عقوبة المصادرة

 تتميز عقوبة المصادرة بأهميـة كبيرة عند إيقاعها بوصفها جـزاء إداري يكمـن في حماية الاقتصـاد القـومي وتعويض الدولة عما يصيبها من أضرار، هذا فضلًا عن كونها بديلًا عن عقوبات إدارية أصلية كالغرامة. وتُعد عقوبة المصادرة تدبيرًا احترازيًا عندما تقع على أموال محرمة، أما في حال وقعت على أموال مباحة تُعد عقوبةً تكميلية. وسوف نتناول في هذا المقال جميع ما يتعلق بعقوبة المصادرة، وذلك من خلال العناصر الرئيسية التالية:

أولًا: تعريف عقوبة المصادرة

ثانيًا: طبيعة عقوبة المصادرة

ثالثًا: الحكم الشرعي لعقوبة المصادرة

رابعًا: شروط إنزال عقوبة المصادرة

خامسًا: صور عقوبة المصادرة

سادسًا: عقوبة المصادرة في التشريع الأردني

سابعًا: دور عقوبة المصادرة

ثامنًا: إشكاليات تنفيذ الحكم القاضي بالمصادرة

تاسعًا: مقترحات لتذليل العقبات التي تواجه تنفيذ الحكم القاضي بالمصادرة

عاشرًا: التعاون الدولي في مجال تنفيذ عقوبة المصادرة

الحادي عشر: هل يمتد العفو العام ليشمل عقوبة المصادرة؟

الثاني عشر: السوابق القضائية الخاصة بعقوبة المصادرة

ونقدم شرح تفصيلي لكل عنصر من العناصر الرئيسية السابقة فيما يلي:

أولًا: تعريف عقوبة المصادرة

بالرجوع إلى نصوص القانون الجنائي نجد أنها نظمت المصادرة وفق مفهومين يختلفان باختلاف نوعيهما، فمنها من اعتبرتها عقوبة إضافية، ومنها من تناولتها كتدبير وقائي.

ويمكن تعريف عقوبة المصادرة كتدبير وقائي بأنها: “تنصب على الأدوات والأشياء المحجوزة التي يكون صنعها كالنقود المزيفة، أو استعمالها كالمخدرات أو بيعها كالبضائع المغشوشة جريمة ولو كانت تلك الأدوات والأشياء على ملك الغير، وحتى لو لم يصدر حكم بالإدانة”([1]).

في حين أن المصادرة كعقوبة إضافية إما أن تكون جزئية وإما أن تكون عينية. والمقصود بالأولى: “تمليك الدولة جزءً من أملاك المحكوم عليه، والمصادرة في هذه الحالة تكون عقوبةً تكميليةً لا يحكم بها إلا في الحالات المنصوص عليها في القانون مع وجوب النص عليها في الحكم”([2]).

أما النوع الثاني فيقصد به: “تمليك الدولة الأدوات والأشياء التي استعملت أو كان ستستعمل في ارتكاب الجريمة أو التي تحصلت منها”([3]).

ثانيًا: طبيعة عقوبة المصادرة

“عند الحديث عن طبيعة المصادرة يذهب رأي إلى التمييز بين المصادرة الإدارية والمصادرة الجنائية بالاستناد إلى طبيعة الجزاء لا بالاستناد إلى الجهة التي أصدرت الحكم بها، إلا أن هناك رأي أخرى يذهب إلى أن طبيعة الجزاء لا يكفي للاستدلال لكون الجزاء جنائيًا أو لا، إذ إنه يمكن أن تكون المصادرة عقوبة جنائية أو إدارية أو تدبيرًا احترازيًا أو تعويضًا، يُنصب على الدفعة المالية التي تقع مباشرة على شخص المخالف فضلًا عن الجزاءات الأخرى التي تمس شخصيته بغض النظر عن طبيعتها أو الجهة التي أصدرتها جنائية كانت أو إدارية”([4]).

