يعتبر موضوع الإثبات من أدق الموضوعات القانونية ،وذلك لمساسه بمصالح الناس ،وارتباطه بها لحاجتهم له لكسب حقوقهم المتنازع عليها أمام القضاء ،وقد اهتمت القوانين كافة بتنظيم وسائل الإثبات ،ومنها القانون الأردني ،فقد نظم المشرع الأردني وسائل الإثبات في قانون خاص هو قانون البينات رقم 30 لسنة 1952 وتعديلاته ،واعتبر الشهادة من أهم وأبرز وسائل الإثبات ،فقد نظم المشرع الأردني أحكام الشهادة في قانون البينات ،إلا أنه نظم أيضا إجراءات الإثبات بالشهادة (إجراءات سماع الشهود)في قانون أصول المحاكمات المدنية في المادتين 81 و 82 منه ،وفي هذا المقال سوف نتناول هذه الإجراءات والواردة في قانون أصول المحاكمات المدنية بشكل مفصل .
تعريف الشهادة
يمكن تعريف الشهادة بأنها إخبار الإنسان في مجلس القضاء بحق على غيره لغيره، وتعتبر الشهادة من أكثر الأدلة وطرق الإثبات شيوعا في المحاكم، حيث نظم المشرع إجراءات شهادة الشهود في المواد 81-82 من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني رقم 24 لسنة 1988 وتعديلاته.
أنواع الشهادة
- الشهادة المباشرة: وهي تلك الشهادة التي تنجم عن الاتصال المباشر لحواس الشاهد بالواقعة المشهود عنها، سواء أكان هذا الاتصال عن طريق البصر أو اللمس، أو عن طريق أي حاسة من الحواس الأخرى، وهذه الشهادة هي الأقوى من حيث أدلة الإثبات.
- الشهادة غير المباشرة: وهي الشهادة التي ينقل فيها الشاهد الواقعة بالتواتر عما سمعه من غيره، وتسمى أيضا بالشهادة السماعية أو بشهادة النقل، وهذا النوع من الشهادة لا يرقى بأن يكون دليلا قويا في الإثبات، ولا تعتمد محكمة الموضوع عليها كدليل كامل، بل يمكن للقاضي أن يأخذ بها كاستدلال.
شروط الشهادة
لابد من توافر شروط معينة في كل من الشهادة ومن يؤدي الشهادة:
- أن يكون موضوع الشهادة واقعة قانونية معينة متنازع عليها: بمعنى أن يكون الوقائع التي يراد إثباتها متعلقة بالدعوى ومنتجة في الإثبات وجائزا قبولها.
- عدم وجود مصلحة للشاهد بالشهادة: أي ألا يكون هنالك مصلحة للشاهد مع أحد الخصوم سواء مصلحة خاصة أو عاطفة معينة بين الشاهد والخصم الذي تجري الشهادة لصالحه، الأمر الذي يخشى معه عدم استطاعة الشاهد أن يدلي بأقواله بتجرد وبغير ميل.
- ألا يكون الشاهد ممنوعا من أداء الشهادة: فقد منع القانون أشخاص معينين من أداء الشهادة وفقا للمواد من 35-38 من قانون البينات الأردني ووفق القيود الواردة في هذه المواد، ومنها عدم الجواز لأحد الزوجين بأن يفشي بغير رضا الآخر ما أبلغه إياه أثناء الزوجية ولو بعد انفصالهما إلا في حالة رفع دعوى من أحدهما على الآخر أو إقامة دعوى على أحدهم بسبب جناية أو جنحة وقعت منه على الآخر.
- أن يكون الشاهد متمتعا بالأهلية :فالشاهد لا يشترط فيه أن يكون قد بلغ سن الرشد (18) سنة، ولكن يشترط ألا يكون مجنونا أو صبيا لا يفهم معنى اليمين، وعليه فإن أهلية الشاهد ترتبط بسلامة العقل والإدراك، فلا يجوز قبول الشهادة لصبي دون سن السابعة كونه ليس أهلا لمباشرة حقوقه المدنية وغير مسؤول جزائيا.
طلب سماع الشهود
إن الحق في طلب سماع البينة الشخصية (الشهود)هو حق للخصوم، وذلك من خلال تقديم قائمة بأسماء الشهود وعناوينهم والوقائع المراد سماعهم عليها، ضمن قائمة البينات سواء التي ترفق مع لائحة دعوى المدعي لإثبات دعواه، أم مع المدعى عليه لإثبات دفعه على الدعوى وفقا لما يرد ضمن لائحته الجوابية، فالمحكمة لا تملك طلب سماع الشهود من تلقاء نفسها، إلا إذا كان هنالك شاهد تم سماعه وترغب في إعادة استجوابه.
