حق الاحتباس في القانون الأردني
من المعلوم ان العقود على عمومها ، إنما أبرمت لغاية التنفيذ ، ليترتب بعد ذلك الآثار المفترضة لهذه الغاية من حقوق وواجبات لكلا طرفي العقد ، لكن قد يتراخى احد طرفي العقد في تنفيذ التزامه ، فتغدو الغاية من العقد موقوفَةً غير مُنــتَجَةٍ ، لذا استَلزَم ان يفرض المشرع وسائل معينة لحماية تلك الغاية، وقد أتاح المشرع الأردني في القانون المدني عدة وسائل مشروعة حمايةً و ضماناً لتنفيذ الالتزام العقدي، حيث نصت المواد 365 – 392 من القانون المدني على الوسائل المشروعة التي تمكن طرفي العقد من حماية وضمان التنفيذ و استمراريته ، وهي كالاتي :
- الدعوى غير المباشرة
- دعوى الصورية
- دعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حق الدائن
- الحجر على المدين المعسر
- حق الاحتباس
وفي مَعرِض حديثنا عن حق الاحتباس، فقد أشارت المواد ٣٧٨ – ٣٩٢ من القانون المدني الى الوسيلة المشروعة الخامسة وهي حق الاحتباس، حيث ورد فيها الأحكام المتعلقة بحق الاحتباس، فماذا نعني بحق الاحتباس قانونا؟ وما هي شروطه وأحكامه؟
سنقوم في هذه الدراسة بعون الله ببيان المفهوم القانوني لحق الاحتباس وشرح شروطه وأحكامه من خلال ما يمكن فهمه من النصوص القانونية ومن خلال الثوابت والاجتهادات الفقهية والقضائية بهذا الخصوص، وذلك على النحو الاتي:
المطلب الأول : المفهوم القانوني لحق الاحتباس والشروط الواجب توافرها لنشوء الحق في الاحتباس
المطلب الثاني : الآثار المترتبة على حق الاحتباس
المطلب الثالث : انقضاء الحق بالحبس
أولا: المفهوم القانوني لحق الاحتباس
- أشارت المادة 387 من القانون المدني الأردني الى مفهوم حق الاحتباس ، حيث ورد فيها : ” لكل ممن يلتزم بأداء شيء ان يمتنع عن الوفاء به مادام الدائن لم يوف بالتزام في ذمته نشأ بسبب التزام المدين وكان مرتبطا به “
- كما بينت المادة 388 من ذات القانون المدى الذي يؤول اليه الحق في الاحتباس ، حيث جاء فيها ” لكل واحد من المتعاقدين في المعاوضات المالية بوجه عام ان يحتبس المعقود عليه وهو في يده حتى يقبض البدل المستحق “
- حق الاحتباس لا يكون في الروابط التعاقدية وحسب ، إنما قد ينشأ عن الروابط غير التعاقدية ، وهذا ما أشارت اليه المادة 389 من القانون المدني ، حيث جاء فيها : ” لمن أنفق على ملك غيره وهو في يده مصروفات ضرورية أو نافعة ان يمتنع عن رده حتى يستوفي ما هو مستحق له قانونا ما لم يتفق أو يقض القانون بغير ذلك”.
- أيضا ، فقد عرّف الفقه حق الاحتباس، ويرى الفقيه الكبير السنهوري ” إن الحق في الحبس ليس هو بالحق العيني، ولا بالحق الشخصي. بل هو حق المدين في أن يقف الوفاء بدينه حتى يستوفي الدين الذي له في ذمة دائنه، فهو دفع بعدم التنفيذ، يدخل تحته الدفع بعدم تنفيذ العقد الذي يعد فرعاً عنه. وهو بمنزلة ضـمان خـاص أعطـاه التقنين المدني الجديد لكل دائن يكون مديناً في الوقت ذاته لدائنه، فيحبس الدين الـذي عليـه حتـى يستوفي الدين الذي له” ([1] )
إضافة الى ان حق الاحتباس يفترض وجود التزامين مترابطين وكل منهما مترتب على الآخر، فقد يكون أيضا في الروابط غير التعاقدية ، ومثال ذلك ان يقوم شخص بالإنفاق على ملك غيره مصروفات ضرورية لحماية هذا المال من الهلاك ، يستطيع ان يحبس هذا الملك ام المال ويمتنع عن رده حتى يستوفي من صاحب المال الأصلي ما أنفقه عليه .( [2] )
ثانيا : الشروط الواجب توافرها لنشوء الحق في الاحتباس ([3])
يمكن استخلاص الشروط اللازمة لنشوء حق الاحتباس من خلال المادة 387 من القانون المدني ، لكن وقبل الخوض في الشروط ، لابد من إعمال مبدأ حسن النية في استعمال هذا الحق ومن غير الجائز التعسف في استعماله ، كأن يكون جزء الالتزام غير المنفذ تافها أو لا يعتد به .
