الهبة من عقود التبرع التي أجازتها أحكام الشريعة الإسلامية، ونظمت أحكامها، وقد سنت التشريعات الوضعية المقارنة القواعد التي تنظم عقود الهبة، حيث إنها تُعد سببًا من أسباب نقل الملكية من الواهب إلى الموهوب له، ولكن عقد الهبة له ما يميزه عن كافة عقود نقل الملكية ألا وأنه دون مقابل، فلا يدفع الموهوب له أي مقابل -سواء مادي أو عيني- في سبيل تملكه محل عقد الهبة، وللطبيعة الخاصة لعقد الهبة فكان يتعين أن يتوافر شروط محددة؛ لكي يقع العقد صحيحًا ومنتجًا لأثاره القانونية، وفي حال عدم تحقق أي من هذه الشروط؛ فيكون عقد الهبة باطلًا أو قابلًا للإبطال حسب كل حالة على حدة، وسوف نتناول في هذا المقال جميع ما يخص عقد الهبة في العناصر الرئيسية الآتية:
أولًا: مفهوم عقد الهبة في الفقه والقانون الأردني
ثالثًا: ماهية أركان عقد الهبة في القانون الأردني
رابعًا: ماهية خصائص عقد الهبة في القانون الأردني
خامسًا: ماهية آثار عقد الهبة في القانون الأردني
سادسًا: الأحكام المتعلقة بعقد الهبة في القانون الأردني
سابعًا: الأحكام المتعلقة بالرجوع في الهبة في القانون الأردني
ثامنًا: الأحكام المتعلقة بموانع الرجوع عن الهبة في القانون الأردني
تاسعًا: السوابق القضائية المتعلقة بأحكام عقد الهبة في القانون الأردني
وسوف نتناول شرح تفصيلي لكل من العناصر الرئيسية السابقة فيما يلي:
أولًا: مفهوم عقد الهبة في الفقه والقانون الأردني
-مفهوم عقد الهبة في الفقه:
عرف المالكية الهبة بأنها: “هي تمليك ذات بلا عوض لوجه المعطي (الموهوب له)” أو: “تمليك من له التبرع ذاتًا تنقل شرعًا بلا عوض لأهل”([1]). وقد عرفها الشافعية بأنها: “تمليك العين بلا عوض في حال الحياة تطوعًا”([2]).
-مفهوم عقد الهبة في القانون الأردني:
لقد نصت (المادة ٥٥٧) من القانون المدني الأردني على المقصود بالهبة بأنها:”١- تمليك مال أو حق مالي لآخر حال حياة المالك دون عوض”
ثانيا: دليل مشروعية عقد الهبة
توجد أدلة عديدة على مشروعية عقد الهبة سواء من القرآن، أو السنة، أو الإجماع وذلك فيما يلي:
١– دليل مشروعية الهبة في القرآن الكريم:
قال الله تعالى:” وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ’، سورة البقرة آية 177.
٢– دليل مشروعية الهبة في السنة النبوية:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيما رواه عنه الصحابي أبو هريرة رضي الله عنه:” تهادوا تحابّوا”.
٣– دليل مشروعية الهبة في إجماع الفقهاء:
أجمع الفقهاء على أن الهبة من العقود المشروعة والمستحبة، ومن العقود الصحيحة بالإيجاب والقبول، كما يُفضل أن تكون الهبة للأقارب؛ لما فيها من صلة رحم ومودة بينهم.
ثالثًا: ماهية أركان عقد الهبة في القانون الأردني
عقد الهبة شأنه شأن كافة العقود لابد أن تتوفر فيه الأركان العامة للتعاقد من رضا، ومحل، وسبب مشروع، وأهلية، وذلك على النحو الآتي:
١– ركن التراضي:
يقصد بالتراضي أن يلتقي الإيجاب والقبول بين كلٍ من طرفي عقد الهبة، وبإرادتهما السليمة الخالية من أي عيب من عيوب الإرادة مثل الغلط، والإكراه، والتدليس، والاستغلال، فيجب أن يكون الواهب راضيا بالهبة وتكون بإرادته، وألّا يكون مكرهًا عليها.
٢– ركن المحل:
يتمثل محل عقد الهبة في المال الموهوب، ويشترط فبه أن يكون مالًا مملوكًا للواهب يمكن حيازته أو الانتفاع به، وأن يكون مما يجوز هبته عند المسلمين، وأن يحضر المال عند هبته، ولا يجوز هبة المعدوم وذلك بناءً على قاعدة كل ما يجوز بيعه تجوز هبته، وكل ما لا يجوز بيعه لا تجوز هبته، كما لا يجوز هبة المال مجهول المقدار أو النوع، كما يجب ألا يتعلّق بالمال الموهوب حق للغير من رهن أو دَين أو كفالة.
٣– ركن السبب:
ويقصد بالسبب الغاية، والهدف المباشر من وراء إبرام عقد الهبة، ويشترط أن يكون السبب مشروع، فلا يجوز أن يكون الغاية من إبرام عقد الهبة غير مشروعة مثل ألا يكون الغرض من إبرام العقد ضياع منفعة على الغير مثل المدين؛ لكي لا يجد مال يستطيع الحجز عليه واستيفاء دينه منه.
