يعد عقد الرهن التجاري والذي يسمى باللغة الإنجليزية Commercial Mortgage Contract واحداً من الوسائل التي تؤدي إلى تنشيط التجارة في الوقت الحاضر، حيث إنه يعتبر حبس لمجموعة من الأموال المنقولة (كالمركبات والصكوك والسندات المالية)، أو غير المنقولة (كالعقارات والأبنية)، فترة زمنية، مقابل منفعة لمصلحة الطرف الآخر، وبالتالي فهو يشكل قيمة مالية لها من الشروط الشكلية والموضوعية ما يؤدي إلى مزايا ائتمانية مختلفة، وذلك كله قائم على العلاقات وجسن السمعة.
كما أن الرهن التجاري هو بمثابة ضمانة قانونية لدى الدائن المرتهن، من خلالها يستطيع مواجهة المدين الراهن على المال المرهون، والذي يتم الاحتفاظ به حتى السداد التام، وعليه فإن الرهن التجاري يؤدي دورا هاما في العمليات التجارية وتطوير الأعمال والأنشطة المالية. ([1])
أولا: مفهوم عقد الرهن التجاري:
سادسًا: الرهن التجاري في أحكام محكمة التمييز الأردنية:
أولا: مفهوم عقد الرهن التجاري:
يمثل عقد الرهن التجاري واحدًا من الحقوق العينية التي يمكن ترتيبها على المنقولات المادية والمعنوية، فإذا ما رتب الدائن المرتهن حقًا عينيًا على المتجر للوفاء بدينه يعد رهنا يمكن استيفاء دينه منه إذا لم يؤد المدين التزامه ووفى بدينه.
ويُعرف الرهن التجاري بأنه: “عقد يمنحه المدين للدائن ليكون نظير دين تجاري سابق أو حال بينهم، وقد يكون هذا العقد سندات أو صكوك أو ممتلكات ذات قيمه”.
فالرهن مثله كسائر العقود التجارية ينشئ على التراضي بين طرفيه، وبالتالي لا يعد عقد الرهن التجاري من العقود الشكلية، إلا أنه قد يكون انتقال الحيازة أثرا من آثار هذا العقد، ولا يشكل ركنا فيه.
وقد عرفت (المادة60) من قانون التجارة الأردني عقد الرهن بأنه:
” الرهن التجاري الخاضع للقواعد المحددة فيما يلي يؤمن بموجبه الدين التجاري”.
ويُفهم من سياق هذه المادة أن الرهن لا يرد علي عقار عند التأمين التجاري، وإنما يرد على المال المنقول فقط، علاوة على أن ما يقدمه المدين يعد ضمانا للوفاء بديونه التجارية من الأموال الضامنة، وعلى إثره تنتقل هذه الأموال المرهونة إلى الدائن المرتهن.
كما يكون أثرا من آثار عقد الرهن التجاري الحيازي انتقال حيازة الأشياء والأعيان المنقولة من حيازة المدين (الراهن)، إلى حيازة الدائن المرتهن أو إلى الغير (شخص ثالث) وذلك في سريان الرهن تجاه الغير.[2]
وبخصوص الرهن الحيازي فقد عرفته (المادة 1372) من القانون المدني الأردني بأنه:” الرهن الحيازي هو حجز لمال المدين في يد الدائن المرتهن كضمان لدينه”.
ثانيا: أنواع الرهن التجاري:
1_ الرهن التأميني:
أشار فقهاء القانون أن الرهن وفقا للقانون الأردني قد يكون تأمينيا أو حيازيا، والتأميني يكون عقد يكتسب به الدائن الراهن حقا عينيا يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين العاديين، والدائنين التاليين له في المرتبة.
ويُعتبر هذا العقد واحدًا من العقود التي يتم إبرامها بين المدين (الراهن، والدائن (المرتهن)، ويكون الرهن حينئذ هو المدين الأصلي، وقد يكون من الغير في حالة الكفالة العينية، ويترتب على العقد حقا عينيا تبعيا للدائن ألا وهو الرهن.
