انشغل الشارع الأردني بمدى قانونية المطالبة بإلغاء حبس المدين، وظهرت العديد من الآراء والمطالبات في الآونة الأخيرة بإلغاء الحبس التنفيذي وهناك من أيد هذا الطرح ومنهم من عارض ولكل منهم وجه نظر مختلفة عن الأخر من جهة المدينين المتعثرين مادياً والذين تأثروا نتيجة الركود التجاري والاقتصادي وأصبحوا عاجزين عن تنفيذ التزاماتهم المادية تجاه الدائنين مما أدى إلى زيادة عدد المدينين المطالبين في المملكة الأردنية ، وأصبحت الحاجة ملحة لإيجاد حلول ترضي جميع الأطراف الدائن من جهة والمدين من جهة أخرى.
، ولا بد من وضع نصوص تساهم في إعطاء كل مركز من المراكز القانونية حقه ووقته ليكون هناك توازن اجتماعي وأن لا يكون هناك نسف للمنظومة الاجتماعية والاقتصادية لقد أصبحت الظروف التي نمر بها قاسية جدا مما يستدعي ضرورة استحداث إجراءات تكفل الحقوق والواجبات ، وحيث أننا نمر الآن بظرف طارئ يجتاح بلادنا وهو فايروس كورونا المستجد والذي أدى إلى اتخاذ إجراءات قانونية سريعة وحاسمة للحفاظ على المواطن وصحته ومنع أو الحد من انتشار الفايروس وللحديث عن الحبس التنفيذي فإنه لا بد من الخوض بالسند التنفيذي وتعريفه وأنواعه وشروطه ومن ثم النصوص التي نظمت حبس المدين وعدمه وآثار حبس المدين ولا بد من الحديث عن القرارات المتخذة مؤخراً نتيجة تفعيل قانون الدفاع لمواجهة فايروس كورونا بخصوص حبس المدين وحالات انقضاء الحبس وسقوطه .
ولهذا نقسم هذه الدراسة إلى ما يلي:
مطلب أول: ماهية السند التنفيذي.
المطلب الثاني: قانونية المطالبة بإلغاء حبس المدين.
وأخيرا الخاتمة
المطلب الأول : ماهية السند التنفيذي
قبل الحديث عن حبس المدين لا بد من الحديث عن السند التنفيذي القابل للتنفيذ وأنواعه وشروطه وهذا يكون من خلال فرعين الفرع الأول نتناول فيه تعريف السند التنفيذي وأنواعه ، والفرع الثاني إجراءات تنفيذ السند التنفيذي.
الفرع الأول : تعريف السند التنفيذي وأنواعه
السند التنفيذي: هو كل وثيقة مكتوبة تشتمل على حق ثابت على شخص بإقراره أو حكم قضائي عليه وما جرى مجراه.
وقد تم تحديد الأسناد التنفيذية القابلة للتنفيذ والشروط الواجب توافرها في هذه الأسناد لتكون قابلة للتنفيذ وفق المادة 6 من قانون التنفيذ ذات الرقم أعلاه على النحو التالي:
” لا يجوز التنفيذ إلا بسند تنفيذي اقتضاءً لحق محقق الوجود ومعين المقدار وحال الأداء وتشمل السندات التنفيذية ما يلي:
الأحكام الصادرة عن المحاكم الحقوقية والشرعية والدينية وأحكام المحاكم الجزائية المتعلقة بالحقوق الشخصية والأحكام الإدارية المتعلقة بالالتزامات الشخصية والأحكام والقرارات الصادرة عن أي محكمة أو مجلس أو سلطة أخرى نصت قوانينها الخاصة على أن تتولى الدائرة تنفيذها وأي أحكام أجنبية واجبة التنفيذ بمقتضى أي اتفاقية.
ب. السندات الرسمية.
ج. السندات العادية والأوراق التجارية القابلة للتداول.
تنفيذ الحكم القضائي :
تعتبر الأحكام القضائية اهم أنواع السندات التنفيذية وأكثر شيوعا في الحياة العملية، وأقواها حجية لأنها تصدر في مواجهة المدين، وبعد الإعذار إليه، وتبليغه بموضوع الحق وتمتيعه بكافة الضمانات للدفاع عن نفسه، ومواجهة خصمه ،وتمتاز عن باقي السندات التنفيذية في أنها تكتسب قوة الأمر المقضي ويمتنع على أي طرف ان يسعى لطرح ذات النزاع الذي فصل فيه بحكم قضائي على القضاء مرة أخرى.