٤– ركن الأهلية:
يجب أن يكون الواهب أهلًا لإبرام التصرفات، فيشترط في الواهب أن يتّصف بالعقل والبلوغ، ولا يجوز أن تكون الهبة من الصبي وإن كان مميزًا؛ لأنه يتنازل بموجب هذا العقد عن جزء من ماله دون مقابل، ولكن يجوز الهبة لمن لا أهلية له، أي أن يكون الموهوب له ناقص أو منعدم الأهلية؛ لأن عقد الهبة بالنسبة له منفعة محضة، إذ إنه يتملك المال محل الهبة دون أن يدفع أي مقابل.
5- قبض المال محل الهبة من جانب الموهوب له:
إن عقود الهبة من العقود التي تتم بالقبض، ولا يكون عقد الهبة لازمًا دون أن يقبض الموهوب له المال محل الهبة، وإذا توفيَّ الواهب قبل أن يقبض الموهوب له المال حل الهبة يتعين إذن الورثة لإتمام العقد، كما يجوز للواهب أن يرجع في عقد الهبة إذا لم يقبض الموهوب له المال، أما إذا تم القبض؛ فيكون العقد لازمًا، ولا يجوز للواهب الرجوع فيه.
رابعًا: ماهية خصائص عقد الهبة في القانون الأردني
يتميز عقد الهبة في القانون الأردني بمجموعة من الخصائص التي تميزه عن غيره من العقود، وهذه الخصائص تتمثل في الآتي:
١- عقد الهبة من العقود المسماة:
إن عقد الهبة من العقود المسماة التي تُرتب التزامًا على عاتق أحد طرفي العقد دون الآخر، وهي عقد يتصرف بمُقتضاه الواهب في مال له دون عوض، ولا تتم الهبة إلا إذا قبلها الموهوب له أو نائبة.
٢- عقد الهبة من العقود الرضائية:
عقد الهبة من العقود الرضائية التي يشترط فيها تلاقي الإيجاب والقبول بين طرفيه، أي أنه عقد يلتزم لأنشائه توافق إرادة كل من الواهب والموهوب له.
٣- عقد الهبة من العقود الشكلية:
فعقد الهبة من العقود الشكلية التي لا تتم بمجرد تراضي المتعاقدين، ولكن لا بد له من شكل معين حدده القانون إضافة إلى تراضي المتعاقدين، والغرض من استيفاء عقد الهبة الشكلية المعينة التي حددها القانون، هو تنبيه المتعاقدين إلى خطر ما يقدمون عليه من تعاقد.
٤- عقد الهبة عقد ملزم لجانب واحد:
عقد الهبة من العقود الملزمة لجانب واحد؛ فلا يلتزم الموهوب له بشيء فيما يخص هذا العقد، بل إن الموهوب له لا يكون ملزمًا بقبض المال الموهوب له، إذ يمكنه رفض قبضه دون أي مسؤولية على الموهوب له.
٥- عقد الهبة من عقود التبرع:
إن التصرف في المال المملوك لأي شخص طبيعي بدون عوض يستلزم وجود نية التبرع، أي قيام العنصر المعنوي في الهبة، فإذا قام الواهب بتجهيز ابنته للزواج، فهنا الواهب يوفي بالتزام طبيعي، ويُعد هذا التصرف من قبيل الوفاء لا الهبة، ولا يعتبر من قبيل الهبة قيام الشخص بإعطاء المكافآت مقابل الخدمات الممنوحة، أو إعطاء مال دون نية التبرع قاصدًا منفعة مادية أو أدبية، فالعبرة في الهبة أن تتجه نية الواهب للتبرع، دون الحصول على أي مقابل.
خامسًا: ماهية آثار عقد الهبة في القانون الأردني
يتضح لنا أن عقد الهبة في الأصل عقد ملزم للواهب فقط، ولكن إذا اشترط الواهب العوض لهبته كانت الهبة في هذه الحالة ملزمة للجانبين، ويترتب على عقد الهبة بالنسبة لطرفيه الآثار الآتية:
١– آثار عقد الهبة بالنسبة للواهب:
يُرتب عقد الهبة على الواهب مجموعة من الالتزامات، تتمثل فيما يلي:
– يلتزم الواهب بنقل ملكية المال الموهوب إلى الموهوب له.
– يلتزم الواهب بتمكين الموهوب له من قبض المال محل الهبة، ويتبع في ذلك أحكام تسليم المبيع، ويلتزم أن يُحافظ على الشيء الموهوب قبل أن يسلمه إلى الموهوب له”، وذلك وفقًا لنص (المادة ٥٦٧) من القانون المدني الأردني.
– لا يضمن الواهب استحقاق الموهوب في يد الموهوب له إذا كانت الهبة بغير عوض، ولكنه يكون مسؤولًا عن كل ضرر يلحق بالموهوب له من جراء هذا الاستحقاق إذا تعمد إخفاء سبب الاستحقاق، أما إذا كانت الهبة بعوض؛ فإنه لا يضمن الاستحقاق إلا بقدر ما أداه الموهوب له من عوض ما لم يتفق على غير ذلك”، وذلك وفقًا لنص (المادة ٥٦٨) من القانون المدني الأردني.