ويتم إطلاق مسمى الرهن على كل من العين المرهونة، كما يُطلق على الحق نفسه المترتب على العقد، ألا وهو تقديم المرتهن على غيره من الدائنين العاديين أو التاليين له في الرتبة عند اقتضاء حقه، كما يخول له تتبع هذه العين إذا ما كانت تحت يد الغير لاقتضاء حقه منها.
وحسب ما نص عليه القانون المدني الأردني، فالرهن التأميني هو:
عرفت (المادة 1322) من القانون المدني الأردني الرهن التأميني بأنه: “هو عقد يكسب به الدائن علي عقار مخصص لوفاء دينه حقا عينيا يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التالين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار تحت أي يد يكون”.
وبالتالي يشترط في هذا الرهن أن يكون الراهن مالكا للعقار المرهون لكي يصلح لاقتضاء المرتهن حقه منه، علاوة على كون الراهن أهلا للتصرف في هذا العقار.
2_ الرهن الحيازي:
على خلاف الرهن التأميني يكون الرهن الحيازي في كونه عقدًا عينيًا يعتبر التسليم فيه ركنًا أساسيًا، حيث إنه لا ينعقد كغيره من العقود بالتراضي وفقط، بل يشترط إلى جانب هذا التراضي بين الطرفين، تسليم العين المرهونة للمرتهن، أو إلى الغير (شخص عدل)، وتسليم العين محل الرهن للمرتهن أو للغير العدل ينعقد الرهن الحيازي، وبغيره لا نكون سوى أمام مجرد وعد بالرهن فقط، يلتزم الراهن على إثر هذا الرهن بالتسليم حتى يتسنى قيام هذا العقد.
كان الرهن الحيازي وفقا للقانون المدني الملغي ملزما لجانب واحد، إلا أنه وفقا للقانون الجديد صار هذا العقد ملزما للجانبين، ويترتب عليه التزامات في ذمة المرتهن بالمحافظة على العين محل الرهن واستغلالها وردها عند انقضاء دينه، في حين أن الراهن يكون ملزما في بادئ العقد بتسليم العين محل الرهن.
ويشترط في هذا الرهن:
1_ أن يكون المرهون مقدورا على تسليمه.
2_ أن يسلم الراهن العين المرهونة للمرتهن.
3_ أن تكون العين المرهونة قابلة لاقتضاء المرتهن دينه منها.
ثالثا: خصائص الرهن التجاري:
تُعتبر العقود التجارية هي عقود رضائية، بمعنى لأنها تنعقد بمجرد تبادل الطرفين التعبير عن إرادتين متطابقتين، فلا يشترط لانعقادها شكل معين، ومع ذلك توجد بعض العقود التجارية التي يلزم لانعقادها أن تكون بكتابة رسمية أو عرفية، ومن أبرز هذه العقود عقد الرهن التجاري الذي يمتاز بخصائص من أبرزها ([3]):
- الرهن التجاري من الحقوق العينية التبعية، بحيث لأنه يعتبر تابعا للدين، فلا يقوم بنفسه، وبالتالي يدور مع الدين الأصلي وجودًا وعدمًا.
- لا يقوم الرهن التجاري إلا على منقول مادي كالبضائع، أو منقول معنوي كحقوق الملكية الفكرية.
- يشترط في الرهن حتى يكون رهنًا تجاريًا أن يكون ضمانا لدين تجاري، فإذا ما كان ضمانا لدين مدني فلا يعد رهنا تجاريا، بل مدنيا.
والمعيار في تحديد ما إذا كان الرهن تجارياً أم لا هو بالنظر إلى الدين الذي قام الرهن لضمانه.
- الرهن التجاري رهن طليق: فكما هو معلوم فإن القواعد في رهن المنقولات تستوجب انتقال حيازته من المدين (الراهن) إلى الدائن (المرتهن)، وبناء على كون القانون التجاري يحقق الإعلان والإشهار دون انتقال الحيازة عبر انتقال القيد في السجل التجاري، وأيضًا بناء كون المحل التجاري منقولًا معنويًا، فمن غير الممكن أن تكتسب ملكية بناء على قاعدة الحيازة في المنقول مما يستتبع معه تحقيق حماية المرتهن وذلك بغير أن يترتب على ذلك انتقال حيازة المرهون.
