عنى المشرع الأردني بجريمة استثمار الوظيفة، وأفرد لها المادة 175 والمادة 176 من قانون العقوبات الأردني لتحديد طبيعة تلك الجريمة وصورها والعقوبات الواجب توقيعها على الموظف العام الذي يرتكب تلك الجريمة، ونظرا لكون جريمة استثمار الوظيفة من جرائم الخطر والتي قد يمتد تأثير ضررها حتى يصل إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني، فسوف نفرد هذا المقال لتحديد صور تلك لجريمة وأركانها والعقوبات التي توقع على مرتكبها وأسباب تخفيف تلك الجزاءات على النحو الآتي:
ثانيا: مظاهر تمييز جريمة استثمار الوظيفة:
ثالثا: صور التجريم والعقاب في جريمة استثمار الوظيفة:
رابعا: أركان جريمة استثمار الوظيفة:
خامسا: حالات تخفيف العقاب في جريمة الاستثمار الوظيفي:
سادسا: بعض اجتهادات محكمة التمييز فيما يتعلق بجريمة استثمار الوظيفة:
أولا: تعريف الموظف العام:
لما كانت جريمة استثمار الوظيفة لا تقع إلا في حالة كون الفاعل الرئيسي فيها هو الموظف العام، فكان من الضروري قبل الخوض في الحديث عن جريمة استثمار الوظيفة أن نبدأ بتعريف الموظف العام أولا والذي كما أسلفنا لا يمكن بحال أن تتم جريمة استثمار الوظيفة إلا وهو الفاعل الرئيسي لأركانها.
وقد عرفت (المادة 169) من قانون العقوبات الأردني الموظف العام بقولها: (يعد موظفا بالمعنى المقصود في هذا الباب كل موظف عمومي في السلك الإداري أو القضائي، وكل ضابط من ضباط السلطة المدنية أو العسكرية، أو فرد من أفرادها، وكل عامل أو مستخدم في الدولة أو في إدارة عامة). وبالنظر إلى هذا التعريف نجد أن قانون العقوبات في معرض تعريفه للموظف العمومي لم يقصر صفة الموظف العمومي على الأفراد المدنيين الذين يعملون في الإدارة العامة، بل امتد التعريف ليشمل المدنيين وكذلك العسكريين.
وقد اتجهت محكمة العدل العليا في تعريفها للموظف العام إلى تحديد المهام الموكول إليه القيام بها متى كانت متصلة بالإدارة العامة، حيث عرفت الموظف العام بقولها: ( هو الشخص الذي يوكل إليه بأداء عمل بشكل دائم في خدمة أحد المرافق العامة التي يتم إدارتها بواسطة أحد أشخاص القانون العام ).[1]
وعلى ذلك فلا تقوم جريمة استثمار الوظيفة إلا إذا كان الموظف يقوم بأداء وظيفه في خدمة أحد المرافق العامة التي يديرها أحد أشخاص القانون العام، وبالتالي إذا كان الموظف لا يعمل بمرفق عام بل يعمل في مؤسسة خاصة، فلا يمكن مسائلته جنائية بوصفه قد ارتكب جريمة استثمار الوظيفة[2] إذ أنها لا تقع إلا من موظف مكلف بخدمة مرفق عام وأثناء أدائه لتلك الوظيفة حيث أن صفة الموظف العام شرط أساسي في جريمة استثمار الوظيفة وبانتفائها تنتفي جريمة استثمار الوظيفة وقد ينطبق على الواقعة وصفا آخر معاقب عليه قانونا لكن ليس بوصفها جريمة استثمار وظيفة .[3]
كما يظهر من التعريفات السابقة أن الموظف العام الذي يسأل جنائيا عن جريمة استثمار الوظيفة قد يكون مدنيا، أو عسكريا كما قد يكون ذكرا، أو أنثى طالما أن مناط عمله متعلقا بمرفق عام ويشغل وظيفة لها صفة العموم.[4]
ثانيا: مظاهر تمييز جريمة استثمار الوظيفة:
1- صعوبة الإثبات:
من أهم مظاهر جريمة استثمار الوظيفة بجميع صورها هي صعوبة إثباتها ويرجع سبب تلك الصعوبة إلى كون الجاني في جريمة استثمار الوظيفة يسهل عليه أن يتوارى ويتخفى، مما يحول دون إثبات وقوع الجريمة بواسطته وأثناء أدائه وظيفته، خاصة وأن أفعال ومهام وظيفته دائما ما تكون كثيرة ومتشعبة مما يمكنه من إخفاء أفعاله غير المشروعة بداخل أفعال مشروعة فيتعذر إثبات وقوع الفعل الغير مشروع منه خاصة وأن القانون لا يعاقب إلا على الأفعال التي ثبت يقينا ارتكابها وليس على مجرد الظن أو التخمين.