– “إذا استحق الموهوب بعد هلاكه عند الموهوب له واختار المستحق تضمينه كان له الرجوع على الواهب بما ضمن للمستحق”، وذلك وفقًا لنص (المادة ٥٦٩) من القانون المدني الأردني.
– “إذا استحق الموهوب وكان الموهوب له قد زاد في الموهوب زيادة لا تقبل الفصل دون ضرر؛ فليس للمستحق أن يسترده قبل دفع قيمة الزيادة.”، وذلك وفقًا لنص (المادة ٥٧٠) من القانون المدني الأردني.
– لا يضمن الواهب العيب الخفي في المال محل الهبة، ولو تعمد إخفاءه؛ لأن الموهوب له لم يدفع مقال هذا المال؛ لذا فلا ضمان للعيوب الخفية في عقود الهبة، ولكن إذا كانت الهبة بعوض؛ فحينها يكون الواهب ضامنًا لأي من العيوب الخفية، وهذا بناءً على ما نصت عليه (المادة ٥٧١) من القانون المدني الأردني.
2– آثار عقد الهبة بالنسبة الموهوب له:
لا يترتب على الموهوب له التزامًا في عقد الهبة سوى التزامه بنفقات إبرام العقد وقبض المال محل الهبة ونقله إلى حيازته، ولا يكون الموهوب له ملزمًا بذلك إذا اتفق مع الواهب على أن الأخير من يتحمل هذه النفقات أو جزء منها.
أما إذا كانت الهبة مقابل عوض معين؛ فحينها يكون على الموهوب له أداء ما اشترطه الواهب من عوض سواء أكان هذا العوض للواهب أم للغير، فإذا كان عوض الهبة مثلًا وفاء دين على الواهب؛ فلا يلتزم الموهوب له إلا بوفاء الدين القائم وقت الهبة ما لم يتفق على غير ذلك. وإذا كان الموهوب مثقلًا بحق وفاء لدين في ذمة الواهب أو ذمة شخص آخر؛ فإن الموهوب له يلتزم بوفاء هذا الدين ما لم يتفق على غير ذلك، وهذا وفقًا لنص (المواد ٥٧٢-٥٧5)
سادسًا: الأحكام المتعلقة بعقد الهبة في القانون الأردني
تنعقد الهبة بوقوع الإيجاب من الواهب والقبول من الموهوب له، وهذا بناءً على ما ورد في الفقرة الأولى من (المادة ٥٥٨) من القانون المدني الأردني، غير أنه يوجد حالات تنعقد فيها الهبة بمجرد صدور الإيجاب من الواهب دون حاجة إلى صدور القبول من الموهوب له، وهذه الحالات وردت على سبيل الحصر في الفقرة الثانية من المادة ذاتها المشار إليها سابقًا، إذ نصت على: “2- يكفي في الهبة مجرد الإيجاب إذا كان الواهب ولي الموهوب له، أو وصيه والشيء الموهوب في حوزته، وكذا لو كان الموهوب له صغيرًا يقوم الواهب على تربيته”.
ولا ينفذ عقد الهبة إذا كان المال الموهوب غير مملوك للواهب ما لم يجزه المالك ويتم القبض برضاه، ولا تنعقد الهبة بالوعد ولا تنعقد على مال مستقبل.
وربط المشرع الأردني بين عقد الهبة وبين النصوص التشريعية المتعلقة بنقل ملكية المال إلى الغير، إذ نص في (المادة ٥٦٦) من القانون المدني الأردني على: “يتوقف نفاذ عقد الهبة على أي إجراء تعلق النصوص التشريعية نقل الملكية عليه، ويجوز لكل من طرفي العقد استكمال الإجراءات اللازمة، وتتم بالقبض في المنقول بالقبض دون حاجة إلى تسجيل”، وجعل المشرع تمام هبة المال المنقول بقبضه فقط، أما العقارات وغيرها من الأموال التي تحتاج إلى تسجيل أو غيره من إجراءات فلا تنفذ الهبة إلا بتمام هذه الإجراءات.
ومن المتعارف عليه أن عقد الهبة يكون بدون عوض، ولكن المشرع الأردني خرج عن الأصل، وسمح بأن يكون عقد الهبة مقابل عوض كاستثناء عن الأصل، ووضع شروطًا وأحكامًا لهذا الاستثناء، وتمثلت هذه الشروط فيما نصت عليه (المادة ٥٦٢) من القانون المدني الأردني، بما نصها: ” يجب أن يكون العوض في الهبة المشروطة به معلومًا، وإلا جاز لكل من الطرفين فسخ العقد ولو بعد تسلم الموهوب ما لم يتفقا على تعيين العوض قبل الفسخ، فاذا هلك الموهوب أو تصرف فيه الموهوب له قبل الفسخ وجب عليه رد قيمته يوم القبض”.