ثالثًا: الحكم الشرعي لعقوبة المصادرة

“المصادرة قد تكون مشروعة، وقد تكون حرامًا، فإذا أخذت من غير حق من البضائع الداخلة إلى البلاد الإسلامية التي ليست فيها شيئًا محظورًا، وليس فيها غشًا أو أخذت من الأشخاص أو التجار كضريبة فذلك حرام. أما إن كانت غير ذلك فيجوز مصادرتها مثل البضائع المنتهية الصلاحية وغيرها، بدليل الأحاديث التي جاءت في الصحيحين وغيرها، ومنها مصادرة الهدية التي أعطيت لابن اللتبية، وهو من أحد العمال على الزكاة”([5]).

والمصادرة بمختلف أنواعها تُعد من العقوبات التعزيرية التي فوضت الشريعة أمرها إلى القاضي متى ما رأى مصلحة في ذلك، كما فوضت له استخدامها كبديل لعقوبة السجن، كما هو معمول به في بعض الدول، وهذا دليل على جواز المصادرة في هذه الأحوال. والله أعلم.

رابعًا: شروط إنزال عقوبة المصادرة

يشترط في المصادرة كعقوبة ما يلي:

  • أن يحكم على المتهم بعقوبة أصلية بجناية أو جنحة، ولا يجوز فرضها في حالة ارتكاب المخالفة إلا بناء على وجود نص صريح في القانون.
  • أن يكون محل المصادرة مال مملوكًا بذمة الشخص المخالف.
  • أن تكون الأشياء محل المصادرة قد تحصلت من الجريمة أو بسببها أو في سبيل اقترافها أو كان من شأنها أن تستخدم في اقترافها أو بحسب ما تنص عليه القوانين واللوائح.

في حين يشترط في المصادرة كتدبير احترازي ما يلي:

  1. أن تشكل الأشياء محل المصادرة خطرًا على المجتمع بأن يكون صنعها أو اقتناؤها أو بيعها أو استعمالها غير مشروع.
  2. أن تكون الأشياء محل المصادرة قد ضبطت فعلًا، فإذا لم تكن هذه الأشياء قد ضبطت فعلًا وقت الحكم، فلا يمكن الحكم بمصادرتها متى ضبطت ولا الحكم بإلزام المحكوم عليه بدفع ثمنها.
  3. ألا تؤدي الأشياء المضبوطة إلى الإخلال بحقوق الغير حسن النية، فإذا كانت الأشياء ملكًا لغير المتهم وكان هذا الغير حسن النية، بأن كانت قد أخذت بدون علمه بطريق السرقة مثلًا، أو أخذت بعلمه، ولكنه كان يجهل أنها سوف تستعمل في ارتكاب الجريمة، فلا يجوز الحكم بمصادرة هذه الأشياء مراعاةً لحقوق الغير حسن النية.

خامسًا: صور عقوبة المصادرة

لبيان صور عقوبة المصادرة يتعين بحثها من جانب أنها عقوبةٌ إضافيةٌ أولًا وكذلك من كونها تدبير وقائي ثانيًا، وأيضًا من كونها بديلًا للغرامة ثالثًا، وذلك على النحو التالي:

1.     المصادرة كعقوبة إضافية:

“والمصادرة هنا عقوبة مالية تبعية، أي أنها تمس المحكوم عليه في ذمته المالية، وتصدر كعقوبة تكميلية لأخرى أصلية، حيث لا يُحكم بها دون وجود حكم الإدانة، وهو ما يميزها عن المصادرة كتدبير وقائي الذي يقضي به حتى في غياب حكم الإدانة”([6]).

وتشمل المصادرة كعقوبة إضافية ما يلي([7]): –

  • المصادرة الجزئية لأموال المحكوم عليه
  • مصادرة الأشياء أو الأدوات التي استُعمِلَت أو كانت ستُستعمَل في ارتكاب الجريمة أو التي تحصلت منها.