2- تعدد عقوبات جريمة استثمار الوظيفة تبعا لتعدد صورها:
حيث أن المشرع قرر عقوبات لبعض صور جريمة استثمار الوظيفة مختلفة عن العقوبات المقررة لصور أخرى، ومن ذلك ما قررته (المادة 175) والتي قررت أن إذا ارتكبت جريمة استثمار الوظيفة عن طريق الغش بغرض الحصول على منفعة خاصة، أو إضرار بأحد الطرفين، أو بالإدارة العامة تكون العقوبة في هذه الحالة الأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة تعادل قيمة الضرر الناجم، في حين قررت (المادة 176) من ذات القانون عقوبة الحبس الذي لا تقل مدته عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنتين مع الغرامة التي لا تقل عن عشرة دنانير، إذا كانت صورة جريمة استثمار الوظيفة هي قصد الموظف الحصول على منفعة شخصية، ويرجع تفاوت العقوبات بين المنصوص عليها في (المادة 175) و(المادة 176) أن المصلحة المراد حمياتها في (المادة 175) هي الوظيفة العامة في ذاتها، أما في (المادة 176) فإن المصلحة المراد حمياتها هي نزاهة وحيادة الموظف العام.
3- عمومية الألفاظ المستخدمة في النصوص القانونية التي تحك جريمة استثمار الوظيفة:
تتسم النصوص القانونية التي تحكم جريمة استثمار الوظيفة بأنها نصوص عامة استخدم المشرع في نصها ألفاظ عامة وفضفاضة مما يصعب وضعها في قالب جامد، ورغم صعوبة ذلك في تطبيق أحكام النص القانوني إلا أنه له فائدة في إمكانية ضم الصور التي قد تظهر في المستقبل وتمثل جريمة استثمار وظيفي وتوقيع النصوص العقابية الحالية عليها، فالنص الجامد ذو الألفاظ المنضبطة والمحددة تحديد شديد الدقة يصعب من إمكانية تطبيق نصوص القانون على الحالات الجديدة التي تظهر في المستقبل و التي تمثل جرم من جرائم استثمار الوظيفة، كما أن شمول النصوص وعمومها يفتح الأفق أما سلطة القاضي التقديرية في تحديد ما اذا كان الفعل يمثل جرم استثمار وظيفه من عدمه.
4- تتسم جريمة استثمار الوظيفة بتعدد مسمياتها في التشريعات القانونية للدول المختلفة:
حيث نجد أن المشرع الأردني قد أطلق عليها مسمى جريمة استثمار الوظيفة في حين أن المشرع المصري أطلق عليها جريم التربح وفي بعض التشريعات يطلق عليها استغلال الوظيفة.