ويتم تبليغ الشهود وفقا لإجراءات تبليغ الخصوم والمنصوص عليها في المادة 11 من قانون أصول المحاكمات المدنية ،وفي حال تبلغ الشاهد تبليغا صحيحا ،وتخلف عن الحضور إلى المحكمة ولم يكن لديه عذر مشروع يبرر هذا التخلف و الغياب ،فيجوز للمحكمة تسطير مذكرة إحضار بحق هذا الشاهد ،تتضمن هذه المذكرة تفويض للشرطة بإخلاء سبيله بالكفالة ،وفي حال حضر إلى المحكمة وقدم لها معذرته المشروعة ولم تقتنع المحكمة بهذه المعذرة ،فالمحكمة أن تحكم عليه كعقوبة الحبس مدة لا تزيد على أسبوع ،أو بغرامة مالية لا تزيد على عشرة دنانير ،ويكون قرار المحكمة بذلك قطعيا غير قابل للاستئناف ،وهذا ما نص عليه المشرع صراحة في المادة 81 فقرة 6 من قانون أصول المحاكمات المدنية .
حال تعذر حضور الشاهد
أما في حالة تعذر حضور الشاهد واقتناع المحكمة بمعذرته، تنتقل المحكمة إلى محل إقامته لسماع شهادته، وبحضور الطرفين، أو في غرفة القضاة أو في أي محل آخر تراه مناسبا، أو تنيب المحكمة أحد قضاتها لسماع شهادة الشاهد، والشهادة التي تسمع على هذا النحو تتلى أثناء النظر في الدعوى.
ويترتب على الفريق الذي يطلب إصدار مذكرة حضور إلى الشاهد، أن يدفع إلى المحكمة وقبل إصدار المذكرة، نفقات حضور هذا الشاهد، حيث تحدد المحكمة المبلغ الذي تراه مناسبا بحيث يكون كافي لتغطية نفقات السفر أو الانتقال من مكان إقامة الشاهد إلى المحكمة المطلوب الإدلاء بشهادته أمامها، وغيرها من النفقات التي يتحملها الشاهد في ذهابه وإيابه.
مثول الشاهد أمام المحكمة وحلفه للقسم القانوني
عند مثول الشاهد أمام المحكمة، يتم أخذ اسم الشاهد وعنوانه، وعمره ومكان إقامته ومدى معرفته بالخصوم، وبعد التحقق من هويته قبل الإدلاء بشهادته تقوم المحكمة بتحليفه القسم القانوني وبالصيغة المنصوص عليها في المادة 81 فقرة 1 من قانون أصول المحاكمات المدنية وكما يلي (أقسم بالله العظيم أن أقول الحق كل الحق ولا شيء غير الحق) لتستمع المحكمة بعد أدائه للقسم لشهادته، ودون حضور الشهود الذين لم يتم سماع شهادتهم بعد، حيث تسمع شهادة كل شاهد على انفراد.
وفي حال عدم حلف اليمين من قبل الشاهد قبل أداء الشهادة، فيكون ذلك تحت طائلة البطلان، ولا يجوز الاستناد إلى هذه الشهادة في الحكم القضائي، لأن إجراءات التقاضي من النظام العام.
كيفية استجواب الشاهد من قبل المحكمة والخصوم
بعد فراغ المحكمة من استجواب الشاهد، يبدأ الفريق/الطرف الذي استدعى الشاهد باستجوابه، وذلك وفقا للواقع المجاز استجوابه عليها من المحكمة، وبعد انتهائه من ذلك، يبدأ الخصم الآخر بمناقشته، وبعد الانتهاء من المناقشة أجاز المشرع للفريق الذي بدأ بالاستجواب إعادة مناقشة واستجواب الشاهد فيما نشأ عن المناقشة التي حصلت بين الشاهد ولخصم الآخر.
وفي حالة الاعتراض على أحد الأسئلة الموجهة من الخصم للشاهد، يحق لمن اعترض أن يسجل سبب /أسباب اعتراضه على السؤال على محضر الجلسة، ويحق للطرف الآخر أن يرد على هذا الاعتراض، وبهد ذلك تقرر المحكمة إجازة توجيه هذا السؤال للشاهد من عدمه، مع وجوب تسجيل كل من السؤال والاعتراض والرد على الاعتراض والقرار الذي أصدرته المحكمة في صدد ذلك ضمن محاضر الجلسة في حال طلب إليها أحد الخصوم ذلك.
وللمحكمة وفي أي دور تكون عليه المحاكمة أن تلقي على الشاهد ما تراه متفقا مع الدعوى من أسئلة، ويتوجب على رئيس الجلسة وبعد انتهاء الشاهد من إدلاء شهادته، أن يسأل القضاة إذا كانوا يرغبون بتوجيه أية أسئلة له، كما للمحكمة الصلاحية أن تستدعي وفي أي وقت، أي شاهد سبق وأن استمعت إلى شهادته من قبل وذلك لإعادة استجوابه مرة أخرى.
كيفية تأدية الشهادة
الأصل أن تؤدى الشهادة شفاها، ولكن يجوز استثناءا الإذن للشاهد بالاستعانة بمذكرات مكتوبة إذا اقتضت طبيعة الشهادة ذلك، أو إذا كان الشاهد لا يملك القدرة على الكلام مثل الأخرس، فله أن يدلي بشهادته كتابة أو بالإشارة المعهودة في حال كان لا يستطيع الكتابة.