والمقصود بالمصادرة الجزئية لأموال المحكوم عليه هو تمليك الدولة جزءً من أملاك المحكوم عليه، والمصادرة في هذه الحالة عقوبة إضافية لا يحكم بها إلا في الحالات المنصوص عليها في القانون، مع وجوب أن ينص عليها الحكم.

ولا يمكن أن تمس المصادرة كعقوبة إلا الأشياء المملوكة للمحكوم عليه. أما إذا كان يملك مالًا على الشيوع؛ فإن المصادرة لا تنصب إلا على نصيب المحكوم عليه من هذا المال المُشاع، ويترتب على ذلك حتمًا قسمة هذا المال جبرًا أو تصفيته عن طريق المزايدة.

وبما أن المصادرة في الأصل هي عقوبة جنائية، فلا يمكن الحكم بها على ورثة المحكوم عليه إذا توفي هذا الأخير قبل أن يصير الحكم الصادر في حقه غير قابل للطعن. في حين أنه إذا صار الحكم غير قابل للطعن وتوفي المحكوم عليه قبل أن يُنفذ، فيمكن أن يتابع التنفيذ على تركته سندًا لنص المادة (49/3) بنصها على أن: “لا تأثير للوفاة على المصادرة العينية …”.

أما بالنسبة للحالة الثانية والمتعلقة بمصادرة الأشياء أو الأدوات التي تحصلت نتيجة للجريمة أو التي استُعمِلَت في ارتكابها أو كانت ستستعمل فيها، فيجب التمييز بين كون المصادرة تابعة لحكم صدر من أجل ارتكاب جناية وبين كونها تابعة لحكم صدر من أجل ارتكاب جنحة أو مخالفة، وذلك بناءً لما ورد في (المادة 30) من قانون العقوبات الأردني: “مع مراعاة حقوق الغير ذي النية الحسنة، يجوز مصادرة جيع الأشياء التي حصلت نتيجة لجناية أو جنحة مقصودة أو التي استعملت في ارتكابها أو كانت معدة لاقترافها أما في الجنحة غير المقصودة أو في المخالفة فلا يجوز مصادرة هذه الأشياء إلا إذا ورد في القانون النص على ذلك”.

ويمكن الحكم بالمصادرة أيًّ كان نوع الجناية، ولا يهم أن يكون القانون قد نص على إمكانية الحكم لجناية معينة، في حين أن عقوبة المصادرة لا يمكن أن تقترن بحكم صادر من أجل جنحة أو مخالفة إلا إذا وجد نص خاص يُقررها صراحة.

2.     المصادرة كتدبير وقائي:

أورد المشرع الأردني عقوبة المصادرة باعتبارها تدبير احترازي بالنسبة للأدوات والأشياء المحجوزة التي يكون صنعها مجرمًا (كالنقود المزيفة)، أو يُجرم استعمالها (كالمخدرات) أو مجرم بيعها (كالبضائع المغشوشة) جريمة حتى ولو كانت تلك الأدوات والأشياء مملوكة لغير المتهم، ولو لم يصدر حكم بالإدانة استنادًا لنص (المادة 31) من القانون سالف الذكر: “يُصادر من الأشياء ما كان صنعه أو اقتناؤه أو بيعه أو استعماله غير مشروع، وإن لم يكن ملكًا للمتهم أو لم تفض الملاحقة إلى حكم”.

“وعدم صدور حكم بالإدانة، يكون في الحالة التي يظل فيها مرتكب الجريمة مجهولًا، وكذا في الحالة التي تكون معاقبته زجريًا غير ممكنة (كما لو كان مصابًا باضطراب عقلي). أما فيما يخص عدم أهمية كون الأشياء المصادرة مملوكة للغير، فمن الواضح أن الغير نفسه يكون بصفة عامة مخالفًا للقانون، وبالتالي ليس له الصفة للمطالبة بملكية هذه الأشياء أو الأدوات”([8]).