ثالثا: صور التجريم والعقاب في جريمة استثمار الوظيفة:
أورد المشرع الأردني في (المادة 175) وفي (المادة 176) من قانون العقوبات الأردني صور جريمة استثمار الوظيفة العامة والعقوبات الواجب تطبيقها على الموظف العام في حالة ارتكابه جرم استثمار الوظيفة، كما أن المشرع الأردني لم يساو بين العقوبات، بل أفرد (المادة 176) عقوبات لبيان بعض صور الاستثمار الوظيفي وحدد العقوبات المقررة لها، ثم أفرد (المادة 175) من ذات القانون لبيان صور أخرى من صور جريمة الاستثمار الوظيفي مع بيان العقوبات الجزائية التي يجب توقيعها على الجاني المرتكب لتلك الجريمة:
1- صور جريمة الاستثمار الوظيفة التي تخضع لنص (المادة 175) من قانون العقوبات الأردني:
حيث نصت المادة 175 من قانون العقوبات الأردني على أن: ( من وكل إليه بيع، أو شراء، أو إدارة أموال منقولة، أو غير منقولة لحساب الدولة، أو لحساب إدارة عامة، فاقترف غشا في أحد هذه الأعمال، أو خالف الأحكام التي تسري عليها إما لجر مغنم ذاتي، أو مراعاة لفريق، أو إضرارا بالفريق الآخر، أو إضرارا بالإدارة العامة، عوقب بالأشغال المؤقتة وبغرامة تعادل قيمة الضرر الناجم)، حيث ورد في النص السابق عدة صور لجريمة استثمار الوظيفة نوضح كل صورة منهم على النحو التالي:
الصورة الأولى: قيام الموظف العام باستخدام وسائل الغش أثناء بيع أو شراء أملاك الدولة العامة:
والغش هو إيهام وإقناع الأشخاص باستخدام أساليب الخداع والكذب لجعلهم يقتنعون بما يدعيه الموظف العام بقصد تضليلهم، أو أن يكون الغش بمحاولة إثبات أن المبيع على حالة جيدة على خلاف الحقيقة بأن يكون المبيع هالكا، أو فاسدا، أو به عيبا ينقص من قيمته، وبالتالي فكلما استخدم الموظف العام الموكول إليه بيع أو شراء أموالا لصالح الدولة وسائل الغش والخداع بقصد الحاق الضرر بأملاك الدولة، أو الحاق الضرر بالطرف الآخر يكون مرتكبا لجريمة استثمار الوظيفة وسواء كان الموظف موكول إليه البيع، أو الشراء ويجب مسائلته الجنائية وفقا لنص (المادة 175) من قانون العقوبات الأردني.
الصورة الثانية: أن يكون قصد الموظف من ارتكابه لجريمة استثمار الوظيف الحصول على مغنم ذاتي:
والمغنم هي المنفعة الذاتية للموظف العام سواء كانت لشخصه، أو لغيرة فكلما نتج عن فعل الموظف حصوله على مغنم لذاته وسواء كان هذا المغنم قليلا، أو كثيرا أو كان هذا المغنم ذو قيمة مادية، أو ذو قيمة معنوية أو كلاهما معا، فيكون الموظف العام قد ارتكب جريمة استثمار الوظيفة ومن أمثلة هذه الصورة قيام الوظف الموكول إليه شراء آلة معينة أن يقوم بعد شراء الآلة استغلالها في قضاء مصلحة شخصية له، أو لغيره ففي هذه الحالة يكون قد ارتكب جريمة استثمار الوظيفة المعاقب عليها بنص (المادة 175) لكون فعله قد جر مغنما لشخصه.
الصورة الثالثة: أن يكون قصد الموظف من ارتكابه لجريمة استثمار الوظيفة مراعاة لفريق أو الإضرار بفريق آخر:
وهذه الصورة تفترض أن يوكل إلى الموظف العام مهمة بيع أو شراء أحد الأشياء بصفته وكيلا عن الإدارة العامة، إلا أنه وأثناء أدائه المهمة الموكولة إليه، يلجأ الموظف إلى استثمار موقعه الوظيفي وذلك بمحاباة أحد أطراف عملية البيع، أو الشراء الموكولة إليه مما ينتج عن هذا الفعل من ضرر يلحق بالمال العام، وبالتالي فكل فعل من الموظف يشير إلى محاباته لأحد أطراف بقصد الإضرار بطرف آخر، أو الإضرار بالمال العام يعد صورة من صور جرمية الاستثمار الوظيفي والتي تعرضه للعقاب الوارد في نص (المادة 175) من قانون العقوبات الأردني.