وتنبه المشرع لحالة هامة جدًا من حالات الهبة، ألا وهي قتل الموهوب له للواهب بعد انعقاد الهبة، فقد ورد في نص (المادة ٥٧٨) من القانون المدني الأردني: “إذا قتل الموهوب له الواهب عمدًا أو قصدًا بلا وجه حق كان لورثته حق إبطال الهبة”، وللمشرع في هذا النص وجهة نظر تُحترم حيث إنه ليس من المقبول أن يكون مجازاة الواهب لما قدمه للموهوب له أن يقوم الأخير بقتل الواهب، وإتيان هذا الفعل من جانب الموهوب له يُدلل على عدم استحقاقه للهبة، ولكن احترامًا للمشرع للعقود فأعطى ورثة الواهب الحق في فسخ العقد أو إتمامه بإذنهم.
سابعًا: الأحكام المتعلقة بالرجوع في الهبة في القانون الأردني
من المبادئ الثابتة التي نشأنا عليها أن العقــــد شريعة المتعاقدين، فإذا أُبرِمَ العقد أصبح ملزمًا لطرفيه، ولا يجوز لأي من طرفيه أن يستقل بتعديله أو فسخه، غير أن المشرع الأردني قد خرج عن هذا المبدأ في عقد الهبة، فأجاز للواهب أن يرجع عــن هبتــه؛ لأنــه قــد وضع في اعتباره أن الواهب منح الموهوب له جزءً من ماله دون مقابــل، ولهــذا أعطاه حق الرجوع في الهبة، وقد نص القانون المدني الأردني على الأحكام المتعلقة بالرجوع في الهبة على النحو الآتي:
هذا إلى جانب ما ورد في (المادة ٥٧٦) من القانون المدني الأردني، بما نصها: “للواهب أن يرجع في الهبة قبل القبض دون رضا الموهوب له، وله أن يرجع فيها بعد القبض بقبول الموهوب له، فإن لم يقبل جاز للواهب أن يطلب من القضاء فسخ الهبة والرجوع فيها متى كان يستند إلى سبب مقبول ما لم يوجد مانع من الرجوع”، ويتضح من نص المادة السابقة أن هناك صورتين للرجوع في الهبة:
1- الرجوع في الهبة بالتراضي:
هذا يحدث عند توافـق إرادتـي الواهـب والموهـوب لـه علـى فسخ عقد الهبة، وإلغاء كل أثر أو التزام ترتب على إبرام مثل هذا العقد.
2- الرجوع في الهبة بالتقاضي:
إذا كـان الرجــوع فــي الهبــة يقع بالتراضــي، غير أنه ليس مــن المتصـور أن يرضى الموهــوب لــه بهــذا الرجـــوع فــي جميع الأحــوال؛ لذا فـــلا يكون أمـــام الواهــب ســـوى اللجــوء إلـــى القضـــاء؛ لطلب الحكــم لــه بفســخ الهبــة، وذلــك متــى مــا كانــت الهبــة لا تقتــرن بمــانع مــن موانــع الرجــوع. وكــــان لــــدى الواهــــب عــــذر مقبــــول للرجــــوع.
“والعلة في الفرق بين الرجوع قبل القبض وبين الرجوع بعده، هو أن قبل القبض لـم يتم الملك للموهوب له؛ فلا يتوقف الرجوع على رضائه، وأما بعد القبض فقد تم الملك له وربما امتنع عن الرد ولم يرضَ به”([3]).
ومما سبق يتبين أن الرجـــوع فــي الهبـــة مقيد بقيدين، ألا يكون هنــاك مـــانع مــن موانـــع الرجوع، وأن يكون للواهب عذر يُبرر رجوعه في الهبة، ويعتبر سببًا مقبولًا لفسخ الهبة والرجوع فيهاما نصت عليه (المادة ٥٧٧) من القانون المدني الأردني، وذلك فيما ما يلي:
– أن يصبح الواهب عاجزًا عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع مكانته، أو أن يعجز عن الوفاء بما يفرضه عليه القانون من النفقة على الغير:
وذلك بـــأن العـــذر يقوم بمجـــرد أن يعجز الواهـــب عـــن تلبية متطلبات معيشته وبمـــا يتناسب مع مكانته الاجتماعية، فالمعيار شخصي يرتبط بشخص الواهب ومكانتـه فـي المجتمــع، وســواء تحقــق هــذا العجــز بســبب الأمــوال التــي خرجت مــن ذمة الواهب المالية عنــد الهبة أو لأسباب أخرى، كما ويتحقق هـذا العـذر عنـد عجـز الواهـب الإنفاق على من تجب عليه نفقتهم، كالزوجة، أو الأصول، أو الفروع إنفاق.
– أن يرزق الواهب بعد الهبة ولدًا يظل حيًا حتى تاريخ الرجوع:
ويُفترض في هذه الحالة ألا يكون للواهـــب ولد وقـت صدور الهبة، أي أنه قد وهب ماله بدافع أنـه ليس لــه ولـد يخلفه فــي مالـه، أو بدافع تفضيل الموهـــوب لــه علــى ورثته الآخرين إن وجــدوا، ثم يرزق الواهب بولد يظل حيًا حتى تاريخ الرجوع، أو أن يكون للواهــب ولـــد يظنه ميتًا وقت صدور الهبة ثم يتضح أنه لا يزال حيًا، ففي الحالتين انعـدم لديه الـدافع إلـــى الهبة، وقد رجح المشـــرع مصـــلحة ولـــده الـــذي رُزِق بـــه أو ظهـــر حيًا علـــى مصـــلحة الموهوب له؛ لأن هذا المال في الأساس هو ملك للواهب، والابن هو أولى شخص بمال أبيه.
