العقوبات البديلة في التشريع الأردني
تعتبر العقوبات البديلة أحد السبل الجديدة في النظام الأردني كوسيلة للعقاب وردع المجرمين، ومن تسميتها “العقوبات البديلة” يتضح لنا أن لذلك النوع من العقاب ذاتية خاصة تميزه عن غيره من أشكال العقاب، ولقد أخذ المشرع الأردني بالعقوبات البديلة كشكل من أشكال مواكبة التطور العالمي في مجال العقاب في النظام الجزائي، وسنناقش ذلك الشكل من أشكال العقاب من خلال النقاط التالية:
أولًا: التعريف بالعقوبات البديلة
ثانيًا: اتجاه المجتمع الدولي للعقوبات البديلة
ثالثًا: السند القانوني للعقوبات البديلة في التشريع الأردني
رابعًا: العقوبات البديلة المقررة بالتشريع الأردني
خامسًا: تنظيم تطبيق العقوبات البديلة
أولًا: التعريف بالعقوبات البديلة
1- تطور نظرية العقاب
نظرية العقاب هي عبارة عن مجموعة من المفاهيم والمبادئ والأسس التي تحدد الغرض من فرض العقوبات الجزائية والأساليب والإجراءات المناسبة لتحقيق هذا الغرض. هذه النظرية لم تأخذ منحنى ثابت خلال الحقب الزمنية المختلفة.
تتطور نظريات العقاب باستمرار وتأثر بالتغيرات الاجتماعية والثقافية والتكنولوجية، واختلفت من بلد لآخر وفقاً للقيم والمبادئ والتشريعات المحلية. وتعد نظرية العقاب أحد أهم العوامل التي تحدد شكل ونوعية العقوبات الجزائية في النظام القانوني لأي دولة.
وبشكل سريع تطورت فلسفة العقاب لتخرج بغرضها من مجرد إلحاق الأذى بالمجرم كنتيجة لفعله (ارتكاب الجريمة) إلى النظر للمجرم كوحدة اجتماعية يجب النظر بعناية إليها عند فرض العقوبة ليعود عضوًا صالحًا بالمجتمع.
وعلى الرغم من أن تلك الفلسفة الجديدة قد أثمرت ظهور فكرة التأهيل للمسجونين، إلا أن الاكتظاظ في السجون ومحاولة تحسين عملية إعادة تأهيل المدانين ساهمت في ظهور العقوبات البديلة بديلاً عن العقوبات التقليدية. فقد أصبحت غاية الفلسفة العقابية الكبرى إصلاح المجرم وإعادة تأهيله.
2- تعريف العقوبات البديلة
بالرغم من تعدد التعريفات لمعنى العقوبات البديلة، إلا أنها في النهاية تتفق مع مضمونها على معنى واحد فهي تفترض اتخاذ الإجراءات الجنائية وصدور حكم من القضاء بعقوبة بديلة، كان نوعها وإحلالها محل العقوبة الأصلية السالبة للحرية القصيرة المدة، مثل وقف تنفذ العقوبة واستبدال عقوبة الحبس بالغرامة المنصوص عليها في قانون العقوبات الأردني وفي كل الحالات يكون الهدف منها تحقيق ذات أهداف العقوبات الأصلية وتجنب مساوئها[1].
ثانيًا: اتجاه المجتمع الدولي للعقوبات البديلة
نجد أن منظمة الأمم المتحدة كأحد أهم المنظمات المعبرة عن النبض العالمي قد أقرت مجموعة من المعايير التي صدرت عنها لتؤكد اتجاه المجتمع الدولي لإحلال العقوبات البديلة محل العقوبات السالبة للحرية كلما كان ذلك ممكننًا.
وقد جاء في أحد إصدارتها[2]:
١-٨ ينبغي للهيئة القضائية وقد توافرت لديها طائفة من التدابير غير الاحتجازيه؛ أن تراعي في اتخاذ قرارها حاجة الجاني إلى إعادة التأهيل وحماية المجتمع وكذلك مصالح المجني عليه الذي ينبغي استشارته كلما كان ذلك مناسبا.