ويمكن تعريف الحكم بانه ” القرار الصادر عن محكمة مشكلة تشكيلا صحيحا ومختصة في خصومة رفعت اليها، وفق قواعد المرافعات، سواء كان صادرا في موضوع الخصومة أو في شق منه أو في مسالة متفرعة عنه ولذلك لا يعتبر القرار الصادر عن غير المحاكم حكما ولو صدر من هيئة يرأسها قاض أو كل أعضائها قضاة، ولا يستثنى من ذلك إلا ما يصدره المحكمون من قرارات فقد اعتبرها الفقه والقانون معا. ” أحكاما” احتراما لإرادة الأطراف.
والأحكام تقسم عدة تقسيمات حسب الضابط المتخذ لهذه التقسيمات فهي :
أحكام ابتدائية أم انتهائية أم حائزة لقوة الشيء المقضي به ام باتة.
وأما هي أحكام تمهيدية ام أحكام موضوعية
وأما أحكام قطعية ام وقتية
وأما هي أحكام حضورية ام غيابية
وأخيرا فان الأحكام اما ان تكون ” مقررة” أو كاشفة لحالة أو مركز قانوني موجود من قبل كالحكم بحصة البيع، وبثبوت النسب، وبتحديد المسؤولية وأما ان تكون أحكاما منشئة لحالة ومركز قانوني موجود من قبل دون ان تتضمن أي إلزام للمدين المحكوم عليه، كالحكم بفسخ عقد أو بإشهار الإفلاس، وإما تكون أحكاما ملزمة أي صدرت بإلزام المدين بالقيام بعمل أو بالامتناع عن القيام بعمل : كأداء مبلغ مالي أو إفراغ عقار أو تسليم منقول معين.
ما هو الحكم الملزم ؟
والنوع الأخير: ” الأحكام الملزمة” هو الذي يكون محل التنفيذ الجبري لإجبار المدين على تنفيذ التزامه، وفي حالة امتناعه تقوم السلطة العامة ممثلة في مأمور التنفيذ بالقيام بدلا عنه باسترداد المبلغ أو إفراغ العين أو تسليم المنقول.
أما الأحكام المقررة أو المنشئة فلا تقبل كمبدأ عام التنفيذ الجبري لان الحكم بصحة البيع، يكفي لاعتباره سندا لنقل ملكية المبيع، والحكم بفسخ البيع يحلل الملتزم من التزامه السابق ولا سبيل لمطالبة بالوفاء به .
ما هو السند الرسمي ؟
أما السند الرسمي فهو السند الذي يقوم بتحريره موظف أو مكلف بخدمة عامة ، وأن يكون مختصاً اختصاصاً مكانياً وزمانياً عند تحرير السند وأن يتم طبقاً للأوضاع القانونية المقررة.
فإذا لم يستوف تلك الشروط فلا يكون له سوى حجية السند العادي، ومثال على السندات الرسمية خلاف الأحكام القضائية ، الإقرار العدلي، سند الرهن ، المصالحة بموجب حكم قضائي .
أما السند العادي فهو أي سند محرر من قبل شخص عادي وليس موظف وما لا يندرج تحت هذه البنود مثل ، الشيك المكتبي ، الإقرار الخطي، سند القبض .
وأخيراً الأوراق التجارية القابلة للتداول وهي الشيكات البنكية ، والكمبيالات.
هذه هي السندات القابلة للتنفيذ بحكم القانون وهي التي يستطيع الدائن (صاحب الحق ) بأن يلجئ من خلالها إلى المحكمة و/أو دائرة التنفيذ للمطالبة بحقه وبالنتيجة يكون إمام خيارين إما حبس المدين 90 يوم بالسنة وتجدد في كل سنة وإما أن يقوم بالحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة الجائز حجزها قانوناً وقد نصت المادة 22 من قانون التنفيذ رقم 29 لسنة 2017 وتعديلاته على ما يلي:
” أ . يجوز للدائن أن يطلب حبس مدينه إذا لم يسدد الدين أو يعرض تسوية تتناسب ومقدرته المالية خلال مدة الإخطار على ألا تقل الدفعة الأولى بموجب التسوية عن (25%) من المبلغ المحكوم به فإذا لم يوافق المحكوم له على هذه التسوية فللرئيس أن يأمر بدعوة الطرفين لسماع أقوالهما ويقوم بالتحقيق مع المدين حول اقتداره على دفع المبلغ، وله سماع أقوال الدائن وبيناته على اقتدار المحكوم عليه وإصدار القرار المناسب”.