– إخلال الموهوب له بالتزاماته المشروطة في العقد دون مبرر، أو إخلاله بما يجب عليه نحو الواهب أو أحد أقاربه بحيث يكون هذا الإخلال جحودًا كبيرًا من جانبه:
أجاز المشرع للواهب استرداد الهبة إذا اشترط في العقد حق استردادها في حالة عدم قيام الموهوب له بالتزامات معينة لمصلحة الواهب، أو من يهمه أمره فلم يقم بها،
والحالة السابقة قد وردت أيضًا فيما نصت عليه (المادة ٥٦١) من القانون المدني الأردني، ولا نعلم إذا قصد المشرع التأكيد على هذه الحالة أم أن وقع ذلك سهوًا منه.
آثار الرجوع عن عقد الهبة سواء رضاءً أو قضاءً:
يترتب على الرجوع عن عقد الهبة إبطال كل أثر للعقد، ويلتزم الموهوب له برد مال الهبة إلى الواهب، ولكن أعطى المشرع الحق للموهوب له بحجز ثمار المال الموهوب الذي نتج إلى تاريخ الاتفاق على إرجاع المال أو تاريخ إصدار الحكم بفسخ عقد الهبة، وفي هذا وجه شرعي وقانوني مميز، إذ إن خلال هذه الفترة -من إبرام عقد الهبة إلى فسخه- كانت يد الموهوب له على المال شرعية وقانونية؛ لذا فنماء هذا المال يكون من حقه، ولا يسري أثر إبطال العقد إلا بعد الاتفاق على الإبطال أو صدور حكم قضائي به.
كما أعطى المشرع للموهوب له الحق في استرداد النفقات الضرورية التي أنفقها في سبيل الحفاظ على المال الموهوب أم النفقات غير الضرورية فلا حاجة منها: “يعتبر الرجوع عن الهبة رضاءً أو قضاءً إبطالًا لأثر العقد، ولا يرد الموهوب له الثمار إلا من تاريخ الرجوع رضاء أو تاريخ الحكم، وله أن يسترد النفقات الضرورية، أما النفقات الأخرى؛ فلا يسترد منها إلا ما زاد في قيمة الموهوب”، وذلك وفقًا لنص (المادة ٥٨٠) من القانون المدني الأردني.
وعالج المشرع حالة هامة من أثار استعادة المال الموهوب، ألا وهي إذا قرر الواهب بموجب إرادته المنفردة استعادة المال الموهوب دون فسخ عقد الهبة، فبالطبع يكون تصرف الواهب غير مشروع ويلتزم برد المال إلى الموهوب له وثماره أيضًا، وإذا هلك المال لدى الواهب يضمن الأخير أيًّا كان سبب هلاك هذا المال، وذلك وفقًا لما نصت عليه الفقرة الأولى من (المادة ٥٨١) من القانون المدني الأردني على أنه:”١- إذا استعاد الواهب الشيء الموهوب بغير رضا أو قضاء كان مسؤولًا عن هلاكه مهما كان سببه”.
وجاءت الفقرة الثانية من المادة سالفة الذكر لتعالج النقيض للحالة السابقة، إذ نصت على: “2- أما إذا صدر حكم بالرجوع في الهبة وهلك الشيء في يد الموهوب له بعد إعذاره بالتسليم؛ فان الموهوب له يكون مسؤولًا عن الهلاك مهما كان سببه”، ويتبين أنه في حال امتناع الموهوب له عن رد المال إلى الواهب بعد فسخ عقد الهبة فيضمن حينها الموهوب له هذا المال في حال هلاكه.
وفي جميع الأحوال إذا هلك المال محل الهبة، أو كان قد تصرف فيه الموهوب له استحق الواهب قيمته وقت التصرف أو الهلاك، وهذا وفقًا (المادة ٥٦١) من القانون المدني الأردني.
ثامنًا: الأحكام المتعلقة بموانع الرجوع عن الهبة في القانون الأردني
يمكن تقسيم موانع الرجوع عن الهبة إلى موانع قائمة منذ صدور الهبة، وموانع طارئة بعد صدور الهبة على النحو الآتي:
١– موانع قائمة منذ صدور الهبة:
تتسم هذه الموانع من أنها تنبع من طبيعة الهبة ذاتها، بحيث لا يجوز للواهب الرجوع فيها، ولو لعذر إلا إذا تراضى الموهوب له على هذا الرجوع، ومن هذه الموانع ما يلي:
– الهبة بين الزوجين هبة لازمة منذ صدورها فلا يجوز للواهـب الرجـوع فيهـا:
“فالهبة بين الزوجين هبة لازمة منذ صدورها؛ فلا يجوز للواهـب الرجـوع فيهـا بغيــر رضــاء الموهــوب لــه، ذلــك إن الهبــة فــي هــذه الحالــة مقصــود بهــا توثيق العلاقـــة بين الـــزوجين، وقــــد توثقـــت فعلًا بالهبــــة، فتحقـــق غــــرض الواهـــب، ولــــم يعــــد يستطيع الرجوع وحده في هبته بعد أن تحقق غرضه”([4]).