8-2 يجوز للسلطات التي تصدر الأحكام أن تبت في القضايا بالطرق التالية:
أ- العقوبات الشفوية كالتحذير والتوبيخ والإنذار؛
ب- إخلاء السبيل المشروط؛
ج – العقوبات التي تمس حالة الفرد القانونية
د- العقوبات الاقتصادية والجزاءات النقدية كالغرامات والغرامات اليومية؛
ه- الأمر مصادرة الأموال أو نزع الملكية؛
و- الأمر برد الحق إلى الجن عليه أو تعويضه؛
ز- الحكم مع وقف النفاذ أو المرجأة
ح- الوضع تحت الاختبار والإشراف القضائي؛
ط- الأمر بتأدية خدمات للمجتمع المحلي
ي- الإحالة إلى مراكز المثول
ك- الإقامة الجبرية؛
ل- أي شكل آخر من أشكال العاملة غير الإيداع في مؤسسة احتجازيه؛
م- أي مجموعة من التدابير المدرجة أعلاه.
ثالثًا: السند القانوني للعقوبات البديلة في التشريع الأردني
نجد أن المشرع الأردني في المادة (25 مكررة) من قانون العقوبات الأردني قد أقر العقوبات البديلة، وعددتها المادة إذ نصت على:
1- للمحكمة في الجنح وبناء على تقرير الحالة الاجتماعية فيما خلا حالة التكرار أن تقضي حتى وإن اكتسب الحكم الدرجة القطعية ببديل أو اكثر من البدائل التالية:-
أ- الخدمة المجتمعية: هي الزام المحكوم عليه وبموافقته القيام بعمل غير مدفوع الأجر لخدمة المجتمع لمدة تحددها المحكمة لا تقل عن (40) ساعة ولا تزيد على (100) ساعة على أن يتم تنفيذ العمل خلال مدة لا تزيد على سنة.
ب- المراقبة المجتمعية: هي إلزام المحكوم عليه بالخضوع لبرنامج تأهيل تحدده المحكمة يهدف لتقويم سلوك المحكوم عليه وتحسينه.
ج- المراقبة الإلكترونية: هي وضع المحكوم عليه تحت الرقابة الإلكترونية لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة.
د- حظر ارتياد المحكوم عليه أماكن محددة مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة.
2- للمحكمة في الجنايات غير الواقعة على الأشخاص وفيما خلا حالات التكرار عند استخدام الأسباب المخففة والنزول بالعقوبة إلى سنة أن تستبدل العقوبة المقضي بها وبناء على تقرير الحالة الاجتماعية ببديل أو أكثر من بدائل العقوبات السالبة للحرية المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة.
ولغايات تنفيذ هذه المادة فلقد استحدث المشرع الأردني نظام وسائل وآليات تنفيذ بدائل العقوبات السالبة للحرية – رقم (46) لسنة 2022، والذي يمكن القاضي من الحكم بداية بالعقوبة البديلة، أو استبدال المحكمة للحكم البات السالب للحرية بعقوبة بديلة.
1- الحكم بداية بعقوبة بديلة
العقوبة البديلة قد يحكم بها بداية إذا رأى القاضي مقتضي للحكم بها ويكون ذلك بتقدير منه بعد الاطلاع على تقرير الحالة الاجتماعية، هذا التقرير نظمت إعداده المادة (5) من نظام وسائل وآليات تنفيذ بدائل العقوبات السالبة للحرية – رقم (46) لسنة 2022إذا نصت على (لغايات الحكم بأي من بدائل العقوبات السالبة للحرية تتبع الإجراءات التالية:-
أ- تكلف المحكمة ضابط الارتباط بإعداد تقرير الحالة الاجتماعية وفق النموذج المعد لهذه الغاية وتزوده بملف القضية .
ب- يقوم ضابط الارتباط بإعداد تقرير الحالة الاجتماعية متضمناً التنسيب ببديل أو اكثر من بدائل العقوبة السالبة للحرية ويرفعه للمحكمة.