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أنه في حالة المصادرة العينية للأشياء كتدبير وقائي لابد من مراعاة ظروف المالك الحقيقي في بعض الحالات، فلا تصادر عنه أشياءه، فمثلًا محل مجوهرات سُرِقَ منه مجموعة من المجوهرات مثلًا؛ فيجب أن ترد إليه إذا ضبط السارق وتبين أن المال المسروق عائد إليها. وتاجر الأسلحة الذي تسرق منه بعض البنادق أو الرصاص من متجره يجب ألا يضيع عليه حقه في حالة ما إذا ضبط المسروق منه إذ يجب رده إليه، وهذا بناءً على ما نصت عليه (المادة 43): “1. الرد، عبارة عن إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل الجريمة، وتحكم المحكمة بالرد من تلقاء نفسها كلما كان الرد في الإمكان. 2. تجري الأحكام المدنية على رد ما كان في حيازة الغير”؛ ذلك أن المالكين للأشياء السابقة سواء الأسلحة أو المواد المخدرة كان ملكيتهم لها ثابتة ومرخص بها، أي قانونية.

3.     عقوبة المصادرة بوصفها بديلًا لعقوبة الغرامة:

يمكن أن تكون المصادرة العينية في بعض التشريعات كقانون العقوبات الإدارية الإيطالي بديلًا للغرامة النقدية، وذلك عند عدم مقدرة المتهم على أداءها.

سادسًا: عقوبة المصادرة في التشريع الأردني

يتعين التعرض لعقوبة المصادرة كعقوبة لمجموعة من الجرائم، ونخص بالذكر جرائم الاتجار بالمخدرات وجرائم المال العام، وذلك فيما يلي:

1.     جريمة الإتجار بالمخدرات:

حرص المشرع الأردني على تنظيم مصادرة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية والمستحضرات والأموال المتحصلة نتيجة ارتكاب أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية.

فأجازت (المادة 21/د) من القانون سالف الذكر للنائب العام أن يُقرر مصادرة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية في الأحوال التي يتقرر فيها عدم إحالة ملف الدعوى بنصها على أن: “في الأحوال التي يتقرر فيها عدم إحالة ملف الدعوى لأي سبب للنائب العام أن يقرر مصادرة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية و…و….، التي ينتج عنها أي مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية وبذورها وزيوتها والأدوات الأجهزة والآلات والوسائل والمواد والأوعية المستعملة ووسائل النقل وجميع الأموال المنقولة وغير المنقولة والبرامج وأنظمة التشغيل وإغلاق وإلغاء توقيف أو تعطيل عمل أي نظام معلومات أو موقع إلكتروني أو وسيلة نشر أو إعلام استخدم أي منها في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وذلك دون إخلال بحقوق الغير حسن النية”.

كما أجازت لها أن تحقق في مصادر الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة للمشتكي عليه في أي من الجنايات المنصوص عليها في القانون سالف الذكر ولها أن تقرر الحجز التحفظي على هذه الأموال وللمحكمة أن تقرر مصادرتها سندًا (للمادة 21/ب) بنصها على أن: “للنيابة العامة أن تُحقق في مصادر الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة للمشتكي عليه في أي جناية من الجنايات المنصوص عليها في هذا القانون …. ولها أن تقرر الحجز التحفظي على هذه الأموال وللمحكمة أن تقرر مصادرتها”.

وأجازت للنيابة العامة أو المحكمة إلقاء الحجز التحفظي على أموال الغير متى اتضح لأي منهما أن هذا المال قد تحصل نتيجة لارتكاب أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في القانون السابق، وذلك بناءً على ما نصت (المادة 21/ه) من القانون سالف الذكر بنصها على أن: “للنيابة العامة أو المحكمة بعد إحالة القضية إليها وبناء على طلب النيابة العامة إلقاء الحجز التحفظي على أموال الغير سواء أكانت هذه الأموال موجودة داخل المملكة أم خارجها، إذ لا بدا لأي منهما أن المال قد تم الحصول عليه نتيجة ارتكاب أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون إلى حين استكمال إجراءات التحقيق أو الفصل في الدعوى وللمحكمة أن تقرر مصادرتها”.

