردني أن التصحيح يكون من ذات المحكمة مصدرة الحكم من ذاتها أو بناء على طلب أحد الخصوم فلا يجوز إعادة طرح الطلبات في دعوى منفصلة مرة أخرى.
ج – تعرض المحكمة
الفرق الأخر بين طلب استدراك الأغفال وطلب التصحيح هو أن المحكمة في طلب استدراك الإغفال لا تتعرض للطلبات المغفلة إلا بطلب أحد الخصوم، وعلى النقيض فإن طلب التصحيح قد تتعرض له المحكمة مصدرة الحكم من تلقاء نفسها أو من خلال طلب أحد الخصوم.
د- تطبيق قضائي للتفرقة بين الخطأ المادي و الطلب الموضوعي
جاء بالحكم رقم 6413 لسنة 2020 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ28/3/2021 : وحيث إن الهيئة العامة في محكمة التمييز وبقرارها رقم (378/2017) قد وضعت معياراً لتصحيح الخطأ المادي وعبرت عنه بالقول بأن الخطأ الذي يجوز تصحيحه هو الخطأ في التعبير وليس الخطأ في التقدير .
وجاء أيضًا بذات الحكم : أما بالنسبة لما توصلت إليه محكمة الاستئناف حول تصحيح نسبة تمليك المدعين للحصص محل الشفعة فنجد أنها قضت بقبول طعن المدعين حول مقدار الثمن فقط وأيدت محكمة الدرجة الأولى التي قضت بتمليك المدعين الحصص بالتساوي إلا أنها ولخطأ في التعبير قضت أن يكون ذلك وفق حصصهم في سند التسجيل والذي يعد منها خطأً مادياً وفق المستقر عليه في قضاء محكمة التمييز وبالتالي فإن إجراء التصحيح من هذه الناحية فقط قد أصاب صحيح القانون ويكون الطعن من هذا الجانب غير مقبول .
لهذا وبالبناء على ما تقدم نقرر نقض الحكم المطعون فيه بالشق منه المتعلق بالتصحيح الذي أجرته محكمة الدرجة الثانية حول الثمن وإعادة الأوراق إلى مصدرها لإجراء المقتضى القانوني وتأييده فيما عدا ذلك)) .
2- طلب الاستدراك وطلب التفسير
لم ينظم المشرع الأردني طريقًا لطلب تفسير الأحكام إلا ما نصت عليه المادة (17) من قانون التنفيذ وتعديلاته حيث نصت على (للرئيس أن يستوضح من المحكمة مصدرة الحكم عما قد يكتنفه من غموض). ومن هذا النص ومن النص السابق الخاص بأغفال الطلبات يتضح لنا أوجه التشابه والاختلاف بين الإغفال والتفسير ونبين ذلك من خلال النقاط الأتية
أ – المحكمة المختصة بالنظر
يتشابه طلب الأغفال وطلب التفسير في أن كلًا منهما ينظر أمام ذات المحكمة مصدرة الحكم، فكلاهما لا يعدا طعنًا في شق موضوعي من الحكم.
ب- النطاق وإعادة الطرح
من حيث محل كل منهما، فتصحيح الإغفال لا يرد إلا حيثما يكون محله طلب موضوعي سهت المحكمة عن الفصل فيه، أما بالنسبة لمحل الغموض، فيكون منطوق الحكم وما اتصل به من أسباب.[6]
ومن حيث إعادة طرح الطلبات في دعوى جديدة فالطلبات المغفلة يجوز إعادة طرحها في دعوى من جديد إذا لم يقدم طلب الاستدراك لذات المحكمة، أما في التفسير فلقد بينا أن المشرع الأردني حدد طرق معينة للتفسير فلا يجوز إعادة طرح الطلبات في دعوى منفصلة مرة أخرى.
ج – تعرض المحكمة
الفرق الأخر بين طلب استدراك الأغفال وطلب التصحيح هو أن المحكمة في طلب استدراك الإغفال لا تتعرض للطلبات المغفلة إلا بطلب أحد الخصوم، أما في طلب التفسير فإن المشرع الأردني قد قصر الطلب لقاضي التنفيذ كما بينت المادة (17) من قانون التنفيذ وتعديلاته.