ووفق لهذه المادة فإنه يحق لأي شخص إذا كان لديه سند دين قابل للتنفيذ أن يقوم بمراجعة دائرة التنفيذ ويطلب التنفيذ على المدين الذي لم يقم بتنفيذ الالتزام المادي المترتب عليه بموجب سند الدين ، ويعتبر خيار الحبس وسيلة ناجعة للضغط على المدين لسداد الدين وبالتالي إنهاء القضية .
الفرع الثاني: إجراءات تنفيذ السند التنفيذي
عند مراجعة الدائن(صاحب الحق ) المحكمة و/أو دائرة التنفيذ لممارسة حقه بطرح سند تنفيذي للتنفيذ على المدين لاسترداد المبالغ التي له بذمة المدين محرر السند التنفيذي أو المحكوم عليه بموجب سند تنفيذي فإنه يقوم بتبليغ المدين الإخطار التنفيذي ولا بد من الانتظار مدة خمسة عشر يوماً بعد التبليغ حيث أن المدين يكون أمام خيارات من ضمنها أن يقوم بدفع ربع الدين المحكوم به أو المحرر بالسند وعرض تسوية حسب مقدرته وللدائن في هذه الحالة الموافقة أو الرفض ، وفي حال الموافقة يكون المدين ملزماً بالتسوية المعروضة ويجب عليه أداء الأقساط وفي الميعاد المحدد من قبله في محضر التسوية وإلا فإن من حق الدائن أن يطلب حبسه وبهذه الحالة تصبح جميع الأقساط مستحقة الدفع مره واحدة ، والحالة الثانية هي في حال عدم قيام المدين بدفع الربع القانوني وعرض التسوية فإن من حق الدائن طلب حبسه والمدة المفروضة بحكم القانون للحبس على الدين المدني أو الناتج عن سند تنفيذي تسعين يوم بالسنة الواحدة ويحق للدائن تجديد طلب الحبس في كل سنة، وفي حال تم القبض على المدين وأقضى مدة الحبس كاملة وخرج فهنا يجب الانتظار سنة من تاريخ الأفراج عنه وبعدها يقوم بطلب حبسه مرة أخرى إذا لم يفي بالالتزام المترتب عليه بموجب السند التنفيذي المطروح للتنفيذ.
وفي حالة رفض الدائن للتسوية المعروضة يتوجب عليه إثبات مقدرة المدين المادية على دفع مبلغ أكبر من المبلغ المعروض في محضر التسوية ويكون ذلك من خلال جلسات تنفيذية تعقد أمام قاضي التنفيذ المختص .
وهناك حالات حددتها المادة 22 من قانون التنفيذ يستطيع الدائن طلب الحبس ولا حاجة لأثبات المقدرة المالية للمدين وهي كالتالي:
” ب . للدائن أن يطلب حبس مدينه دون حاجة لإثبات اقتداره في الحالات التالي:
التعويض عن الأضرار الناشئة عن جرم جزائي..1
دين النفقة المحكوم بها ويعتبر كل قسط منها ديناً مستقلاً..2
. المهر المحكوم به للزوجة.3
4.الامتناع عن تسليم الصغير الذي عهد إليه بحفظه وكذلك عدم الالتزام بتنفيذ حكم المشاهدة ويجدد الحبس تلقائياً لحين الإذعان.”
فيما يتعلق بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن جرم جزائي فإنه غير قابل للتقسيط بنص القانون، ولكن إذا قبل الدائن تقسيط المبلغ فإنه يكون تنازل عن حقه بهذا الخصوص.
وفيما يتعلق بنفقة الزوجة ومهرها فإنه يعتبر ديناً ممتازاً ويتم التنفيذ على المدين أو أمواله قبل أي دين وبالدرجة الأولى.
وقد حددت الفقرة ج من ذات المدة أقصى مدة للحبس وهي:
“ج . لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس تسعين يوماً في السنة الواحدة عن دين واحد ولا يحول ذلك دون طلب الحبس مرة أخرى بعد انقضاء السنة.”