وقد أحسن المشرع الأردني صنعًا بمنحه الحق للنيابة العامة أو المحكمة في إلقاء الحجز التحفظي على أموال المتهم وأصوله وفروعه وزوجه إلى حين استكمال إجراءات التحقيق أو الفصل في الدعوى، سندًا (للمادة 21/ ج) من القانون سالف الذكر بنصها على أن: “للنيابة أو المحكمة بعد إحالة القضية إليها وبناء على طلب النيابة العامة، إلقاء الحجز التحفظي على أموال المتهم في أي جناية من الجنايات المنصوص عليها في هذا القانون وأصوله وفروعه و…. ومنعهم من السفر إلى حين استكمال إجراءات التحقيق أو الفصل في الدعوى وللمحكمة أن تقرر مصادرتها”.

وأما فيما يتعلق بمصير المواد المخدرة والمؤثرات العقلية محل المصادرة فقد نص المشرع الأردني على إتلافها أو تسليمها إلى أي جهة حكومية للانتفاع بها في الأغراض العلمية أو الصناعية أو الطبية سندًا لنص (المادة 22) من نفس القانون.

2.     جرائم المال العام:

نصت (المادة 8) من قانون النزاهة ومكافحة الفساد على أن: “يتولى المجلس([9]) المهام والصلاحيات التالية: د. للمجلس المساهمة في استيراد الأموال المتحصلة عن أعمال الفساد سواء كانت الأموال داخل المملكة أو خارجها وتسليمها لمستحقيها وفق التشريعات ذات العلاقة”.

سابعًا: دور عقوبة المصادرة

لعقوبة المصادرة دور هام سواء فيما يتعلق بمكافحة الجريمة، وتحقيق المصالح العامة التي تعود بالنفع إلى الفرد والمجتمع، بل وتحقيق المصالح الفردية أيضًا، ونتناول فيما يلي دور المصادرة وذلك على النحو التالي:

1.     مكافحة الجريمة:

“ولما كان جوهر المصادرة يتمحور في تجريد المجرمين من الاستمتاع واستغلال عائداتهم الإجرامية، فإنها تعد من الوسائل الفعالة في المكافحة، ذلك أنها تلعب دورًا مزدوجًا؛ إذ تهدف من ناحية عقاب مقترف الجريمة؛ ومن ناحية أخرى إلى تصحيح أو معالجة الأوضاع التي تخلفها الجريمة المالية، فإذا ما صودرت أموال الشبكات الإجرامية، فإنها تكون سببًا في تفكيك عناصر المنظمة الإجرامية، وعنصرًا رادعًا لمن يرغب في الإقدام على اقتراف جرائم مالية، فضلًا عن مساهمتها في توفير مصادر مالية لخزانة الدولة لتستثمر فيما يعود بالنفع على المجتمع”([10]).

2.     المصادرة لتحقيق المصالح الفردية:

المقصود من هذه المصادرة نزع الملكيات الخاصة من قبل الدولة تحقيقًا لمصلحة فردية أخرى، وذلك عند تعارض المصلحتين، وظهور أن المصلحة الأخرى أقواهما، وهي أولى بالعناية والاعتبار، والأكثر درءًا للمفسدة، كما في مصادرة مال المدين، والعين المرهونة، ومصادرة العقار ورده إلى الشفيع، وبيع الأشياء التي لا تقسم أو في قسمتها ضرر.