– أن تكون الهبة لذي رحم مُحرم:
” فــي القرابــة تعنــي كــون القــريبين يُحــرم التــزاوج بينهمــا، كــأب البنت وجــدها وإن علا، وكأمـ الرجل وجداتـه وإن علـون، وكـالفروع وإن نزلـوا، والأخـوة والأخـوات وفـروعهم وإن نزلوا، والأعمـام والعمـات، والأخـوال والخالات، وهذا المـانع أصـله قـول الرسـول صلى الله عليه وسلم: “إذا كانت الهبة لذي رحم محرم، لم يرجع فيها”، كما أن هــذا المــانع لا يقــوم إلا إذا كــان الموهــوب لــه ذي رحــم محــرم، أي يجــوز الرجــوع إذا كــان الموهــوب لــه مُحــرم غير ذي رحــم كــأم الزوجــة والأخت في الرضاعة.”([5]).
وهذا يتضح من نص (المادة ٥٧٩) من القانون المدني الأردني على أنه: “يعتبر مانعًا من الرجوع في الهبة ما يلي: إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للآخر أو لذي رحم محرم ما لم يترتب عليها مفاضلة بين هؤلاء بلا مبرر”
– هبة الدين للمدين:
إذا وهــب الــدائن لمدينه الــدين، فهــذه الهبــة هــي إبــراء مــن الــدين. والإبــراء يعنــي نــزول الدائن عن حقه قبل المـدين دون مقابـل، فهـو تصـرف تبرعـي؛ لأنـه لـم يسـتوفِ لا عينـًا ولا مقــــابلًا لأصــــل الــــدين، ويقــــع بــــإرادة الــــدائن وحــــده. فــــالإبراء مــــن الــــدين يُعــــد ســــببًا لانقضاء الدين دون وفاء به أي سببًا لسقوط الدين؛ ولذلك فليس للواهب الرجوع في هبته، وذلك وفقًا لنص (المادة ٥٧٩) من القانون المدني الأردني على أنه: “يعتبر مانعًا من الرجوع في الهبة إذا وهب الدائن الدين للمدين”
– أن تكون الهبة صدقة:
إذا كانت الهبة على سبيل الصـدقة؛ فـإن الواهـب يقصد مـن ورائهـا ثـواب الآخـرة، وهـذا الغرض إن شاء الله يكون قد تحقق بمجرد صدور الهبة؛ وبالتالي فلا إمكانية للواقف بعـد ذلـك الرجوع فيها بعـد أن تحقــق الغـــرض الذي سعى إلى من وراء الهبة.
– إذا كانت الهبة بعوض:
“اشتراط العوض في الهبة لا يؤدي إلى انتقاء نية التبرع، كمـا إنـه لا يجعـل مـن الهبـة معاوضةً، فالتمييز بين عقد التبرع، وعقد المعاوضة إنما هو مسألة موضوعية، ولقاضي الموضوع بماله مــن ســلطة تقديرية فــي كــل حالــه بــذاتها وعلــى مــا يراه مــن الظــروف المحيطة بهــا تحديد نــوع العقــد وصــفته، ولا يخضع حكمــه فــي ذلــك لرقابـــة محكمة التمييز؛ فـلا يقيد القاضـي فـي هـذا الصـدد مـا يكـون قـد اتفـق عليـه المتعاقـدان من عوض، ولكن نية المتعاقدين هي المرجع في ذلك”([6])، ومتــى مــا كــان الواهــب قــد قــبض عــن هبتــه عوضًا قــل أو كثــر، فليس لــه الرجــوع فــي هبته.
٢- الموانع الطارئة بعد صدور الهبة:
هذه الموانع لا تنبع من الهبة ذاتها؛ وإنما تطرأ بعد صدورها فتمنع الرجوع فيها وتتمثل هذه الموانع فيما يلي:
– أن يحصل للموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته:
الزيادة المتصلة قد تكون ناتجة عن الموهوب ذاته، بحيث لو كان الموهوب حيوانًا مثلًا فسمن عند الموهوب له، أو أضاف الموهوب له إلى المال محل الهبة مثل أن كانت الهبة أرضًا فغرسها الموهوب له شجرًا.
والعلة في اعتبار الزيادة مانعة من الرجوع هي أنه لا سبيل إلى الرجوع إلى أصل المال محل الهبة؛ كون الزيادة أصبحت متصلة به، ولا سبيل إلى الرجوع في الأصل دون الزيادة؛ لأنه غير ممكن، وذلك وفقًا لنص (المادة ٥٧٩) من القانون المدني الأردني على أنه: “يعتبر مانعًا من الرجوع في الهبة إذا زادت العين الموهوبة زيادة متصلة ذات أهمية تزيد من قيمتها أو غير الموهوب له الشيء الموهوب على وجه تبدل فيه اسمه”.
