القضية الجزائية
الجزاء
قال الله سبحانه وتعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا) صدق الله العظيم.
القرآن الكريم فيه الكثير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن الجزاء، الجزاء عن الخير وجزاء عن الشر قال تعالى (وذلك جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ)، (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا) صدق الله العظيم.
يتضح لنا من خلال الآيات القرآنية أن الجزاء هو ما يستحقه الإنسان عما يقوم به من أفعال، فإن كانت أفعاله مرتبطة بالخير سيُكافئ، وأن كانت أفعاله مرتبطة بالشر سيعاقب، فكان الجزاء يحمل المعنيين المكافأة والعقوبة، إلا أن الجزاء جاء في القانون حاملاً لمعنى العقوبة، فما المقصود بالجزاء القانوني؟
الجزاء القانوني
هو الأثر المترتب على مخالفة القاعدة القانونية ، فالقانون بأنواعه جاء ناصاً على قواعد قانونية يجب على كل فرد من أفراد المجتمع احترامها والامتثال لما جاء فيها ، وإلا ترتب على ذلك عقوبات تختلف باختلاف القاعدة التي تم مخالفتها ، فالمشرع وضع القاعدة القانونية والجزاء المترتب على مخالفتها مسبقاً في نصوص القانون حتى تكون رادعاً أمام من تسول له نفسه مخالفتها، فكما نعلم قواعد القانون آمره لا مجال لتكيفها وتفسيرها حسب أهوائنا ، فالجزاء يكون معروفا قبل وقوع المخالفة للقاعدة القانونية بحيث لا تنتظر السلطة العامة وقوع المخالفة ثم تفكر في الجزاء الملائم. والهدف من ذلك المحافظة على استقرار المجتمع وكفالة الآمن والأمان في جميع أرجائه.
مميزات الجزاء القانوني
أولاً بالنظر إلى النصوص القانونية المختلفة نجد أن الجزاء القانوني مادي وملموس وليس معنوي، يصيب الشخص نفسه كالإعدام ، أو يقيد حرية الشخص كالحبس أو فرض غرامة مالية وهذه ما يسمى بالعقوبات الجزائية ، وهو الجزاء المترتب على ارتكاب الجرائم ، كما قد يكون الجزاء الغرامة والتعويض المالي وذلك ما يسمى بالجزاء المدني وهو الأثر المترتب والمرتبط بالمعاملات المدنية بين الأفراد وهو نوع من أنواع ضمان الحقوق .
ثانياً بناءً على الميزة الأولى نصل إلى ميزة آخري وهي أن الجزاء القانوني متنوع له عدة صور ،فهناك جزاء جنائي وجزاء مدني وجزاء إداري، لكل واحد منهم جزاءات مختلفة .
ثالثاً إن الجزاء يوقع جبراً وبواسطة السلطة العامة، وليس على الأفراد المتضررين سوء اللجوء للسلطة القضائية والمطالبة بحقوقهم المدنية والجزائية، فليس للأفراد تطبيق النصوص القانونية بأنفسهم، فالقواعد القانونية جاءت لتنظيم المجتمع، فالدولة هي وحدها صاحبة الحق في توقيع الجزاء على كل من ينتهك حرمة القانون، فأوجدت المحاكم التي يلجأ إليها المعتدى عليهم بما يكفل حصولهم على حقوقهم الضائعة في إطار من الشرعية، وبما يضمن إنزال الجزاء المناسب على المعتدي.
الدعوى الجزائية
يمكن تعريف الدعوى الجزائية: بأنها وسيلة يستطيع من خلالها المجتمع الدفاع عن امنه واستقراره وصيانة مصالحه من خطر الجريمة ومعرفة فاعلها بغية محاكمته وتنفيذ العقوبة بحقه فتستوفي الدولة حقها من الجاني عن طريق الدعوى العمومية.