ويحق لذات الدائن أو أي دائن آخر أن يطالب باستمرار الحبس بشرط أن يكون هذا الطلب لدين آخر سواء للدائن نفسه أو غيره وألا يكون الحبس ناتج عن ذات الدين وهذا ما نصت عليه المادة ذاتها:
” د . يمكن استمرار الحبس بعد انقضاء مدته من أجل دين آخر وذلك بناءً على طلب الدائن نفسه أو دائن آخر.”
وهناك حالات من الممكن أن يتم تأجيل قرار الحبس وليس إلغاؤه كما يسود الاعتقاد عند الكثير من الناس ومن هذه الحالات أن يكون المدين مريض ويجب أن يكون المرض مما لا يمكن أن يحتمل معه حبسه وإن هذا الأمر لا يتم بطريقة عبثية وإنما يكون من خلال تقارير طبية من جهات معتمدة تحدد طبيعة المرض الذي يعاني منه المدين وتحدد فيما إذا كان قادراً على تحمل الحبس أم لا ويعود قرار الموافقة على تأجيل قرار الحبس للسلطة التقديرية لقاضي التنفيذ في هذه الحالة إذا رأى أن التقارير الطبية المحضرة كافية لاتخاذ قراره بتأجيل الحبس وليس إلغاء الحبس كما ذكرت سالفاً وهذه الصلاحية حددت بموجب ذات المادة أعلاه :
“هـ . للرئيس تأجيل الحبس إذا اقتنع أن المحكوم عليه مريض بمرض لا يتحمل معه الحبس.”
المطلب الثاني: قانونية المطالبة بإلغاء حبس المدين
لوحظ في الأوان الأخيرة العديد من المطالبات بوقف و/أو الغاء حبس المدين لوجود الكثير من المتعثرين مادياً نتيجة الأوضاع الاقتصادية والركود الذي يؤثر على القوة الشرائية في العالم وبالنتيجة لا يتمكن المدينين من تسديد ديونهم حيث يزيد عدد المطلوبين للتنفيذ القضائي على قضايا مالية عن ربع مليون مواطن أردني والمؤيدين لهذه المطالبات يستندون لنص المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 التي تنص صراحة على أنه
” لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي” وأن هذا العهد يعد بمثابة اتفاقية دولية تسمو على القانون الداخلي ، وبأن له الأولوية في التطبيق في حال التعارض مع قانون وطني ، وذلك وفق ما استقر عليه اجتهاد محكمة التمييز الأردنية.
ان هذا العهد يعد اتفاقية دولية تمس حقوق الأردنيين العامة والخاصة ، ولا بد لإنفاذ هذه الاتفاقية المصادقة عليها بقانون خاص ، وعلى رغم من نشر العهد بالجريدة الرسمية إلا أن الأردن لم تقم بتصديقه بموجب قانون خاص وبما أن هذا الأجراء لا بد منه دستورياً لتعطى الاتفاقية صلاحية النفاذ وتسمو على القانون وكونه لم يتم وبالتالي فإنه لا يمكن قبول تطبيق الاتفاقية كونها تخالف الدستور ولا يجوز أن يسمو على قانون التنفيذ كون الأخير مصادق عليه من مجلس الأمة في حين أن العهد الدولي مصادق عليه من مجلس الوزراء فقط.
وتلوح في الأفق نتيجة المطالبات المستمرة بإلغاء حبس المدين وضع تعديلات على قانون التنفيذ تنضم موضوع حبس المدين بما يكفل حقوق الطرفين وعدم المساس بها وكفالة الحرية بذات الوقت وإعطاء فرصة للمدين من سداد دينه
ومن ضمنها وضع عمر المدين بعين الاعتبار بحيث مثلا إذا تجاوز عمر المدين بين 50 و60 عام وفيما يتعلق بالدين الذي يقل عن عشرة آلاف دينار أو بين عشرة وعشرين ألف دينار، مع مراعاة ألا تزيد مدة الحبس عن 60 يوماً مهما بلغت قيمة الدين.
ولكن لا بد من القول بأن إلغاء حبس المدين بشكل كامل سيحدث شرخاً قانونياً وسيؤدي إلى اللجوء إلى استيفاء الحق بالذات وسيزداد انتشار العنف والفوضى وقد تصل الأمور لارتكاب جرائم في سبيل تحصيل الحقوق.