– موت أحد المتعاقدين بعد قبضها:
“من موانع الرجوع في الهبة موت أحد المتعاقدين سواء كان الواهب أو الموهوب له، فإذا مات الواهب فليس لورثته الرجوع في الهبة واسترداد الموهوب، حيث إنه بموت الواهب يبطـل خيار فسخ الهبة؛ لأنـه خيار يتصل بشـخص صاحبه؛ فلا يورث، كما أن الواهــب وحــده هــو الــذي يُقدر الاعتبــارات التي يراها مبررًا لطلب الرجوع في الهبة لذلك لا ينتقل هذا الحق إلى ورثته”([7])
– إذا تصرف الموهوب له في الموهوب تصرفًا ناقلًا للملكية:
إذا تصـــرف الموهـــوب لـــه فـــي الشـــيء الموهـــوب تصرفًا ناقلًا للملكية، كـــالبيع والهبـــة أصبحت الهبة لازمةً وامتنع على الواهب الرجوع في هبته، حتى لو عـاد الموهـوب بعـد ذلك إلى الواهب مرة أخرى، وهذا ما نصت عليه (المادة ٥٧٩) من القانون المدني الأردني على أنه: “يعتبر مانعًا من الرجوع في الهبة إذا تصرف الموهوب له في الموهوب تصرفًا ناقلًا للملكية، فإذا اقتصر التصرف على بعض الموهوب جاز للواهب أن يرجع في الباقي”.
وهنا يتعين التفرقة بين تصرف الموهوب له في المال محل الهبة قبل طلب الواهب الرجوع فيها، فحينها يكون هذا التصرف مانعًا للرجوع عن الهبة، أما إذا تصرف الموهوب له في المال محل الهبة بعد طلب الواهب الرجوع في الهبة، فهنا لا يُعد مانعًا للرجوع في الهبة، بل ويتعين على الموهوب له رد قيمة المال الموهوب في حال حُكم للواهب بفسخ عقد الهبة.
– هلاك الموهوب في يد الواهب له:
إذا هلك الشـيء الموهـوب هلاكًا كليًا فـي يد الموهـوب لـه سـواء كـان الهـلاك بفعلـه أو لسـبب أجنبـي لا يد لـه فيه، أو بسـبب الاسـتعمال؛ فـلا يكون بوسـع الواهـب الرجـوع فـي هبته وبطبيعة الحال لا يكون أمامه الرجـوع علـى الموهـوب لـه بالضـمان لكـون الشـيء الموهوب مملوكًا للموهوب له وقت حدوث الهلاك، فإذا كان الهلاك جزئيا جاز الرجوع في الباقي.
تاسعًا: السوابق القضائية المتعلقة بأحكام عقد الهبة في القانون الأردني
ماورد في الحكم رقم (2237) لسنة ٢٠٠٩م- الصادر من محكمة التميز-بتاريخ 27/4/2010م-بما نصه على أنه: “دعوى فسخ الهبة والرجوع فيها على فرض ثبوتها يتقرر الحق للواهب واعتباره مالكًا للمال الموهوب من تاريخ إقامة الدعوى وليس من تاريخ إصدار الحكم، ويعتبر المال الموهوب أمانه في يد الموهوب له، وإن أي تصرف يقوم به الموهوب له بعد إقامة الدعوى بفسخ الهبة والرجوع فيها يعتبر باطلًا؛ لأن القول بأن الواهب يعتبر مالكًا فقط من تاريخ الحكم واكتسابه الدرجة القطعية يؤدي إلى قيام الموهوب له بالتصرف بالمال بعد رفع الدعوى واعتبار هذا التصرف صحيح الأمر الذي يخالف القواعد القانونية التي تقرر أن الحكم القضائي القطعي يقرر الحق من تاريخ إقامة الدعوى، وحيث ذهب الفقه إلى أن الواهب إذا كان قد أقام دعوى الرجوع عن الهبة ثم توفي بعد إقامتها وقبل صدور الحكم فيها جاز لورثته متابعة الدعوى، وحيث إن الثابت من الدعوى الماثلة أنها أقيمت من المدعي (الواهب) وأنه وأثناء سير الدعوى وبعد إقامتها وإظهار المدعي رغبته بالرجوع في الهبة قد انتقل إلى رحمة الله كما ورد بحجة حصر الإرث وعليه؛ فإن من حق الورثة متابعة الدعوى للمطالبة بحقهم بالرجوع في الهبة الذي انتقلت إليهم بوفاة مورثهم وتعتبر الخصومة صحيحة في الدعوى ، وحيث أن الحكم المطعون فيه انتهى إلى نتيجة غير ذلك فيكون مخالفًا للقانون”.