اما المجني عليه المتضرر فيمكنه المطالبة بتعويض عادل عن طريق ما يسمى الدعوى المدنية وقد سمى قانون أصول المحاكمات الجزائية الدعوى العمومية بالدعوى الجزائية. اما المطالبة بالحق المدني فيسمى بالدعوى المدنية وعليه فالمحاكم الجزائية تحكم بالتعويض المدني للمتضرر من الجريمة باعتبار ان الدعوى الجزائية هي الأصل والدعوى المدنية تابعة لها ولهذا لا يجوز للقاضي الجنائي ان يصدر حكما بالدعوى المدنية في حالة عدم وجود جريمة.
صور الجزاء القانوني
كما ذكرنا سابقاً أن الجزاء القانوني متنوع وله عدة صور، وأهمها الجزاء الجنائي والجزاء المدني والجزاء الإداري .
الجزاء الجنائي
هو أول صور الجزاء التي يمكن أن تتبادر إلى الأذهان عند سماع كلمة أو مصطلح الجزاء باعتباره أكثر هذه الصور إيلاما وقسوة، ومرتبط بالجريمة الجنائية والعقوبة ، فيتمثل الجزاء الجنائي في عقوبة توقعها السلطة العامة على من يرتكب جريمة من الجرائم التي حددها القانون الجنائي، والمتمثل يقانون العقوبات بالنسبة للدولة الأردنية ، ولا بد من الإشارة هنا أن المطالبة بالجزاء الجنائي ليس حق للمجني عليهم فقط بل حق للدولة ، فللنيابة العامة أيضاً المطالبة بإيقاع الجزاء الجنائي على الجاني أو المعتدي وهذا ما يميز الجزاء الجنائي عن الجزاءات الأخرى ، فهناك دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي يرتبطان مع بعضهم البعض في بعض الحالات وتنفصلان في حالات أخرى .
ويقسم الجزاء الجنائي إلى عقوبات ثلاث عقوبات جنائية ونحوية وتكديريه سنتحدث عن كل منها في مقالات لاحقة إن شاء الله.
الجزاء المدني
تتعدد الجزاءات المدنية بتعدد المعاملات المرتبطة بين الأفراد، كما أنها تعد ضماناً للحقوق وهي
1_ بطلان العقد ، فسخ العقد ، عدم نفاذ تصرفات المدين في مواجهة الغير ، جميعها تندرج تحت جزاء الإلغاء ، وجزاء الإلغاء هو صورة خاصة من صور الجزاءات المدنية المتعلقة بالتصرفات القانونية، فعندما ينعقد تصرف قانوني فيه مخالفة لقاعدة من القواعد القانونية يظهر جزاء الإلغاء المتمثل في إلغاء هذا التصرف واعتباره كأن لم يكن
2_ التعويض هو ما يسمى بالجزاء غير المباشر يتمثل الجزاء في مبلغ من النقود يدفعه الشخص الذي خالف القاعدة القانونية لمن لحقه الضرر نتيجة هذه المخالفة ،إلا أنه أحيانا يكون هو الجزاء الأصلي المباشر، كما يمكن أن يكون جزاء تكميليا يقوم إلى جانب الجزاء الأصلي ، كما أنه يكون الجزاء في حال كان تنفيذ المدين بالتزاماته العينية مستحيلاً .
3_ جبر المدين على التنفيذ وهو ما يسمى بالجزاء المباشر أو التنفيذ العيني وهو من أهم مصادر الالتزام يلتزم فيه الشخص على الدفع وتسديد التزمتاه.
كل جزاء يحتاج لمقال خاص للحديث عنه لان الشرح فيه يطول وقد سبق وأن تحدثنا عن البطلان في مقال سابق وسنتحدث عن باقي الجزاءات في مقالات لاحقة إن شاء الله.