الصورة الرابعة: أن يكون القصد من استثمار الوظيفة الإضرار بالإدارة العامة:
وهذه الصورة قد نصت عليها (المادة 3) من قانون الجرائم الاقتصادية إلى جانب (المادة 175) من قانون العقوبات وتعتبر هذه الجريمة من أشد جرائم استثمار الوظيفة نظرا لخطورتها على الاقتصاد الوطني وما يستتبعه من تأثير على النظام السياسي داخل الدولة، مما جعل المشرع يهتم بهذه الصورة ويفرد لها نصا جزائيا خاصا غير النص المذكور في قانون العقوبات وهو النص الوارد في (المادة 3) من قانون الجرائم الاقتصادية، ولا شك أن وقوع هذه الجريمة من الموظف العام يترتب عليه إلحاق الضرر بمركز الدولة الاقتصادي مثل فوات ربح محقق لصالح الدولة أو نقصا في المال العام أو نقصان في قيمته أو تلف المال العام الناتج عن سوء استعمال الموظف العام للمال العام .
ولا شك أن الغرض الذي يصبو إليه المشرع الجزائي الأردني من ذكر صور جريمة الاستثمار الوظيفي وتقرير العقوبات لتلك الجريمة، هو الحد من ارتكابها وبث الرهبة والخوف في نفس كل موظف عام تسول له نفسه التعدي على المال العام وما ينتج عن ذلك من فائدة عامة تتمثل في المحافظة على المال العام، واستباب الأمن الاقتصادي.
ويجب أن نشير إلى أن القانون حينما اختص الموظف العام بتلك العقوبات الواردة فإن ذلك يرجع إلى أن الإدارة العامة توكل إليه أعمالا ذات خطورة بناء على الثقة فيه وبالتالي فإن القانون يلزمه بما لا يلتزم به العامة وهو الحفاظ على الأموال العامة، و بالتالي فإذا وقع الموظف العام في غياهب الجريمة وسولت له نفسه التعدي على المال كان من اللازم أن يخاطب بنصوص قانونية خاصة، لتواجه ما ارتكبه من جرم كما أن لذلك فائدة أخرى وهي أن الموظف العام ومنذ توليه الوظيفة الموكولة إليه ومعرفته بحجم وشدة العقوبة التي قد تترتب على ارتكابه جرم استثمار الوظيفة، تجعله يعزم في قرارة نفسه أن ينأى بنفسه بعيدا عن طريق الجريمة وتجعله أشد حرصا على المال العام مخافة الوقوع تحت المسائلة الجنائية.
2- صور جريمة الاستثمار الوظيفة التي تخضع لنص المادة 176 من قانون العقوبات الأردني:
حيث احتوت هذه المادة على صورتين من صور استثمار الوظيفة والملاحظ أن المشرع نزل بالعقوبة إلى حد جعلها أقل من العقوبة المنصوص عليها في (المادة 175) بكثير، حيث جعلها الحبس الذي لا تقل مدته عن ستة أشهر ولا تزيد مدته عن سنتين مع غرامة لا تقل ع عشرة دنانير، حيث جاء نص (المادة 176) من قانون العقوبات على أن: (يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة اقلها عشرة دنانير:
- كل موظف حصل على منفعة شخصية من إحدى معاملات الإدارة التي ينتمي إليها سواء افعل ذلك مباشرة أو على يد شخص مستعار أو باللجوء إلى صكوك صورية.
- ممثلو الإدارة وضباط الشرطة والدرك وسائر متولي الشرطة العامة إذا أقدموا جهاراً أو باللجوء إلى صكوك صورية مباشرة أو على يد شخص مستعار على الإتجار في المنطقة التي يمارسون فيها السلطة بالحبوب وسائر الحاجات ذات الضرورة الأولية غير ما أنتجته أملاكهم).