- الرهن التجاري عقد شكلي: بخلاف ما نصت عليه (المادتين 61و62) من قانون التجارة الأردني والتي تقررا على المرتهن واجب تسليم سند إيصال إلى المدين يوضح فيه ماهية الأشياء المستلمة على سبيل الرهن بيد أن (المادة 135/1) من قانون التجارة الأردني أقرت بنفاذ البيانات المسجلة في حق الغير اعتبارا من تاريخ تسجيلها، وذلك بغض النظر أكانت اختيارية أم إجبارية، والجدير بالذكر أنه يُشترط الكتابة حتى يُمكن اعتبار البيانات مسجلة.
- كما أنه ليس من الضرورة بالنسبة للراهن أن يكون مدينا فقد يكون كفيلا عينيا، كما يجب أن يكون منشئ الرهن مالكا للمحل التجاري المرهون، ومتمتعا بالأهلية، ولذلك لا يعتبر رهنا صحيحا ذلك الذي يجريه بائع المتجر بعد بيعه وتسجيله لذلك البيع أو الذي يجريه المشتري قبل تسجيل المتجر باسمه لأنه رهن من غير مالك في الحالتين. ([4])
رابعا: آثار الرهن التجاري:
إذا أخفق المدين الراهن في سداد دينه كان من أهم آثار عقد الرهن التجاري أن يستوفي الدائن المرتهن دينه من العين المرهونة، وذلك بالأولوية على غيره من الدائنين، علاوة علي حق التتبع للعين المرهونة في يد من تكون، ونتناول هذه الآثار سريعا فيما يلي:
1_ التنفيذ على العين المرهونة:
أول وأهم الآثار الناشئة عن عقد الرهن التجاري؛ تنفيذ الدائن المرتهن على العين المرهونة واقتضاء دينه منها وفاءا لدينه.
2_ حق الأولوية:
كذلك من أهم آثار عقد الرهن ترتيب حق أولوية للدائن المرتهن على العين المرهونة قبل غيره من الدائنين العاديين، أو الدائنين المرتهنين اللاحقين عليه، ويكون الاعتبار بالتاريخ وبالأولوية بتاريخ القيد الذي يتم تسجيله في سجل التجارة، وبالتالي من سبق رهنه غيره ولو بيوم واحد يُعد سابقا له، ويأخذ أولوية عليه في اقتضاء دينه من العين المرهونة، حتى وإن كان من ذات مرتبته.
3_ حق التتبع:
بما أن المرتهن يكون له التنفيذ على العين المرهونة، فإنه كذلك له الحق في تتبعها في أي يد كانت، مهما انتقلت هذه العين طالما أن الرهن كان سابقا للتصرف فيها ومسجلا ذلك الرهن في سجل التجارة، ولا يكون للمشتري الجديد الذي تم التصرف له في العين منع المرتهن من التنفيذ على العين أو اقتضاء حقه منها، ويكون له الرجوع على البائع فيما أصابه من ضرر لقاء تنفيذ المرتهن عليها.
خامسا: وظائف الرهن التجاري:
يؤدي الرهن وظيفتين يعدان وجهان لعملة واحدة، فهو يعطي لكل طرف من أطرافه وظيفة لا تقل عن التي تعطيها للآخر:
1_ ضمان للدائن المرتهن:
يشكل الرهن التجاري باعتباره حقا عينيا إحدى الضمانات العينية، حيث إن الرهن لا يُخرج المال المرهون من حيازة المدين، لذا أوجب القانون عليه المحافظة على الأشياء المرهونة بحالة جيدة دون أن يكون له الحق في الرجوع على الدائن بشيء في مقابل ذلك، ويترتب على الإخلال هذا الإخلال بهذا الالتزام سقوط أجل الدين الذي يضمنه الراهن، لأن إهمال المحافظة على الأشياء المرهونة فيه إضعاف للتأمين.