3.     المصادرة لتحقيق المصالح العامة:

“في هذا العنصر نتناول المصادرة من قِبل الدولة لأجل مصلحة عامة تعود بالنفع إلى الفرد والمجتمع كتوسيع طريق أو إنشاء مستشفى أو غيرها وتعود ملكية الأراضي التي يجري عليها الإصلاح في أرض تعود إلى بعض الأشخاص فهل يحق للدولة نزع هذه الأراضي ومصادرتها من أصحابها جبرًا عليهم عند امتناعهم من بيعها؟ في ذلك تكلم الفقهاء وأجازوا للدولة المصادرة حيث يقول الدكتور وهبة الزحيلي ما نصه: (إذا كان المبدأ العام في الإسلام هو الاعتراف بالملكية الفردية وبالحرية الاقتصادية كما أوضحت، فإنه لا مانع من تدخل الدولة لحماية مصلحة الأمة في وقت معين، بأن تتخذ من التدابير ما تجده محقًا للصالح العام، بناء على المبدأ المعروف في الإسلام بالاستحسان والمصالح المرسلة، وقواعد دفع الضرر العام، وأنه يتحمل الضرر الخاص من أجل دفع الضرر العام)”([11]).

ثامنًا: إشكاليات تنفيذ الحكم القاضي بالمصادرة

يثير تنفيذ الحكم القاضي بالمصادرة عدد من الإشكاليات لعل من أهمها غموض الأحكام القضائية، وصعوبة تحديد الأموال محل المصادرة. وفيما يلي بيان لهذه الإشكاليات بشيء من التفصيل، وذلك على النحو التالي:

1.     غموض الأحكام القضائية:

يؤدي الحكم البات بالمصادرة إلى انتقال الأشياء محل المصادرة إلى ملكية الدولة، دون الحاجة لأية إجراءات خاصة، نظرًا لأن الحكم هو سند الملكية، وتتولى إدارة أملاك الدولة عملية بيع الأشياء المصادرة، فهي تتصرف فيها على النحو الذي تراه ملائمًا سواء ببيعها وإدخال ثمنها إلى خزينة الدولة أو الانتفاع بها أو التصرف فيها بأي وجه من أوجه المنفعة لمختلف مرافقها.

بيد أن الأمر لا يخلو من تعقيدات وصعوبات على مستوى التطبيق، إذ تصطدم العديد من الأحكام القضائية في هذا الصدد بعراقيل من حيث التنفيذ، ومن جملة ذلك صعوبة التنفيذ بسبب غموض وعدم وضوح الأحكام القضائية، التي من شأنها المساس بفعالية عقوبة المصادرة من جهة، وكذا بحقوق الأفراد من جهة أخرى، إذ أحيانًا تصطدم إدارة أملاك الدولة عند تنفيذها لأحكام المصادرة بغموض القرارات والأحكام؛ مما يجعلها تطلب تفسيرها من لدى المحاكم المصدرة لها.

2.     صعوبة تحديد الأموال المصادرة:

من شروط توقيع عقوبة المصادرة أن يكون المال المراد مصادرته معينًا، أي أن يكون مصدر ونوع وقيمة المال المراد مصادرته لفائدة الدولة محددًا، إذ يُعد تعيين المال من الأمور الواجب مراعاتها عند الحكم بعقوبة المصادرة، فلا يجوز أن يصدر حكمًا بالمصادرة عامًا دونما تحديد للمال المراد مصادرته مسبقًا، سواء كان منقولًا أو عقارًا.

ولكن يثور في هذا الصدد تساؤل هام بشأن مدى ضرورية أن يكون المال المحكوم بمصادرته محجوزًا عليه، أم أنه يجوز الحكم بالمصادرة ولو لم يكن هناك أي إجراء تقييدي للمال سواء بالحجز أو غيره من الإجراءات المقيدة لحركة الأموال.

وفي هذا الإطار نجد أن (المادة 21/ ب) من قانون المخدرات قد منحت النيابة العامة الحق في التحقق فيما إذا كان مصدر الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة للمشتكي عليهم أحد الأفعال المحظورة بموجب قانون المخدرات، ولها في ذلك أن تقرر الحجز التحفظي.