الجزاء الإداري
يقصد به هو ذلك الجزاء الذي يوقع على موظفي الدولة والعاملين بها نتيجة مخالفتهم لقواعد العمل الوظيفي ، والغرض من الجزاء الإداري هو ضمان حسن سير العمل بالمرافق العامة في الدولة، وحسن تأدية موظفي الدولة لأعمالهم بوجه عام ، تتنوع الجزاءات الإدارية لتتخذ صوراً مختلفة بحسب مدى جسامة المخالفة المرتكبة، فقد يتمثل الجزاء الإداري في صورة اللوم أو الإنذار، أو الحرمان من الترقية، أو الحرمان من المكافآت أو من جزء من المرتب لفترة زمنية معينة، بل قد يصل الجزاء الإداري في أقصى مداه إلى حد الإحالة إلى المعاش أو الفصل من الخدمة ، وفي القانون الأردني تندرج الجزاءات الإدارية من التنبيه إلى الإنذار إلى الحسم إلى تنزيل درجة ثم الفصل ثم العزل .
ومن اجتهادات محكمة التمييز على القضية الجزائية
الحكم رقم 475 لسنة 2018 – محكمة تمييز حقوق
1- يُصدر الحكم وجاهياً اعتبارياً بمواجهة أحد الخصوم في حال تخلفه عن حضور الجلسة والمتفهم موعدها مع انتظاره الوقت الكافي بعد الساعة المحددة للحضور ، وفقاً لأحكام المادة (67) من قانون أصول المحاكمات المدنية.
2- أن معيار تطبيق قاعدة (الجزائي يعقل المدني ) ووقف السير بالدعوى إلى حين صدور الحكم الجزائي البات هو وجود مسألة مشتركة بين الدعويين لا تستطيع المحكمة المدنية أن تحسمها دون أن تقول المحكمة الجزائية كلمتها بشأن وجود الجريمة ونسبتها إلى المشتكى عليه بحيث يخشى إذا لم يتوقف النظر في الدعوى المدنية أن يجيء قضاؤها مناقضاً لما خلص إليه الحكم الجزائي.
3- تستقل محكمة الموضوع في تقدير ووزن البينة وتكوين قناعاتها دون رقابة عليها من محكمة التمييز في ذلك على أن تكون النتيجة التي توصلت إليها مستخلصة استخلاصاً سائغاً ومقبولاً ومستمدة من بينات قانونية ثابتة في الدعوى وذلك وفقاً لنص المادتين (33) و (34) من قانون البينات.
وفي حكم أخر قررت المحكمة
من المقرر في المادة 122 من قانون أصول المحاكمات المدنية ان الحق بوقف السير بالدعوى إذا كان الحكم في موضوعها يستلزم الفصل في مسالة أخرى المسماة المسالة الأولية، ويقتضي ذلك توافر شرطين: ا- ان يكون الفصل في المسالة الأولية لازما للحكم في الدعوى الأصلية. ب- ان تكون المسالة الأولية من اختصاص محكمة أخرى غير المحكمة الناظرة في الدعوى تطبيقا لقاعدة قاضي الأصل هو قاضي الفرع، وان هنالك ارتباط وثيق بينهما وان الفصل في الدعوى الجزائية سيكون له اثر واضح في الدعوى الحقوقية كما نجد وجوب توافر الارتباط بين الدعويين واثر الحكم في الدعوى الجزائية لا يستلزم وحدة السند القانوني المنشئ للحق أو النصوص القانونية التي بنيت عليها الدعوى الجزائية وتلك التي بنيت عليها الدعوى المدنية.
فالفصل في الدعوى المدنية رقم(( 5290/2019 )) والمقدم فيها طلب وقف السير يتوقف على الفصل في الدعوى الجزائية. حيث ان موضوع الدعوى الجزائية وتزوير واستعمال مذرو للسندات موضوع الدعوى
وان الفصل في الدعوى يتعلق بالحكم الذي سيصدر نتيجة الفصل في القضية الجزائية مما ينبني على ذلك توافر أسباب وقف النظر في الدعوى المنصوص عليها في المادة (122) من قانون أصول المحاكمات المدنية فمن المستقر عليه فقها وقضاء بان الجزائي يعقل المدني.