وتنحصر الشروط في ثلاثة أمور ، وهي كلاتي :
- وجود التزام على الحابس بأداء شيء
- لا يوجد اعتبار لطبيعة الشيء الذي يمكن حبسه ( قد يكون منقولا أو غير منقول ، مثليا أو قيميا ، وقد يكون القيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل )
- حق الاحتباس بمثابة الحجز ، لذا لا يصح حبس الأشياء التي لا يرد الحجز عليها
- لا يجوز احتباس الشيء الذي وصل لحائزه بطريقة غير مشروعه ، كأن بقوم شخص ( أ ) بحبس مال مسروق لعدم قيام صاحب المال الأصلي ( ب ) بدفع النفقات التي صرفها ( أ ) للعناية بالمال المسروق فهنا لا يـَـرِد مفهوم الاحتباس ولا يصح .
- وجود حق مستحق الأداء للدائن الحابس
- لا يمكن قياس مفهوم الاحتباس على مفهوم المقاصة القانونية ، فهي طريقة للوفاء ، اما الاحتباس فهو طريقة للضمان لحماية التنفيذ
- يجب ان يكون حق الدائن محقق الوجود ومستحق الأداء ، فلا يحق له الاحتباس إذا كان الحق مضاف الى اجل أو معلقا على شرط
- وجود ارتباط بين حق الحابس والتزامه بأداء الشيء
- معنى الارتباط المقصود : ان يكون حق الحابس قد وُجد بمناسبة تنفيذ التزامه.
- يقع عبئ إثبات الارتباط على الدائن المتمسك بالحق في الاحتباس .
- قد يكون الارتباط قانونيا ، يقوم على وجود علاقة تبادلية بين التزامين ، قد يكون مصدره عقد ملزم للجانبين كأن يحبس المشتري الثمن حتى ينفذ البائع التزامه بتسليم المبيع ، وقد يكون مصدره عقد ملزم لجانب واحد مثل التزام المودع اليه برد الوديعة والتزام المودع برد ما أنفقه المودع اليه عناية بالوديعة.
- وقد يكون مصدر هذا الارتباط هو القانون ، فمثلا يلتزم الفضولي برد ما استولى عليه بسبب فضالته ، ويلتزم من استولى على ملكه الفضولي ( صاحب المال ) برد النفقات النافعة التي أنفقها الفضولي وهنا يكون مصدر الالتزام الفعل النافع .
- قد يكون الارتباط ماديا ، لا يقوم على علاقة تبادلية بين التزامين ، مثاله ، ان يتسبب حيوان بتلف مزروعات الجار ، فيحق للجار ان يحبس هذا الحيوان حتى يؤدي مالكه التعويض المناسب .
المطلـــب الثاني : الآثار الناشئة عن الحق في الاحتباس ([4])
يترتب على حق الاحتباس حقوق للحابس والتزامات عليه ، حيث يمكن استخلاص حقوق الدائن الحابس من خلال نصوص المواد 387-391 من القانون المدني ، في حين بينت المادة 390/1 من ذات القانون ما يتوجب على الحابس خلال استعماله حق الاحتباس ، حيث نصت المادة 390 على : ” 1. على من احتبس الشيء ان يحافظ عليه وان يقدم حسابا عن غلته . 2 وله ان يستصدر أذنا من المحكمة ببيع الشيء المحتبس اذا كان يخشى عليه الهلاك أو التعيب وذلك وفقا للإجراءات الخاصة ببيع المرهون حيازة وينتقل حق الاحتباس من الشيء الى ثمنه.”
أيضا ، نصت المادة 391 على : ” من احتبس الشيء استعمالا لحقه في احتباسه كان أحق من باقي الغرماء في استيفاء حقه منه.”
من خلال هذه النصوص يمكن معرفة حقوق والتزامات الحابس ، وسنبين كل منها على النحو الاتي :
أولا : حقوق الحابس
- حقه في الامتناع عن تسليم محل الحبس حتى يستوفي حقه كاملا ، ونعني كاملا أي انه يحق له ان حبس الشيء حتى وإن وفّى المدين بجزء من التزامه .