أما إذا كان الشاهد لا يفهم اللغة التي تجري بها المحكمة، أو كان أصم أو أبكم، فيتم تعيين من يترجم أقواله أو إشاراته بعد أن يحلف اليمين بأن يترجم بكل صدق وأمانة.
النصوص القانونية المتعلقة بإجراءات سماع الشاهد
المادة 31:
- الإجازة لاحد الخصوم بإثبات واقعة بشهادة الشهود تقتضي دائماً ان يكون للخصم الآخر الحق في دفعها بهذا الطريق.
- إذا أرفق السند العادي بشهادة خطية مشفوعة بالقسم أمام الكاتب العدل صادرة عمن أصدره وأفاد فيها بصحة صدور هذا السند عنه فيعتبر ذلك كافيا لإثبات صحة صدوره عنه ما لم يثبت التزوير أو كذب الشهادة.
المادة 32:
تسمع المحكمة شهادة كل إنسان ما لم يكن مجنوناً أو صبياً لا يفهم معنى اليمين ولها ان تسمع أقوال الصبي الذي لا يفهم معنى اليمين على سبيل الاستدلال فقط.
- يحلف الشاهد قبل الإدلاء بشهادته اليمين التالية:
( اقسم بالله العظيم ان أقول الحق كل الحق ولا شيء غير الحق) وتستمع المحكمة لأقواله دون حضور الشهود الذين لم تسمع شهاداتهم.
2.أ. للفريق الذي استدعى شاهدا ان يستجوبه ، ثم يجوز للفرقاء الآخرين حينئذ ان يناقشوه وبعدئذ يجوز للفريق الذي استدعاه ان يستجوبه ثانية في النقاط الناشئة عن مناقشة الخصم له ويشترط في ذلك ان لا يخرج الاستجواب والمناقشة عن موضوع الدعوى.
ب. إذا كان الخصم قد قدّم شهادة خطية مشفوعة بالقسم لأحد شهوده، وطلب الفريق الأخر مناقشة الشاهد، فيتم استبعاد هذه الشهادة الخطية إذا لم يحضر الشاهد أمام المحكمة لتمكين الفريق الأخر من مناقشته.
- إذا ابدى اعتراض على سؤال ألقى على شاهد فعلى المعترض ان يبين سبب اعتراضه ومن ثم يرد الفريق الذي القى السؤال على الاعتراض وعلى المحكمة ان تقرر بعدئذ إذا كان من الجائز توجيه السؤال ام لا ، ويترتب عليها ان تسجل في المحضر السؤال والمناقشة التي دارت حوله والقرار الذي أصدرته في صدده إذا طلب اليها اي فريق ذلك.
- للمحكمة في اي دور في أدوار المحاكمة ان تلقي على الشاهد ما تراه يتفق مع الدعوى من الأسئلة وعلى رئيس الجلسة بعد انتهاء الشاهد من شهادته ان يسال القضاة إذا كانوا يريدون توجيه أسئلة له ، وللمحكمة في اي وقت ان تستدعي اي شاهد سمعت شهادته من قبل لاستجوابه مرة ثانية.
- تؤدى الشهادة شفاها ولا يجوز الاستعانة بمفكرات مكتوبة الا فيها صعب استظهاره ومن لا قدرة له على الكلام يؤدي الشهادة إذا أمكن ان يبين مراده بالكتابة أو بالإشارة.
- إذا تبلغ الشاهد تبليغا صحيحا وتخلف عن الحضور ولم يكن للشاهد معذرة مشروعة في تخلفه يجوز للمحكمة ان تصدر مذكرة إحضار بحقه تتضمن تفويض الشرطة إخلاء سبيله بالكفالة وإذا حضر الشاهد ولم تقنع المحكمة بمعذرته فلها ان تحكم عليه بالحبس لمدة لا تزيد عن اسبوع أو بغرامة لا تزيد على عشرة دنانير ويكون قرارها قطعيا.
- للمحكمة بناء على طلب أحد الخصوم، سماع وبموافقة خصمه الآخر أقوال أي شاهد باستخدام وسائل الاتصال الحديثة بدون مثوله أمام المحكمة وفقاً لنظام يصدر لهذه الغاية.
المادة 82:
- على الفريق الذي يطلب إصدار مذكرة حضور الى شاهد ان يدفع الى المحكمة قبل إصدار مذكرة الحضور المبلغ الذي تراه المحكمة كافيا لتسديد مصاريف السفر وغيرها من النفقات التي يتحملها الشاهد في ذهابه وإيابه.
- إذا كان من الضروري سماع شهادة شاهد تعذر حضوره لسبب اقتنعت به المحكمة تأخذ شهادته بحضور الطرفين في محل أقامته أو في غرفة القضاة أو في محل آخر تستنسب أو تنيب أحد قضاتها في ذلك والشهادة التي تسمع على هذا الوجه تتلى أثناء النظر في الدعوى.
——————————————————————————————