د- تطبيق قضائي للمادة (17) من قانون التنفيذ وتعديلاته
جاء بالحكم رقم 3767 لسنة 2019 – بداية شمال عمان بصفتها الاستئنافية الصادر بتاريخ10/9/2019 (نجد أن القرار المطروح للتنفيذ والمكتسب الدرجة القطعية قد تضمن إخلاء العقار موضوع القضية التنفيذية المشار إليها أعلاه وان القرار واضح ليس فيه لبس ولا غموض وان لرئيس التنفيذ وفقاً للمادة (17) من قانون التنفيذ أن يستوضح من المحكمة مصدرة الحكم عما قد يكتنفه من غموض في حال إن وجد أن قرار الحكم المطروح للتنفيذ فيه غموض كما نجد أن القرار واجب التنفيذ كسند تنفيذي توفرت فيه شروط السند التنفيذي وفقا للمادة (6) من قانون التنفيذ ولا يملك رئيس التنفيذ إلا تنفيذ ما ورد في هذا السند التنفيذي الذي يعتبر عنواناً للحقيقة ، وبالتالي فان هذا السبب لا يرد على القرار المستأنف مما يستوجب رده .
سابعًا: تطبيقات قضائية
الحكم رقم 2205 لسنة 2021 – محكمة التمييز بصفتها الحقوقية الصادر بتاريخ1/7/2021
جاء فيه (وعن سببي التمييز والذي تخطئ فيهما الطاعنة محكمة الاستئناف برد الطلب شكلاً بالرغم من أن طلب الإغفال تم تقديمه لمحكمة الاستئناف بتاريخ 19/8/2020 وذلك لاعتبار بأن الطلب مقدم من قبل المستدعية المميزة بتاريخ 8/11/2020 وهذا غير صحيح حيث إن المميزة قد تقدمت بطلبها موضوع التمييز بتاريخ 19/8/2020 وفي حال تسجيل الطلب من قبل القلم المختص بتاريخ 8/11/2020 لا علاقة له بالمميزة طالما أنها تقدمت بطلبها ضمن المدة القانونية أي بتاريخ 19/8/2020 .
وفي الرد على ذلك فمن الرجوع إلى أوراق الدعوى نجد من البين أن المدعية (المميزة) كانت قد تقدمت بتاريخ 15/7/2020 لطلب تصحيح خطأ مادي في القرار الصادر في القضية رقم (3530/2019) تاريخ 13/2/2020 والوارد في الفقرة الحكمية بإلزام كل من أطراف الدعوى الأصلية المدعى عليهم بقيمة الحكم المبين في قرار الحكم الصادر عن عدالتكم وقررت محكمة الاستئناف بتاريخ 22/7/2020 عدم إجابة الطلب فتكون الجهة المدعية (المستدعية) قد علمت بالقرار موضوع الطعن علماً يقينياً بتاريخ 15/7/2020 وبما أن العلم اليقيني يقوم مقام التبليغ ويعتبر مبدياً لسريان مدة الطعن وفقاً لما استقر عليه قضاء محكمة التمييز .
وحيث إن الجهة المستدعية (المدعية) قد تقدمت بطلبها رقم (586/ط/2020) وموضوعه طلب الإغفال لدى محكمة الاستئناف بتاريخ 19/11/2020 أي بعد أكثر من شهر فيكون الطعن الاستئنافي مقدماً بعد فوات المدة القانونية ومستوجب الرد شكلاً.)
ونجد أن الجهة المدعية لم تقدم طلب إغفال وذلك وفقاً للمادة( 168/3 ) من قانون أصول المحاكمات المدنية للمحكمة المختصة بخصوص الفائدة القانونية في الدعوى السابقة رقم 1346/2012 فإنها تكون قصرت في ذلك واتجهت إلى رفع الدعوى الحالية للمطالبة بالفائدة القانونية.)
الحكم رقم 12842 لسنة 2019- بداية اربد بصفتها الاستئنافية الصادر بتاريخ10/10/2019
جاء فيه: وعودا على بدأ فان المشرع ووفق المادة (168/3) من قانون أصول المحاكمات المدنية آثر أن يكون علاج الإغفال هو الرجوع إلى ذات المحكمة التي أصدرت الحكم لتستدرك ما فاتها الفصل فيه من طلبات موضوعية عن سهو أو غلط دون أن يتقيد هذا الطلب باي ميعاد من المواعيد المحددة في القانون والخاصة بالطعن في الحكم الأصلي ،ذلك أن طلب الإغفال لا يعد بدءاً لدعوى جديده وإنما استكمالا للخصومة وامتداداً لها وفق البينات المقدمة في الدعوى أساسا والهدف من ذلك عدم إرهاق القضاء بإقامة دعوى جديده (د احمد أبو الوفا المرافعات المدنية والتجارية دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية سنه 2007 ص 874 – 875 ، ونظرية الأحكام في قانون المرافعات ، منشئة المعارف في الإسكندرية سنه 1989 ص 697-698 ) .