وكما ذكرنا فإن هذه المادة قد طويت على صورتين من صور جريمة استثمار الوظيفة وسنتطرق لكل صورة منهما على النحو الآتي:
الصورة الأولى: أن يكون قصد الموظف من ارتكابه لجريمة استثمار الوظيفة الحصول على منفعة شخصية:
– والمنفعة الشخصية التي يحصل عليها الموظف نتيجة تعاملات الإدارة العامة قد يتحصل عليها بشكل مباشر دون تدخل طرف آخر ودون اعتماده على أي وسيلة تخفي سعيه للحصول على منفعة شخصية من جراء وظيفته، كما قد يلجأ الموظف العام إلى الاعتماد على أشخاص مستعارين أو إلى صكوك صورية بقصد تحقيق المنفعة الشخصية من جراء وظيفته العامة وسوف نتطرق إلى كل وسيلة منهم على النحو الآتي:
الوسيلة الأولى: اعتماد الموظف العام على الصكوك الصورية للنفع من الوظيفة العامة:
وفي هذه الوسيلة يلجأ الموظف العام إلى صكوك صورية غير حقيقية بقصد النفع من المال العام والاستيلاء عليه بموجب هذه الصكوك، مستغلا في ذلك وظيفته العامة وهي وسيلة يلجأ إليها الموظف العام حتى يتمكن من تحقيق هدفه بالانتفاع من المال العام ودون أن يتعرض لملاحقة قضائية، وقد يتم ذلك بتدوين بيانات في تلك الصكوك مغايرة للواقع، أو بإضافة مبالغ صورية للصك بقصد الحصول على المبلغ المضاف وبشكل يظهر بأنه قانوني، إلا أنها في الحقيقة وسيلة احتيالية للاستيلاء على المال العام والتربح من الوظيفة العامة.
الوسيلة الثانية: اعتماد الموظف العام على أشخاص مستعارين للانتفاع من الوظيفة:
وفي هذه الصورة وحتى يزيل الموظف العام الشبهة عنه يقوم بالاعتماد على أشخاص مستعارين لتحقيق النفع من وظيفته، وذلك بقيام الشخص المستعار وبتوجيه من الموظف العامل بالتدخل في إحدى التعاملات التابعة للإدارة سواء بشراء شيء مملوك للدولة بسعر معين يكون الموظف العام قد أعلمه إياه، أو ببيع شيء للإدارة العامة مع تأثير الموظف العام على الإدارة لقبولها البيع بالسعر المعروض من قبل الشخص المستعار، أو أن يعمل الموظف العام في التجارة الممنوع منها قانونا تحت ستار شخص آخر مستعار يظهر في الواجهة والتي يكون للجهة التي يعمل بها تعاملات ف ي هذه التجارة والتي تسهل للموظف العام التربح وبشكل مستر يصعب اكتشافه فيها.
الصورة الثانية: قيام بعض الموظفين وهم ممثلو الإدارة وضباط الشرطة والدرك بالعمل في التجارة جهرا أو خفية:
حيث جاءت الفقرة الثانية من ذات المادة لتضع نصا خاصا بفئة معينة من الموظفين وهم ممثلو الإدارة وضباط الشرطة والدرك وسائر متولي الشرطة العامة، حيث اعتبرت أنه في حالة أن ثبت أن أي من الفئات السابق ذكرها قد مارس التجارة في الأمور الضرورية وأيضا الحبوب يقع أي منهم تحت المسائلة الجنائية والتأديبية باعتباره ارتكب جرم استثمار الوظيفة، وسواء كانت تم ذلك بشكل مباشر من هذه الفئة أو اعتمد أي منهم على صكوك صورية أو تجار مستعارين بغية التخفي وإزالة الشبهة عنهم.
رابعا: أركان جريمة استثمار الوظيفة:
1- الركن المادي:
ويتمثل الركن المادي في جريمة استثمار الوظيفة ومن خلال مفهوم (المادة 175) و (المادة 176) من قانو العقوبات الأردني، أن يتحصل الموظف العام على منفعة شخصية من الوظيفة العام من خلال إحدى معاملات الإدارة التي ينتمي إليها وظيفيا سواء كان الحصول على تلك المنفعة بشكل مباشر، أو عن طريق صكوك صورية، أو باستخدام شخص مستعار.
فالركن المادي لتلك الجريمة وأثاره المادية الملموسة تتحقق كلما حصل الموظف على منفعة شخصية من معاملات الإدارة التي يعمل بها، وكذلك يتحقق الركن المادي لتلك الجريمة كلما كان الموظف موكول إليه بيع أو شراء شيء لصالح الدولة إلا أنه قد ثبت محاباته لأحد الأطراف على الطرف الآخر، أو ثبت قصده الإضرار بالإدارة العامة وكذلك إذا استعمل وسائل الغش والخداع أثناء بيع وشراء أملاك الدولة، أو تحصل على مغنم ذاتي، وكذلك إذا مارس الموظف العام التجارة خاصة في الأمور الضرورية، أو الحبوب فكل هذه الأفعال المادية تمثل فيها الركن المادي لجريمة الاستثمار الوظيفي والتي يقع مرتكبها من الموظفين العموم تحت المسائلة الجنائية.