كما يحق للدائن المرتهن حق حبس الشيء المرهون إلى أن يوفي الدين بكامله أصلا وفائدة، وبعد دفع جميع النفقات التي تكبدها للدائن سواء تعلقت بالدين ذاته كنفقات تحصيله، أو بالشيء المرهون كنفقات حفظه وصيانته. ([5])
2_ ائتمان للمدين المرتهن:
يمثل عقد الرهن للمدين المرتهن ائتمان كذلك فهو يسهل له طريق الاستدانة من خلال عينه المملوكة له دون أن يضطر لبيع هذه العين، فهي تظل مملوكة له، إلا أنها محبوسة عنه حتى يتم قضاء دينه.
فيعطي الرهن هذه الثقة التي تنشط العمليات التجارية وتسهلها على أطراف المعاملات التجارية دون إلزامهم بالتصرف في أموالهم.
سادسًا: الرهن التجاري في أحكام محكمة التمييز الأردنية:
ورد في الحكم رقم 5951 لسنة 2020 لمحكمة التمييز بصفتها الحقوقية ما يلي:
“وفي ذلك نجد أنه وبالإضافة لما جاء في ردنا على أسباب التمييز الثالث والرابع والخامس فإننا نجد أن المدعين كانوا قد أسسوا دعواهم بمواجهة المدعى عليهما لإبطال سند رهن أموال غير منقولة وحيث إن عقود رهن الأموال غير المنقولة هي من العقود الشكلية فإن ما ينبني على ذلك أن مخاصمة مدير تسجيل الأراضي بالإضافة لوظيفته ضرورة تفرضها طبيعة التصرف ولو لم يصدر عنه خطأ أو فعل أي أن خصومتها هي شكلية مما ينبني عليه والحالة هذه أن الخصومة وإن كانت شكلية إلا أنها صحيحة وأن عدم إلزامها بأية رسوم أو مصاريف أو أتعاب محاماة مرده إلى أن الخصومة شكلية ومحصورة في حالة إعادة الحال إلى ما قبل التصرف وتنفيذ الحكم فتكون الخصومة متوافرة وفق ما بيناه وتكون هذه الأسباب غير واردة من هذه الناحية .”
وورد كذلك في الحكم رقم 8408 لسنة 2018 لمحكمة التمييز بصفتها الحقوقية ما يلي:
حيث إن المميز لم يلتزم بإقراره ولم يقم بفك رهن السيارة لدى البنك التجاري الأردني مما حدا بالبنك المذكور إلى طرح سند الرهن لدى دائرة التنفيذ وضبط المركبة وكان مورث المدعين حال حياته قد وجه إنذاراً عدلياً بذلك ورغم تبلغ المميز للإنذار العدلي إلا أنه لم يقم بتنفيذ ما تعهد به وحيث إن المدعى عليه لم ينكر توقيعه على الإقرار الخطي ولم يدع الإيصال فهو حجة عليه بما ورد فيه سنداً لأحكام المادتين (10 و11) من قانون البينات طالما أن المميز لم ينكر توقيعه عليه.
وحيث إن الإقرار هو إخبار الإنسان عن حق عليه لآخر والإقرار حجة قاصرة على المقر ويلزم المرء بإقراره إلا إذا كذب بحكم عملاً بأحكام المواد (44 و50 و51) من قانون البينات وحيث إن لمحكمة الاستئناف كمحكمة موضوع الحق في تقدير ووزن البينات عملاً بالمادتين (33 و34) من قانون البينات وعليه فلا يرد الطعن على النتيجة التي استخلصتها محكمة الاستئناف من البينات المقدمة ولا رقابة لمحكمة التمييز عليها في هذه المسألة ما دام أن النتيجة التي توصلت إليها قد استخلصتها استخلاصاً سائغاً ومقبولاً من تلك البينة الأمر الذي يتعين معه رد هذين السببين .
([1])تنفيذ عقد الرهن التجاري في القانون الأردني، لـ أ/ نوفل محمد خازر. ص1.
[2] سميحة القليوبي، شرح القانون التجاري المصري، الجزء الأول: نظرية الأعمال التجارية والتاجر بيع ورهن المحل التجاري، وتأجير استغلاله وحمايته، ص 385
([3])تنفيذ عقد الرهن التجاري في القانون الأردني، لـ أ/ نوفل محمد خازر. ص15.