الحالات المستثناة من الحبس التنفيذي
ولا بد من الحديث عن الحالات المستثناة من الحبس التنفيذي حيث نصت المادة 23 من قانون التنفيذ على ما يلي:
أ . لا يجوز الحبس لأي من
1.موظفي الدولة
2.من لا يكون مسؤولاً بشخصه عن الدين كالوارث من غير واضعي اليد على التركة والولي والوصي.
3.المدين الذي لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره والمعتوه والمجنون.
المدين المفلس أثناء معاملات الإفلاس أو المدين طالب الصلح الواقي..4
. الحامل حتى انقضاء ثلاثة أشهر بعد الوضع وأم المولود حتى إتمامه السنتين من عمره.5
ب . كما لا يجوز الحبس إذا كان المحكوم به ديناً بين الأزواج أو ديناً للفروع على الأصول.”
الفرع الأول: أثر الحبس على الحياة الأسرية
إن الحبس يؤثر على الحياة الاجتماعية وبالدرجة الأولى الحياة الأسرية حيث أن هناك العديد من العوائل رب الأسرة هو المعيل الوحيد لها ولا يوجد لهم مصدر دخل آخر سوى عمل رب الأسرة الذي يعتاشون منه وفي حال أنقطع عن العمل فإن هذا الأمر أولاً يؤدي إلى توقف الدخل وبالنتيجة قد يفقد عمله بشكل نهائي وهنا فإنه لن يستطيع أن يزود أسرته بالاحتياجات اليومية من مأكل ومشرب وملبس وأمور أخرى ومن باب أولى فإنه لن يستطيع سداد الدين المترتب في ذمته وهنا الأمر الكارثي الذي يتعرض له كلا الطرفين الدائن من جهة أنه لم يحصل على دينه والمدين كون الحبس أدى إلى قطع رزقه وتشتيت أسرته ومنعه من ممارسة حقه في العمل والعيش مع أسرته بسلام وأمان وبالنتيجة أنه من الممكن لو استمر في حياته وعمله أن يؤدي الدين الذي بذمته مما يحقق عدالة اجتماعية للطرفين.
وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يمكن قبول فكرة إلغاء الحبس التنفيذي بشكل نهائي لما تتطرق له سابقاً ولا بد من إيجاد حلول منطقية تعطي للطرفين حقوقهم بحيث يكون هناك تكافئ في الفرص بين الجميع.
هل يعتبر الحبس التنفيذي سابقة جرمية؟
إن الحبس التنفيذي ناتج عن مطالبة مدنية أو سند دين مدني وقد يكون تعويض عن ضرر ناتج عن جرم جزائي وهنا لا بد من التفرقة عن العقوبات التي ينص عليها قانون العقوبات والحبس التنفيذي.
وحيث ينص قانون العقوبات على قاعدة مفادها أن ” لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص “ وعليه فإنه لا يمكن القبول باعتبار الحبس التنفيذي عقوبة جنحية أو جنائية وإنما هو عبارة عن ضمان جاء النص عليه بقانون خاص ولم ينجم عن جريمة وإنما هو عبارة عن وسيلة ضغط لكي يقوم المدين بتنفيذ الالتزام وسداد الدين .
وبالتالي فإن حبس المدين التنفيذي لا يعد سابقة جرمية حيث إن هذا الحبس يتجدد كل سنة ولو تم اعتباره سابقة جرمية سيكون الأثر كارثي حيث إنه سيؤدي إلى عدم توظيف أي شخص يتم حبسه تنفيذياً وهذا أمر غير دستوري.
الفرع الثاني: فايروس كورونا وحبس المدين:
لا بد من الإشارة إلى آخر المستجدات التي طرأت على المملكة الأردنية الهاشمية وحيث بدأت تظهر حالات مصابة بفايروس الكورونا الذي تمت تسميته من قبل منظمة الصحة العالمية بمسمى كوفيد 19 وقد أنتشر هذا الوباء في مختلف أنحاء العالم انتشار النار وهناك دول لم تستطع السيطرة على هذا الفايروس ، ونتيجة لظهور حالات في الأردن صدر مؤخراً قرار بتفعيل قانون الدفاع ، وهو القانون الواجب التطبيق في الحالات الطارئة ومنها انتشار الأوبئة مثل وباء الكورونا وذلك في سبيل ضبط ومنع أو تقليل انتشار الفايروس بشكل أكبر بين المواطنين ونتيجة ذلك صدر قرار هام بخصوص حبس المدين بأن تم الإفراج عن المدنيين الذين يقل الدين المنفذ بحقهم عن عشرة آلاف دينار ، وهذا الأمر تم كأجراء احترازي لمنع انتشار العدوى بين المساجين ومع ذلك تم اتخاذ قرار بمنع سفر من تم الأفراج عنهم على الرغم من أن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة كان هناك إجراء بمنع السفر ومنع التنقل داخل وخارج المملكة وهذا أولاً في سبيل الحفاظ على صحة المواطنين وأيضاً عدم تفريط بحقوق الدائنين.