ج- تصدر المحكمة قرارها ببديل العقوبة السالبة للحرية وفقا لأحكام القانون.
د- تصدر المحكمة مذكرة بديل عقوبة سالبة للحرية بحق المحكوم عليه تتضمن تفاصيل الحكم اذا كان الحكم وجاهيا، ومذكرة إعلام حكم اذا كان الحكم بمثابة الوجاهي.)
2- الاستبدال بعقوبة بديله بعد صدور حكم بات
من أجل تطبيق أمثل للعقوبات البديلة فقد أجاز المشرع الأردني أن تستبدل المحكمة الحكم القطعي بالحبس بعد صيرورته باتً بعقوبة بديلة، وهذا الاستبدال نظمته المادة (12) من نظام وسائل وآليات تنفيذ بدائل العقوبات السالبة للحرية – رقم (46) لسنة 2022 إذ نصت على:
للمحكمة في الأحكام القطعية الصادرة في الجنح وفيما خلا حالة التكرار وبناء على تقرير الحالة الاجتماعية أن تقضي ببديل أو اكثر من بدائل العقوبات السالبة للحرية بعد اتباع الإجراءات التالية:-
أ- يقدم طلب استبدال عقوبة الحبس ببديل العقوبة السالبة للحرية إلى المحكمة مصدرة القرار.
ب- تكلف المحكمة ضابط الارتباط بإعداد تقرير الحالة الاجتماعية للمحكوم عليه وتوريده إلى ملف القضية.
ج- في حال صدور قرار من المحكمة يقضي باستبدال عقوبة الحبس بإحدى بدائل العقوبات السالبة للحرية تتبع الإجراءات الخاصة بهذا البديل المنصوص عليها في هذا النظام.
رابعًا: العقوبات البديلة المقررة بالتشريع الأردني
من خلال النص القانوني السابق عرضه يتضح أن المشرع الأردني قد حدد العقوبات البديلة على وجه الحصر بالمادة (25 مكررة) من قانون العقوبات:
1- الخدمة المجتمعية:
الخدة المجتمعية كنوع من أنواع العقوبات البديلة هي عبارة عن تكليف المتهم بأداء عمل عام خدمة للمجتمع بدلًا من العقوبة السالبة للحرية، وغاية هذا النوع من العقوبات تحفيز الأفراد على تحمل المسؤولية وتعزيز روابطهم بالمجتمع بدل من نقمة المجتمع بعد العقوبة السالبة للحرية، ولم يحدد المشرع الأردني جهة معينة لتنفيذ هذا النوع من العقوبة إلا أن المدة تكون محددة.
وفي ذلك نصت المادة (25 مكررة/1/أ) من قانون العقوبات الأردني على: (للمحكمة في الجنح وبناء على تقرير الحالة الاجتماعية فيما خلا حالة التكرار أن تقضي حتى وإن اكتسب الحكم الدرجة القطعية ببديل أو اكثر من البدائل التالية:- أ- الخدمة المجتمعية: هي الزام المحكوم عليه وبموافقته القيام بعمل غير مدفوع الأجر لخدمة المجتمع لمدة تحددها المحكمة لا تقل عن (40) ساعة ولا تزيد على (100) ساعة على أن يتم تنفيذ العمل خلال مدة لا تزيد على سنة.)
2- المراقبة المجتمعية:
المراقبة المجتمعية يقصد بها إخضاع المتهم لبرامج تأهيل متخصص تهدف إلى مساعدة المشتركين في تغيير سلوكهم، يفرض هذا النوع من العقوبات على الجرائم التي لا تشكل خطرًا كبيرًا على المجتمع تفاديًا لمساوئ العقوبات السالبة للحرية.