2- الركن المعنوي:
والمقصود بالركن المعنوي اتجاه إرادة الجانبي إلى ارتكاب الفعل الإجرامي، ويتمثل الركن المعنوي في جريمة استثمار الوظيفة، في اتجاه إرادة الموظف العام إلى ارتكاب الركن المادي للجريمة مع علمه بما يترتب على ذلك من نتيجة إجرامية وإصراره على السعي فيها فتنصرف إرادته إلى تحقيق جميع عناصر الجريمة وظروفها وشرائطها.
ويجب أن نشير إلى أن جريمة استثمار الوظيفة من الجرائم التي لا يشترط فيها قصدا خاصا لتحققها، بل يكفي توافر القصد العام وهو الحصول على المنفعة الشخصية، وبالتالي إذا تحقق الركنان الأساسيين لجريمة استثمار الوظيفة وهما الركن المادي والمعنوي تكون الجريمة قد اكتملت أركانها ويقع الموظف العام تحت المسائلة الجنائية وفقا لنص (المادة 175 أو 176) من قانون العقوبات كل على حسب القيد والوصف الذي يتم إسباغه على الجريمة.
ومن التطبيقات القضائية التي توسعت في شرح وبيان أركان جريمة استثمار الوظيفة ما قضت محكمة صلح جزاء اربد في الحكم رقم 7456 لسنة 2018 – الصادر بتاريخ 2018/11/ 21 والتي قضت فيه بأن: (وبتطبيق القانون على الوقائع الثابتة في هذه الدعوى وباستقراء أحكام المادة (176) من قانون العقوبات تجد المحكمة أنه يشترط لقيام جرم استثمار الوظيفة توافر الأركان والعناصر التالية:
أولا: الركن القانوني (الشرعي): وهو السند الشرعي لاعتبار فعل ما جريمة وتحديد الجزاء المترتب عليه ويتكون من ثلاثة عناصر هي؛ وجود نص في القانون على تجريم الفعل ووجود نص يقرر عقوبة أو تدابير احترازية للفعل المجرم وعدم خضوع الفعل لسبب من أسباب التبرير التي نص عليها القانون وفي معرض هذه القضية فان الركن القانوني يتمثل بنص المادة (176) من قانون العقوبات.
ثانيا: الركن المفترض ( صفة الفاعل ): حيث يشرط المشرع لقيام هذه الجريمة أن يكون الفاعل موظفا عاما ويرجع في تحديد صفة الموظف إلى قانون العقوبات لا لأي قانون أو نظام آخر إذ أنه وبالرجوع إلى أحكام المادة (169) من قانون العقوبات نجد المشرع الأردني قد عرف الموظف العام بأنه: ( يعد موظفا بالمعنى المقصود في هذا الباب كل موظف عمومي في السلك الإداري أو القضائي، وكل ضابط من ضباط السلطة المدنية أو العسكرية أو فرد من أفرادها، وكل عامل أو مستخدم في الدولة أو في إدارة عامة) وأن هذه الصفة تقتضي قيامه بالخدمة في الإدارة العامة سواء أكانت هذه الخدمة ذات صفة دائمة أو مؤقتة باجر أو بغير أجر إلزامية أو اختيارية، سواء أكانت علاقة ذلك الشخص بالدولة تنظيمية تحكمها القوانين الخاصة بالوظيفة العامة أم تعاقدية خاضعة لأحكام القانون الخاص وبغض النظر عن صحة قرار تعيينه أو وقت محاكمته سواء أكان لا يزال بالوظيفة أم انه خارج نطاقها وبالنتيجة فإن انتفاء هذه الصفة لا يعني انعدام الصفة الإجرامية حتما فقد يشكل الفعل المرتكب عنصرا في أركان جريمة أخرى والعبرة بتوافر هذه الصفة ومعاصرتها للفعل الجرمي.