ماهي الحالات التي ينقضي فيها الحبس التنفيذي ، وهل يسقط الدين بتنفيذ الحبس هذا ما أجابت عنه المادتين 24
و25 من قانون التنفيذ حيث نصتا على ما يلي:
المادة (24)
ينقضي الحبس في الحالات الآتية
أ . إذا انقضى التزام المدين لأي سبب
ب . إذا رضي الدائن بأن يخلى سبيل المدين ويفقد طلبه بالحبس مرة ثانية خلال السنة نفسها
ج . إذا صرح المدين بأموال تعود له تكفي لوفاء الدين
وينقضي التزام المدين إما بالوفاء بالدين أو جزء منه مع أسقاط الدائن للقضية التنفيذية ، إجراء تسوية أو مصالحة أو مخالصة بين الطرفين فإذا قبل الدائن أن يفرج عن المدين فيكون قد تنازل عن حقه بطلب حبسه إما كلياً في حال الإسقاط والمصالحة أو جزئياً من خلال التسوية ويكون له الحق بطلب حبسه، ولكن في عام تالي على هذا الأجراء، وإذا صرح المدين بوجود أموال لديه تكفي لسداد المبالغ التي في ذمته للمدين فإن حبس المدين يصبح غير مجدي وغير قانوني ولا بد من القيام بالتنفيذ على الأموال المصرح عنها لاسترداد قيمة الدين.
المادة (25)
لا يسقط الدين بتنفيذ الحبس ولا يحول العفو العام دون حبس المدين ما لم يرد نص مخالف.
الدين لا يمكن أن يسقط إلا في حال السداد أو في حال إسقاط الدائن حقه في الدعوى بهذه الحالة فقط ممكن يسقط الدين كما أن العفو العام لا يشمل الديون المدنية ما لم يكن هناك نص صريح على هذا الأمر.
خاتمة
مما تقدم فإننا نستنج ما يلي:
أولاً: أن الحبس التنفيذي لا بد من بقائه ولا يمكن إلغاؤه بشكل كامل وذلك لعدم فتح المجال أمام أصحاب الحقوق لاستيفاء الحق بالذات وبالتالي الحد من الجريمة .
ثانياً: لا بد من استحداث نصوص تنظم حبس المدين التنفيذي بحيث تكفل الحقوق وتقيم التوازن الاجتماعي والاقتصادي بين المواطنين وبالتالي الحفاظ على المنظومة الاجتماعية.
ثالثاً: لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن الظروف السابقة للجائحة تحتاج إلى وضع قوانين أو تعديل نصوص لتسهيل معيشة المواطنين.
رابعاً: ومع اجتياح فايروس الكورونا لمملكتنا كان لا بد من اتخاذ إجراءات احترازية من ضمنها الأفراج عن بعض الموقوفين الذين لا يزيد مقدار دينهم عن عشرة آلاف دينار وهذا لغايات التقليل من انتشار الفايروس وهذا لا بد منه لغايات الخروج من الأزمة وبعد ذلك لا بد من الإسراع في تعديل قانون التنفيذ.
تم بحمد الله
المراجع:
1.قانون التنفيذ رقم 25 لسنة 2017 .
- مقال للدكتور ليث نصراوين بخصوص حبس المدين وعدم دستوريته منشور على موقع صحيفة الرأي بتاريخ 19/1/2019
- مقال منشور على الفيس بوك بعنوان السندات التنفيذية أنواع عديدة الناشر مسمى باسم (خاص جداً) تاريخ النشر 21/1/2015.
- مقال منشور على موقع قانون العرب بعنوان الفرق بين السندات الرسمية والسندات العادية ، تاريخ النشر 15/7/2015
——————————————————————————————