- للحابس بوجه عام حق امتياز قانوني على محل الالتزام المحبوس في مواجهة الغير
- حق الحابس في التقدم على سائر غرماء المدين في استيفاء حقه من الشيء المحبوس، وهذا ما نصت عليه المادة 391 من القانون المدني
- حق الحابس في بيع الشيء المحبوس إذا كان يخشى عليه من الهلاك، ويكون بالتقدم للمحكمة وفق إجراءات الخاصة ببيع المرهون حيازة ، وينتقل حق الحابس في الاحتباس الى ثمن الشيء المحبوس بعد بيعه . وهذا ما نصت عليه المادة 391/2 من القانون المدني.
ثانيا : التزامات الحابس
نصت المادة 390 من القانون المدن على التزامات الحابس ، وهي كالاتي :
- ان يحافظ الحبس على الشي المحبوس، وبعبارة أخرى ان يبذل الحابس عناية الرجل المعتاد للحفاظ على الشيء المحبوس، ويكون التزامه هذا ببذل عناية لا تحقيق نتيجة.
- تقديم حساب عن غلة الشيء المحبوس ، وينشأ هذا الالتزام في حال كان الشيء المحبوس عينا منتجة أو مثمرة ، بحيث ان هذه الثمر أو الغلة من حق مالكها الأصلي وليس حائزها(الحابس) ، فيكون هذه الأخير مسؤولا عن غلة الشيء المحبوس وعليه ان يقدم حسابا عن الغلة بعد استيفاء حقه الأصلي الذي حبس الشيء من أجله.
المطلب الثالث : انقضاء الحق في الاحتباس([5])
ينشأ حق الاحتباس لغاية وحيده ، بحيث يكون ضمانا لحق الحابس الذي في ذمة مالك الشيء المحبوس ، فاذا انقضى حق الحابس الذي في ذمة مالك الشيء المحبوس ينقضي معه حق الاحتباس، فلا غاية من بقاء الحق بالاحتباس قائما ، لزوال السبب الذي نشأ من أجله .
نصت المادة 392 من القانون المدني على ” 1. ينقضي الحق في الاحتباس بخروج الشيء من يد حائزه أو محرزه ما لم ينص القانون على غير ذلك . 2 ومع ذلك يجوز لمن احتبس الشيء اذا خرج الشيء من يده خفية أو بالرغم من معارضته ان يطلب استرداده خلال ثلاثين يوما من الوقت الذي علم فيه بخروجه من يده وقبل انقضاء سنة من خروجه.
- قد يكون الانقضاء بطريق تبعي أو أصلي ، وهذا ما يمكن فهمه من النص السابق، فكيون الانقضاء تبعيا إذا انقضى حق الحابس في ذمة المالك انقضى الحق في الحبس تبعا لذلك
- ويجب ملاحظة ان التقادم لا يسري على الحق أو الالتزام الأصلي ، ما دام الشيء المحبوس في يد الحابس ، باعتبار بقاء الحبس قائما كإقرار ضمني بالدين من شأنه قطع التقادم الخاص به .
- يكون انقضاء الحق بالاحتباس انقضاء أصليا – دون انقضاء الالتزام أو الحق المضمون به ( الأصلي ) ، إذا هلك الشيء المحبوس ، أو إذا خرج الشيء من يد الحابس اختياريا ، فاذا خرج من يد حابسه غصبا ، فله حق استرداده من حائزه الجديد خلال ثلاثين يوم من تاريخ علم الحابس بخروج الشيء المحبوس من يده أو سلطته أو خلال مرور عام من خروجه ، ويزول الحق في الحبس المقرر للحابس إذا انقضى الميعاد المحدد في المادة 392 دون ان يسترده ممن حازه عنوة عنه .
تم بحمد الله وتوفيقه
[1] د.عبد الرزاق السنوري ، الوسيط في شرح القانوني المدني ، المجلد الثاني ، ص1134
[2] انظر المذكرة الإيضاحية للقانون المدني / الجزء الأول ص 435
[3] انظر في شروط حق الاحتباس : الفار ، عبد القادر ، أحكام الالتزام ، آثار الحق في القانون المدني ، دار الثقافة للنشر و التوزيع ، الطبعة الأولى ، 2004 ، ص 121-125
4 ) انظر في حقوق الحابس والتزاماته : الفار ، عبد القادر ، مرجع سابق ، ص 125-128
[5] انظر في انقضاء الحق بالحبس ، السنهوري ، الوسيط ، المجلد الثاني ، بند 679 – 686 ( ص 1187 ) وما بعدها .
——————————————————————————————