ولما كان الأمر كذلك فان الحكم الصادر بطلب الإغفال في الطلبات الموضوعية يعد حكما مكملاً للحكم الأصلي وان كان مستقلاً عنه ، وبالتالي فانه يكون خاضعا لقواعد الطعن المتاحة للحكم الأصلي – حتى لا يحرم الخصم من درجة من درجات التقاضي- وهذا ما قصده مشرعنا (ويخضع هذا الحكم لقواعد الطعن التي تسري على الحكم الأصلي ) – أي الحكم الصادر بطلب الإغفال موضوعاً ، أما القول بان مواعيد الطعن للحكم الأصلي تنسحب على ميعاد تقديم طلب الإغفال ( أي انه يجب تقديم طلب الإغفال ضمن مدة الطعن بالحكم الأصلي ) فان ذلك يعد من قبيل تحميل النص لأكثر مما يحتمل .
تمييز حقوق – هيئـة عامة رقم 1907/2015 فصل 12 /7 / 2016
- الخصومة بالطلبات التي لم يفصل فيها تُعدّ قائمة أمام المحكمة وان كان لا يمارس فيها أي نشاط بعد صدور الحكم الذي فصل بباقي الطلبات.
- استقرار المعاملات وتحديد المراكز القانونية في النزاعات يستلزم تحديد مواعيد زمنية لممارسة المكنات القانونية التي حددها المشرع سواء بالطعن أو تقديم طلب للحكم بما أغفلت المحكمة الفصل به .
- إنّ طلب الحكم ببعض الطلبات التي أغفلت المحكمة الفصل فيها سنداً للمادة 168/3 من قانون أصول المحاكمات المدنية لا يعد طعناً بالحكم ، وأن نصوص قانون أصول المحاكمات المدنية الأصلية والاحتياطية فدخلت من تحديد ميعاد تقديم هذا طلب.
- إن كانت مدة الطعن بالحكم الأصلي استئنافاً (( وهو الأهم )) ثلاثين يوماً تبدأ من اليوم التالي لصدوره أومن اليوم التالي لتبليغه إن كان صادراً عن محكمة البداية وعشرة أيام إن كان صادراً عن محكمة الصلح فإنه من باب أولى أن تكون ذات المدة لطلب الإغفال طالما أن مقدمه قد اطلع على الحكم الأصلي وأتيح له القبول أو الطعن به.
- إذا كان طلب الحكم بما أغفلت المحكمة يتبع الحكم الأصلي استناداً لقاعدة التابع تابع ولا يُفرد بحكم فإن مدة تقديم هذا طلب تبدأ من اليوم التالي لصدور الحكم إن كان وجاهياً أو من اليوم التالي لتبليغه إن كان بمثابة الوجاهي أو الوجاهي الاعتباري حسب مقتضى الحال. للاطلاع على القرار رقم 1907/2015 pdf
الحكم رقم 1389 لسنة 2018 – محكمة تمييز حقوق
1- يُستفاد من أحكام المادة (168/3) من قانون أصول المحاكمات المدنية أنه إذا أغفلت المحكمة الحكم ببعض الطلبات الموضوعية فعليها بناء على طلب أحد الخصوم وبعد تبليغ الخصم الأخر أن تحكم بأي طلب في الدعوى كانت قد أغفلت الحكم به عند أصدراها الحكم الفاصل في النزاع المعروض عليها وان الحكم بهذا الطلب يخضع للطعن فيه وفقاً للقواعد التي يخضع لها الحكم الأصلي.
2- يبدأ سريان ميعاد تقديم طلب الإغفال خلال شهر من تاريخ أخر إجراء صحيح في الدعوى وهو اليوم التالي لصدور الحكم الفاصل في الدعوى إذا كان وجاهياً أو تاريخ تبليغه إذا كان وجاهياً اعتبارياً أو بمثابة الوجاهي وصادراً عن المحكمة الابتدائية وعشرة أيام إذا كان صادراً عن محكمة الصلح باعتبار أن طلب الإغفال هو طلب مرتبط بالدعوى الأصلية وتابع لها القاعدة أن التابع تابع ولا يفرد بالحكم.
3- استقر الاجتهاد القضائي على ان المشرع أتاح للخصوم بعد صدور الحكم الأصلي وهو الذي يشتمل غالباً الحكم لأحد الخصوم بجميع طلباته الطعن به من خلال شهر من تاريخ صدوره أو من تاريخ تبليغه إذا كان صادراً عن المحكمة الابتدائية حسب مقتضى الأحوال فمن باب أولى أن طلب الأغفال بمدة تزيد على مدة الطعن باعتباره تابعاً للدعوى الأصلية ، وذلك وفقاً لقرار تمييز حقوق (1907/2015).