وفي ذلك نصت المادة (25 مكررة/1/ب) من قانون العقوبات الأردني على: (للمحكمة في الجنح وبناء على تقرير الحالة الاجتماعية فيما خلا حالة التكرار أن تقضي حتى وإن اكتسب الحكم الدرجة القطعية ببديل أو اكثر من البدائل التالية:- هي إلزام المحكوم عليه بالخضوع لبرنامج تأهيل تحدده المحكمة يهدف لتقويم سلوك المحكوم عليه وتحسينه.)
3- المراقبة الإلكترونية:
تعني الرقابة الإلكترونية وضع جهار على يد أو كاحل المتهم يسمح لجهة المراقبة بتعقب حركة المتهم، من خلال هذا النظام يتم تحديد النطاق المكاني والزماني المفروض عليه والذي لا يجب أن يتخطاه.
وفي ذلك نصت المادة (25 مكررة/1/ج) من قانون العقوبات الأردني على: (هي وضع المحكوم عليه تحت الرقابة الإلكترونية لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة.
4- حظر ارتياد المحكوم عليه أماكن محددة
حظر ارتياد المحكوم عليه أماكن محددة هو عبارة عن تحديد أماكن معينة لا يحظر على المتهم ارتيادها، ويكون ذلك لمدة محددة.
وفي ذلك نصت المادة (25 مكررة/1/د) من قانون العقوبات الأردني على: (حظر ارتياد المحكوم عليه أماكن محددة مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة.)
خامسًا: تنظيم تطبيق العقوبات البديلة
1- جهة تنفيذ العقوبات البديلة
المادة (25مكررة ثانياً) من قانون العقوبات قد حددت الجهة المنوط بها تنفيذ العقوبات البديلة (قاضي التنفيذ)، وقد المادة كذلك صلاحيات قاضي التنفيذ في أداءه لوظيفته في تنفيذ العقوبة البديلة حيث نصا على :-
1- يتولى قاضي تنفيذ العقوبة تنفيذ بدائل العقوبات المحكوم بها.
2- تتولى وزارة العدل الإشراف على تنفيذ بدائل العقوبات المحكوم بها.
3- لقاضي تنفيذ العقوبة استبدال أي من البدائل المحكوم بها ببدائل أخرى من المنصوص عليها في المادة (25 مكررة) أو إنقاص أو زيادة مدة البديل المحكوم به ضمن حدود المدة المقررة للبديل ذاته وذلك في الحالات التالية:-
أ- بناء على تقرير الحالة الاجتماعية وتقارير المتابعة الدورية للمحكوم عليه.
ب- إذا لم ينفذ المحكوم عليه بدائل العقوبات السالبة للحرية أو قصر في تنفيذها لسبب لا يد له فيه أو أبدى عذراً مقبولاً لذلك.
4- في غير الحالات المنصوص عليها في الفقرة (3) من هذه المادة يحيل قاضي تنفيذ العقوبة ملف الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم في الجنح للنظر في إلغاء البديل والحكم بالعقوبة السالبة للحرية المقررة قانوناً للجريمة أو إلى المحكمة التي أصدرت الحكم في الجنايات للنظر في تنفيذ الحكم المقضي به، وفي كل الأحوال تحتسب المدة التي أمضاها المحكوم عليه في تنفيذ البديل بواقع خمس ساعات عن كل يوم حبس.
5- تحدد وسائل وآليات تنفيذ بدائل العقوبات السالبة للحرية بما في ذلك وسائل المراقبة الإلكترونية بمقتضى نظام يصدر لهذه الغاية.
2- تنظيم بديل الخدمة المجتمعية وبديل المراقبة المجتمعية
في كلًا من المراقبة الإلكترونية وحظر ارتياد أماكن فيكون تنظيم تنفيذ العقوبة من خلال قاضي التنفيذ، أما من حيث بديل الخدمة المجتمعية وبديل المراقبة المجتمعية فقد نظمت المادة (11) من نظام وسائل وآليات تنفيذ بدائل العقوبات السالبة للحرية – رقم (46) لسنة 2022 تنفيذ هذه العقوبة إذ نصت على (يتم تطبيق بديل الخدمة المجتمعية وبديل المراقبة المجتمعية لدى الجهات المعتمدة وفقا للإجراءات التالية:-
أ- تسلم الجهة المعتمدة ملف المحكوم عليه الوارد من المديرية.