ثالثا: الركن المادي: يمثل هذا الركن ماديات الجريمة وآثارها الملموسة ومظاهرها الخارجية فلا وجود للجريمة دون وجود ماديات ملموسة ظاهرة تلقي بظلالها على المصالح المحمية والحقوق المكتسبة والحريات المقررة في القانون ويتمثل الركن المادي لجريمة استثمار الوظيفة المنصوص عليها في المادة (176) بما يلي:
حصول الموظف على منفعة شخصية من الوظيفة : ويشترط أن يحصل الموظف على هذه المنفعة جراء إحدى معاملات الإدارة التي ينتمي إليها فلو كانت المنفعة قد تحصلت من وراء توسط الموظف لدى دائرة أخرى فلا يمكن تحقق هذه الصورة أما بالنسبة لصور الحصول على المنفعة فان المشرع قد احتاط لها فإما أن تكون بفعل مباشر أو على يد شخص مستعار أو باللجوء إلى صكوك صورية وأن المشرع الأردني لم يحفل بطبيعة النشاط المادي للفاعل لدى حصوله على منفعة شخصية من احدى معاملات الإدارة التي ينتمي إليها وإنما اعتد بالنتيجة المتحصلة من الفعل وهي حصول المنفعة الشخصية.
إتجار الموظف في مناطق ممارسة السلطة: وقد اشترط المشرع لذلك أن يكون فعل إتجار الموظف جهارا أي علانية لما في ذلك من تحد لأبسط قواعد النزاهة والحيادية سواء أكان الإتجار مباشرة أو اذا لجأ إلى صكوك صورية كاذبة أو أشخاص مستعارين فلا يعقل أن تكون مناطق ممارسة السلطة مرتعا لتحقيق المآرب الشخصية والمصالح التجارية بل تقتضي التفات الموظف إلى واجباته الوظيفية واستعمال سلطته على الوجه المقرر لها في القانون واشترط المشرع أن يكون الإتجار بالحبوب وسائر الحاجات ذات الضرورة الأولية التي لا غنى للناس عنها بحسب ظروف الزمان والمكان.
رابعاً: الركن المعنوي ( القصد الجرمي ): وعرفه المشرع الأردني في المادة (63) من قانون العقوبات على أنه (إرادة ارتكاب الجريمة على ما عرفها القانون ), ويشترط في قيام القصد الجرمي أن يوجه الجاني إرادته إلى ارتكاب الجريمة على النحو الذي يحددها به القانون, فتنصرف الإرادة إلى تحقيق جميع أركانها وعناصرها وظروفها وشرائطها ,على أن يحيط علم الجاني أيضا بجميع هذه الأمور وذا الجرم لا يتطلب لقيامه إلا توافر القصد العام ولا يشترط توافر القصد الخاص فحصول الموظف على منفعة شخصية من إحدى معاملات الإدارة التي ينتمي إليها سواء افعل ذلك مباشرة أم على يد شخص مستعار أو باللجوء إلى صكوك صورية هو تمام هذه الجريمة واستلزام العقاب لفاعلها وعندما لا تتحقق المنفعة رغم قيام الموظف بالنشاط المادي المكون للجريمة فانه لا يمكن القول بوقوعها).
خامسا: حالات تخفيف العقاب في جريمة الاستثمار الوظيفي:
ورغم ما ذكرته المواد 174 175 و 176 من قانون العقوبات الأردني من عقوبات على الموظف العام في حالة ارتكابه جريمة استثمار وظيفة، إلا أن المشرع رأى أن يكون العقاب مكافئ لفعل الموظف العام بحيث إذا كان الضرر الذي نتج عن جريمة استثمار الوظيفة بسيطا، أو النفع الذي تحصل عليه الموظف العام من جرمه ليس كبيرا، أو أن الموظف أعاد الحال إلى ما كان عليه قبل ارتكابه الجريمة، فقد رأى لمشرع في هذه الحالات تخفيف العقاب لنصف العقوبة المقررة في المواد السابقة، وقد رأى المشرع أن في ذلك تحقيقا لمبدأ تناسب العقوبة مع الجرم ما يضفي على العقوبة الشرعية اللازمة.