كما ماورد في الحكم رقم (2509) لسنة ٢٠٢٠م- الصادر من محكمة تمييز حقوق- بتاريخ 17/9/2020م بما نصه على أنه: “نجد أن واقعة الدعوى تتلخص في أن المدعي والمدعى عليها وأثناء الحياة الزوجية التي كانت قائمة بينهما، فقد أقام المدعي ……الدعوى الحاضرة بمواجهة المدعى عليها …….مؤسسًا دعواه، وكما هو مبين من لائحة الدعوى بالقول أن تسجيله لحصصه في قطعة الأرض الموصوفة سابقًا باسم المدعى عليها كانت معلقة على شرط الإعاشة وقد انتهت هذه العلاقة الزوجية بين الطرفين، وانتفت الغاية من تسجيل الحصص باسم المدعى عليها بمجرد فسخ عقد الزواج بين الطرفين بالإضافة إلى تخلف المدعى عليها عن الإعاشة مما يترتب عليه إعادة تسجيل حصصه في قطعة الأرض باسمه، وحيث أن عقد البيع على قطعة الأرض موضوع الدعوى أن بدل الثمن للحصص هو مقابل الإعاشة؛ فإن هذا العقد يندرج تحت نطاق عقد الهبة بعوض بالمعنى المقصود به في المادتين (557و572) من القانون المدني هو عقد صحيح لتوافر شروط انعقاد وصحته مما يجعله عقدًا لا يخالف القانون كونه يُحقق مصلحة مشروعة للمدعي مما يترتب على المدعى عليها التزامًا بإعطاء المدعي بدل الإعاشة وهو التزام يجب الوفاء به، والإخلال به ترد عليه أحكام الفسخ، وحيث إن المدعى عليها لم تقدم البينة على أنها قد أوفت بالتزامها بموجب العقد، ولم تقم بدفع بدل الإعاشة للمميز ضده الذي لا زال على قيد الحياة فتكون قد أخلت بالتزاماتها بموجب العقد ومن حق المدعي طلب فسخ العقد وإعادة الحال إلى ما كان عليه ما دام أن شروط الفسخ متوافرة، وحيث توصلت محكمة الاستئناف إلى النتيجة ذاتها التي توصلنا إليها فتكون قد أصابت في ذلك وهذه الأسباب لا ترد على القرار المميز ويتعين ردها “.
كما ماورد في الحكم رقم (191) لسنة 2014م- الصادر من محكمة التميز-بتاريخ ٩/٩/2014م-بما نصه على أنه: “الهبه تتم بين أشخاص على قيد الحياة وهي تمليك المال دون عوض، وإنه يمنع الرجوع بالهبة إذا توفي أحد طرفي العقد بعد القبض، وحيث أن الواهب وهب ولده حال حياته حصة في قطعة الأرض موضوع الدعوى وحيث إن الواهب قد توفي بعد تسجيل الحصة باسم الموهوب له؛ فإن الرجوع في الهبه لا يتم إلا بين الأحياء وعلى ذلك يكون ما توصلت إليه محكمة الاستئناف موافقًا لأحكام القانون”.
كما ورد في الحكم رقم (461) لسنة 2019م محكمة تمييز حقوق- الصادر بتاريخ ١٦/٤/٢٠١٩م بما نصه على أنه: “ومن خلال الرجوع إلى البينات المقدمة بالدعوى وإلى العقد المراد فسخه تجد أنه تضمن بأن الثمن هو الإعاشة مدى الحياة، فان ما ينبني على ذلك أن ذلك العقد بحقيقته هو عقد هبة بعوض تم سترها بعقد بيع وذلك لتوافر شروطها وفقًا لنص (المادة 557) من القانون المدني التي نصت على: (أنه يجوز للواهب مع بقاء فكرة التبرع أن يشترط على الموهوب له القيام بالتزام معين ويعتبر هذا الالتزام عوضًا)، فالعوض والالتزام قد يكون إما بدفع مبلغ نقدي أو أن يكون الالتزام بأداء عمل أو خدمة معينة، ولما كان العقد المقدم بالدعوى يتشابه بين عقد بيع أو عقد هبة تقديم خدمة لقاء العوض وبما للمحكمة من صلاحية تكييفها تجد أن هذا العقد لا يعدو عن كونه عقد هبة بعوض، طالما أن البينة وكما هو واضح من الأوراق قصدت منها المدعية التبرع لاحتواء العقد على عبارة (الإعاشة مدى الحياة) طالما أنها لم تحتفظ لنفسها بحق الانتفاع والحيازة لتلك الحصص موضوع العقد كما هو ثابت من عقد البيع، وبما أن الإعاشة لمدى الحياة هو التزام بأداء خدمة معينة والتزام بأداء عمل، فإن هذا العقد ينصرف وينطبق عليه أحكام عقد الهبة بعوض؛ وبالتالي فان تكييف محكمة الدرجة الأولى للعقد موضوع الدعوى على أنه عقد هبة جاء متفقًا مع القانون وبينات الدعوى”.
[1] منع الجليل، لعليش، (ج١/ص٤٥٠).
[2] مغني المحتاج، الشربيني، (ج٣/ص٥٩٩).
[3] منير القاضي، شرح المجلة، (ص٢٤١).
[4] د. الســـنهوري، الوسيط فـــي شـــرح القـــانون المـــدني، (ص ١٩٢).
[5] ســــــنن الترمــــــذي، تحقيق أحمــــــد محمــــــد شـــــــاكر، (ص٢٩٣).
[6] د. حسين عامر، إلغاء العقد، (ص ٢٩١).
[7] د. محمود جمــال الدين زكــي، العقــود المســماة (ص ١٥٨).
——————————————————————————————