ب- إرشاد المحكوم عليه إلى المكان المخصص لتنفيذ العقوبة المحكوم بها.
ج- تسمية ضابط ارتباط من الجهة المعتمدة للإشراف على تنفيذ بديل العقوبة السالبة للحرية بما لا يمس كرامة المحكوم عليه ويراعي سرية وخصوصية النوع الاجتماعي وذوي الإعاقة أثناء تطبيق بديل العقوبة السالبة للحرية.
د- متابعة مدى التزام المحكوم عليه بتنفيذ بديل العقوبة السالبة للحرية من خلال توقيع كل من ضابط ارتباط الجهة المعتمدة والمحكوم عليه على النموذج المعد لهذه الغاية.
هـ- تعبئة نموذج تقرير التقييم النهائي من قبل الجهة المعتمدة عند إنهاء المحكوم عليه تنفيذ بديل العقوبة السالبة للحرية.
و- إرسال ملف المحكوم عليه إلى الوزارة لتقوم برفعه إلى قاضي تنفيذ العقوبة مع كافة التقارير.
ز- اذا لم ينفذ المحكوم عليه أو قصر بالالتزام بالتنفيذ تقوم الجهة المعتمدة بإبلاغ المديرية لرفع تقرير لقاضي تنفيذ العقوبة لاتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في القانون.
سادسًا: أحكام عامة
1- نطاق تطبيق العقوبات البديلة الجرائم غير الخطيرة وعدم التكرار
إن نطاق تطبيق العقوبات البديلة الجرائم غير الخطيرة، ويرجع ذلك إلى أن غاية هذا النظام إعادة تأهيل المجرمين حديثي الإجرام والذين لا تشكل جرائمهم خطرًا شديدًا على المجتمع، كذلك لا يطبق على هذا النظام في حالة العود على الإجرام.
وفي ذلك نصت المادة (25/1 مكررة) من قانون العقوبات الأردني على (للمحكمة في الجنح وبناء على تقرير الحالة الاجتماعية فيما خلا حالة التكرار أن تقضي حتى وإن اكتسب الحكم الدرجة القطعية ببديل أو اكثر من البدائل التالية………….)
وكذلك نصت المادة (25/2 مكررة) من قانون العقوبات الأردني على (للمحكمة في الجنايات غير الواقعة على الأشخاص وفيما خلا حالات التكرار عند استخدام الأسباب المخففة والنزول بالعقوبة إلى سنة أن تستبدل العقوبة المقضي بها وبناء على تقرير الحالة الاجتماعية ببديل أو أكثر من بدائل العقوبات السالبة للحرية المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة.
2- سريان العقوبة البديلة على الأحكام القطعية
بالنسبة للجنح نجد أن النصح جاء صريحًا في إمكانية تطبيق العقوبات البديلة على المتهم حتى ولو أكتسب الحكم الدرجة القطعية، وعلى النقيض نجد أن المشرع الأردني قد سكت عن بيان سريان هذا النظام على الأحكام التي تصدر في جرائم الجنايات من عدمه، ومن خلال مطالعة التطبيقات القضائية نجد أن محكمة التميز قد أخذت بانطباق أحكام العقوبات البديلة على جرائم الجنايات التي صدر فيها حكم بات وأرجعت هذا الاتجاه إلى عدة أسباب، أن المشرع لم يضع صيرورة الحكم قيدًا من القيود التي تمنع تطبيق نظام العقوبات البديلة، كذلك فإن تطبيق هذا النظام بشروطه يعد من سبيل تطبيق القانون الأصلح للمتهم.