الحكم رقم 2911 لسنة 2013 – محكمة تمييز حقوق
يحق للخصم الذي أغفلت محكمة الموضوع الحكم له ببعض طلباته أن يتقدم بطلب لدى محكمة الموضوع للحكم له بما أغفلته وفق أحكام المادة (168/3) من قانون أصول المحاكمات المدنية ، ويخضع الطلب لنفس قواعد الطعن التي يخضع لها القرار الأصلي .
الحكم رقم 6150 لسنة 2019 – محكمة تمييز حقوق
بينت المادة (168) من قانون أصول المحاكمات المدنية كيفية معالجة المحكمة لما يقع في حكمها من أخطاء مادية كتابية أو حسابية بحتة وعلى ما ورد في الفقرة الأولى منها وفي الفقرة الثانية منها أعطت الحق بالفصل في الطلبات الموضوعية التي كانت قد أغفلت الحكم بها وبما أنا لم تشر للأحكام القطعية أو غير القطعية أو الطلبات التي تغفل المحكمة الفصل ببعض طلباتها أو تصحيح ما يقع في حكمها من أخطاء فيكون من حق المتضرر وفي أي وقت التقدم بطلب للمحكمة مصدرة القرار.
الحكم رقم 59 لسنة 2016 – محكمة تمييز حقوق
لمحكمة الموضوع بعد تبليغ الخصم الآخر إذ أغفلت الحكم في بعض الطلبات الموضوعية أن تفصل بالطلبات التي أغفلتها بناءا على طلب الخصوم ويخضع هذا الحكم لقواعد الطعن التي تسري على الحكم الأصلي وذلك وفقا لنص المادة (168/3) من قانون أصول المحاكمات المدنية.
– إن المادة (168) من قانون أصول المحاكمات المدنية بينت كيفية معالجة المحكمة عندما يقع في أحكامها من أخطاء مادية بحتة كتابية أو حسابية وفي الفقرة الثالثة من المادة ذاتها أشارت إلى حق المحكمة بالفصل في الطلبات الموضوعية الي كانت لم تحكم بها ولم تشر للأحكام القطعية أو غير القطعية التي تغفل المحكمة في الفصل ببعض طلباتها أو تصحيح في حكمها من أخطاء فيكون من حق المتضرر وفي أي وقت التقدم بطلب للمحكمة مصدرة الحكم.
– عالجت المادة (168) من قانون أصول المحاكمات المدنية خطأ المحكمة وإغفالها الحكم في بعض الطلبات وسواء أكانت الدعوى مُقامة بالاستناد لأحكام القانون المدني أو قانون التجارة وفي حال وقوع ما يستدعي تصحيحه وعلى ما ورد في المادة (168) من سالفة الذكر فأن أحكام هذه المادة هي التي تسري على هذه الطلبات.
ثامنًا: خاتمة
ناقشنا في هذا المقال رخصة أعطاها المشرع الأردني معالجةً لبعض الحالات التي تغفل فيها المحكمة عن الإجابة على طلب من طلبات الخصوم، ذلك أن المشرع الأردني قد أعطى الحق لمن أغفلت المحكمة الرد على طلب له أن يتقدم خلال المواعيد القانونية المحددة للطعن في الدعوى الأصلية للمحكمة التي أصدرت الحكم له للحكم له بما أغفلته من طلبات، ويخضع الحكم في هذا الطلب لذات القواعد الخاصة بالطعن في الدعوى الأصلية، كما أعطى له الحق إذا ما أغفل إبداء الطلب في مواعيده أن يطرح تلك الطلبات في دعوى جديدة، ويعد هذا الطلب اتجاهًا محمودًا لتفادي تكدس الدعاوى الجديدة.
[1] دليل سير إجراءات الدعوى المدنية، سلسلة الدليل التدريبي للمعهد القضائي الفلسطيني، إعداد القاضي أ. حازم يعقوب إدكيدك قاضي محكمة إستئناف رام الله، 2018، صـ17
[2] أنيس منصور المنصور، نحو تنظيم قانوني لتفسير الحكم القضائي في قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني، دراسات، علوم الشريعة والقانون، المجلد42، العدد 3، 2015 صـ924
[3] دليل سير إجراءات الدعوى المدنية، سلسلة الدليل التدريبي للمعهد القضائي الفلسطيني، إعداد القاضي أ. حازم يعقوب إدكيدك قاضي محكمة إستئناف رام الله، 2018، صـ18
[4] أنيس منصور المنصور، نحو تنظيم قانوني لتفسير الحكم القضائي في قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني، دراسات، علوم الشريعة والقانون، المجلد42، العدد 3، 2015، صـ924
[5] المرجع السابق صـ924
[6] الموجع السابق صـ925
——————————————————————————————