كما قرر المشرع أنه في حالة تأخر الموظف العام عن رد التعويض وإعادة الحال إلى ما كان عليه وتأخر إلى أن تم إحالته للمحاكمة وقبل الفصل في الدعوى الجنائية فإنه يوقع عليه ثلاث أرباع العقوبة ويعفى عن ربع العقوبة، وقد رأى المشرع أن في ذلك حثا للموظف المتهم على المسارعة في إعادة ما تحصل عليه من مال أثناء ارتكابه جريمة استثمار الوظيفة في مقابل تخفيف العقاب، إلا أنه وفي كل الحالات لا يجوز أن تخفض العقوبة لأكثر من نصف العقوبة المقررة وذلك وفقا لما قررته (المادة 177) من قانون العقوبات حيث نصت على أن:
- يخفض نصف العقوبات المنصوص عليها في المادة (174) إذا كان الضرر الحاصل والنفع الذي توخاه الفاعل زهيدين أو إذا عوض عن الضرر تعويضا تاما قبل إحالة القضية على المحكمة.
- وإذا حصل الرد والتعويض أثناء المحاكمة وقبل أي حكم في الأساس ولو غير مبرم خفض من العقوبة ربعها.
- في جميع الجرائم السابقة والواردة في هذا الفصل إذا أخذت المحكمة بأسباب التخفيف التقديرية فلا يجوز لها تخفيض العقوبة إلى أقل من النصف).
سادسا: بعض اجتهادات محكمة التمييز فيما يتعلق بجريمة استثمار الوظيفة:
حكم محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم 931 لسنة 2000 والذي جاء فيه ما يلي:
وحيث أن إقدام الموظف العام على نزع الطوابع الملصقة على جواز السفر المسلم إليه بحكم وظيفته وإلصاقها على تأشيرة دخول بمقابل، يشكل جرم استثمار الوظيفة بالمعنى المقصود بالمادة 176/1 من قانون العقوبات وليس جرم استعمال طوابع مستعملة بالمعنى المقصود بالمادة 258 من قانون العقوبات.
حكم محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم 948 لسنة 2014 والذي جاء فيه ما يلي:
وحيث أن المتهم المميز المتمثل بقبضه مبالغ مالية على شكل حلوان من أصحاب المعاملات بعد إتمامها، تشكل سائر أركان وعناصر جرم استثمار الوظيفة بحدود المادة 176/1 من قانون العقوبات كما انتهى إلى ذلك القرار المطعون فيه.
حكم محكمة التمييز بصفتها الجزائية رقم 267 لسنة 2003 والذي جاء فيه ما يلي:
وحيث أن المستفاد من نص المادة 176 من قانون العقوبات أن لقيام جريمة استثمار الوظيفة لا بد من توافر الأركان التالية وهي:
- أن يكون موظفاً على مقتضى المادة 169-من قانون العقوبات الأردني.
- الركن المادي ويتحقق في الحصول على منفعة شخصية كانت أو معنوية ولا بد أن يكون قد أتجر بمعاملات الإدارة وإلا فلا جريمة.
- الركن المعنوي، أي القصد الجرمي القائم على العلم والإرادة أي العلم بأركانها وعناصرها وانصباب الإرادة على ارتكابها.
وحيث أنه يشترط لارتكاب هذه الجريمة حصول الجاني على المنفعة حقيقة وواقعاً وإلا فلا جريمة كما أنه لا يتصور الشروع المعاقب عليه في هذه الجريمة نظراً لصفتها الجناحية وانعدام النص على العقاب على الشروع بها وحيث أن محكمة الاستئناف لم تناقش مسألة حصول المميز على المنفعة وهل وجود الشيك على طاولته أو في جيبه يشكل قبضاً واقعياً أو حقيقياً للمنفعة بما تتحقق به جريمة استثمار الوظيفة أم لا فإن قرارها يكون في غير محله).
[1] علي خطار شطناوي، القضاء الإداري الأردني، عمان 2007، دار وائل للطباعة والنشر، ص 18.
[2] عوض محمد، الجرائم المضرة بالمصلحة العامة – الإسكندرية 1985، دار المطبوعات الجامعية، ص 98.
[3] د. محمود نصر، الوسيط في الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، الإسكندرية 2004، منشاة دار المعارف، ص 248.
[4] د إبراهيم حامد طنطاوي، جرائم الاعتداء على الوظيفة والمال العام، بيروت 200، المكتبة القانونية ، ص 267.