تاسعًا: مقترحات لتذليل العقبات التي تواجه تنفيذ الحكم القاضي بالمصادرة

يتطلب تحقيق الدور المرصود للمصادرة كعقوبة في مكافحة الجرائم المالية توفير نظام قانوني مُحكَم للتصدي لهذه النوعية من الجرائم، فبدايةً يستلزم الأمر تحديدًا دقيقًا للأموال المتحصلة من الجرائم والمراد مصادرتها، من خلال سلسلة من المراحل والإجراءات، حيث يتم مباشرة العملية بتحديد الذمة المالية للمتابع بشأن الجريمة المالية، وتتبع مكانها، وكذا التوسع في مفهوم الأموال غير المشروعة ونطاقها، حتى لا تنحصر في نطاق محدود من شأنه الحد من المكافحة، انتهاءً بوضع اليد عليها ومصادرتها.

وبالإضافة إلى ما سبق يتعين تذليل العقبات والعراقيل القانونية التي تلي النطق بالعقوبة، والتي قد تكون سببًا وراء إفلات العديد من الأموال غير المشروعة من المصادرة، كما هو الشأن للحالات التي تسقط فيها العقوبة؛ مما يؤدي إلى هروب الأموال غير المشروعة من يد العدالة، فضلًا عن ضرورة تدعيم التعاون الدولي الذي لا غنى عنه من أجل تفعيل دور عقوبة المصادرة في المكافحة؛ حتى لا يكون عثرةً أمام توقيع عقوبة المصادرة.

عاشرًا: التعاون الدولي في مجال تنفيذ عقوبة المصادرة

“مما لا جدال فيه أن محترفي تجارة المخدرات وغسل الأموال يستعينون بعصابات إجرامية موزعة في شتى بقاع العالم؛ مما يضفي صفة الجريمة المنظمة عبر الوطنية على كل من جريمة غسيل الأموال وتجارة المخدرات، كما أنه من المؤكد حتمًا أنه لن تستطيع أي دولة منفردة أن تصل إلى متحصلات وعائدات هذه الجرائم على اعتبار أنها غالبًا ما تكون موزعةً بين مجموعة من الدول، مما يفرض تعاونًا دوليًا حتى لا يتسنى للمجرمين المحترفين العودة إلى إجرامهم بعد قضائهم فترات العقوبة السالبة للحرية([12]).

“وفي هذا الإطار فإن المنظومة الدولية عنت بإصدار مجموعة من الاتفاقيات الدولية لرسم معالم مكافحة الجريمة المالية والجريمة المنظمة، وأولت عناية فائقة للمصادرة باعتبارها من العقوبات الفعالة في مكافحة الجريمة المالية المنظمة، وذلك بتخصيصها لمقتضيات تخص نطاق المصادرة وحدودها والتعاون الدولي بشأنها ثم كيفية التصرف العائدات المصادرة. وتتمثل أهم الاتفاقيات الدولية في كل من اتفاقية الأمم المتحدة للاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية المسماة باتفاقية فيينا، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المسماة باتفاقية باليرمو، ثم اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المعروفة باتفاقية ميريدا”([13]) واتفاقية الرياض للتعاون القضائي. ومما لا شك فيه أن هذا التعاون الدولي قد ساهم إلى حد كبير في قطع الطريق على محترفي الإجرام من الاستفادة من عائدات جرائمهم.

الحادي عشر: هل يمتد العفو العام ليشمل عقوبة المصادرة؟

يزيل العفو العام حالة الإجرام من أساسها، ويمكن أن يصدر بالدعوى الجنائية قبل اقترانها بحكم أو بعد صدور الحكم بها بحيث يُسقط كل عقوبة أصلية كانت أم فرعية، ولكن العفو العام لا يمنع من نفاذ الحكم الصادر بالالتزامات المدنية، كما لا ترد الغرامات والرسوم المستوفاة والأشياء المصادرة؛ لذا فإن العفو العام لا يشمل عقوبة المصادرة.