3- السلطة التقديرية في استعمال العقوبات البديلة
على الرغم من اتجاه المشرع الأردني إلى تطبيق العقوبات البديلة متى توافرت شروطها إلا أن ذلك يظل مرهونًا بالسلطة التقديرية للقاضي، ونجد أن ذلك يعد مناسب جدًا حيث أن المشرع حينما يضع القواعد يضعها عامة مجردة لا تطبق على أشخاص معينين بذواتهم، واختيار المشرع تطبيق العقوبات البديلة كبديل لعقوبة السالبة للحرية يعد قاعدة ما دام قد توفرت الشروط القانونية تطبيقها يخضع لسلطة القاضي ومدى اعتباره تقرير الحالة الاجتماعية موجب لفرض هذه العقوبة دون العقوبات السالبة للحرية.
سابعًا: تطبيقات قضائية
الحكم رقم 4685 لسنة 2022 محكمة التمييز بصفتها الجزائية- الصادر بتاريخ 2023-04-09
إن المحكوم عليه المستدعي قد صدر بحقه حكماً بالقضية الجنائية رقم (89/2019) يقضي بإدانته بجرم الشروع الناقص بالسرقة وفقاً للمادتين (68 و401/1+2) من قانون العقوبات والحكم عليه بالحبس لمدة عشرة أشهر والرسوم وإن مناط الفصل في طلب المستدعي يتوقف على الإجابة على التساؤل الآتي هل يشترط المشرع لغايات تطبيق العقوبة البديلة في الجرائم الجنائية الواقعة على الأموال عدم اكتساب الحكم الدرجة القطعية أم أن تطبيق العقوبة البديلة يشمل الأحكام القطعية وغير القطعية متى توافرت متطلبات المادة (25) مكررة من قانون العقوبات.
وباستقراء نص المادة (25) مكررة من قانون العقوبات وجدت المحكمة أن المشرع وفيما يتعلق بالجنح قد كشف عن نيته في تطبيق بدائل العقوبات السالبة للحرية حتى لو اكتسب الحكم الدرجة القطعية أما فيما يتعلق في الجنايات فقد سكت المشرع ولم يظهر النية التي أظهرها بشكل واضح وجلي في الجنح من جهة عدم تطلب اكتساب الحكم الدرجة القطعية ولما كانت وظيفة القضاء والفقه استنطاق النص الصامت من خلال النصوص القانونية حيث إن القاعدة الفقهية تقضي بأن المطلق يجرى على إطلاقه ما لم يرد نص صريح يقيده وحيث إن النص في الفقرة الثانية من المادة (25) من قانون العقوبات جاء مطلقاً على استبدال العقوبة الجنائية الواقعة على الأموال إذا تحقق شرط عدم التكرار ويشمل العقوبة التي صدر بها حكماً اكتسب الدرجة القطعية أم لم يكتسب لأن المطلق كما ذكرنا يجرى على إطلاقه وإذا أراد المشرع قال وإذا أبى سكت وحيث إن المشرع لم يشترط غل يد المحكمة على الأحكام الجنائية التي اكتسبت الدرجة القطعية الأمر الذي يبنى عليه بأن العقوبة البديلة تشمل الحكم القطعي إذا تحقق شرط عدم التكرار بالإضافة إلى كل ذلك، أن المشرع وفي تعداده لشروط استبدال العقوبة الجنائـية حددها بأن لا تكون واقعة على الأشخاص والشرط الثاني أن لا تتوافر حالة التكرار ولو أراد أن لا يكون الحكم الذي اكتسب الدرجة القطعية لوضع شرطاً عند تعداد الشروط والقول خلاف ذلك يعني إضافة شرط جديد إلى النص لم يشترط المشرع ولما كان اتحاد العلة يوجد اتحاد الحكم وإن وجود نظام لبدائل العقوبات التي وضعها المشرع وأعطى الصلاحية للمحكمة بتطبيق هذه العقوبات البديلة هي التماشي مع السياسة العقابية المعاصرة التي تقوم على الإصلاح وتهذيب المحكوم عليه وإعادة إدماجه في المجتمع وهذه الغاية متوافرة في الجنايات الواقعة على الأموال ما دام المجني عليه قد أسقط حقه الشخصي وما دام الجاني غير مكرر وبالتالي فإن التوسع في شروط تطبيق العقوبات البديلة بإضافة شرط لم يورده المشرع فإن ذلك لا يتفق مع قاعدة القانون الأصلح للمتهم والقواعد العامة التي نص عليها قانون العقوبات في تطبيق أي قانون والعقوبات الأصلح للمتهم وإن استبدال العقوبة الجنائية بعقوبة بديلة والتي أرادها المشرع في المادة (25) هي أصلح للمتهم وإعطائه فرصة لإعادته وتأهيله للمجتمع كما بينا سابقاً.
الحكم رقم 1741 لسنة 2022 محكمة التمييز بصفتها الجزائية الصادر بتاريخ 2022-08-17
وعن السبب الثاني المنصب على تخطئة المحكمة بعدم التطرق للعقوبات المجتمعية البديلة التي منحها القانون .
نجد أن فرض العقوبات البديلة يعود الأمر فيه لصلاحية محكمة الموضوع ويكون ذلك ضمن شروط نصت عليها المادة (25) مكررة من قانون العقوبات المعدل وبالتالي فإن هذا السبب لا يرد على القرار المميز في ظل عدم توافر الشروط المنصوص عليها بالمادة المذكورة .
الحكم رقم 2113 لسنة 2021 محكمة التمييز بصفتها الجزائية الصادر بتاريخ 2021-09-14
وأما فيما يتعلق بطلب وكيلة المتهم (بهاء الدين) في مرافعته الختامية المتمثل بإصدار قرار بوقف تنفيذ العقوبة أو إعطاء المتهم إحدى العقوبات البديلة في حالة الإدانة فوجدت المحكمة أن وقف تنفيذ العقوبة المنصوص عليه في المادة (54) مكررة من قانون العقوبات يرد على عقوبة الحبس التي لا تزيد مدته على سنة واحدة ولا يرد على غيره من العقوبات وحيث إن العقوبة التي تصدر على المتهمين الأحداث هي الوضع بدار تربية الأحداث فتكون هذه العقوبة غير مشمولة بأحكام وقف التنفيذ مما يستتبع الالتفات عن هذا الطلب وبالتناوب وفيما يتعلق بالعقوبات البديلة وجدت المحكمة أن المشرع وفي الفقرة الأولى من المادة (54) مكرر ثانياً من قانون العقوبات أوجبت لغايات تطبيق العقوبات البديلة أن تتوافر شروط وقف تنفيذ العقوبة الأصلية وهذا غير متحقق أو متوافر في هذه القضية مما يستوجب معه الالتفات عما أثاره وكيل المتهم.
ثامنًا: خاتمة
بينا في هذا المقال أن العقوبات البديلة بديلاً للعقوبات السالبة للحرية، وتتمثل تلك العقوبات وفق التشريع الأردني تشمل هذه التطبيقات حكم بتطبيق الخدمة المجتمعية بدلاً من السجن، وتطبيق الغرامات، والتأهيل والتدريب، والإرشاد والمراقبة.
ولم يكن ذلك اتجاه المشرع الأردني فقط حيث يتجه المجتمع الدولي بشكل متزايد نحو استخدام العقوبات البديلة بدلاً من العقوبات التقليدية، لأسباب عدة منها تقليل عداد الموجودين بالسجن لارتكاب جرائم غير خطيرة، ولإعادة تأهيل هؤلاء المجرمين.
وفي النهاية نجد أن المشرع الأردني قد تميز بتنظيم تطبيق العقوبات البديلة من خلال قانون العقوبات ومن خلال نظام منفرد لتطبيقها، كل ذلك تحت إشراف قاضي التنفيذ.
[1] العنتيلي، جاسم محمد راشد، بدائل العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، دار النهضة العربية،2000، صفحة 115
[2] خلاصة وافية لمعايير الأمم المتحدة وقواعدها في مجال منع الجريمة والعدالة الجنائية، الجزء الأول، الفصل الثالث‐ بدائل السجن والعدالة التصالحية، صـ129
——————————————————————————————