الثاني عشر: السوابق القضائية الخاصة بعقوبة المصادرة

لقد ورد في الحكم رقم (2977) لسنة 2021م الصادر من محكمة التمييز بصفتها الحقوقية بتاريخ 4/10/2021م  بما نصه:  “2- يعاقب على التهريب بمُصادرة البضائع موضوع التهريب أو الحكم بما يعادل قيمتها مشتملة على الرسوم الجمركية والضريبة على المبيعات العامة والخاصة والرسوم والضرائب الأخرى عند عدم حجزها أو نجاتها من الحجز ، وفقًا لأحكام المادة (206/ج) من قانون الجمارك وتعديلاته، وحيـث إن المصـادرة تقـع علـى البضاعة الموجـودة لـدى الـدائرة والتـي تكـون محجـوزة وأن الحكـم بالبـدل يكـون فـي حالـة نجـاة البضاعة مـن الحجـز أو عـدم حجزهـا وحيـث إن دائـرة الجمـارك قامـت بحجـز البضـاعة ومـن ثـم إتلافهـا وبالتـالي أصـبحت غيـر موجـودة وشـروط الحكـم بـبـدل غيـر مـتـوافرة. 3- يُعد القرار قانونيًا في حال كان مستجمعًا لمقوماته ومشتملًا على أسبابه وخاليًا من مخالفة القانون أو الخطأ في التطبيق، عملًا بأحكام المادة (274) من قانون أصول المحاكمات الجزائية”.

وكذلك ما ورد في الحكم رقم (1576) لسنة 2009م الصادر من محكمة التمييز بصفتها الحقوقية بتاريخ 22/11/2009م بما نصه: ” ولا يرد القول بأن فعل المتهم يشكل جنحة نقل مادة مخدرة خلافًا لأحكام المادة 7 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية للأسباب المبينة أعلاه. 2. يستفاد من المادة 15/1 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية أنها أوجبت مصادرة المواد المخدرة ووسائل النقل المستخدمة في ارتكاب الجريمة. وحيث أن السيارة العائدة للمتهم قد تم إعداد مخابئ سرية فيها في تنك البنزين وتم استخدامها في نقل مادة الحشيش المخدر المضبوط فإن مصادرتها جاءت تطبيقًا لصحيح القانون”.

وما ورد في الحكم رقم (4429) لسنة 2018م الصادر من محكمة التمييز بصفتها الحقوقية بتاريخ 30/1/2019م بما نصه: “3- استقر قضاء محكمة التمييز على أن المصادرة تعتبر عقوبة عينية كما هو مبين من خلال نص المادة (31) من قانون العقوبات، أي أنها تنصب على المال الذي تعتبر حيازته غير مشروعة فإذا لم يتم ضبط المال فلا مصادرة”.

([1]) سعد بن عجيبة، عقوبة المصادرة في التشريع المغربي، (ص87).

([2]) سعد بن عجيبة، عقوبة المصادرة في التشريع المغربي، (ص87).

([3]) مازن إسماعيل مصباح هنية، العقوبة بمصادر الأموال، (ص147).

([4]) أ. د. فائق محمود الشماع وآخرون، الأساس القانوني للعقوبات الإدارية.

([5]) د. حاتم عبد الله شويش، المصادرة وتطبيقاتها بين الشريعة والقانون، (ص340)

([6]) د. زكية عومري، مدى فعالية المصادرة في مكافحة جرائم ذوي الياقات البيضاء، (ص76).

([7]) سعد بن عجيبة، عقوبة المصادرة في التشريع المغربي، (ص89).

([8]) سعد بن عجيبة، عقوبة المصادرة في التشريع المغربي، (ص 90).

([9]) مجلس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد المنشأة بمقتضى أحكام هذا القانون.

([10]) د. زكية عومري، مدى فعالية المصادرة في مكافحة جرائم ذوي الياقات البيضاء، (ص76).

([11]) د. حاتم عبد الله شويش، المصادرة وتطبيقاتها بين الشريعة والقانون، (ص335).

([12]) سعد بن عجيبة، عقوبة المصادرة في التشريع المغربي، (ص92-93).

([13]) د. زكية عومري، مدى فعالية المصادرة في مكافحة جرائم ذوي الياقات البيضاء، (ص76- 77).

الرئيسية
إختصاصات
مقالات
واتساب
إتصال
error: المحتوى محمي !!